إمارة إدوعيش :
إذا كانت الإمارتين السابقتين تنتميان إلى حسان ، فإن هذه الإمارة تنمي إلى صنهاجة ، و تنتسب تحديدا إلى لمتونة و الظاهر أنهم من بقايا المرابطين[7] ، بل يمكن أن نطلق عليها البقية الباقية من صنهاجة بالبلاد ، الميزة الثانية التي تميز هذه الإمارة عن الإمارتين السابقتين هي أنها كانت في علاقة مباشرة مع قبيلة الشيخ أحمد البكاي " كنتة " .
لقد اتخذت هذه الإمارة من السلوك المغفري نمطا لحياتها[8] و يمكن أن نرجع السبب الحقيقي وراء قيام الإمارة ، إلى أن المغافرة كانوا يذلون زعماء لمتونة التقليديين إلى أن وضع محمد بن
[1] - مؤسسي إمارة أدرار .
[2] - المختار ولد حامد ، م س ، ص 107 .
[3] - محمد فال بن بابه العلوي ، م س ، ص 30 .
[4] - محمد الأمين ولد سيدي أحمد ، م س ، ص 87 .
[5] - المختار ولد السعد ، م س ، ص 195 .
[6] - نفسه ، ص 88 .
[7] - الشيخ سيدي بابه بن البشيخ سيدي ،
إمارتا إداوعيش و مشظوف ، دراسة في التاريخ السياسي الموريتاني ، دراسة و تحقيق أزيد بيه بن محمد محمود ، المعهد التربوي الوطني ، نواكشوط ، 2003 ، ص 61 .
[8] - محمد الأمين ولد سيدي أحمد ، م س ، ص 89 .
بنيوك بن أديك[1] لبنة الإمارة[2] ، على كل حال تميز تاريخ هذه الإمارة الصنهاجية بكثير من الصراعات مع الإمارات المغفرية الأخرى ، و يعد الانتصار الذي حققته الإمارة في ما عرف حصار حنيكات بغدادة سنة 1778 م بداية حقيقة لكسر الهيمنة المغفرية على نفوذ إدوعيش[3] ، فرغم تناسي المغافرة مشاكلهم البينية ، و رغم أنهم ألقوا بكل ثقلهم من أجل كسر شوكة هذه الاتحادية ، إلا أن اللمتونيين حسموا الصراع لفائدتهم مستفيدين من زعامة قوية متمثلة في شخص محمد الشين بن بكار اللمتوني[4] ، هذا فيما يخص علاقات الإدوعشيين مع المغافرة ، أما علاقات إدوعيش مع كنتة فقد اتسمت بالتوتر ، فقد كانت كنتة تغط الغفر لأدوعيش على عظمتها لأن الزوايا لا يقدر أحد منهم أن يذهب بقافلة إلى السودان دون أن يكون يعطي الغفر لحساني[5] ، و بالتالي فقد كان المورد الاقتصادي لكنتة تحت رحمة جيرانهم من جهة الغرب و الجنوب الغربي إدوعيش ، مما تسبب في حرب قامت بينهم كان سببها حسب صاحب الوسيط ، أنهم قتلوا اثنين من أبناء بكار زعيم إدوعيش[6] . و قد كانت إحدى قبائل الحلف الإدوعيشي ( إدولحاج ) دائمة العداوة مع كنتة[7] مما تسبب في سلسلة متواصلة من الحروب بين القبيلتين ، و طالت هذه الحروب كثيرا من الزمن و هي أكثر من حرب البسوس إذ تقرب من مائة عام و كانت الغلبة في أكثرها لإدولحاج على كنتة[8].
على كل حال اتسمت العلاقة بين الطرفين بتوتر شديد يمكن أن نعزيه للعداء التاريخي بين مؤسس كنتة سيدي محمد الكنتي[9] ، للمتونة رغم أنهم أخواله و تربى بينهم ، و يكون بذلك الكنتيون الأوائل بوعي أو بغير وعي المسؤولون عن قلب موازين القوى من صنهاجة إلى القبائل العربية[10] مما أورث العداوة منذ ذلك الحين و ترسبت ، مما جعل الكنتيين يحابون في كثير من الأوقات المغافرة على حساب اللمتونيين ممثلين في إمارة إدوعيش .
