عرض مشاركة واحدة
قديم 06-19-2012, 05:43 PM   #2
عضو مؤسس


الصورة الرمزية م الإدريسي
م الإدريسي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 61
 تاريخ التسجيل :  Mar 2009
 أخر زيارة : 09-06-2012 (03:33 PM)
 المشاركات : 419 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
35 فعاليات استقبال القصيدة العينية



يواصل الشاعر رسم هذه اللوحة التاريخية, ويطلعنا في المقطع الآتي على واقع حيه غداة استقبالهم لزائرتهم الكريمة (عينية الشاعر إغلس) فيقول:


فإذْ أُنشِئتْ أُطروبةً مرقسيَّةً=ووافتْ وكانتْ نُزهةً للمجالس
وقد رُشِّحتْ سحرَ البيانِ ووُشِّحتْ=بفصل خطابٍ رائقٍ متجانس
وحيَّتْ فخصَّتْ كلَّ ندبٍ سرعرعٍ=نمتْهُ إلى العلياءِ شُمُّ المعاطس
تناهبها منا شبابٌ أعزةٌ=ميامينُ ليسوا طِلعةً بالمناحس
فمن بارعٍ شادٍ ومُملٍ وناسخٍ=ومُصغٍ وماسحٍ بكفٍّ ولامس
ومن مقبلٍ مقلِّبٍ فمقبِّلٍ=ومن عابثٍ مستبشرٍ غيرِ عابس
ومن مستفيقٍ فائقٍ مترنِّمٍ=يُطرِّبُنا بها ونشوانَ مائس
ومن قائلٍ: هَا, تِي, وهات, وهاتفٍ=يرجِّعها رجعاً, وجذلانَ راقس
ومن ساهرٍ يرتاضُ لولاً وماهرٍ=يماقسُ عنها غاصةً في القمامس
تَخِرُّ بأيديهم رواعفَ نُكَّساً=مساطرُ كم أربتْ على شبرِ قائس
تَحِنُّ إلى الباري بواكيَ سُجَّداً=سجودَ أبيلٍ ناكسٍ في الكنائس
صوادرَ من فيحاءَ لم يكُ ماءُها=بغورٍ ولا طرقٍ ولا بمُشاوس
تخال إذا ما رقشوا الرق رقهم= بتائك ريش من خوافي الطواوس

تبسيط المقطع السابق:


(فإذ أنشئت أطروبة مرقسية=ووافت وكانت نزهة للمجالس)
(وقد رشحت سحر البيان ووشحت=بفصل خطاب رائق متجانس)
(وحيت فخصت كل ندب سرعرع=نمته إلى العلياء شم المعاطس)
(تناهبها منا شباب أعزة=ميامين ليسوا طلعة بالمناحس)

المفردات: أنشئت: أنشأ الشاعر قصيدة أو الكاتب مقالة ألفها.
أطروبة: أفعولة من الطرب كالأنشوطة ونظائرها, والطرب: خفة وهزة تثير النفس لفرح أو حزن أو ارتياح وأغلب ما يستعمل اليوم في الارتياح والغناء ونحوه مما يحرك في النفس الطرب.
مرقسية: منسوبة إلى امرئ القيس.
وافت: أتت.
نزهة: أرض نزهة: بعيدة عذبة نائية عن الأنداء والمياه وتنزهت, خرجت إلى الأرض النزهة.
رشحت: المرشح: ما يلبس تحت الثوب.
سحر البيان: البيان إظهار المقصود بأبلغ لفظ، وهو من الفهم وذكاء القلب مع اللسن، وأصله الكشف والظهور، وقيل: معناه إن الرجل يكون عليه الحق، وهو أقوم بحجته من خصمه، فيقلب الحق ببيانه إلى نفسه؛ لأن معنى السحر قلب الشيء في عين الإنسان, وليس بقلب الأعيان، وقيل: معناه إنه يبلغ من بيان ذي الفصاحة أنه يمدح الإنسان فيصدق فيه حتى يصرف القلوب إلى قوله وحبه، ثم يذمه فيصدق فيه حتى يصرف القلوب إلى قوله وبغضه، فكأنه سحر السامعين بذلك، وهو وجه قوله: إن من البيان لسحراً. وأجمع أهل البلاغة على أن القدرة على تصوير الحق في صورة الباطل، والباطل في صورة الحق من أرفع درجات البلاغة, وذلك هو سحر البيان.
ووشحت: الوشاح: شيء ينسج من أديم عريضا ويرصع بالجواهر، وتشده المرأة بين عاتقيها. ووشحتها توشيحا فتوشحت هي، أي لبسته.
فصل خطاب: الفصل في اللغة: قطع ما بين الشيئين. والخطاب: مراجعة الكلام وهو مصدر خاطب خطاباً كجادل جدالا فكأن معنى فصل الخطاب قطع الجدال والخصام بإصابة الحجة وقيل في قوله تعالى: " فصل الخطاب "أقوال أنسبها هنا أنه الفصل بين الحق والباطل والتمييز بين الحلم وضده.
رائق: راقني الشيء: أعجبني وعلا في عيني.
متجانس: متشاكل الألفاظ مختلف المعاني.
ندب: رجل ندب: خفيف في الحاجة سريع ظريف نجيب.
سرعرع: رجل سرعرع: ناعم غض.
نمته: نميته إلى أبيه نميا ونميا وأنميته عزوته, وانتمى إليه انتسب, وفلان ينمي إلى حسب وينتمي يرتفع إليه.
العلياء: اسم للمكان العالي, وللفعلة العالية على المثل.
شم المعاطس: جمع أشم وشماء: حسن الأنف، وفي أنفه شمم.والمعاطس: الأنوف, ومعنى "أشم" ههنا: عزيز, لم يرد به الأنف بخاصةٍ.
تناهبها: النهبة: بضم فسكون: ما يؤخذ من المال مغالبة, ويقال: تناهب الفرسان في الجري والعدو: بارى كل واحد منهما صاحبه.
ميامين: جمع ميمون, ويمن الرجل حصل له اليمن بالضم, وهو البركة كالميمنة, فهو ميمون وأيمن ويامن, ضد المشؤوم, يقال: فلان ميمون النقيبة، إذا كان مبارك النفس, والنقيبة النفس, وإذا كان كثير النجاح والظفر.
طلعة بالمناحس: اصطلاح تنجيمي يقصد به كون الإنسان يتنبأ له بالخير إذا كان طالعه سعيدا,وعندهم أن الكواكب على قسمين سعود ونحوس.

المحتوى: بعد ما ذكر الشاعر أثر الزائرة الحبيبة بنت الحبيب على نفوس المزورين, اتجه في هذه الأبيات إلى وصف الاستجابة السلوكية التي تلت وصولها, فهو يقول: إن هذه القصيدة لما نجح صواغها من تنميقها, بحيث أصبحة آلة من آلات الطرب التي تهز النفوس فتخف لها وترتاح بترانيمها, وجمعت إلى ذلك عراقة في الفصاحة والبلاغة, حتى أصبحت كأنها من سلالة الشاعر المشهور المعروف بامرئ القيس, واعتبرت عند البلغاء الذين وفدت عليهم بمثابة نزهة بعيدة عن أي ملوثات, ومتصفة بكل ما يجعلها مصدر راحة واطمئنان, ومتعة واستئناس وسعادة للمجالس التي شغلتها حتى أنستهم كل ما سواها, وألهتهم عما عداها؛ لما تتمتع به من صفاء الباطن وإتقان الظاهر, فهي قد اتخذت البيان الخلاب للعقول شعارها, وتدثرت بكل الحكم والحقائق التي تفصل بين الحق والباطل, والخير والشر, والنافع والضار, والصواب والخطأ, وانطوى ذلك كله في ألفاظ تروق الناظر, وتستحوذ على لب السامع؛ لما تحتويه من اتساق وتجانس يسيطران على العقل, ويعملان في الوجدان عمل السحر في المسحور, وزادت على ذلك أنها بعد تعميمها بالسلام والتحايا, خصصت خطابها للجيل الصاعد من الشباب, والذين كان الشاعر من شاماتهم, وممن يدخل في الخطاب الموجه إليهم دخولا أوليا, وقبل أي واحد في نظره, وليس شباب جماعته إلا نموذجا من نماذج كملة الشباب, حيث جمعوا بين نضارة الأجسام, وخفة الحركات, والارتياح للنجدة, وبين العقول النيرة المستنيرة التي تتسم بالظرافة والنجابة, إضافة إلى كرم النجار, وعلو المراتب, وصراحة الأنساب, وتوارث العزة والإباء كابرا عن كابر, فلا يقنعون من أنفسهم إلا باعتلاء الرتب العالية, والمقامات الرفيعة التي توارثوها عن أجدادهم الأعزاء, أصحاب المعاطس الشماء.
فلما كان خطاب الزائرة هكذا, فقد لقيت استجابة عارمة من الشباب, فانتهبوها وتسابقوا في تلبية ندائها, وتطمين صاحبها ببقاء لبنات صالحة تمثل عروقا نابضة, لم تزل تتمثل فيها تلك الشخصية التي كان ينشدها, ويبكي عليها(شخصية العالم الأديب العابد), وما كان أولئك الشباب الذين تباروا في الاستجابة للقصيدة, والتفاعل مع نصيحة الشيخ (إغلس) إلا أمثلة حية لكل معاني العزة والصمود, وعناصر مباركة يتفاءل بالخير والنماء والبركة بمجرد إشراق صفحات وجوههم الكريمة, فهم بدور وكواكب مشرقة في الصحراء, ومطالعهم سعيدة تبشر بكل خير, ولا يجد الشؤم سبيلا إلى مواطنهم, ولن يستباح مجد, هم حماته.

