عرض مشاركة واحدة
قديم 06-19-2012, 09:04 PM   #7
عضو مؤسس


الصورة الرمزية م الإدريسي
م الإدريسي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 61
 تاريخ التسجيل :  Mar 2009
 أخر زيارة : 09-06-2012 (03:33 PM)
 المشاركات : 419 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
35 الشاعر إغلس بن اليماني في نظر الشاعر محمد بن يوسف



في المقطع الآتي يخلد الشاعر للتاريخ لوحة بريشته المبدعة لوحة فنية تتضمن بعض ملامح شخصية والد زائرته الكريمة/ الشيخ الشاعر (إغلس) فيقول:
فتىً, كلما قرَّتْ على الرَّق كفُّه = أقرَّ له بالرِّقِّ كلُّ مُمارس
وإن شاء إنشاءَ القوافي, شأَى بها = بمضمار سبقٍ كلَّ قَِرن مُنافس
أو استبقت فرسانُ علمِ بلاغةٍ = بميدانها استتْلى بها كلَّ فارس
إذا ما تحرَّى القولَ يوماً, فثِقْ به = ولا تبحثنْ عمَّا تحرى ابنُ عابس
لقد أُنشِئتْ في راحتيه, فرِدْهما = سحائبُ عشرٌ, كم جلَت بُؤسَ بائس
يسحُّ بتا قطرُ الندى, وبتا الرَّدى = على الوِدِّ والضِّدِّ المعادي المُغامس
هُما فاعتبر, كاسميهما, فادرِ ما هما = إذا اغبرَّتِ الآفاقُ في فصل مارس
فيُمناه يُمنُنا, ويُسراه يُسرُنا = وإن تكنِ الشُّؤمى فشؤمُ المُداعس
لئن دلَّ عن رُشدٍ, وحضَّ مُحرِّضاً = على الدرس والتدريس, غيرَ مُدالس
فلا بِدعَ, فهْو البدرُ, والجهلُ حِندِسٌ = وفي البدر تِمّاً جَلوةٌ للحنادس
تبسيط المقطع السابق:

(فتىً, كلما قرت على الرَّق كفُّه = أقرَّ له بالرِّق كلُّ ممارس)

المفردات: فتى: الفتى الشاب القوي الحدث, و الفتاة الشابة وقد فتي بالكسر فتاء بالفتح والمد, والفتى أيضا السخي الكريم, يقال: هو فتى بين الفتوة, والجمع فتية وفتيان, واشتقاق الفتوى من الفتاء؛ لأنها جواب في حادثة أو إحداث حكم أو تقوية لبيان مشكل.
كلما: كلمة تكرار وتعميم تستعمل ظرف زمان, (كل)يفيد التكرار والتعميم, إذا لحقتها (ما).
قرت: ثبتت, وسكنت, قررت بالمكان بالكسر, أقر قرارا, وقررت أيضا بالفتح أقر قرارا وقرورا, والقر: صب الماء دفعة واحدة, وقرت الدجاجة صوتها, إذا قطعته, يقال: قرت تقر قرا وقريرا, فإن رددته قلت: قرقرت قرقرة, وقر الكلام والحديث في أذنه يقره قرا: فرغه وصبه فيها, وقيل: هو إذا ساره, ابن الأعرابي: القر: ترديدك الكلام في أذن الأبكم حتى يفهمه.
الرَّق: الرق بالفتح ويكسر: ما يكتب فيه وهو جلد رقيق, أو الصحيفة البيضاء, والرَّقُّ: من دواب الماء شبه التمساح, والرَّقُّ أيضا: كل أرض إلى جانب وادٍ ينبسط عليها الماء أيام المد، ثم ينحسر عنها الماء فتكون مكرمة للنبات.
كفه: الكف واحدة الأكف, وكف الخياط الثوب: خاطه مرة ثانية.
أقرَّ: أقر بالحق اعترف به, والإقرا: ضدُّ الجحود, وأقرّ الله عينه: أي أعطاه حتى تَقِرَّ عينُه فلا تطمَحَ إلى من هو فوقه.
الرِّق: الرق بالكسر من الملك وهو العبودية, ورق العبد رقا: صار أو بقي رقيقا, وأصل الرق من الرقة التي بمعنى الضعف, والرَّق والرِّق, والرَّقَق: ضعفٌ في العِظام, ويقال للأرض اللينة: رق.
ممارس: معالج للقريض ومزاول للكتابة, (مجاور في (مَرْسِ) واحة من واحات (أزواد), مَرَسْتُ الشيءَ أمرُسه مَرْساً، إذا دَلَكْتَه. ورجل مَرِسٌ وممارِس: صبور على مِراس الأمور. ورجل ممارس للأمور: معالج ومزاول لها.

