عرض مشاركة واحدة
قديم 06-19-2012, 07:02 PM   #5
عضو مؤسس


الصورة الرمزية م الإدريسي
م الإدريسي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 61
 تاريخ التسجيل :  Mar 2009
 أخر زيارة : 09-06-2012 (03:33 PM)
 المشاركات : 419 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
35 الشاعر في الميدان



في المقطع الآتي يصف لنا الشاعر الدور الذي قام به في استقبال هذه الزائرة ويعطينا تقريرا كاملا عن تلك المباراة التي أقيمت في الحي من أجل اختيار المؤهلين لاستقبالها, فيقول:
فجاريتُهم في إجرياءِ إجابةٍ = لها, وتسابقْنا لرهنِ المقاوس
فثارُوا, وثُرنا ثورةً عنتريةً = وجالُوا, وجُلْنا جولةً في مجال(س)
ووافَوا كأني غُرَّةٌ في جباههم = سراعاً, فهبْني أمتطي متنَ داحس
فأقبلتُ إقبالَ القَبول, ولم أكن = لأطويَ كشحاً عن خبايا الدسائس
فوطَّأتُها قلباً وطرفاً وجبهةً = والاكليلَ إجلالاً لها بالمَداوس
تبسيط المقطع السابق:
(فجاريتُهم في إجرياءِ إجابةٍ = لها, وتسابقْنا لرهن المقاوس)
المفردات: جاريتهم: جاراه مجاراة وجراء: جرى معه و جاراه في الحديث, و تجاروا فيه,
إجرياء: الإجريا، بالكسر الجري, والعادة والطبيعة, والوجه الذي تأخذ فيه, وتجري عليه, ويقال: الكرم من إجرياه: من خلقه وطبيعته.
إجابة: جواب, جاوبتُه مجاوبةً وجواباً، وأجبتُه إجابةً وجابةً.
تسابقنا: تسابق القوم: استبقوا و تخاطروا و تناضلوا, و سباق الخيل إجراؤها في مضمار تتسابق فيه.
رهن: والرِّهان أيضاً: مراهنة الرجل على سباق الخيل وغير ذلك, مثل السبق بفتح السين والباء، ما يجعل للسابق على سبقه من جعل ونوال, ( راهنه ) على كذا مراهنة ورهانا خاطره وسابقه, وتراهن القوم: أخرج كل واحد منهم رهنا ليفوز السابق بالجميع إذا غلب, ويكون ذلك في سباق أو مراماة أو قمار.
المقاوس: بضم الميم على صيغة اسم الفاعل: الذي يرسل الخيل للسباق, وبفتح الميم جمع مقوس, وهو: الحَبْل الذي تصف عليه الخيل عند السباق, ويقال له المِقْبض أيضا, ووعاء تجعل فيه القسي, والموضع تجرى منه الخيل.
المحتوى: بعد ما طاف الشاعر بوصف المحيط العام للحي, غداة استقبالهم لزائرتهم الكريمة, وبعد ما حلق بنا طويلا في تلك الأجواء الممتعة, بدأ الآن يستقبلنا في مجلسه الخاص مباشرة؛ ليصور لنا بريشته المبدعة تفاصيل الدور الذي كان يقوم به أثناء فعاليات الاستقبال, فها هو ذا يقرب لنا صورة ميادين الحلبة, ويقدم لنا في هذا البيت وثلاثة أبيات بعده, تقريراً كاملاً عن نتائج هذا السباق الأدبي التاريخي الممتع, فينوه بشخصيته المرحة المستعدة لخوض المباريات استعداداً كاملاً, حيث لم تكن المباراة في مثل هذه الميادين الأدبية إلا عادة توارثوها عن أسلافهم كابرا عن كابر, وجروا عليها مددا طويلة, حتى صارت خلقا راسخا وطبيعة مسيطرة, فيصرح لنا بأن التجاوب مع مثل هذه الحالات عادة متبعة عند جماعته, فمن شأنهم تضمير الخيل وإعدادها لضمان إحراز قصب السبق في كل رهان, من مسابقة, أو مناضلة, أو أي مخاطرة أدبية يخوضها فرسان الأقلام في ميادين السباق التي تقام في نوادي الصحراء الأزوادية العريقة.
(فثارُوا وثرنا ثورةً عنتريةً... وجالُوا وجُلنا جولةً في مجال(س)
المفردات: ثاروا: وثبوا, وتثاوروا: تواثبوا, والمثاورة: المواثبة, وثار ثورانا و ثورا وثورة: هاج و انتشر.
عنترية: العنتر: الشجاع, والعنترة الشجاعة في الحرب, وعنتر فلان: شجع في الحرب, وسلك في الشدائد, وعنتره بالرمح: طعنه.
جالوا: جال الفرس في الميدان يجول جولة وجولانا قطع جوانبه, وجالوا في الحرب جولة جال بعضهم على بعض.