[1] - محمد بن بنيوك بن أديك : ينتهي نسبه بيحيى بن عمر اللمتوني و يشتهر باسم محمد خونا ، كان غاية في الشجاعة و التدبير ، نشأ والده في قبيلة إداوعلي ، متخفيا عن المغافرة ألا يفتكوا به ، و كانوا يهينون كل زعماء لمتونة :
ـ المختار ولد حامد ، م س ، ص 183
[2] - نفسه .
[3] - محمد الأمين ولد سيدي أحمد ، م س ، ص 89 .
[4]- نفسه .
[5] - أحمد بن الأمين الشنقيطي ، الوسيط ... ، م س ، ص 494 .
[6] - نفسه .
[7] - القاضي بي بن سليمان ، موريتانيا الوقائع و الوفايات ... ، م س ، ص 53 .
[8] - أحمد بن الأمين الشنقيطي ، م س ، ص 506 .
[9] - سيدي محمد الكنتي الجد الثامن للشيخ أحمد البكاي . أنظر :
A . Aziz . BATRAN ; op ; cité ; p 269.
[10] - سيدي عبد الرحمن العلوي ، م س ، ص 71 .
حروب كنتة على الطرف الغربي من حدودها لم تقف عند هذا الحد ، إذ يورد كل من صاحب الوسيط و القاضي بي بن سليمان الحروب التي دارت بين كنتة و جيرانها ، فكانت تارة مع تجاكانت[1] ، و تارة أخرى مع الرعيان إحدى القبائل المستوطنة لولاتة[2] ، و مع أولاد بن السبع[3] بل امتد مجال صراعها القبلي إلى أبعد من ذلك شمالا نحو مضارب الرقيبات إذ يورد صاحب جوامع المهمات إشارة غاية في الأهمية يقول " فقام سيدي أحمد الكنتي و ادعى الإمارة و أن الناس تكون في طوعه ، و أن يسكن البلاد من السيبة ، فتبعته كنتة و لعويشات و أبناء يحيى بن عثمان ، و تقاتل مع أبناء أبي السباع و فروا منه و نزل على بئر أم كرين و حفرها و حفر العيون و غرس النخل و اطمأن هناك إلى أن مكث سنة ... و أغار عليه الرقيبات و أبناء أبي السباع و اقتتلوا معه قتالا شديدا إلى أن قتلوه و انهزم قومه "[4] .
من كل ما سبق يمكن أن نستشف أن الجهة الغربية لنفوذ كنتة قد شكلت لها على الدوام مثار قلق و إزعاج ، و لا أدل على ذلك كثرة الحروب و الإغارات التي خاضتها و في نفس الوقت عانت منها القبيلة ، تحت هذا الضغط البيضاني على هذه الجهة من نفوذ القبيلة لا نستغرب إذن ميلها نحو الجنوب ، مفضلة بذلك ربط علاقات وطيدة مع السودانيين ، متجاهلة بذلك أواصر القربى التي تربطها بجيرانها البيضانيين .
و ما يمكن أن نخلص له أن الشيخ البكاي قد ورث عبئا ثقيلا ، متمثلا بالأساس في الوضعية السياسية التي يوجد عليها المجال البيضاني الذي تنتمي له قبيلته ، فقد كانت علاقته بجيرانه البيضانيين من الجهة الغربية متوترة ، لكن يمكن أن نقول أن هذه العداوات كانت ذات أبعاد اقتصادية لما يتميز به المجال الصحراوي ، من شح و ندرة ، تدفع بقاطنيه للإغارة ، بعضهم على بعض . لكن مما لا مراء فيه أن الجانب الروحي سوف يلعب دورا في التخفيف من وطأة هذه الوضعية ، خصوصا لما تحظى به فئة الأولياء و رجال الطرق الصوفية من مكانة مميزة في نفوس البيضانيين ، كيف و الحالة هاته أن الشيخ البكاي يمثل رأس الطريقة القادرية الكنتية أم الطرق الصوفية في البلاد .
[1] - أحمد بن الأمين الشنقيطي ، م س ، ص 507 .
[2] - القاضي بي بن سالم ، م س ، ص 53 .
[3] - أحمد الأمين الشنقيطي ، م س ، ص 509 .
[4] - محمد سالم بن الحبيب بن الحسين بن يحيى ،
جوامع المهمات في أمور الرقيبات ، تحقيق مصطفى ناعمي ، المعهد الجامعي للبحث العلمي ، الرباط ، 1992 ، ص 87 .
و كانت هذه الأحداث سنة ( 1857 – 1858 ) حسب المحقق
منقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــول