عرض مشاركة واحدة
قديم 06-09-2010, 10:55 AM   #8
مراقب عام القسم الأدبي


الصورة الرمزية السوقي الخرجي
السوقي الخرجي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 32
 تاريخ التسجيل :  Feb 2009
 أخر زيارة : 06-03-2016 (12:32 AM)
 المشاركات : 780 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: تمبكتو أسطورة التاريخ



مقال للنائب في مجلس الشورى السعودي /نجيب الزامل عن المعلمة التاريخية (تن بكتو).
تمبكتو.. والموتُ حبـّاً




نجيب الزامل
.. لقد استغرقنا في أحداثِ شرق البحر المتوسط، وما أسميه بظاهرة استيقاظ الضمير الإنساني بلا حدود في الأيام الماضية، واليوم نلتقط أنفاسنا لأحدثكم في موضوع أُحِبّ أن تعرفوه ..
قد تذكرون هنا أني كتبت عن «الخميادو» لغة الموريسكيين بعد ضياع فردوس العرب في إسبانيا، وكانت من أكثر ما أخذ لبي في رحلتي البحثية عن تلك اللغةِ هي المدينة السحرية ذات التاريخ الغامض، أغرب مدن العالم في وقتها «تمبكتو». اليوم أحدثكم عن جزءٍ من حكاياتها، ربما وجدنا يوماً آخر نكمل حكاية مدينة السحر المختبئة بين الصحراءِ والنهر وعبَق التاريخ..
«تمبكتو» كانت عاصمة جمهورية «مالي» الإفريقية (جنوب الصحراء الكبرى) .. وما زالت، يا لها من مدينة، هذه المدينة التي لا يعرفها إلا أقل القليل في العالم كانت حتى أواسط القرن الـ 18 لغز الألغاز، وحديث الأوساط العلمية والجغرافية، وحلم طالبي الأمجاد، وأمنية صائدي الكنوز والثروات .. كانت المدينة الغامضة الساحرة الثرية التي ملأت خيالَ الأوروبيين حتى زرعت فيهم الرغبةَ العارمة للمغامرة. لقد هاجتْ الرحلاتُ الاستكشافية الأوروبية، واستطارت منذ النهضة على يد دولةٍ جاهلةٍ فقيرة، ولكن رجالها رجالُ بحرٍ متمرسون وأشداء، هي البرتغال، حتى دانَ أكثرَ العالم المعروف لإمبراطوريات أوروبا الكبرى.
في القرن الـ 18 كان معظم العالم قد عُرف، واستـُكشِفَ، ما عدا هذه المدينة الغامضة الساحرة «تمبكتو».. وكل من حاول الوصول إليها قبل ذلك الوقت مات إما نافقاً عطـَشا في الصحراء، أو مقطـّعاً من غزوات الطوارق، أو محموماً حتى الموت ببعوض وحشرات الأنهار إن حاول الوصول من الجنوب متتبعاً مسار نهر «النيْجر» نحو رأس تقوّسِهِ العظيم، قبل أن يحط عائدا للمحيط، حيث حُدِّدتْ المدينة الساحرة ..
أما من ولــَّعَ الأوروبيين بهذه المدينة، فهو عميدُ رحالة العرب والعالم، «ابن بطوطة»، ولم يكن ابن بطوطة دقيقا، ولكنه لم يكن مبالغا، حين وصف ثراءَ إمبراطورية «مالي» وعاصمتها البازغة «تمبكتو». إلا أن هذا كان في بداية القرن الـ 14 ..
تغيرت الأيامُ، وغارتْ الأمجادُ، وتقلبت الأحوالُ، وطار الذهب. ولكن المخيلة الأوروبية نسجتْ الأسطورة من بَعد، وتفاقمتْ حتى إنه صار يُعتقـَد أنها نهاية العالم، وذروة الحضارة، والفكر، وأن كل العلوم ومخطوطات العرب والإغريق والرومان محفوظة بمكتباتها العامرة، وكانوا يؤمنون بأن شعبَ تمبكتو مثقفٌ ومتطورٌ بما يفوق العالمين، وأنهم يتخايلون ثراءً، وأن كنوز «ألدور رادو» في أمريكا الجنوبية لا تقارن بعظمة كنوز تمبكتو، وأنها قلبُ إفريقيا الذي يضخ الجاهَ والثراء. وأن علماءَها يحملون العلومَ وأسرارَ الكون.