المحتوى: كان الشاعر أثناء محاورته لزائرته يداري عاطفتها ويحابيها, لكنه ذهل عنها بعدما وصل من خلال الحوار إلى معرفة أبيها, فأطلق العنان لمشاعره تجاه هذا الشاب الجامع لمعاني الفتوة والكمال, القوي الحدث العابد المتفقه الكريم الخصال, من اعتادت إبداعاته استرقاق ألباب المهرة الكتاب, والتحكم في نواصي المحترفين المتمرسين في صياغة الخطاب, من تنساب ينابيع البلاغة من بين بنانه كالماء الرقراق, فتنسكب متصببة إلى قنوات جداول الأرواق, ليعترف له البارعون له بالإجادة والإتقان, بدءاً من مشاركيه في سكنى واحة (مَرْسِ) ووصولاً إلى كل مكان.

(وإن شاء إنشاءَ القوافي, شأى بها... بمضمار سبقٍ كلَّ قَِرنٍ منافس)

المفردات: شاء: أراد, المشيئة الإرادة, تقول: شاء يشاء مشيئة, وقيل: إنها أخص من الإرادة
إنشاء: مصدر أنشأ: إذا أنشد شعرا أو خطب خطبة فأحسن فيهما, وأنشاني الطيب والعطر إنشاء أشمني إياه.
القوافي: القصائد, قوافي الشعر, والكلام المقفى من قولهم: قفا أثره: اتبعه؛لأن بعضها يتبع أثر بعض, وقافية الرأس: هي القفا, وقافية كل شيء آخره, وفي مصطلح العروضيين: الحروف التي تبدأ بمتحرك يليه آخر ساكنين في آخر البيت.
شأى: شأوت القوم، أي: سبقتهم، أشأى شأواً, و شأى الشيء فلانا أعجبه و شاقه وأحزنه.
مضمار سبق: الموضع الذي تضمر فيه الخيل, وقد يكون المضمار وقتاً للأيام التي تُضمَّر فيها الخيل للسباق أو للرَّكض إلى العدو، وتضميرها أن تُشدّ عليها سُروجُها، وتُجلَّل بالأجلة حتى تعرق تحتها, فيذهب رهلها ويشتد لحمها، ويُحمل عليها غلمان خفاف يجرونها البردين ولا يعنفون بها، فإذا ضُمِّرت واشتدت لحومها, أُمن عليها القطع عند حُضرها, ولم يقطعها الشَّدُّ، فذلك التَّضمير الذي تعرفه العرب، ويُسمونه مِضمارً وتضميراً.
قِرن: بفتح القاف مثلك في السن, فلان قَرن فلان, إذا كان من لداته, وبكسرها مثلك في الشجاعة, فلان قِرن فلان, إذا كان يقاومه في بطش أو قتال.
منافس: مجار ومبار في مضمار الشعر, نافس في الشيء منافسة و نفاسا بالكسر, إذا رغب فيه على وجه المباراة في الكرم, و تنافسوا فيه, أي رغبوا, أو مسابق في النفاسة وهي الرفعة.

المحتوى: ما زال الشاعر مندفعاً في تصفح صفات والد زائرته, وما فتئ يعرض صوراً مشوقة مما احتفظ به عن هذه الشخصية في ذاكرته, والمقام يستدعي التركيز على الجانب الأدبي من شخصية الممدوح بالأحرى, رغم أن بقية الصفات الكمالية ستتلاحق في شريط ذاكرته تترى, فما الشيخ (إغلس) في نظر الشاعر إلا سيد القوافي وأميرها, وما الذي يتموج في بحره إلا زلال البلاغة ونميرها, فهو الذي إذا رغب في صياغة القوافي أجاد وأطرب, وعطر مسامع النقاد بغوالي المسك أو أطيب, فهو المبرز السباق كلما جال بحصانه في الميدان, وإن كان الفرسان المتسابقون من المنافسين ومن الأقران.

