عرض مشاركة واحدة
قديم 12-31-2011, 08:31 AM   #3
مراقب عام القسم التاريخي


السوقي الأسدي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 45
 تاريخ التسجيل :  Feb 2009
 أخر زيارة : 07-18-2016 (12:24 PM)
 المشاركات : 1,152 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: فصول من حياتي



المعلقة الثامنة والعشرون:


المعنونة بعنوان:

تحرير ما أشكل من جمل المتن بتصويبات نهج السوقيين البعيد عن الحروب الجاهلية وحميتها ومساقط شظايا الفتن

المقدمة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله الذي يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، أفمن كان على بينة كمن هو أعمى العمي الذميم.
سبحان من يضل من يشاء، ومن أضل ممن اتبع هواه فضل سبيل الهدى ـ بعد مشيئة الله العدل ـ كما يشاء.
وأشهد أن محمدا رسول الله النبي الرحيم بأمته الرءوف، من نطق بوحي يوحى في بيان كل خير، وبيان كل شر البيان الصحيح الصريح الموصوف.
صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه، خير من تعلم، وعلم، واتعظ، ووعظ، وتخوف، وخوف، وتبلغ، وبلغ، وتحذر، وحذر، وتذكر، وذكر، ورغب فيما عند الله ورغّب، ورغب عن الدنيا، ورغب.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
((ومن قتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم)).

التمهيد:

إن مما ينبغي التناصح فيه اتقاء جانب المسلم عرضاً ومالاً مقدماً دما.
عربياً كان أو عجمياً ذكراً وأنثى فليتقى جانبه فهو من حمى الله فأعظم به حمى.
وسأتناول في هذه الجمل، جمرات ليرى لهبها هل يطاق المساس به يا قومي فما العمل.
أو ليس زوال الدنيا كلها أهون عند الله من إراقة دم امرئ مسلم، فما أعظمها من حصانة محكمة، وأشد من حرمة هذا الدم.
وللبخاري من حديث الأحنف عن أبي بكرة ـ رضي الله عنهما ـ فقال...:
سمعت رسول الله ـ صلى الله ـ يقول: إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار، فقلت ـ قيل ـ: يا رسول الله، هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه أراد قتل صاحبه.

التوطئة:

وفي هذه العجالة، نتناول بعض النصوص النبوية، صحيحها وحسنها، وهي مما رويناها بأسانيد موصولة إلى أرباب مصنفاتها، منهم إلى شيوخ أسانيد مصنفاتهم.
أرويها عن طريق شيوخي بإجازات مسندي بعض المغاربة والمشارقة ـ ولله الحمد والمنة ـ الذين منهم.
فضيلة الشيخ الدكتور عبد الله بن صالح العبيد في إجازات عامة وخاصة، التي منها إجازته لنا كتاب: أحاديث الفتن والحوادث. تأليف شيخ الإسلام المجدد محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله تعالى ـ طبعة: دار الإمام أحمد ـ نسخة مصورة من المطبوع، وزعت على طلبة دورة، وأنا منهم في: جامع عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ في شهر الله المحرم 1433هـ
وكانت الدورة من بعد صلاة الظهر، يوم الخميس، إلى بعد صلاة العشاء، مع مشايخ عدة منهم بعض هيئة كبار العلماء، وأصحاب الفضيلة المشايخ من الدكاترة ـ أجزل الله لهم الأجر والمثوبة ـ والدورة كلها في الفتن، ومنهج السلف الصالح فيها...
هذا ولقد استهل شيخنا المسند الدكتور عبد الله العبيد ـ حفظه الله ـ بذكر شيوخه المسندين له هذا الكتاب إلى مؤلفه من رواته عنه...
ولقد طرز قراءة أحد طلاب العلم الكتاب عليه بدرر من لطائف التعليقات سنداً ومتناً، فلنشر درر ذلك مكان يناسبه فيما بعد مع ما شاكله ـ بإذن الله ـ وأنا أسمع...
لكن المهم هنا، هو عرض منتخبات من أحاديث الفتن من الكتاب نفسه، على طريقة الإيجاز والاختصار.
وسقت تصحيحات وتحسينات بعض النصوص من محقق الكتاب إتماما للفائدة.
قلت فمن أحاديث الكتاب ما تقدم في التمهيد، إضافة إلى ما يلي عرضه ـ بإذن الله.
أخرج البخاري ومسلم عن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال: أيكم يحفظ حديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ((في الفتن)) قال حذيفة: فقلت: أنا.
فقال: إنك لجريء. قال: كيف. قال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول فتنة الرجل في أهله، وولده، وجاره، تكفرها الصلاة، والصيام، والصدقة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
فقال عمر: ليس هذا أريد، وإنما أريد التي تموج موج البحر، قال مالك ولها يا أمير المؤمنين؟ إن بينك وبينها بابا مغلقا.
قال أيفتح الباب أم يكسر؟ قال: بل يكسر. قال: ذلك أجدر أن لا يغلق....