.. تمعنوا بهذا التقرير الذي شاع بأوروبا في القرن الـ 17: «إنها مدينة العجب تمبكتو، سقوفُ بيوتِها من صفائح الذهب الخالص، ومحاطة بجبال ما إن تجرح سطحها حتى تعميك أشعة الذهب التي تحالف أشعة الشمس لإبهار روح المنقبين». وتقريرٌ آخر يقول: «إن هواءَها من أعجب الأهوية للصحةِ والنموّ والقوة ولا يدور في الهواء إلا معبـّقاً بأريج أحلى الزهور والنهار». بل في عام 1809م كتب تاجرٌ بريطاني يدعى جي. جاكسون، تعامل مع المغرب، واصفاً تمبكتو في كتابه: «المعلومات المهمة عن تمبكتو، (المتجر الأعظم) لإفريقيا الوسطى»، أنها تستوي على نهر «النيجر» بازدهار فوق الخيال، وتنتشر قراها على ضفاف النهر العريض غنية خصبة مرهقة للعين بسطوع جمالها، ومزدحمة بالسكان مثل ما هو على أنهار الصين. وأن حكامها يتنقلون من قصورهم الفارهة إلى المساجد البراقة القباب كالألماس (مستخدما الصفة الإنجليزية المعبرة الكلاسيكية Lustrous) محفوفين بالخدم والحشم والعبيد. كتابُهُ هذا انتشر كالعدوى في القارة الأوروبية، وتربع ملكا على كل الكتب انتشارا، ومضت 11 سنة وما زال بذات الألق .. ولكن «جي جاكسون»، عرفنا أنه كذّاب ولم يرَ أو حتى حاول أن يرى تمبكتو!
وجاءت حملاتٌ وحملات، ومكتشفون، وطامعون، ومبشرون، اندثروا عبر الصحراء، أو بغزوات الطوارق أباطرة تجارة الصحراء وقراصنتها، أو بالموت بالهذيان والانتفاخ حتى الموت لمن سلك ضفاف النهر.. حتى وصل أمريكيٌ إلى لندن أرسله قنصل بريطانيا في «أغادير» وروى هذه الرواية أمام لجنة من الخبراء الجغرافيين: «تحطمت سفينتي قبالة الشاطئ الجنوبي للمغرب وأُسِرْتُ عبدا مع تجارٍ عربٍ أخذوني لتمبكتو، ثم أطلقوا سراحي». ووصف لهم الصحراءَ بدقةٍ عجيبة، وواحاتها، وممراتها، وعيونها، ومناخها .. وأعجبوا بالدقة، ولكن لما أتى على وصف تمبكتو بأنها: «مدينةٌ فقيرةٌ وجافـّة ومتخلـّفة وقذرة، وليس بها إلا مئات الأكواخ البائسة ..» طرَدْته اللجنة ووصفته بالعَتـَهِ والسُخفِ، وأرسل قنصلُ أغادير عنه أنه «مجردُ أفـّاقٍ مختل». ثم سنعرف فيما بعد أن ذاك البحّارَ الأمريكي كان أول من قال الحقيقة.
أما أول مَن وصل فعلا إلى تمبكتو برحلتين توقفان القلب والأنفاس فهما شابان، الأول إنجليزي مات بعد أن وصل، والآخر فرنسي وصل وروى الحقيقة عن تمبكتو بعد أن عاد لباريس مبتورة نصف أعضائه.
وأما ما دفعهم لهذه المجازفة فلم يكن حبهم للاكتشاف .. وإنما حبّ امرأة.
ربما حكينا تلك القِصصَ في يومٍ آخر.




 
 توقيع : السوقي الخرجي

غــدا أحلـــــــى .. لاياس ... لاحزن.. لا قنوط من رحمة الله.نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة


رد مع اقتباس