(فمن بارعٍ شادٍ ومملٍ وناسخٍ=ومصغٍ وماسحٍ بكفٍّ ولامس)

المفردات: بارع: رجل تام في كل فضيلة وجمال, والذي فاق نظراءه في السودد والعلم والشجاعة, وغير ذلك من الفضائل, و الأصيل الجيد الرأي, , يقال: هذا أبرع من هذا, أي أتم وأحسن, وكل شيء تناهى في جمال ونضارة وغيرها من محاسن الأمور فقد برع.
شادٍ: الشادي: المغني، والذي تعلم بعضا من العلم أو الأدب, واستدل به على البعض الآخر, شدا يشدو شدوا، إذا مد صوته بغناء أو غيره. وشدا فلان من العلم شيئا، إذا أخذ منه بعضه.
مملٍ: أملى عليه الكتاب, قال له, فكتب عنه, فهو مملٍ, أمللت لغة أهل الحجاز وبني أسد، وأمليت لغة بني تميم وقيس. يقال: أمل عليه شيئا يكتبه وأملى عليه، ونزل القرآن العزيز باللغتين معا.
ناسخٍ: كاتبٍ, نسخ الكتاب: كتبه عن معارضة, النسخ: اكتتابك كتابا عن كتاب حرفا بحرف, تقول: نسخته وانتسخته، فالأصل نسخة، والمكتوب نسخة منه ؛ لأنه قام مقامه, والكاتب ناسخ ومنتسخ.
مصغٍ: مستمع, أصغيت إليه: إذا استمعت لحديثه وفرغت نفسك له, وملت بسمعك إليه.
ماسحٍ: مسح الشيء: أمر يده عليه.
لامس: اللمس: مس الشيء باليد, وتطلبه هاهنا وهاهنا, واللمس: إحدى الحواس الخمس الظاهرة, وهي قوة منبثة في العصب تدرك بها الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة ونحو ذلك عند التماس.

المحتوى: في هذا البيت وسبعة أبيات بعده, يحاول الشاعر أن يضعنا في جو المجالس الشبابية في حيه غداة استقبالهم لابنة حبيبهم المؤانس (إغلس), فها هو يصنف الشباب أصنافا تجاه تناهبهم لهذه الهدية الغالية, فنشاهد حركة شاملة عمت الجميع, واستقطبت كل أصحاب الهوايات الفنية والأدبية, بدءا من قيادات الشباب المبرزين في اقتناء الفضائل, وجودة الآراء, ونضارة الأجسام, و المشهود لهم بالتفوق والامتياز والبراعة, الموصوفين بمعاني السؤدد: من علم وشجاعة وجمال, إلى غير ذلك من معاني الكمال في الرجولية, إلى المشهورين في حسن الصوت ولذاذة النغمة, من هواة الأدب الذين يتخذونه متعة, فيعايشونه بالترنم برقائقه, والغناء بمختاراته, والتفكه بأطايبه في جلسات السمر والأنس, إلى أولئك الذين احترفوا القراءة المستقيمة, وعرفوا بإجادة الإملاء, إلى الخطاطين المهرة الذين يوفرون النسخ الصحيحة الجامعة بين السرعة والإتقان, إضافة إلى حراس اللغة العربية الذين يحضرون المجالس, ويفرغون أنفسهم للاستماع للقراء, وتعقب الأخطاء اللغوية وتصحيحها, إضافة إلى ما يجنونه بالاستماع من أنواع المتعة والاستفادة, إلى أولئك الذين لم يستطيعوا إخفاء فرحهم وابتهاجهم بهذه الهدية, ولم يقتنعوا بغياب دورهم, ولو لم يجدوا طريقة للتعبير عن مشاعرهم سوى بالتزاحم على المجالس الأدبية؛ للوصول إلى الأوراق المحتوية للقصيدة ثم التمسح بها, وكأنهم يتحسسون تلك الحلاوة التي ينتشي بسببها الأدباء وأصحاب الأذواق, ما يدل على أن الأجواء مشحونة بالفرح العارم الذي يسلب الوعي من بعض أصحاب المشاعر الجياشة.

(ومن مقبل مقلب فمقبل=ومن عابث مستبشر غير عابس)

المفردات: مقبلٍ: ضد مدبر, قبل الشيء وأقبل: ضد دبر وأدبر.
مقلِّبٍ: القلب: رد الشيء من جهة إلى جهة, قلبته بيدي تقليبا, حولته عن وجهه، وقلبت فلانا عن وجهه أي صرفته.
مقبِّلٍ: القبلة، بالضم: اللثمة معروفة، يقال: قبله تقبيلا: لثمه, قبل الأب ولده تقبيلاً.
عابثٍ: لاعب بما لا يعنيه وليس من باله, أو الذي يعمل ما لا فائدة فيه يعتد بها, أو مالا يقصد به فائدة.
مستبشرٍ: فرح مسرور مستنير طلق الوجه, تظهر عليه أمارات السرور, وتبرق أسارير وجهه, استبشر بشرا بالفتح فهو بشر بالكسر, والبشارة كل خبر سار ليس ذلك عند المخبر, فإن حقيقتها هي الخبر الذي يؤثر في بشرة المخبر وهي ظاهر جلده بالسرور.
عابس: عبس فلان عبسا وعبوسا: جمع جلد ما بين عينيه وجلد جبهته وتجهم, العابس: الكريه الملقى، الجهم المحيا, عبس يعبس فهو عابس، وعبس فهو معبس وعباس, أي: غضبان, مقطب الوجه, كالح, ويقال لمن كره شيئا ما: عابس.

