الموضوع: فصول من حياتي
عرض مشاركة واحدة
قديم 12-28-2011, 12:20 PM   #19
مراقب عام القسم الأدبي


الصورة الرمزية السوقي الخرجي
السوقي الخرجي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 32
 تاريخ التسجيل :  Feb 2009
 أخر زيارة : 06-03-2016 (12:32 AM)
 المشاركات : 780 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: فصول من حياتي



العلاقات داخل القبيلة.
العلاقات الداخلية في العشائر السوقية تعد أمرا في غاية من الأهمية فعلاقات الفرد بالقبيلة, والأفراد مع بعضهم تحددها طائفة من التقاليد والأعراف, التي تنظم جانبا مهما من الحياة داخل القبيلة, وتوجد نوعا من التجانس والتكاتف بين أفرادها, حتى يشعر الفرد بفخر بأنه يسير تحت مظلة القبيلة وبالتالي فهو ينطلق بناء على ذلك في علاقاته وولاءاته بالخارج فلا يكاد يعطي أويمنع شيئا خارجا عن رضا القبيلة ولم تكن حالة الأفراد في القبائل السوقية بعيدة عن حالة دريد بن الصمة حين قال:
أمرتهم أمري بمنعرج اللوى = فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد
فلما عصوني كنت منهم وقد أرى= غوايتهم وأنني غير مهتد
وما أنا إلا من غزية إن غوت = غويت وإن ترشد غزية أرشد
وهناك أيضا ولاءات داخل القبيلة وبين بيوتاتها تخضع لاعتبارات القرابة أو اعتبارات مشيخية ولكل خصوصيته فخصوصية بيت والدي ومعلمي وبيت بني أحنى تختلف عن أي خصوصية أخرى في القبيلة.
الاستعمار الفرنسي.
كانت قبيلة (كل فامبلقو) ضمن القبائل السوقية التي انتدبها الزعيم السوقي الشيخ محمد أحمد بن الجنيد في المشاركة في معركة (كبرو) الشهيرة 1916م وتم التنسيق معها بواسطة صفة القبيلة الدينية بحيث تساعده في تحريض القبائل ضد (الكفار) ولم يصل إلي من المعطيات التاريخية أن القبيلة كلها شاركت في القتال ماعدا عمر بن محمد وحلال بن محمد وعلي فذا والثلاثة لهم دور فاعل أيضا في الإنقاذ والنجاة ببعض الجرحى.
مابعد المعركة.
معركة (كبرو) الواقعة عام 1916م هي آخر المعارك التي دارت رحاها بين المقاومة الطارقية وقوات الاحتلال الفرنسية وهي معركة فاصلة طويت معها آخر صفحة في مواجهة المستعمر الفرنسي كما أنها بداية السيطرة الكاملة لفرنسا على جميع مناطق الصحراء تقريبا يقول بول مارتي عن معركة(اضرانبوكار) التي كانت في نفس اليوم(وهو اليوم الذي وضع نهاية سياسية وعسكرية للثورة) .
وقد اضطر الحي بعد المعركة إلى مصالحة المستعمر على حقن دمائهم وذلك بواسطة السلطان اقنت بن همهم والذي كان ضمن السلاطين الذين لم يستجيبوا لدعوات الزعيم فهرون بن الإنصار بنقض الصلح بينه وبين فرنسا وبقي على الصلح الأول وقد استفاد الناس من ذلك بعد التراجع الذي حصل للمقاومة الطارقية.
الفوضى وانعدام الأمن.
تعرض هذا الحي للنهب والسلب من قبل بعض قبائل الطوارق انتقاما منهم ومن كل القبائل التي صالحت الفرنسيين وبقيت في أماكنها قرب البحر, والمضحك المبكي أن هناك فتوى صدرت من بعض المشايخ بأخذ ونهب أموال القبائل التي صالحت المستعمر ودفعت القبيلة ثمن هذه الفتوى حيث تم نهب كل شيء في الحي من الإبل والبقر وغير ذلك حتى أواني المنازل وخيم البيوت, وهذا من الأسباب التي دعتهم إلى الانتقال من مضاربهم شرق النهر إلى غربه وصدق عليهم هم وهذه القبائل المثل الشعبي المعروف (حاميها حراميها).
