عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 05-04-2009, 07:04 PM
عضو مؤسس
م الإدريسي غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 61
 تاريخ التسجيل : Mar 2009
 فترة الأقامة : 5516 يوم
 أخر زيارة : 09-06-2012 (03:33 PM)
 المشاركات : 419 [ + ]
 التقييم : 10
 معدل التقييم : م الإدريسي is on a distinguished road
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي نشأة اللغة بين نظرية الاصطلاح وغيرها.



بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
إخوتنا الكرام زوار منتديات مدينة السوق أهلا بكم من جديد في منتداكم منتدى المصطلحات.
لما كان المصطلح هو ما أنشئ هذا المنتدى للحديث عنه , فلا مجال لإغفال الكلام عن بعض القضايا اللغوية ؛ لأن المصطلحات لاانفكاك لأبحاثها عن اللغة بحال ؛ إذ الاصطلاح عبارة عن تعديل ما في الوضع اللغوي الأصلي للكلمة ( الحقيقة اللغوية ) .
وأول قضية يتحدث عنها من قضايا اللغوية إذا اتبعنا الترتيب الطبيعي للأشياء على حد قول الأخضري :
وقدم الأول عند الوضع لأنه مقدم بالطبع
قضية نشوء اللغة نفسها.
فكيف نشأت اللغة ؟ .
وما هي الأقوال الموجودة في الموضوع ؟.
وما هو الراجح منها ؟.
هذا ما سيقوم منتدى المصطلحات بمعالجته في هذا الأسبوع .
وسنكون مسرورين جدا حينما يتفاعل الأعضاء والزوار بهذ الموضوع , لعلنا نصل فيه إلى ما لم يصل إليه الأولون , ولا مانع من ذلك.
فكم ترك الأول للآخر .
ولا أحد يجهل ذلك الدور البارز الذي تضطلع به اللغة في حياة البشر , إذ هي الأداة لنقل الفكر , والوسيلة للتعبير عن الأحاسيس والمشاعر , كما تعتبر أيضا عاملا من عوامل البعث القومي , ووعاء لحفظ التراث , وهي فوق ذلك اختزال رمزي للواقع , يمكن الإنسان من التفكير والإبداع بأقل الجهود.
وقد حظيت اللغات –في كل مكان-بالعناية البالغة , والدراسة العميقة , سواء من حيث الأصوات أم النحو , أم الصرف .
إلا أن طريقة نشوئها ظلت سرا غامضا ولغزا محيرا إلى يومنا هذا.
فمن منا يستطيع أن يعرف كيف نطق الإنسان الأول بألفاظ مفهومة؟!..
إن علماءنا قد اختلفوا تجاه هذه القضية من لدن بداية طرحها على طاولة النقاش , وانقسموا حولها على عدة أقوال يمكن إجمالها كالتالي :
( التوقيف , الاصطلاح, التوفيق ,التوقف )
إذن سيكون عنوان الموضوع كالتالي :
نشأة اللغة
( بين الاصطلاحيين والتوقيفيين و التوفيقيين والمتوقفين ).
وقبل الدخول في تفاصيل الموضوع لا بد لنا من إلقاء الضوء على بعض الخطوط العريضة التي اعتبرت أساسية لاستيعاب الموضوع وفهمه .

1-البحث اللغوي عند القدماء :
بوسعنا أن نقول :
إن البحث اللغوي والتفكير في نشأة اللغة وكفية نشأتها قد يدعى أنه قديم قدم التفكير الإنساني فهناك محاولات للقدماء في هذا الموضوع
نظروا فيها إلى اللغة نظرة, اتسمت بثلاث سمات : القدسية , الأحادية , الشمول.
القدسية :
وتتمثل القدسية في اعتقاد بعضهم أن اللغة هبة من الله –تعالى-وليس فيها دور لصنعة البشر واختراعهم ,وهذه النظرة ناتجة عن انبهار أصحابها باللغة بما فيها من روعة وجمال ودقة وإعجاز –بهرت هؤلاء وسحرتهم , سحرا دفع بهم إلى هذا الاعتقاد .
وقد جاء في القرآن مايشير إلى مذهبهم بكثير من الوضوح والبيان .
قال –تعالى-: ( وعلم آدم الأسماء كلها)
الأحادية :
وهي أيضا تتجلى في ذلك الزعم الذي صرخ به بعضهم واعتقد فيه : أن اللغة –في الأصل-واحدة ولكنها انشعبت فيما بعد إلى لغات عدة .