المحتوى: في هذا البيت يصور لنا الشاعر فئة أخرى من المستقبلين لهذه الزائرة المرحب بها, وهم الذين انهمكوا في الإقبال على القصيدة, فكانوا يقلبون الأوراق من جهة إلى جهة, ويلثمونها بأفواههم, وكأنهم من شدة الفرح والسرور, لا يكفيهم من إبداء ما يكنونه لهذه البنت من أسرار الحب والقبول, سوى ما يجوز للآباء في حق بناتهم من اللثم والتقبيل, ولم لا, والأدباء يأنسون ببنات الأفكار, أكثر من أنس غيرهم بالعواتق الأبكار, بل إن الشاعر ليضيف لنا هنا أن التفاعل الذي حصل مع هذه الزائرة لم يقتصر فقط على أولئك الذين يمتون للأدب ببعض الصلات, حتى شمل الأطفال والفضوليين الذين يشتغلون بما لا يعنيهم, فالاستبشار وطلاقة الوجوه هو ما يلف كل الوجوه في تلك الغداة, فليس هناك وجه مقطب ولا منظر متجهم, بل الفرح والسرور يضربان أطنابهما على تلك الربى, والاستنارة هي ما يجلل أسارير أولئك الوجوه الوضاءة بلا استثناء.

(ومن مستفيق فــــائق مترنم=يُطرِّبنا بها ونشــوانَ مائس)
(ومن قائل: ها, تي, وهات وهاتف=يُرجِّعها رجعاً وجذلانَ راقس)

المفردات: مستفيق: استفاق من المرض أو السكر، أي: أفاق (صحا), وأفاق فلان من المرض واستفاق. وفلان مدمن لا يستفيق من الشّراب. ويقال: استفق ناقتك, فيدعها فواقا ثم يحتلبها, وأفاقت الناقة واستفاقها أهلها: إذا نفسوا حلبها حتى تجتمع درتها.
فائق: الممتاز على غيره من الناس, والجيد من كل شيء, يقال: فلان فاق أصحابه يفوقهم، إذا علاهم وأمر فائق، أي مرتفع عال, وفلان فائق آفق, أي: غالب في فضله، وقد أفق على أصحابه وأفقهم, وفاق قومه: فضلهم, ورجل فائق في العلم والغنى، وهو يتفوّق على قومه, وفوّقته عليهم: فضّلته
مترنم: مغن مطرب مرجع في صوته, ترنم المغني ورنّم ورنم رنماً: رجع صوته، وسمعت له رنيماً ورنمة حسنة وترنماً وترنيماً, الترنيم: ما استلذذت من صوت الطرب وتطريب الصوت، وهو ترنم الصوت للقوس والعود والحمامة ونحوها, وهو يرنم الصوت، ويترنم في صوته.
يطرِّبنا: يمد صوته ويرجعه فتستخفنا شدة السرور, الطرب: مجاوزة الحد في المرح وخفة النشاط, والشوق, وذهاب الحزن، وحلول الفرح, طرب يطرب طربا فهو طرب: استخفه الفرح أو الحزن, قال ابن دريد: العامة تظن أن الطرب لا يكون إلا مع الفرح، وهو خطأ منهم, وطرب في غنائه تطريبا، إذا رجع صوته، وأطربني هذا الشيء.
نشوان: سكران, بين النشوة, والنشوة: السكر، وانتشى فلان, فهو نشوان.
مائس: مختال متبختر, الميس والميسان: ضرب من المشي في تبختر وتهاد وتثن، كما تميس الجارية العروس, ماس يميس، فهو مائس وميوس ومياس.
ها: كلمة تنبيه للمخاطب ينبه بها على ما يساق إليه من الكلام, أو اسم فعل بمعنى خذ, أو حرف يستعمل في المناولة, تقول: هاء، وهاك، مقصور، فإذا جئت بكاف المخاطبة قصرت ألف هاك، وإذا لم تجيء بالكاف مددت، فكانت المدة في هاء خلفا لكاف المخاطبة, أو حرف إجابة, فأهل الحجاز يقولون في الإجابة: ها, خفيفة, فتكون إجابة لنداء القصيدة, أو للتقريب، يقال أين هي؟ فتقول: ها هي تي, والعرب تكثر الإشارة والتنبيه فيما تقصد به التفخيم.
تي: اسم إشارة للمفرد المؤنث.
هات: أعط أو آت, والإيتاء: الإعطاء, يقال: اشتقاقه من (هاتى يهاتي) والهاء فيه أصلية ويقال: بل الهاء في موضع قطع الألف من آتى يؤاتي، ولكن العرب أماتوا كل شيء من فعلها إلا (هات) في الأمر, ويقال: هات يا رجل، وللاثنين هاتيا، وللجميع هاتوا، وللمرأة هاتي، وللاثنتين هاتيا، وللجماعة هاتين، ويقال: هات لا هاتيت، وهات إن كانت بك مهاتاة.
هاتف: داع صائح مصوت, هتفت بالرجل أهتف هتفا وهتافا إذا صحت به, وهتف الحمام هتافا, إذا صوت. وكل مصوت هاتف.
يرجعها: يردد قراءتها, ويواصل النغم بها, وقيل في الترجيع: هو تقارب ضروب الحركات في الصوت, هو يرجع في قراءته، وهي قراءة أصحاب الألحان, والقينة والمغنية ترجعان في غنائهما, ورجع الجواب: رده.
رجعا: ترجيعا, أو ردا للجواب.
جذلان: فرح, والجذل: الفرح، جذل جذلا، ورجل جذلان وجذل, والجذل هو السرور الثابت مأخوذ من قولك جاذل منتصب ثابت لا يبرح مكانه.
راقس: لاعب مهتز زافن قافز ناقز, الرقصُ: القفزان, رقص رقصا: تنقل وحرك جسمه على إيقاع موسيقى أو على الغناء, وهو تأدية حركات بجزء أو أكثر من أجزاء الجسم على إيقاع ما للتعبير عن شعور أو معان معينة, وهو أنواع, وأصل الرقص: الاهتزاز, والسين بدل من الصاد.