مجال (س): المجال : موضع الجولان ويقال: لم يبق مجال في الأمر وهو مجاز .
المحتوى: فهو هنا يصف لنا الاستعداد الكامل الذي يتمتع به الفريق الذي شارك تحت رايته في هذه المسابقة, فقد تواثبوا بكل خفة وشجاعة وأريحية, وتحدو بهم عواطفهم الهياجة, وقرائحهم الجياشة, يلوحون برماحهم الأدبية, ويذرعون الميدان يمنة ويسرة, ويلتف بعضهم على بعض في جوانبه, حتى ثبَّت شاعرنا قوائم جواده في (مجال السين) الذي يعتبر الوصول إليه نهاية للجولة الأخيرة من السباق, وكان شاعرنا هو الفائز بالمركز الأول, كما سيصرح به في البيت الآتي.
(ووافوا كأني غرة في جباههم... سراعاً, فهبني أمتطي متن داحس)
المفردات: وافوا: أتوا: وافى فلان: أتى.
غرة: بالضم: بياض في جبهة الفرس فوق الدرهم, يقال: فرس أغر, ورجل أغر أيضاً, أي: شريف, وفلان غرة قومه, أي: سيدهم, وغرَّ الرجل: ساد وشرف وكرمت فعاله واتضحت فهو أغر, وغرة كل شيء أوله وأكرمه.
جباههم: جمع جبهة, وهي: مُستَوَى ما بين الحاجِبَيْنِ إلى الناصية, وفلان (جبهة القوم) أي: سيدهم استعارة كقولهم: وجه القوم, والجَبهة: كوكبٌ, والجبهة: الخيل.
سراعا: جمع سريع, أو مصدر سارع, والسرعة ضد البطء, تقول منه: سرع بالضم سرعا بوزن عنب, فهو سريع, وعجبت من سرعته ومن سرعه, و أسرع في السير, والمسارعة إلى الشيء المبادرة إليه, و سارعوا إلى كذا و تسارعوا إليه بمعنى.
هبني: هَبْنِي ذَاك، أي: احسُبْني ذاك واعدُدْني, وضعت للأمر مثل ذر ودع.
أمتطي: امتطى الدابة وأمطاها: جعلها مطية وركبها.
متن: متن الفرس: ظهره, ومَتْنُ كلِّ شيءٍ: ما ظَهَرَ منه, متنا الظهر: مكتنفا الصلب عن يمين وشمال.
داحس: اسم فرس من خيل العرب مشهور بالسبق.
المحتوى: وما كان شاعرنا ليستغرق في المبالغة في تقديم نفسه, فما سبق تلك الكواكب الوضاءة السريعة الحركة التي يتمثل منها فريقه, إلا بما يسبق به البياض المطبوع على جبهة الفرس مكانه من الجبهة, أو بما يسبق به السيد قومه حينما يميز بينهم ببعض الخصال الحميدة, ولم لا وهو لم يسابق إلا السباقين المبادرين إلى الفضائل والمكارم, فيمكن لظان أن يحسبه ممتطيا صهوة الجواد الأصيل العربي المشهور بالسبق في قصة داحس والغبراء.
(فأقبلتُ إقبالَ القَبول, ولم أكن... لأطويَ كشحاً عن خبايا الدسائس)
المفردات: أقبلت: تقدمت, أقبل ضد أدبر, و أقبل عليه بوجهه, و المقابلة المواجهة.
إقبال: مصدر أقبل.
القبول: الرضا بالشيء وميل النفس إليه(مصدر شاذ), يقال: تقبل الشيء و قبله يقبله قبولا بفتح القاف, والحسن والشارة, وريح الصبا(ريح تقابل الدبور), ويقال: على فلان قبول, إذا قبلته النفس.
أطوي كشحا: الكشح: ما بين الخاصرة والضلوع والوشاح, ويقال: طوى كشحه على الأمر, أضمره وستره, وطوى عنه كشحه تركه وأعرض عنه.
خبايا: خفايا, جمع خبيئة, والخبء والخبيء والخبيئة الشيء المخبوء, وكل ما غاب فهو خبء .
الدسائس: دس الشيء في التراب أخفاه فيه, وكل شيء أخفيته تحت شيء فقد دسسته, دس الشيء دسا ودسيسا: أخفاه يقال: دس الشيء في التراب, ويقال: دس المكر, ودس نفسه في الأخيار وليس منهم, وأدخله في غيره بقهر وقوة, والبعير طلاه بالقطران طليا خفيفا, حية قصيرة حمراء محددة الطرفين لا يدرى أيهما رأسها تندس تحت التراب فلا تظهر في الشمس.
