عرض مشاركة واحدة
قديم 03-17-2012, 09:36 AM   #12
مراقب عام القسم التاريخي


السوقي الأسدي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 45
 تاريخ التسجيل :  Feb 2009
 أخر زيارة : 07-18-2016 (12:24 PM)
 المشاركات : 1,152 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: فصول من حياتي



المقدمة الممهدة السادسة:


طغيان الحمية بمن يتحيز إلى مرابض جيوش من يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية

نعيب زماننا والعـــــــيب فــــــــينا***وما لزمــــــاننا عـــيب ســــوانا
إنه بيت أصاب معاني حكمته حقيقة الواقع، لمن ألقى السمع سمع الشهيد السامع.
وذلك أن أهل كل زمان، كثيرا ما يذمون ما يقع من منكرات الأقوال والأفعال في أزمنتهم، هذا أمر.
وأمر آخر، أن الكثير من أهله يذم ما يقع لغيره، دون ما يقع منه هو من منكر القول والفعل.
وعلى هذا الباب ما يجري مجراه، خاصة فيما نحن بصدده.
وهو أن ما يقع ممن له صلة قرابة ببعضهم من أهل جهة أفقه من المنكرات القولية والفعلية خاصة في معرض البدع، فإنه يراها كأنها من المشروع لفرط سكوته عنها.
وإذا وقف على شيء من بدع غير جهته، تكلم عنها تكلم العالم الناصح العليم في عدم مشروعيتها، نقلا وعقلا.
إن كان من الأعيان الذين شهد لهم التصنيف، وإن كان من البسطاء تراه ينشر بين مجالس عامة الناس، ما يدل على أنه من دعاة البدع، لتصحيحه ما يقع من جهته إذا ذكر ذلك المنكر، فيزبد ويردع ببعض فلسفات التأويلات السخيفة.
قلت: كل ذلك من جنس التحيز لا يعلم بُعد خطر صنيعه، إلاّ من قبل الشرع.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
((وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه))
وهذه الآية عامة في جرم وذم من سلك سبيل كتمان علم الهدى بعد تحقق شروط وجوب بيانه، فيقوم الناصح لقرابته ببيان ما هو الباطل من الحق: دينا قيما.
خاصة في حق القرابة التي هي أولى من ينصح لها نقلا وعقلا.
فإن عدم نصحها بذلك لمن أشد أنواع جرم غشها بذلك، في أن لا يقوم قريبها الناصح بنصحها فيما أخطأت فيه سبل الهدى.
ولا سيما ما يرجو من قبله التماس حكمة اللطف بهم في معرض بيان المشروع من المنكر، إن باشر النصح هو بالحكمة والموعظة الحسنة، وهذا هو النهج الشرعي المحكم، إلاّ أن في حق القرابة يتأكد كما أن الصدق عليهم آكد في حقهم من غيرهم...
فالنصحاء الذين لم يقوموا بلذلك الواجب ـ حسب الاستقراء والتتبع ـ تجد أثر ذلك التحيز ظاهرا، في معرض استدلال قرابته بغض الطرف عن نمير.
ومن ذلك من الأمثلة مثال واحد، حدثت به، وهو أن أحد كبراء الخلف فيهم، خطب من ظهر منه الغيرة للدين على نهج السلف الصالح، أن قال له: كن كفلان الذي مات لم يتعرض لنا.
أي: لم يتعرض هو ـ عفا الله عنه ـ لما أدركهم فيه من البدع التي توارثوها كابرا عن كابر حسب ظهورها فيهم.
والانحياز سواء وقع قصدا كمناصرة أصحاب البدع بعضهم لبعض، وهو من سوء ما يعملون.
وأسوأ منه انحياز المداهنة من جانب أهل الحق لأهل الباطل.
سواء كان الباطل خفيا، فضلا أن يكون جليا، فالباطل باطل، وما يؤدي إلى الباطل فهو باطل، فالمداهنة عليه بترك مناصحة من وقع منه جرم كبير، وإثم مبين.
وذلك منهج يحب استعماله أهل الباطل في حقهم كوسيلة من الوسائل، التي منها يصلون بها إلى تقوية جانب باطلهم عن طريق بوابة مداهنة القرابة، وما في معناها، بشيء من أنواع المداهنات الواضحة للعيان، والخفية خفاء التدليس في كبار الأعيان.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ((ودوا لو تدهن فيدهنون))
فالآن مع درر من كتاب الاعتصام، المستخرجة من قوله تعالى:
((شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيم الدين ولا تتفرقوا كبر على المشركين))
وما زال عليه الصلاة والسلام يدعو لها، فيؤوب إليه الواحد بعد الواحد على حكم الاختفاء، خوفا من عادية الكفار زمان ظهورهم على دعوة الإسلام...
ثم استمر مزيد الإسلام، واستقامة طريقه على مدة حياة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن بعد موته، وأكثر قرن الصحابة ـ رضي الله عليهم.
إلى أن نبغت فيهم نوابغ الخروج عن السنة، وأصغوا إلى البدع المضلة، كبدعة القدر، وبدعة الخوارج.
وهي التي نبه عليها الحديث بقوله: يقتلون أهل الإسلام، ويدعون الأوثان، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم.
يعني لا يفقهون فيه، بل يأخذونه على ظاهره، كما بينه حديث ابن عمر الآتي بحول الله، وهذا كله في آخر عهد الصحابة.
ثم لم تزل الفرق تكثر حسبما وعد به الصادق ـ صلى الله عليه وسلم ـ في قوله: افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، والنصارى مثل ذلك، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة.
وفي الحديث الآخر: لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لاتبعتموهم.
قلنا يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟.
وهذا أعم من الأول، فإن كان الأول عند كثير من أهل العلم خاص بأهل الأهواء.
وهذا الثاني عام في المخالفات.
ويدل على ذلك من الحديث قوله: حتى لو دخلوا جحر ضب لاتبعتموهم.
وكل صاحب مخالفة فمن شأنه أن يدعو غيره إليها، ويحض سواه عليها.
إذ التأسي في الأفعال والمذاهب موضوع طلبه في الجبلة، وبسببه تقع من المخالف المخالفة، وتحصل من الموافق المؤالفة، ومنه تنشأ العداوة والبغضاء للمتخالفين.
كان الإسلام في أول وجدته مقاوما ـ بل ظاهرا ـ، وأهله غالبون، وسوادهم أعظم الأسودة.
فخلا من وصف الغربة بكثرة الأهل والأولياء الناصرين، فلم يكن لغيرهم ـ ممن سلك سبيلهم، أو سلكه ولكنه ابتدع فيه ـ صولة يعظم موقعها، ولا قوة يضعف دونها حزب الله المفلحون، فصار على استقامة، وجرى على اجتماع واتساق، فالشاذ مقهور مضطهد.
إلى أن أخذ اجتماعه في الافتراق الموعود، وقوته إلى الضعف المنتظر، والشاذ عنه تقوى صولته، ويكثر سواده، واقتضى سر التأسي المطالبة بالموافقة، ولا شك أن الغالب أغلب، فتكالبت على سواد السنة البدع والأهواء، فتفرق أكثرهم شيعا.
قلت: إن الإسلام هو دين الله الحنيف، كما شرعه في أول وجدته، هو عينه كما جاء الوحي بتشريعاته في المصحف الشريف إلى أن تقوم الساعة.
وإنما يقع من المنتسبين إليه حله عروة عروة في ارتكاب المنكرات القولية والفعلية، التي من أعظمها في حل عراه بالمعاصي خاصة البدع القولية والفعلية.
بنشرها كما يحصل في كل زمان ومكان، والسكوت عنها في جانب العالمين بها من أرباب النصح عموما وخصوصا.
فيصبح المنكر ـ معروفا ـ بسبب السكوت عنه، مع انتشاره ، ونشره، مما يكاثر به جانب من يهدم الدين بتلك المخالفات من المنتسبين إليه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ((يا أيها الذين آمنوا كنوا أنصار الله))
{قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا بُرَءاءُ منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدًا حتى تؤمنوا بالله وحده}
فكل مسلم يجب عليه أن ينصح لله ما دام في الحياة الدنيا، وأن يقدم للنصح للناس عامتهم وخاصتهم به، في بيان الهدى من الضلال، خاصة إذا تبين له موجبات ذلك، أسوة حسنة في إبراهيم والذين آمنوا معه.
الذين بلغوا الغاية المرضية في نصح أقوامهم، وهي إعلان براءتهم منهم وإظهار العداوة بينهم حتى يؤمنوا بالله وحده.
وهذا هو سبيل كل ناصح أمين مع عامة وخاصة به، إن ارتكبت المنكرات في دين الله تعالى التي أقصاها الكفر بالله والشرك، ثم بقية المعاصي التي من أنكرها المحدثات البدائع.
وشر الأمور المحدثات البدائع.
ومن لم ينصر قريبه بدعوته بلسانه، إن كان من العامة، وإن كان من أهل العلم يصل إلى حد مكاتبه إن زاد القريب في مخالفة التمسك بالهدى ودين الحق.
فيوضح له ولمن تأثر به ما يجب في حقه، من النهي عن ارتكاب متن المخالفات في شرع الله ـ جليلها ودقيقها.
ثم تنتفع الأجيال بالهدى المكتوب، كما هو واضح هدى بيانه في موقف إبراهيم الدعوي الكريم، والذين آمنوا معه في سبيل النصح لله في حق قومهم...
ومن لم يفعل ذلك، وما في معناه فقد غش قربيه كل الغش، وغش دينه كل الغش، فمن أفضى إلى ما قدم فعفا الله عنه، ومن هو في ضلال مبين فليتب إلى الله بما هو اللائق بجانب النصح المبين.
وفى الصحيح (من قوله (2): " انصر أخاك ظالما أو مظلوما " قالوا: يا رسول الله، هذا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما ؟ قال: " تأخذ على يديه - في رواية: تمنعه من الظلم - فإن ذلك نصره ".
وقد تقدم قوله عليه السلام: " إن الناس إذا رأوا الظالم ولم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده ".
القرطبي.
قلت: هذا عام في جميع أنواع الظلم، التي من أعظم أنواعه جرما ما يقع من الكفر والشرك والبدع والمعاصي الكبار...
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:(وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ)


 
 توقيع : السوقي الأسدي

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ

التعديل الأخير تم بواسطة السوقي الأسدي ; 03-17-2012 الساعة 02:18 PM

رد مع اقتباس