الموضوع:

وقد تناولت جمراته الملتهبة بمحجن من نصوص واق، إلاّ أنه يمس لهب الجمرات الحراق.
لهب الجمرة الأولى: عظم آثام الفتن:
ولمسلم عن عمرو بن العاصي ـ رضي الله عنه ـ أن رسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: إنه لم يكن نبي قبلي إلاّ كان عليه أن يَدلّ أمته خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم، وإن أمتكم هذه جعلت عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تُنكر، فتجيء فتنة، فيفرق بعضها بعضا، وتجيء الفتنة، فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، وتجيء الفتنة، فيقول المؤمن: هذه هذه، فمن أحب أن يزحزح عن النار، ويدخل الجنة، فلتأته منيته، وهو يؤمن بالله، واليوم الآخر، وليأت للناس الذي يحب أن يؤتى إليه، ومن بايع إماما، فأعطاه صفقة يده، وثمرة قلبه، فليطعه ما استطاع، فإن جاء آخر ينازعه، فاضربوا عنق الآخر.
لهب الجمرة الثانية: وجوب الفرار منها:
ولأبي داود من حديث حذيفة ـ رضي الله عنه ـ: قلت: يا رسول الله، أبعد هذا الخير من شر؟ قال: يا حذيفة، تعلم كتاب الله واتبع ما فيه، ثلاث مرات، قلت: رسول الله، هل بعد الخير من شر؟ قال: فتنة عمياء عليها دعاة على أبواب النار، فإن مت يا حذيفة، وأنت عاض على جذل ـ أصل الشجرة ـ خير لك من أن تتبع أحدا منهم.
حسنه الألباني ـ رحمه الله.
ولابن ماجه من حديث محمد بن مسلمة، فقال: إن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: إنها ستكون فتنة وفرقة واختلاف، فإذا كان كذلك، فات بسيفك أُحدا فاضرب به، حتى ينقطع، ثم اجلس في بيتك، حتى تأتيك يد خاطئة، أو ميتة قاضية.
صححه الألباني ـ رحمه الله.
ولأبي داود من حديث أبي موسى ـ رضي الله ــ قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: إن بين يدي الساعة فتنا، كقطع الليل المظلم....
القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي.
فكسّروا قِِسيَّكم، واقطعوا أوتاركم، واضربوا بسيوفكم الحجارة، فإن دخل على أحد منكم فليكن كخير ابني آدم.
صححه الألباني ـ رحمه الله.
وللنسائي من حديث ابن عمرو ـ رضي الله عنه ـ فقلت: ما ذا أصنع؟ قال: الزم بيتك، وأملك عليك لسانك، وخذ ما تعرف، ودع ما تنكر، وعليك بأمر خاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة.
صححه الألباني ـ رحمه الله.
ولمسلم عن معقل بن يسار ـ رضي الله ـ: عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: العبادة في الهَرج كهجرة إليّ.
لهب الجمرة الثالثة: عظم جرم القرب منها:
ولمسلم من حديث أبي بكرة ـ رضي الله عنه ـ: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: إنها ستكون فتن القاعد فيها خير من الماشي....
ألا إذا نزلت أو وقعت، فمن كان له إبل فليحلق بإبله، ومن كانت له غنم، فليلحق بغنمه، ومن كانت له أرض، فليلحق بأرضه.