(أو استبقتْ فرسانُ علمِ بلاغةٍ... بمَيدانها, استتْلى بها كلَّ فارس)

المفردات: استبقت: استبق الفارسان على فرسيهما إلى غاية: تسابقا إليها.
فُرسان: جمع فارس.
علم بلاغة: هو العلم بالقواعد التي بها يعرف أداء جميع التراكيب حقها, وإيراد أنواع الشبيه والمجاز والكناية على وجهها, وإيداع المحسنات بلا كلفة مع فصاحة الكلام. والغايةُ منه: تأديةُ المعنى الجميل واضحاً بعبارةٍ صحيحة فصيحةٍ، لها في النفس أثرٌ ساحر، مع ملاءمة كلِّ كلامٍ للموطنِ الذي يقال فيه، والأشخاصُ الذين يُخاطَبون, وعناصرُه: لفظٌ ومعنًى، وتأليفٌ للألفاظ يمنحُها قوةً وتأثيراً وحسناً، ثم دقةٌ في اختيار الكلمات والأساليب على حسب مواطن الكلام ومواقعه، وموضوعاته، وحال السامعين، والنزعةِ النفسية التي تتملكهم، و تسيطرُ على نفوسهم.
وينقسمُ هذا العلمُ ثلاثة أقسامٍ:
علمُ المعاني : وهو علمٌ يعرَفُ به أحوال اللفظ العربيِّ التي بها يطابقُ مقتضَى الحال. علمُ البيان: وهو علمٌ يعرَف به إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة ٍفي وضوحِ الدلالة عليه. علمُ البديع: وهو علمٌ يعرَف به وجوه تحسين الكلام، بعد رعايةِ تطبيقه على مقتضَى الحال ووضوحِ الدلالة.
ميدان: فسحة من الأرض متسعة معدة للسباق أو للرياضة ونحوها, يقال: ميدان السباق وميدان الكرة وميدان الحرب.
استتلى: تلا تلوا: اتبع وتخلف, وفلاناً تبعه في عمله, واستتلى: استتبع, أوجعله تالياً, أي: تابعاً, أوجعله يأتي تالياً, أي: في المركز الرابع من خيل الحلبة,. وأولها المجلي: وهو السابق والمبرز, ثم المصلي: وهو الثاني, ثم المسلي: وهو الثالث, ثم التالي: وهو الرابع, ثم المرتاح: وهو الخامس, ثم العاطف: وهو السادس, ثم الحظي: وهو السابع, ثم المؤمل: وهو الثامن, ثم اللطيم: وهو التاسع, ثم السكيت: وهو العاشر, والمحفوظ عن العرب: السابق، والمصلي، والسكيت الذي هو العاشر, فأما باقي الأسماء فقال اللواتي الأجدابي: أراها محدثة.
فارس: سبقت معانيها.

(إذا ما تحرَّى القولَ يوماً, فثِقْ بهِ... ولا تبحثَنْ عما تحرَّى ابنُ عابس)

المفردات: تحرى: قصد وتوخى واختار.
ثق: وثق به يثق ثقة: إذا ائتمنه, وَثِقْتُ بفلان أثق به ثِقةً وأنا واثِقٌ به، وهو مَوْثُوقٌ به.
ابن عابس: امرؤ القيس بن عابس شاعر جاهلي أدرك الإسلام, والعابس: الكالح المقطب ما بين عينيه, والأسد الذي تهرب منه الأسود.

المحتوى: في هذا البيت وطائفة من الأبيات التي تليه, يواصل شاعرنا اقتطاف أطايب مدحه وأعاليه, ليقدمها كأسا حلالاً لوالد زائرته النبيه, وإنما يُعرف الفضل لذي الفضل عند ذويه, فها هو ذا يرسخ قناعته باستحواذ صاحب العينية على أزمة البيان, واستحقاقه التقدم على أصحاب الفراسة والفرسان, واستتباعه لخيل الحلبة عند مباراته لهم في الميدان, فهو الثقة الذي يؤخذ بأقواله في الصياغة والنقد بكل اطمئنان, فلا يقدم اختيار غيره على اختياره, ولو كان معدودا من العرب الخلصان.

(لقد أُنشئتْ في راحتيه فرِدْهما... سحائبُ عشرٌ, كم جلتْ بؤسَ بائس)

المفردات: أنشئت: مبني للمجهول, من قولهم: نشأت السحابة: ارتفعت.
راحتيه: كفيه, الراحة: الكف, والساحة.
رِد: الورد: ضد الصدر, ورد يرد بالكسر ورودا: حضر.
سحائب: جمع سحابة, وهي الغيم, والسحب: جر الشيء على وجه الأرض, كسحب الريح التراب. وسمي السحاب سحابا؛ لانسحابه في الهواء.
جلت: كشفت, وأذهبت, جَلَوت عنيِّ همِّي جلوا، إذا أذهبته, والجيم واللام والحرف المعتل أصلٌ واحد، وقياسٌ مطّرد، وهو انكشاف الشيء وبروزُه.
بؤس: الفقر, ضدّ النعيم.
بائس: شديد الحاجة, بئس الرجل يبأس بؤسا: اشتدت حاجته, فهو بائس.