المحتوى: في هذين البيتين يعمق الشاعر المعنى السابق, فنراه يقسم المجالس الأدبية أثناء الاستقبال ما بين الفئة اليقظة من الشباب النابهين اليقظين, الذين استطاعوا الصمود أمام روعة القصيدة, بحيث يستطيعون ضبط أحاسيسهم أثناء الترنم بها وإطراب المجلس بترانيمها, وهم الذين يستدرون قرائحهم لمحاورتها, وبين السكارى الذين سلبت عقولهم, واستخفهم الطرب وشدة السرور, فسرت فيهم حميا الفرح, ودب فيهم الاستلذاذ, حتى خرجوا عن طور الهدوء, وأصبحوا يتبخترون ويميسون, وكأنهم عروس في ليلة زفافها, إضافة إلى من يبشر بها وينبه الناس وهو في غيبوبة, تارة, وتارة يمد صوته عاليا بالاستجابة لهذه الزائرة, وكأنه قد تخيل صوتها من بعيد وهي تناديه, فيجمع بين الاستجابة لها والتبشير بها, بينما هناك آخرون يتعاطونها, كل يتناولها فيسحبها منه من بجانبه, وكأن الكل يريد أن يستأثر بها عن الآخر, وذلك كله لم يقطع أصوات المترنمين بها, فقد امتلأت نواحي الحي بتردادها, وتواصلت النغمات بلا انقطاع, ووصل الفرح قمته, فأصبح الحي كما لو أنه حفلة رقص, فلم يبق إلا مغن يرجع غناءه, أو راقص يستميت في قفزاته واهتزازاته على إيقاع هذه الموسيقى العذبة, ويعبر عن مشاعره بأنواع من الحركات والتنقلات.

(ومن ساهر يرتاض لولا وماهر=يماقس عنها غاصة في القمامس)

المفردات: ساهر: ذاهب النوم, السهر والأرق: عدم النوم في الليل كله أو في بعضه, يقال: سهر الليل كله أو بعضه, إذا لم ينم, فهو ساهر وسهران, وأسهرته بالألف.
يرتاض: راضه روضا ورياضا ورياضة: ذلـله يقال راض المهر, راض الدابة : علمها الانقياد والسير, وراض القوافي الصعبة, وراض الدر: ثقبه. ارتاض: افتعل من راض, فيها بحث, وتسمح فيه بعض المعاصرن كالغلاييني.
لولا: درراً, اللؤلؤ: الدر سمي به لضوئه ولمعانه, وهو يتكون في الأصداف من رواسب أو جوامد صلبة لماعة مستديرة في بعض الحيوانات المائية الدنيا من الرخويات, واحدته لؤلؤة بهاء, والجمع لآلئ, و اللؤلؤة أيضا: البقرة الوحشية .
ماهر: مَهَرَ الرجلُ مَهارةً، إذا أحكمَ الشيء، وحذقه وأتقنه, ومنه قيل: سابح ماهر أَي حاذق, وفلانٌ ماهر بكذا وكذا، إذا كان حاذقاً به, وسابحٌ ماهر،, وكلُّ حاذقِ بصنْعةٍ فهو ماهرٌ بها.
يماقس: المماقسة: المغاطة في الماء. وفي المثل لمن يمارس داهية: " إنما تماقس حوتا ", ويقال: هو يماقس حوتا, إذا ناظر أو خاصم أقوى منه, ومقسته في الماء مقسا: أي غططته فيه، مثل قمسته, ويتماقسان في البحر, أي يتغاوصان.
غاصة: جمع غائص, وأصل الغوص الهجوم على أمرٍ متسفِّلٍ, ومنه الغَوْصُ النزول تحت الماء, والغوص أيضا: موضع يخرج منه اللؤلؤ، والغاصة: مستخرجوه, و الغَوَّاصُ بالتشديد الذي يغوص في البحر على اللؤلؤ, وفعله الغِيَاصة, وغاصَ على العلمِ الغامِضِ حتى استنبطه.
القمامس: قمامس، وقمامسة: جمع قاموس، وقومس: وهو قعر البحر, وقيل: وسطه ومعظمه.