المحتوى: يصف لنا الشاعر في هذا البيت والذي بعده, كيف قام باستقبال الزائرة بعد ما تم انتخابه لهذه المهمة كجزء من الجوائز التي تلقاها مقابل إحرازه لقصب السبق في المباراة السابقة, فها هو ذا بعد ما حاز قصب السبق في هذا الرهان, يتقدم إلى صالة الاستقبال بكل إقدام وشجاعة وقبول وإقبال, وتستحثه مشاعر الرضا, ويخطر في مشيته بكل فخر واعتزاز, وكأن الجمال قد أصبح شارة تميزه عن بقية تلك الكواكب, وخفة روحه فوق خفة ريح الصبا (القبول), ويملؤه استشعار قبول جماهيره لأدائه المميز, ويستبعد الشاعر في هذا البيت أن يكون فوزه ناتجا عن دسيسة أو مكر أو أي غش مما كان المتسابقون يتساهلون في اللجوء إليه للحصول على الجوائز أو حسن السمعة, كما ينفي بكل وضوح أن يكون الدافع من وراء تحركاته أغراض نفسية غير شريفة, فالقضية في نظره قضية منافسة شريفة, الهدف منها طمأنة الشاعر (إغلس) على واقع جماعته من الناحية العلمية, فهي منزهة عن كل المقاصد التي تحمل أي سموم شيطانية, وهذا ما سيتجلى أكثر من كيفية استقباله للزائرة في البيت الآتي.
(فوطَّأتُها قلباً وطرفاً وجبهةً... والاكليلَ؛ إجلالاً لها بالمداوس)
المفردات: وطأتها: فرشت لها, والوطاء بالكسر: ضد الغطاء, و وطأ الموضع وغيره توطئة: صيره وطيئاً, والشيء: هيأه, والفراش دمثه ووثره.
قلباً: القلب, عضو عضلي أجوف يستقبل الدم من الأوردة ويدفعه في الشرايين قاعدته إلى أعلى معلقة بنياط في الجهة اليسرى من التجويف الصدري, وقلب العقرب: منزل من منازل القمر, وهو كوكب نير وبجانبه كوكبان, وقد يعبر بالقلب عن العقل, وقلب كل شيء: وسطه ولبه ومحضه, ورجل قلب: خالص النسب.
طرفاً: الطرف: العين, أو هو : اسم جامع للبصر, والطرف أيضا : كوكبان يقدمان الجبهة سميا بذلك؛ لأنهما عينا الأسد ينزلهما القمر, والطرف : اللطم باليد على طرف العين, ثم نقل إلى الضرب على الرأس, والطرف: الرجل الكريم الآباء إلى الجد الأكبر, والطرف: منتهى كل شيء.
جبهة: مُستَوَى ما بين الحاجِبَيْنِ إلى الناصية, والجبهة النجم الذي يقال له جبهة الاسد, وهي أربعة أنجم ينزلها القمر, وفلان (جبهة القوم) أي: سيدهم استعارة كقولهم: وجه القوم, والجَبهة: كوكبٌ, والجبهة: الخيل.
الإكليل: الإكليل: شبه عصابة تزين بالجوهر, ويسمى التاج إكليلاً, والإكليل: منزلٌ من منازل القمر، وهذا على التَّشبيه, والإكليل: السَّحابُ يدور بالمكان.
إجلالاً: أجله في المرتبة إجلالا: عظمه تعظيماً, و تجليل الفرس: إلباسه الجُل.
مداوس: جمع مدوس بوزن معول: ما يداس به, داس الشيء برجله يدوسه دياسة, فانداس, والموضع مداسة.
المحتوى: لم يرتض الشاعر لهذه الزائرة بعدما انتدب للقيام بشأنها أن يطول بقاؤها في صالة الاستقبال, فقد شرع مباشرة في تجهيز محل إقامتها الدائمة, وترتيب سكنها المريح, فقد فكر في أصناف الفرش الوثيرة, فلم يقنع بإحلالها في موطن غير فؤاد رجل وافر العقل خالص النسب رفيع المقام, ولم يجد أولى من فؤاده, أو أن تكون بؤبؤا فتتبوأ مكانا مكينا في سواد عينه؛ ربما كي لا تغيب عن بصره ولو لحظة واحدة, ولم لا وهي من الأقمار التي ليست منازلها سوى القلب أو الطرف أو الجبهة أو الإكليل, ومن غرر الإبداعات الأدبية, ومن شأن الغرة احتلال الجباه, فما ينبغي لأخمص قدم مثلها أن يطأ إلا على التيجان, أو أن يرفع فوق السحاب, ولا يليق بها أن تسكن سوى مع النفوس في حماطات القلوب, أو مع الأبصار في حدقات العيون.


 
 توقيع : م الإدريسي

قال الإمام العارف ابن قيم الجوزية -رحمه الله : كل علم أو عمل أو حقيقة أو حال أو مقام خرج من مشكاة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فهو من الصراط المستقيم وما لم يكن كذلك فهو من صراط أهل الغضب والضلال ).


رد مع اقتباس