(يسحُّ بتا قطرُ الندى, وبتا الرَّدى... على الوِد والضدّ المعادي المغامس)

المفردات: يسح: ينصبُّ, سَحَّ المَطَرُ والدَّمْعُ يَسِحُّ سَحّاً اشتد انصبابه.
تا: إشارة إلى كف الممدوح اليمنى, وتا: اسم يشار به إلى المؤنث.
قطر: القطر: المطر.
الندى: السخاء والجود وبعد ذهاب الصوت والمطر والبلل.
الردى: الهلاك والسقوط.
الود: الود والوديد: الخل والصديق والمحبوب, وددت الرجل بالكسر ودا بالضم: أحببته.
الضد: المخالف, والمثل, من ذوات الأضداد, وكل شيء خالفك ليغلبك فهو ضد.
المعادي: المبغض المشاحن, الذي يبادلك العداء, والعداء بالفتح والمد: تجاوز الحد في الظلم.
المغامس: المغامسة: المغاطة في الماء, والمباراة في ركوب الخطوب, والمغامِسة أيضا: الطعنة النافذة.

(هُما ـ فاعتبر ـ كاسميهما, فادرِ ما هما... إذا اغبرَّت الآفاقُ في فصل مارس)

المفردات: هما: ضمير راجع إلى راحتي الممدوح.
فاعتبر: قايِس, وتعجَّب, الاعتبار: القياس, واعتبر منه : تعجب.
كاسميهما: اليُمن من اليمنى والشُّؤم من الشؤمى.
ادرما هما: اعلم حقيقتهما.
اغبرت: تلبدت بالغبار, اغبر الشيء اغبرارا إذا تلبد بالغبار. يقال لسنة المجاعة: غَبْراء ويقال: جوعٌ أغْبَر؛ وذلك لأنهم يقولون: إن الجائع كان يرى بينه وبين السماء دُخاناً من شِدَّة الجوع, أو ليبْسِ الأرض في الْجدْب وارتفاع الغُبار.
الآفاق: النواحي, ومفردها أفق. والهمزة والفاء والقاف أصل واحد، يدلّ على تباعُد ما بين أطراف الشيء واتساعِه، وعلى بلوغ النهاية, ومن ذلك الآفاق: النواحي والأطراف, وللسماء آفاق وللأرض آفاق, فأما آفاق السماء: فهي ما انتهى إليه البصر منها مع وجه الأرض من جميع نواحيها، وهو الحدُّ بين ما بَطَن من الفَلَك وبين ما ظَهَر من الأرض, وأما آفاق الأرض, فأطرافها من حيث أحاطت بك.
فصل مارس: الشهر الثالث من الشهور الرومية, وإله الحرب في الأساطير, وهو المريخ, ويقابله شهر آذار من الشهور السريانية.

(فيمناه يمُننا, ويُسراه يُسرُنا... وإن تكن الشؤمى, فشُؤم المُداعس)

المفردات: يمنى: اليد اليمنى (اليمين).
يمننا: بركة لنا.
يسرى: اليد اليسرى, اليسرى واليسرة والميسرة: خلاف اليمنى واليمنة والميمنة. وتسمى عسرى؛ لأنها يتعسر عليها ما لا يتعسر على اليمنى, وتسمى يسرى على طريقة التفاؤل.
يسر: اليسر السعة والغنى, خلاف العسر.
شؤمى: اليد الشؤمى: ضد اليمنى
شؤم: والشؤم: ضد اليُمن.
المداعس: المطاعن المدافع, والمداعَسَة: المطاعَنَة.

(لئن دلَّ عن رُشدٍ, وحضَّ محرِّضاً... على الدرسِ والتدريسِ غيرَ مُدالس)

المفردات: دل: دله على الطريق: هداه, وأصل الدلالة إبانة الشيء بعلامة تتعلمها.
رشد: الاستقامة والهداية, الرشد والرشاد: ضد الغي و الضلال, ومنه (يقوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد).
حض: بعث ورغب, الحض: البعث على الشيء والترغيب فيه, وحَضَضْتُ الرجلَ على الشيء أحُضُّه حَضًّا، أي حرَّضته.
محرضا: التحريض الحث على الشيء, والتنشيط إليه والإحماء عليه.
الدرس: دَرْسُ الكتابِ للحِفْظ، ودَرَسَ دِراسةً، ودارَسْتُ فلاناً كتاباً لكي أحفَظَ.
التدريس: نشر العلم.
مدالس: المخادع, دالسه خادعه, من التدليس, وهو كتمان العيب.