المحتوى: يعرج الشاعر في هذا البيت على الفئة التي يتربع في بحبوحتها, وهم أساطين الأدب المحرومون من النوم, والمدمنون للسهر, الذين أرقت هذه الزائرة أجفانهم, فعكفوا في ميادين المعرفة, يتعهدون خيل البلاغة بما يقويها, ويجعلها مستعدة لخوض المعركة المقبلة(معركة الإبداع) فلا بد من تعليم وتأديب وترويض كنوع من التهيئة لهذه المهمة الجليلة, وفي نفس الوقت كان عليهم أيضا أن يقوموا بانتقاء الجمان والدرر الثمينة التي تثقب وتصنع منها الحلي الفاخرة, والقوافي السائرة؛ لتزيين البنات التي سوف يتم تعيينهن لاستقبال هذه الزائرة الكريمة, واللاتي تعتبر السينية التي تحدثنا الآن من أروعهن في نظري, فلا تتألف هذه الفئة إلا من المهرة الحاذقين لفن السباحة, في بحور القريض, المتمرسين باستخراج اللئالي والدرر من أعماق محيطات اللغة وبحار الأدب بكل إتقان وإحكام, فشأنهم في مثل هذه المناسبات هو المباراة في الغوص في أعماق البحار, والتغاوص الجاد الذي يغطي فيه المرء صاحبه في معمعة من الهجوم والانقضاض على مظان استخراج الجواهر, فلا مكان في هذه النخبة لمن لم يشتهر في صف الغواصة البارعين الذين لا يهابون الحيتان, ولا يتخوفون من الرمي بأنفسهم في قعر محيطات اللغة وقواميسها, فيسبحون في جريتها, ويفوزون ببغيتهم, في ثقة تامة بأنهم سوف يصلون إلى شاطئ السلامة وبر الأمان.

(تخر بأيديهم رواعف نكسا=مساطر كم أربت على شبر قائس)

المفردات: تخر: الخاء والراء أصل معناه: اضطراب وسُقوط مع صوتٍ, وكل من هَوَى من عُلْو إلى سُفْل, فقد خر, خَرَّ لله ساجدا يخر بالكسر خُرُوراً: سقط, والخر السقوط، كالخرور، أو من علو إلى سفل، والشق، والهجوم من مكان لا يعرف, وخر النائم: صوّت, والخرخرة: صوت القصب ونحوه.
رواعف: جمع راعفة, ورَعَفَ يرعُف رعافا, إذا سال الدم من أنفه, والراء والعين والفاء أصلٌ واحد يدلُّ على سَبْق وتقدُّم ومبادرة, يقال: فَرَسٌ راعفٌ: سابقٌ متقدِّم. ورَعَف فلانٌ بفرسِهِ الخيلَ، إِذا تقدَّمها, وقد رَعَفَ فلان أصحابه إذا سبقهم في السير, وقد جاء راعِفاً أي سابقاً, واسترعفوا: تقدموا, فكأنّ الرُّعافَ دمٌ سَبَقَ فتقدّم, ويقال للرِّماح: رواعفُ، من أجل أنها تقدَّم للطَّعْنِ, أو لِمَا يقطُر منها الدّمُ. ومن سجعات الأساس : من عرف القرآن ، رعف الأقران.
نكسا: جمع ناكسة, والناكِسُ: المُطأطئ رأسه, نَكَسَ الشيء فانْتَكَسَ: قلبه على رأسه, ونَكَّسَهُ تَنْكِيساً, ونكس العاشق: عاد عيده، والجرح: انتقض.
مساطر: جمع مسطر ومسطرة, آلة يكتب بها ويخط, والسطر: الخط والكتابة, وسَطَرَهُ، أي صَرَعَهُ, ويقال: سطر فلان فلانا بالسيف سطرا: إذا قطعه به.
كم: وضعت للتكثير, إذا لم يرد بها الاستفهام.
أربت: أربى على كذا: زاد عليه, والإرباء: الزيادة, وأربى على القدر الفلاني: جاوزه.
شبر: الشبر ما بين أعلى الإبهام وأعلى الخنصر مذكر, والجمع أشبار, وشبر الثوب وغيره شبرا قاسه بشبره, والشين والباء والراء أصلان: أحدهما بعض الأعضاء، والآخر الفَضْل والعطاء.
قائس: اسم فاعل من قاس الشيء يقيسه قيسا و قياسا و اقتاسه و قيسه: إذا قدره على مثاله.