وجرت جراء أحداث نقض المعاهدة أحداث جسام وأهوال عظام تشيب النواصي وتزيل الرواسي, وتبدلت الأمور وتغيرت الأحوال وتغبر وجه الولاءات القديمة وكشرت القلاقل عن أنيابها.
وواكبت هذه المرحلة حركة نشطة شهدت نقاشا حادا بين علماء السوقيين والذين انقسموا بدورهم بين من يرى عدم جواز البقاء تحت إيالة الكفار كما يقولون ومن يرى ضرورة التعامل مع المستعمر للاستفادة من خدماته ومن حمايته أيضا نظرا لماتموج به المنطقة من انعدام الأمن وسيادة الفوضى .
وقد ركدت ريح جميع الدعوات المنادية بالجهاد وعلا صوت العيش تحت ظل الاستعماركما مرعلينا قبل قليل عام1916م.
علاقاتها بالقبائل السوقية.
لاتخلو أي قبيلة من علاقات تربط بينها وبين القبائل المحيطة بها وعلاقات الحي مع القبائل السوقية الأخرى تحكمها عدة عوامل منها عامل القرابة وهو الأهم, وعامل المشيخة, وعامل الجوار في المضارب والمناهل وذكرت الأخير هنا لأهميته حيث أن الجوار في القبائل البدوية له أهمية بالغة تقرب البعيد وتبعد القريب.
والعلاقات بين القبائل السوقية ليست أحلافا حربية ولا هي مبنية على مصالح عسكرية بل هي في الأساس علاقة روت عروقها الأرحام وجذرت وشائجها القربى ولم تكن علاقتهم نتيجة صراعات قبلية أو نزاعات على المطامع السلطوية والسيادية في الغالب فأحسن تعبير عنهم أنهم أسرة واحدة فرقت بينها مصالح اقتصادية في رقعة جغرافية محدودة ولم يشهد التاريخ أن قبيلة منهم حملت السلاح ضد الأخرى في أي فترة من فترات تواجدهم في الصحراء.
فقد اختاروا منذ الوهلة الأولى الانحياز إلى السلم وعدم الزج بأنفسهم في الصراعات القبلية والنزاعات المحلية وقد نتجت عن ذلك أوضاع نفسية لها تأثيرها الكبير على تعاطيهم مع الأحداث التي تمر بالمنطقة فلا توحدهم رغم هذه الروابط الأخطار المحدقة ولا تجمعهم المحن الهادرة.
وقد تغير كل شيء في المنطقة وهم شهداء على ذلك ولكنهم ظلوا باقين على وضعهم الأول ولم تكن مشاركتهم فعالة أو فاعلة في مجريات الأحداث التي تمر بها منطقتهم رغم أنهم أشد الناس دفعا للثمن في تلك الأحداث سواء في الأرواح أو في الممتلكات ولكن ذلك لم يغن شيئا ولم يحرك شعرة في رؤوس قادتهم وهيهات أن يفعلوا شيئا في ظل هذا الاستسلام للأمر الواقع والاكتفاء باستماع الأحداث والتغيرات الكبرى التي تموج بها المنطقة كما تستمع أخبار الغزو الأمريكي للفضاء وأحوال الطقس في جزر الكاريبي دون أن يشاركوا في رسم خط السير ويضعوا سياسة تطوي أمام الأجيال القادمة المراحل وتهون المتاعب.
ولم يكن هذا وضع أسلافهم بل كانوا لاعبين أساسيين في المعادلات القائمة في المنطقة.
أرجو أن لا أؤاخذ هنا على الاستطراد فذنب ذلك على جنب كتب الأدب التي ربتني على الاستطراد والإطالة .
وأيضا فإنني أرى أنه من الضروري الحديث عن هذا الأمر بالإسهاب لأن الحالة أصبحت من الأمراض المزمنة التي تقتضي مزيدا من مجاهر الفحص والنقاش لمعرفة السبب في زهد قبائل السوقيين عن المشاركة الفاعلة في قضايا المجتمع والناس مما أدى بهم إلى العيش على هامش الحياة .
الدور الاجتماعي.
وقد استطاعوا تحويل السلبيات التي كانت سائدة في غيرها من القبائل البدوية إلى مكاسب فلم تكن القبيلة وعاء فارغا تمارس فيه النعرات القبلية والمنافسات الشخصية بل جعلوها أرضية صالحة لتنمو فيها القيم وتزهر من خلالها الشيم وتوطد فيها علاقات جذرت استمرار التعارف وضرورية التكاتف والتآلف وجرت بينهم مواقف ساهمت في توعية الجميع بضرورة الترابط والحفاظ على عهود القبيلة وعدم المساس بها.