(فلا بِدعَ, فهْو البدرُ, والجهلُ حِندسٌ... وفي البدر تِمّاً جَلوةٌ للحنادس)

المفردات: لا بِدع: لا غرابة, ويقال: فلان بدع في هذا الأمر، أي أول لم يسبقه أحد, ويقال: ما هو ببديع ، كما يقال: ببدع.
البدر: القمر, قيل: سمي بذلك لمبادرته الشمس بالطلوع, وقيل: لتمامه, والباء والدال والراء، أصلان: أحدهما كمال الشيء وامتلاؤه، والآخر الإسراع إلى الشيء.
الجهل: ضد العلم, أو انتفاؤه, أو تصوير الأمر بخلاف ما هو عليه.
حندس: الحِنْدِسُ: الظُّلْمة, أو الليل الشديد الظلمة..
التِّم: بدر التم والتمام: إذا كان لأربع عشرة ليلة.
جلوة: جلا الضياء الظلمة كشفها وأزالها, والسماء جَلْواءُ أي مُصْحِية. ويقال: تجلَّى الشيءُ، إذا انكشَفَ.
الحنادس: الظلمات, أو ثلاث ليال في آخر الشهر، لظلمتهن.


لقد أنشئت في راحتيه فرِدهما... سحائبُ عشر كم جلت بؤس بائس
يسح بتا قطرُ الندى, وبتا الردى... على الود والضد المعادي المغامس
هما ـ فاعتبر ـ كاسميهما, فادر ما هما... إذا اغبرت الآفاق في فصل مارس
فيمناه يمننا, ويسراه يسرنا... وإن تكن الشؤمى, فشؤم المداعس

المحتوى: لم يكن الشاعر (إغلس) ممن اكتفى بالأقوال عن الأفعال, بل كانت شخصيته نموذجا من نماذج كملة الرجال, فهو مع تربعه في بحبوحة البلغاء وفرسان القلم, تمثال للجواد الذي تزري كفه السحاء بهواطل الديم, فما أصابعه العشر إلا سحائب نشأت في سماء كفيه, وما شأنها إلا الانهمال على العافين عند اهتزاز عطفيه, فمين يمينه تنصب الخيرات والبركات على الشاعر وأمثاله من الموالين, ومن شماله تتهاوى صواعق الدمار على أضداده المعادين, فراحتاه لمعناهما من لفظهما نصيب, فما هما للكاشح والمعادي المريب, إلا الهلاك المدمر لكل من يصيب, بينما تمثلان الراحة والبركة لكل حبيب, لا سيما عند نزول الخطب العصيب, فيمينه رمز ليمن يعم الأصدقاء والأحباب, ويسراه كفيلة بطرد العسر من جميع الأبواب, وإن سميت بالشؤمى فهي التي تصب على المعادين سوط العذاب.

لئن دل عن رشد وحض محرضا... على الدرس والتدريس غير مدالس
فلا بدع, فهو البدر والجهل حندس... وفي البدر تِمّاً جلوة للحنادس

المحتوى: في هذين البيتين يؤكد الشاعر قبوله لنصيحة أخيه, فيستدل لاستحقاقه منصب الإرشاد ويزكيه, فليس الشاعر إغلس في نظره إلا البدر في ليلة التمام, وما الجهل الذي ينعاه إلا غشاء من سدف الظلام, فما أحراه بأن يسرع إلى إضاءة أفقه بالحث على التعليم, وما أبعده عن التدليس أو التعتيم, فمثله يستحق القيام بالهداية للرشاد, ويجب عليه القيام بمسؤوليته في تنوير موقعه من البلاد, فلا غرابة حينما يقوم بمزاولة مثل هذه المهمات, كما لا غرابة حينما يطلع القمر فتنكشف الظلمات.


 
 توقيع : م الإدريسي

قال الإمام العارف ابن قيم الجوزية -رحمه الله : كل علم أو عمل أو حقيقة أو حال أو مقام خرج من مشكاة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فهو من الصراط المستقيم وما لم يكن كذلك فهو من صراط أهل الغضب والضلال ).


رد مع اقتباس