التوطئة:
إن واقع تاريخ أفقنا واقع مر، تاريخ مجيد في مآثر شتى، سواء فيما يتعلق سواء ما يتعلق بالقبائل ذات السيادة في السلطة، أو القبائل ذات السيادة في العلم، بل كل من في أفقنا من المجتمع لعب دورا تاريخا عظيما في العطاء السخي في مجالات شتى، تذكر فتشكر...
هذا وإن جانب قبائل أهل العلم في أفقنا، لجدير على ما لها من التاريخ العظيم المآثر، لحري أن يبكي عليه دمعا، وأن يبكي بقلمه عليه: ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر
ولقد أفلس كثير من حفدة ذلك الإرث العظيم بذهاب ما لم يقيد، وضياع ما قيد...
وذلك من المصاب الجلل التاريخي المبين، خاصة في حق قبائل السوقيين، المقول فيهم:
لكل أناس حرفة عرفوا بها***فحرفتكم نشر العلوم كما يدرى
ولو كنت بوابا على باب جنة***لقلت لأهل السوق أنتم به أحرى
كما قال العلم الشهير الشيخ الكبير الكنتي ـ رحمه الله تعالى
وآل السوق وإن عدت قبائلهم***فإنها دون شك يثربيات
كما قال الشيخ العلامة إغلس بن محمد الإدريسي السوقي المرسي ـ رحمه الله تعالى.
هذا على عموم السوقيين...
أولئك آبائي فجئني بمثلهم*** إذا جمعتنا يا جرير المجامع
فما بالك أيها القارئ الكريم بقبيلة تنغاكل من بين تلك القبائل اليثربيات، الكواكب العلمية النيرات: من ذا الذي لمس المجرة باليد
إن قبيلة تنغاكل، حقا لها أن تجازى بين أهل العلم في أفقنا عن معروفها المعروف العلمي ـ جيلا جيلا ـ لأنها لم تبخل، بل بالغت في العطاء العلمي الرصين، أن بلغت أن من لم يفتح عليه بالعلم في حيه، يتفجر علما إذا نزل بساحتهم في طلب العلم، إذا جد واجتهد، كما أثر في بعض مصادر المنطقة، وذلك وقع بفضل من الله، ثم ما من الله عليهم من المعرفة العلمية والتفنن في وسائل التفهيم العلمي للبليد والعبقري، كل على حسب مستواه، واجتهاده...
وقد أثر
قبيلة لها كرامات علمية توفيقية محضة، اكتسبتها اكتساب الفضائل المشروعة، ليست من نوع كرامات أهل التصوف المردودة نقلا وعقلا...
مكثت في تنغاكل ما شاء من المدة لم أسمع لولي لهم على نهج الصوفيين...
ولم أسمع من أسند كرامة من كرامات الصوفية إلى علم من أعلامهم ـ وما أكثرهم علما وديانة...
ولو كانت فيهم الكرامات الصوفية لذكرت ـ بإذن الله ـ كما تذكر في كتب الصوفية لأوليائها...
والذي يذكر بين قبيلة تنغاكل هو مجرد أسماء أعلام إن جرى ذكرهم كان سبب الذكر في سبيل العلم، أو ما يدعو إليه من التيدن المشروع...
ما رأيت لهم إقامة بدعة مولود نبوي، ولا بدعة ختم القرآن في شهر رمضان، ولا سمعت ذلك ولا غيره مما هو من طقوس الصوفية المتبدعة، ولو كان معمولا به سابقا بينهم، لأدركناه، أو لاستفاض نقله ـ بإذن الله ـ كما استفاض نقل الكرامات الصوفية وكل صغيرة وكبيرة من دلائل تلك الكرمات وجلها لا يقبلها العقل السليم لتعارضها مع صريح النقل الصحيح، ومع ذلك تنقلها الصوفية سلفا وخلفا، إذ يرون ذلك وأضرابه من الحق المبين المشروع، والشرف المنيف والعمل الصالح المرفوع ـ نعوذ بالله من الضلال بعد الهدى...
وقد أدركت بقية أعلام قبيلة تنغاكل المشاهير علما وفضلا وديانة في عصرهم، كشيخي الشيخ العلامة زين الدين الإدريسي السوقي التنغاكلي، وأضرابه...
فوقفت ما يتصور في أنك أيها القارئ الكريم لو أتيت أحدهم وأنت لا تعرفه، وأنت أتيت تسأل عنه، لما اهتديت إلى شخصيته من قبل إظهار الشخصية الفذة بمجمع الزوائد المحدثات...
هذا غيض من فيض من حقائق تنغاكل الجليلات التي أدركتها، وعايشتها بينهم أيام كنت في أحضانهم العلمية الحريرية المهد الكريم...
وإن شاء الله ما دمت حيا سأكون لهم ولغيرهم من العلم والفضل في أفقنا ـ بإذن الله تعالى ـ كما قال حسان ـ رضي الله عنه: واذكر أبا بكر بما فعلا.
وذلك هو النهج السديد في معرض ذكر الفضل لأهله ونشره، والقيام به على الوجه البين الرضي:
ومن وفائه ـ عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ـ بالعهد وقيامه في حفظه بالحد أنه قدم عليه وفد النجاشي فقام صلى الله عليه و سلم يخدمهم بنفسه فقال له أصحابه نحن نكفيك فقال إنهم كانوا لأصحابنا مكرمين وإني أحب أن أكافئهم وقال صلى الله عليه و سلم: حسن العهد من الإيمان
الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام وإظهار محاسن الإسلام
المؤلف : محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح القرطبي أبو عبد الله
الناشر : دار التراث العربي - القاهرة ، 1398
تحقيق : د. أحمد حجازي السقا