ومن مظاهر ما تقدم أن الخلافات التي تحصل وتقع بينهم يتم احتواؤها في أغلب الأحيان بواسطة علمائهم وأعيانهم ولا يلجئون فيها إلى المرافعات القانونية بل يتم إنهاء أي نزاع بينهم في أطر بينية وينظرون بمركب نقص فيمن يلجأ إلى الحكومة بعيدا عن الحلول القبلية.
وإن المرء ليقف وقفة إجلال وإكبار أمام ماتتمع به قبائل السوقيين من حميمية العلاقات التي تربطهم بالصعيدين السوقي والطارقي فقد نحجوا في صياغة تحالفات شهدت تمازجا واشتباكا منقطع النظير.
ومما لاشك فيه أن علاقات السوقيين مع بعضهم وعلاقتهم بغيرهم شكلت صورا مضيئة في تاريخ المنطقة ولم يكن اللثام الذي يغطي وجوههم ليحجب تلك السياسة فهي سياسة واضحة استخدم فيها الأسلاف تقنية عالية من الحنكة والعقل العلمي والذكاء الاجتماعي واستطاعت تعبيد دروب التعامل الأخوي والسلمي بين مكونات شعوب المنطقة.
دورهم المركزي في بناء سلطة دينية عريضة خارج المدن.
وقد استخدم السوقيون جميع الوسائل الممكنة في بناء سلطة دينية متكاملة خارج المدن وحولوا ساحات الصحراء إلى ميدان واسع أو جدت من خلاله قدرا من التنافس العلمي الذي كانت تسيطر عليه حواضر السواحل, وأسسوا دولة للعلم خارج المدن, نمت فيها وازدهرت الحياة الفكرية والدينية, بشكل لالبس فيه.
ويستطيع المرء التعرف على السوقيين كقادة مجددين ذوي شخصيات آسرة استطاعت المحافظة على المنصب الديني في قبائل الطوارق في ظل السلطنات التي قامت في المنطقة وأن تقود تحالفا عريضا مع زعماء الطوارق قرونا ضاربة في جذور التاريخ وتمكنوا من إيجاد تصور ديني لهذا التحالف ويرسخون له ولاء والتزاما.
ونافحوا ودافعوا بأقلامهم عن هذه الدويلات التي استبدت بالسلطة في صحراء الطوارق.
وقد قلت في إحدى مناسبات تجدد هذا الهم باكيا على دور الأجداد, في صحراء الطوارق.
طولت ذي الهموم أيام وجدي = وأحاطت بي الكروب لوحدي
وسرى في الفؤاد واقد هم = ظل يُغلي دمي ويلفح جلدي
وبدا حظنا لقى كرماد = في فلاة مبدد غير مجد
لانصوح يبدي النصيحة صفوا = أو صديق يهديك ودا بود
واستبد الجميع بالرأي حتى = لاترى من يدعو لخطة سعد
يقبلون إلى الأمور حيارى = فاقض غما من عاجز مسبد
ليت لي بهم رجالا إذاما = جد جِدّ قاسوا الأمور بحد
ولهم في الأحداث رأي وعقل = يتخطى الصعاب ساعة يخدي
وانطوى فيهم من الله سر = صير الألف من سواهم بفرد
وحووا في المعالي أوفر حظ = يتهادى مابين حزم وجد
ولهم في العلوم إرث قديم = غير خاف وليس بالمستجد
رمدت أعين عمت عن نداهم = وأكف لهم لدى البذل تندي
قدبنوا في الصحراء أبراج مجد= رسموا في أعلامها كل حمد
ومن العجائب أن هذه القبائل التي كان أغلبها يتنقل في الصحراء هي التي حافظت على العلم في المنطقة خلافا للقاعدة الخلدونية أن العلم وليد العمران.
ومع هذا فإنهم مع ماتقدم يهتزون للمكارم, ويهتمون بذخائر المعروف, ويتلذذون بمكارم الأخلاق, ويتنافسون في اصطناع الصنائع, وادخار البضائع, مع الرجوع إلى نقائب ميمونة,وديانات متينة, ونفوس أمينة, وسرائر مصونة, وعلانية طيبة.


 
 توقيع : السوقي الخرجي

غــدا أحلـــــــى .. لاياس ... لاحزن.. لا قنوط من رحمة الله.نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

التعديل الأخير تم بواسطة السوقي الخرجي ; 01-22-2012 الساعة 12:45 PM

رد مع اقتباس