المحتوى: هذه الفئة المنتخبة التي تضم صاحب السينية, هي التي صارت أناملهم في تلك الليالي محارب تعتكف فيها المساطر والأقلام المصنوعة من القصب المختار, والمبري على شروط النُّساخ الماهرين, المنحصرة في الجمع بين الملاسة والاستواء, والتوازن في الطول, فها هي ذي سجدا وبكيا, تتوالى أناتها وصريرها, وتسكب عبراتها الشبيهة بالرعاف على خدود الصحائف, ولا ترفع رأسها إلا لتتابع الهوي مرة أخرى, مبتدرة بذلك إحراز قصب السباق, وضمان الفوز في المباراة المنتظرة, فتُذكِّر الرائي عند طأطأة رؤوسها, وسكب دموعها, بحالة العاشق التي نُكئت جروح فؤاده, وعادت له ذكرى معشوقه بعد الفراق.

(تحِنُّ إلى الباري بواكيَ سجَّداً... سجودَ أبيلٍ ناكس في الكنائس)

المفردات: تحن: الحنين الشوق، وتوقان النفس, وشدة البكاء، والطرب، أو صوت الطرب عن حزن أو فرح. حن يحن حنينا استطرب , وقد حَنَّ إليه يحن بالكسر حَنِينا فهو حَانٌّ, وحَنينُ الناقة: صوتها إذا اشتاقَتْ, والحنة بالكسر رقة القلب.
الباري: اسم فاعل من برى يبري بريا إذا نحت وسوى, برى العود أو الحجر و نحوهما بريا نحته فهو بارٍ ومنه المثل (أعط القوس باريها) كل الأمر لصاحبه و القلم سوى طرفه للكتابة, والباء والراء والحرف المعتلّ أصلان: أحدهما تسويةُ الشّيءِ نحتاً، والثاني التعرُّض والمحاكاة. فالأصل الأوّلُ قولهم بَرَى العُود يَبرِيه بَرْياً، وكذلك القلم.
بواكي: جمع باكية, وبَكَى يبكي بالكسر بُكاء, وهو يُمَدّ ويُقْصَر, فالْبُكاء بالمدّ الصَّوت, وبالقصر الدّموع وخروجها.
سجدا: جمع ساجدة, وسجد: خضع و تطامن و وضع جبهته على الأرض فهو ساجد, وجمعه: سجَّد و سجود, ومنه سُجُودُ الصلاة.
أبيل: راهب النصارى, أو عظيمهم,وأبل أبالة: ترهب وتنسك فهو أبيل.
الكنائس: الكنيسة كسفينة: متعبد اليهود, والجمع الكنائس, وهي معربة أصلها: كنشت . أو هي متعبد النصارى كما هو قول الجوهري, وخطأه الصاغاني, فقال: هو سهو منه, إنما هي لليهود والبيعة للنصارى . أو هي متعبد الكفار مطلقا .

المحتوى: وكما أن طأطأة هذه الأقلام الراعفة لرؤوسها تذكر بإطراقة العاشق, حينما تستوعبه الذكريات الأليمة لفراق معشوقه, فكذلك عند ارتفاعها عن الصحيفة إلى ناحية الخطاط الذي قام ببريها وتسويتها, لا يتخيل رائيها سوى أنه أمام عابد عظيم من المتنسكين, منكسا رأسه داخل معبده, في لحظة من لحظاته التي يستغرق في تأملاته, وينقطع إلى خالقه ومعبوده, من شدة الحنين والشوق, وتوقان النفس , ورقة القلب, فتراه وقد رفع رأسه من السجود مخضلة لحيته بالدموع, بل بالدماء, وهو يوالي الأنين, ويردد صوته الحزين, فكذلك هذه المساطر حين ما تحن إلى بُراتها, رافعة رأسها من سجودها على الورقة, لا تشبه إلا ذلك العابد في نحوله وحزنه وحنينه وبكائه... ويمكن أن يكون الشاعر يقصد أن هذه الرواعف السوابق في الحلبات, كانت تستن في إصطبلاتها, ويتمالكها الحنين, وتشمس برؤوسها, نحو الشاعر (إغلس) والد زائرتهن المثيرة (العينية) حيثما كان (باريا) ليراعته, ومليقا لنونه, لولا أن فرسانها البراة, يستمسكون بأعنتها, ويتحكمون في حركتها, أم أن هؤلاء النخبة قد وصلوا من الاهتمام بموضوع التفاعل مع هذه النصيحة, ومن الابتهال إلى الله في توفيقهم لتلبية ندائها بتنشيط حركة التعليم, وإحياء روح الأدب, إلى درجة شاركتهم فيها كل متعلقاتهم في الابتهال, بما فيها الأقلام التي كانوا يكتبون بها, فهي أيضا تهفو إلى خالقهم وخالقها في إنجاح هذه المهمة.