فقال رجل: يا رسول الله، أرأيت من لم يكن له إبل، ولا غنم، ولا أرض، قال: يعمد إلى سيفه، فيدق عليه بحجر، ثم لينج إن استطاع النجاة، اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت.
فقال رجل: يا رسول الله،أرأيت إن أكرهت حتى ينطلق بي إلى أحد الصفين، أو أحد الفئتين، فيضربني رجل بسيفه، أو يجئ سهم فيقتلني، قال: يبوء بإثمك، وإثمه، فيكون من أصحاب النار.
ولأبي داود من حديث أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يا أبا ذر...
كيف أنت إذا رأيت أحجار الزيت قد غرقت بالدم؟ قلت: ما خار الله لي ورسوله، قال: عليك بمن أنت منه.
قلت: يا رسول الله، أفلا آخذ سيفي فأضعها على عاتقي؟ قال: شاركت القوم إذن. قال، قلت:فما ذا تأمرني؟ قال: تلزم بيتك. قلت: فإن دخل علي بيتي؟ قال: فإن خشيت أن يبهرك شعاع السيف، فألق ثوبك على وجهك، يبوء بإثمك، وإثمه.
لهب الجمرة الرابعة: خطر اللسان في نفخ كير الفتن:
وللبخاري ومسلم من حديث حذيفة ـ رحمه الله ـ: وفيه دخن، قال قلت:
وما دخنه، قال: قوم يستنون بغير سنتي، ويهدون بغير هديي، تعرف منهم، وتنكر...
دعاة على أبواب النار، من أجابهم إليها قذفوه فيها.
سد الذائع: في البعد واتقاء أسباب ما بطن من الفتن وما هو ظاهر الواقع:
ولأحمد في مسنده، من حديث أبي بكرة ـ رضي الله عنه ـ:
قال أتى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على قوم يتعاطون سيفا مسلولاً.
فقال: لعن الله من فعل هذا، أو ليس قد نَهيت عن هذا.
ثم قال: إذا سلّ أحدكم سيفه، فنظر إليه، فأراد أن يناوله أخاه، فليغمده، ثم يناوله إياه.
حسنه الألباني ـ رحمه الله.
جُنة الجمرات: الفرار من نار الفتن إلى روضات الجَنات:
ولأبي داود من حديث المقداد ـ رضي الله عنه ـ مرفوعا: إن السعيد لمن جنب الفتن، إن السعيد لمن جنب الفتن...
صححه الألباني ـ رحمه الله.
شد أحبال التنسك زمن الفتن بالعض على الكتاب والسنة أصل التمسك
قلت ـ بادئ ذي بدء ـ: إن التأمل في الفتن، يوقفك على حقائق خطر عظيم خاصة في المجتمع الإسلامي، الذي تبدأ شررته بين شخصين، أو ما في معنى الجماعة كاثنين، أو جماعة غير منحصرة العدد...
فيسول الشيطان في قلوب الناس ـ إلاّ من رحم الله ـ أنواعاً من الفتن، فيمليها عليهم بألوان من الضلال والشبه، ليوقعهم مكراً بهم في ذنب، قال الله في عظم شأنه: والفتنة أشد من القتل.
ومن أصدق من الله قيلاً.
فلذلك جاءت نصوص الوعيد في حق جرم الفتن، ليتقيها المتقون الخاشعون، الذين وفقوا تمام التوفيق في أن لا يقدمون هواهم على مراد الشارع، فلسانهم في كل جيل: سمعنا وأطعنا غفراك ربنا وإليك المصير.
هذا ولقد جعل الله مخرجا حسنا رحمة منه وفضلا: ((إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون))
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
((وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين)).
قال الإمام القرطبي ـ رحمه الله:
((وإن طائفتان)) والطائفة: تتناول الرجل الواحد، والجمع، والاثنين...
قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: الواحد فما فوق، والطائفة من الشيء القطعة منه...
((فأصلحوا بينهما)). بالدعاء إلى كتاب الله لهما أو عليهما...
((فإن بغت إحداهما على الأخرى)). تعدت ولم تجب إلى حكم الله وكتابه، والبغي: التطاول والفساد.
((فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله)). أي: ترجع إلى كتابه.
((فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل)). أي: احملوهما على الإنصاف.
((وأقسطوا)). أيها الناس فلا تقتتلوا...
((إن الله يحب المقسطين)). أي: العادلين المحقين.
الجامع لأحكام القرآن
مطالع ظلمات الفتن، ونور الهداية المخرج الحسن:
قال القرطبي ـ رحمه الله تعالى ـ في مصابيح المعقول من المنقول ـ الجامع ... اللامع:
الثانية ـ قال العلماء: لا تخلوا الفئتان من المسلمين في اقتتالهما.
· أن يقتتلا على سبيل البغي منهما جميعا، أو لا.
فإن كان الأول فالواجب في ذلك أن يمشى بينهما بما يصلح ذات البين، ويثمر المكافّة والموادعة.
فإن لم يتحاجزا، ولم يصطلحا وأقامتا على البغي صِير إلى مقاتلتهما.
· وأما إن كان الثاني، وهو أن تكون إحداهما باغية على الأخرى، فالواجب أن تقاتل فئة البغي إلى أن تكف وتتوب.
فإن فعلت أصلح بينها وبين المبغَّى عليها بالقسط والعدل.
· فإن التحم القتال بينهما لشبهة دخلت عليهما، وكلتاهما عند أنفسهما محقة، فالواجب إزالة الشبهة بالحجة النيرة والبراهين القاطعة على مراشد الحق.
فإن ركبتا متن اللجاج، ولم تعملا على شاكلة ما هُدِيتا إليه ونُصِحتا به، من اتباع الحق، بعد وضوحه لهما، لحقتا بالفئتين الباغيتين....
الثامنة:..قال الزمخشري: فإن قلت: لم قرن بالإصلاح الثاني العدل دون الأول؟ قيل: لأن المراد بالاقتتال في أول الآية أن يقتتلا باغيتين، أو راكبتي شبهة، وأيتهما كانت، فالذي يجب على المسلمين، أن يأخذوا به في شأنهما إصلاح ذات البين، وتسكين الدهماء بإراءة الحق، والمواعظ الشافية، ونفي الشبهة، إلا إذا أصرتا فحينئذ تجب المقاتلة....
السراج المنير من معقول النقل الأنير:
الثالثة: في هذه الآية دليل على وجوب قتال الفئة الباغية، المعلوم بغيها على الإمام، أو على أحد من المسلمين...
قال الطبري: لو كان الواجب في كل اختلاف يكون بين الفريقين الهربَ منه، ولزوم المنازل، لما أقيم حد، ولا أبطل باطل، ولوجد أهل النفاق والفجور سبيلا إلى استحلال كل ما حرم الله عليهم من أموال المسلمين، وسبي نسائهم، وسفك دمائهم، بأن يتحزبوا عليهم، ويكف المسلمون أيديهم عنهم، وذلك مخالف لقوله ـ عليه السلام ـ: خذوا على أيدي سفهاؤكم.
شدة قبضة المسك، في ختام المعقول الفواح المسك:
الرابعة: قال القاضي أبو بكر بن العربي: هذه الآية أصل في قتال المسلمين، والعمدة في حروب التأويل.
أنوار الشروق على....أهل السوق:
أورد الأديب الأستاذ الفاضل السوقي الخرجي الشاعر، الجميل الآثار في تلك المشاعر:
دررا تذكر فتعطر ثم تنشر، منها قصيدة الشيخ العلامة الكنتي التي من معينها:
وأنشدت بعض ما في الود نحفــــظ قد**ولىّ به الجد آل السوق من رتب
فقلت لو كنت وال النار ما حـــــرقت**كـــلبا لهم نجنا وهاب من لــــهب
يا واسع الفضل آل السوق ما حرقت**نار ولا من أووا من كل منـــتسب
من قصيدة الشيخ العلامة ابن بادي الكنتي في حق جلالة آل السوق ـ رحم الله السلف وبارك في الخلف.
آن لأبي حنيفة ـ رحمه الله ـ أن يمد رجليه:
إن من وراء مد أبي حنيفة، القول في أن من تغبر بغبار الفتن فمات فيها مات ميتة الجيفة.
وعودا من بدء: إن من أثنى على آل السوق من العلماء، فضلاً العامة، يقال في ثنائهم مثل مقالة الشاعر:
الناس أكيس من أن يمدحوا رجلا**ما لم يروا عنده آثار إحسان
فما نالوا ذلك، إلاّ بعد أن ظهر عليهم ما لهج به ألسنة أهل الثناء عليهم، كما سقنا المقيس عليه.
وليعلم أن القوم لو كانوا غير متمسكين بخير هدي ما بلغهم به علمه، لما برهم بالثناء العامة بذلك، فضلا عن الخاصة من العلماء...
هذا قل أيضا: لو كان أمر هذا الثناء من التبرع عليهم، لما كانوا ممن خصص بهذا التبرع الجليل الجميل، دون من سواهم من العامة، فضلاً الخاصة من علماء المنطقة، فعلم بذلك، أن ذلك مما دعا إليه سعيهم العلمي، والورعي والتنسكي والتمسكي بما وقفوا عليه مما يدعو إليه دين المكارم الحسان العظام، دين الإسلام.
لذا فلتتحرر ـ يا أجيال آل سوق العلم والفضل والورع والتقوى من كل شيء ـ إلاّ في العلم الشرعي والتقوى.
وليعلم أن سلفهم ما نال العلى من المكارم الدينية والاجتماعية، إلاّ بتطبيق ما بلغهم من العلم الذي بسببه هدوا إلى ما هدوا إليه من الهدى، الذي تظاهر ثناء الأنام عليهم من ذكر الخاصة ـ لهم بخير ذكر ـ العلماء ـ والعامة، في أفق من يعرفهم.
خاصة في معرض البعد الشديد عن الفتن الجاهلية الحروب، المتنوعة الشبه والمتفاوتة ضلالات الضروب.
ومع ذلك فبتمسكهم بتعليم ما بلغهم من تعاليم دين الإسلام ـ الدين الحنيف ـ تميزوا تميز النجاة من الفتن.
حتى بلغوا مضرب مثل أسطوري رائع.
فما أجله وما أفضله، وما أصوبه وأجمله: قال المثل الجليل الرائع: إنه وقع بين رجلين من آل سوق العلم والورع ما يقع بين الناس من الشجار، فافترقا تفرق الأتقياء، ثم إن الآخر سول له الشيطان، أن يجعل التراب في إناء، ثم يجعل السكين في التراب منصوبا، ثم وضع الإناء المنصوب فيه السكين عند رأس من تغاضب معه، ثم انصرف آثماً.
لأن النائم المغضوب عليه من قبل الآخر، لما استيقظ ورأى السكين وسط تراب الإناء منصوبا مات من حينه خوفا من هول ذلك الصنيع المنكر.
إنه بالفعل حكاية أسطورية تدل على اتقاء القوم دم المسلم....
وذلك أن الجاني استعمل أخف أنواع الانتقام المشعر بغضبه، من غير مباشرة أسباب جريمة القتل الفعالة في حد نظره المخطئ الاجتهاد...