(صوادرَ من فيحاءَ لم يكُ ماءُها=بغور ولا طرق ولا بمشاوس)

المفردات: صوادر: جمع صادرة, من صدر عن الماء, أو المكان والورد صدرا وصدورا, رجع وانصرف والصَّدَرُ: الانصراف عن الوِرْدِ وعن كلِّ أمرٍ، ويقال: صَدَروا وأصدَرْ ناهُم.
فيحاء: واسعة, والفَيْحُ والفَيَحُ: السعة.
غور: غائر, الماء الغائر الذي لا يقدر عليه.
طرق: الطَّرْقُ بالفتح و المَطْرُوقُ ماء السماء الذي تبول فيه الإبل وتبعر.
بمشاوس: بعيد الغور, قليل لا يكاد يرى, وشاوس الماء صعبت رؤيته لقلته أو بعده.

المحتوى: في هذا البيت يكمل الشاعر المعنى الذي أسسه في البيت السابق, فيذكرنا بأن تللك الرواعف السوابق كانت ممتلئة ريّاً مع نحافتها وهزالها, حيث إنها كانت تستقي من بركة واسعة, قبل صدورها لتسرح في تلك الصحائف, بِرْكة تتموج فيها المياه الصافية, التي لم يكثر عليها الطلب, ولم تكدرها المارة, ولم تعلق بها الشوائب, ولكنها ليست مما يعجز الشاعر وأمثاله, فهم فقط الذين يوردون عليها, ثم يصدرون, فالماء ثجاج, وصاف, ومقدور عليه, ولكن ليس مواتيا لكل طارق, وإنما هو خاص لمن يمتلكون الوسائل المطلوبة لوروده.
والشاعر هنا يتحدث عن المحبرة الخاصة التي لا تستقي منها إلا أقلام النخبة القادرين على إعطائها حقها.

(تخالُ إذا ما رقَّشوا الرَّق رَقَّهم=بتائكَ ريشٍ من خوافي الطواوس)
المفردات: تخال: تظن, وخالَ الشيء يخاله ظنه, والخَيَال: كلُّ شيءٍ تَخَيَّل لك عن غير حقيقة.
رقشوا: زخرفوا وزينوا وزوقوا, وحية رَقْشاءُ: فيها نقط سواد وبياض, والتَّرقيشُ: الكتابة، ورَقَّشْتُ الكتاب: كتبته.
الرق: الرَّقّ بالفتح: الصحيفة البيضاء, أوما يكتب فيه, وهو جلد رقيق, ومنه قوله ـ تعالى: {في رق منشور}.
بتائك: قِطع, والبَتْك أن تقبض على شَعَرٍ أو ريشٍ, أو نحوِ ذلك, ثم تجذبَه إليك, فينْبتِكَ من أصله، أي ينقطع ويَنْتَتِفُ.
ريش: كسوة الطائر, الواحدة ريشة, واللباس الفاخر, والحالة الجميلة, والراء والياء والشين أصلٌ واحدٌ يدلُّ على حُسْن الحال، وما يكتسب الإنسانُ من خَيْر. فالرِّيش: الخير. والرِّياش: المال. ورِشْت فلاناً أَرِيشُه رَيشاً، إذا قُمْتَ بمصلحةِ حالِه, وكسوة الطائر من هذا.
خوافي: الريش الصغار التي في جناح الطائر ضد القوادم, واحدتها خافية.
الطواوس: جمع طاووس, وهو طائر حسن الشكل, كثير الألوان, يبدو وكأنه يعجب بنفسه وبريشه, ينشر ذنبه كالطاق (يذكر ويؤنث) والجميل من الناس ونحوهم, والأرض المخضرة فيها كل ضرب من النبت أو الورد، ويُقال للشَّيْء الحَسَن: إنّه لمُطَوَّس.

المحتوى: هذه البركة أو بالأحرى هذه المحبرة, لا يصدر منها إلا مشاهير الخطاطين مثل الشاعر وجماعته, أولئك الذين يتخيل من يتصفح مخطوطاتهم, ويتأمل في ذخائر تراثهم, أن ما أمامه لم يكن من نمط الأوراق المكتوبة, بقدر ما هو من نوع آخر قد وصل غاية الجمال, وتنسم قمة الحسن, فيتصور نفسه وكأنما هو يقلّب بيديه أثناء قراءتها نتفاً لطيفة من الريش كالتي تتساقط بين يديك حينما تقبض على ريش ذلك الطائر الجميل المعروف بـ(الطاووس؛ وذلك لما تتمتع به تلك المخطوطات من عناية فائقة, وزبرجة بالألوان الزاهية الجميلة, وتزويق بكل أنواع الزخرفة والزينة, فتشعر بالراحة والاطمئنان أثناء تصفحها, كما لو أنك تتنزه في روضة خضراء, قد اشتملت على أنواع الزهور والورود.
إلى هنا انتهت هذه اللوحة الفنية من فعاليات الاستقبال, وسوف أوافيكم بلوحة أخرى من اللوحات الفنية التي تضمنها هذا المتحف قريبا إن شاء الله.


 
 توقيع : م الإدريسي

قال الإمام العارف ابن قيم الجوزية -رحمه الله : كل علم أو عمل أو حقيقة أو حال أو مقام خرج من مشكاة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فهو من الصراط المستقيم وما لم يكن كذلك فهو من صراط أهل الغضب والضلال ).


رد مع اقتباس