وأما المنجي عليه فإنه لما رأى ما يدل على تعدي حدود الله في جرائم الفتن البشرية بتلك الجرأة الهينة في نظر الجاني العظيمة في نظر المجني...
لما من مستنداته الحديث السابق وما في معناه:
أتى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على قوم يتعاطون سيفا مسلولاً.
فقال: لعن الله من فعل هذا، أو ليس قد نَهيت عن هذا.
لذا فليكن آل السوق وغيرهم من المسلمين، من الطائفة الصالحة في نفسها المصلحة إن بدت بادرة من الفتن في مجتمعاتهم.
ففضلنا جميعاً ـ معشر السوقيين ـ بالعلم والتقوى، التي منها:
اتقاء الفتن صغيرها وكبيرها، ولنكن كما كان أوائلنا فيها المضروب بهم المثل الأسطوري السابق الجليل، بل فلن نكن أشد حزما في اتقاء الفتن من المثل الأسطوري...
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى.
هذا أمر، وأمر آخر:
أن السوقيين موقفهم في فتن أفقهم موقف المصلحين، بين العامة والخاصة، وهو مستفاض مشهور متواتر عصرا عصرا، منها ما وقع بين الكنتة، وكل انصر.
فإن السوقيين مما أثر أن قدموا نصائح إصلاحية لقبيلة كنتة التي لهم بها اتصال علمي، واتصال جواري لبعض قبائل السوقيين، والتزاور، فلعل موقف نصائح السوقيين تلك من أسباب إطفاء لهب تلك الفتنة من قبل قبيلة الكنتة...
وإما موقف السوقيين الإصلاحي لعامة قبائل مجتمعات صحراء أسياد الصحراء ـ مضارب الطوارق ـ لا يحصى ولا يحصر، قديما وحديثاً، منها ما شاهده المركز الإسلامي في إبنغملان، حين وقع شجار بين قبيلتين من قبائل كل قوسي، فجاء مسؤول قوسي ـ موسى بن المنير ـ مع كبار المسئولين فنزلوا في المركز لاستصحاب بعض أعيان السوقيين هناك، ليقوموا بواجبهم الديني، الذي يعترف به المجتمع الطارقي ويلين له أكثر مما يلين للواجب الحكومي الإصلاحي، لأن المجتمع مجتمع إسلامي، يرى أن السوقيين، يتكلمون في الإصلاح بتعاليم الشرع، وهو الأصل ـ ولله الحمد.
فلتبق أجيال السوقيين أجيال علم وفضل وتقوى، وليتحملوا مسئولية المجتمع الديني، من دعوة وتعليم، وإرشاد، وقضاء، وإفتاء....
ألم نأخذ ـ معشر السوقيين المعاصرين ـ أجل المواثق والعهود الواجبة على أهل العلم، مع ساداة قبائل الطوارق في (((ملتقى تِينَهَمّا)) ـ فخر الملتقيات الجميلة البارة الجليلة بما تحملته من مسؤليات دينية عظام، باتفاق الحضور من الأعيان الكرام....
قال تعالى: وإذ أخذ الله ميثق الذين أوتوا الكتب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون (187) فيه مسألتان: الاولى - قوله تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب)....
فالآية توبيخ لهم، ثم مع ذلك هو خبر عام لهم ولغيرهم.
قال الحسن وقتادة: هي في كل من أوتي علم شئ من الكتاب.
فمن علم شيئا فليعلمه، وإياكم وكتمان العلم فإنه هلكة.
وقال محمد بن كعب: لا يحل لعالم أن يسكت على علمه، ولا للجاهل أن يسكت على جهله.

الإمام القرطبي ـ رحمه الله ـ وقال في موضع آخر يتعلق بالوفاء بالعهود:
قلت: وما طلب من هؤلاء من الوفاء بالعهد هو مطلوب منا قال الله تعالى: " أوفوا بالعقود " [ المائدة: 1 ] " أوفوا بعهد الله " [ النحل: 91 ]، وهو كثير.
فإضافة إلى ما أخذ من الميثاق العظيم على أهل العلم، فإن ساداة الطوارق جددوا لكم المعاهدة والمواثيق تجاه قيامكم بواجبكم العلمي والديني لهم، وقيامهم بواجبهم من مد يدي الطاعة لكم في ذلك، وتقديم ما أمكنهم من التعاون البار بالغالي والنفيس.

لذا فالناس أحوج إلى ذلك من كل شيء، وهو ميراث الأنبياء، ولتبعد الأجيال كل البعد عن استبدال الأعلى العلم والتقوى، بالأدنى الجهل والفسوق والفجور ـ والعياذ بالله من ذلك...

كما أن مما عرف أن المجتمع الطارقي ككل يكن كل احترام لأهل العلم، وذلك لا يحتاج إلى استطراد في ذكر ما لا ينحصر، لكن من الأمثلة المأثورة، ما ذكره صاحب:
الكنتة الشرقيون. حينما ذكر أن الطوارق ما شاركوا في القتال لا مع كل انصر، ولا مع كل كناتة، وعلل ذلك بما معناه أنهم قلوا: القبيلتان دينيتان...
هذا شأنهم في أهل العلم عموماً وخصوصاً آل السوق، الذين أخذت سلاطين الطوارق العهود والمواثيق الشديدة على أنهم تحت رؤية السوقيين الشرعية في حقهم، ولو كان قصاصا في حق السلاطين، فضلا بقية المجتمع الطارقي، الذي ضرب أروع الأمثلة في ذلك، التي منها: ما أثر من تعرضهم لبعض القبائل السوقية....
بفتوى من أفتى لهم من العلماء في تأديب من يكن على رأيهم في تلك المسألة، فهم هنا كقسم شرطة دينية تحت توجيهات دينية بلغهم الأمر بتأديب من تتعلق به شبهة التأديب...
هذا وإن للطوارق أياد بيضاء في اعتناق الإسلام ونشره، والدفاع عنه، والجهاد في سبيل نصرته كسلفهم المرابطين، والكمال لله وحده ـ جل في علاه.
ولهم ميعد يوم مع قلم نشر فضائلهم ومآثرهم الحسان في التاريخ الإسلامي ـ إن شاء من بيده ملكوت كل شيء.
كما من أمثلة جلالة قدر السوقيين القتالية في القتال المشروع، أنهم في زمن الاستعمار برزوا بروز الأبطال بل وصارت فيهم القادة، لما يتمتعون به من الشجاعة والقدرات القتالية لكن في حدود تعاليم الشرع الحكيم...
أضف إلى ذلك أنهم حين رأوا مداهمة الكفار لأفقهم، ورأى من أكرمه الله بتلك الرؤية في مواجهات الغزاة الكفار بقتالهم، أن قتالهم إعزاز لدين الله تعالى، ورفع لراية الإسلام بالجهاد.
ولقد حققوا في ذلك مواقف قتالية جهادية جليلة، واستشهد منهم الخلق الكثير...
هذا ومن القبايل المكرمة بتلك المواجهات الجهادية قبيلة: كلْ فانْبَلقو ذات المجد الأثيل، والفضل الأصيل، إضافة إلى ما تعرضت له الكريمة نفسها من الأذى في سبيل تحقيق رؤيتها الشرعية في المسألة ـ رحم الله سلفها، وبارك في خلفها.
كما تعطر به مقال الأستاذ الأديب السوقي الخرجي ـ حفظه الله.


 
 توقيع : السوقي الأسدي

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ

التعديل الأخير تم بواسطة السوقي الأسدي ; 12-31-2011 الساعة 11:06 AM

رد مع اقتباس