ويستشهدون على هذا بتلك الأسطورة التي نسجوها حول برج بابل , فالبشر –في زعمهم- فزعوا من الموت وهالهم أن تؤول حياتهم إلى الفناء , ففكروا بحيلة تدفع عنهم غائلة الموت , فكانت بناء برج بابل ....الخ كلام طويل آخره أن الرب بلبل ألسنتهم.
الشمول:
ويقصد به كون الإنسان القديم –على مايبدو-يقول بقدرة جميع المخلوقات على الكلام .
فالمصريون القدماء , وأهالي الإنكا بجنوب أمريكا اعتقدوا بوجود لغة الطير , كما أشار الكيميائي فولكانلي إلى أن الاعتقادبلغة الطير كان معروفا عند القدماء :
إن أولئك الكتاب القلائل الذين تحدثوا عن لغة الطير يجعلون لها المقام الأول في نشوء اللغة حتى إنهم اعتقدوا أن آدم استعملها –بأمر الله-ليطلق أسماء مناسبة على البشر والمخلوقات.
وقد أيدت الدراسات المعاصرة وجود لغات عند الحيوانات والحشرات .
وفي القرآن إشارات متعددة إلى قدرة الطيور والحشرات على الكلام .
(وورث سليمان داود وقال يأيها الناس علمنا منطق الطير...) ( حتى إذا أتوا على وادي النمل قالت نملة يأيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون فتبسم ضاحكا من قولها ...)
وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطن مبين فمكث غير بعييد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين )
2-نظريات القدماء:
نظرية التوقيف.
ومما تقدم يظهر أن القدامى اعتقدوا بأن اللغة وحي إلهي , أو هبة سماوية مكنت الإنسان من التفاهم والتواصل .
وهذا المفهوم لغة يدعى ب( نظرية التوقيف ).
وبها قال الأعاجم هراقليطس ودوبونالد وتوماس الإكويني.
وبموجب هذه النظرية تكون العلاقة بين لفظ الكلمة ومدلولها , حتمية واجبة , فالكلمة ليست مجرد صوت وضع للشيء اعتباطا , وإنما هي موجبة به, ودالة عليه بالضرورة.
وقد عرض علينا أفلاطون رأي هيرقليطس على لسان قراطيلس :<يوجد بالطبيعة , اسم صحيح لكل كائن في الحياة ؛إذ الكلمة ليست تسمية يطلقها الشخص على الشيء بعد التواطؤ , ولكن ثمة بالطبيعة لليونانيين والبرابرة طريقة صحيحة للتدليل على الأشياء هي ذاتها عند كل الناس>.
أما العرب فقد انقسموا فريقين: فريق يقول بالتوقيف , وفريق يقول بالاصطلاح .
فالجاحظ كان من القائلين بالتوقيف .
إذ ذهب إلى أن الله فتق لسان إسماعيل بالعربية ليكون دليلا على نبوته ,قال الجاحظ : <وقد جعل الله إسماعيل وهو ابن عجميين عربيا لأن الله لما فتق لهاته بالعربية المبينة على غير النشوء والتمرين ...جعل ذلك برهانا على رسالته , ودليلا على نبوته , وصار أحق بذلك النسب وأولى بشرف ذلك الحسب>( أورده عبد الصبور بن شاهين في :"علم اللغة العام"ص:69-70,نقلا عن مخطوطة بعنوان :"مختارات وفصول للجاحظ".
كما كان أبو علي الفارسي من المعتقدين بالتوقيف بشهادة تلميذه ابن جني في الخصائص ,قال : <إن أكثر أهل النظر على أن أصل اللغة إنما هو تواضع واصطلاح , لا وحي وتوقيف .
إلا أن أبا علي –رحمه الله-قال لي يوما : هي من عند الله .
واحتج بقوله –سبحانه وتعالى-(وعلم آدم الأسماء كلها).( الخصائص,1/44).
ومن أبرز القائلين بالتوقيف ابن فارس إذ صرح في كتابه "الصاحبي"قائلا :<أقول :إن لغة العرب توقيف ودليل ذلك قوله –جل ثناؤه-lوعلم آدم الأسماء كلها)فكان ابن عباس يقول : علمه الأسماء كلها , وهي هذه الأسماء التي يتعارفها الناس من دابة وأرض وسهل وجبل وجمل وجبل وحمار وأشباه ذلك من الأمم وغيرها >.(231).
وتنحصر أدلة أصحاب نظرية التوقيف هذه في ثلاثة أمور :
1-أن اللغة-لو كانت اصطلاحا-لاحتاج المصطلحون إلى لغة بها يعبرون قال : <لا بد من التوقيف في أصل اللغة الواحدة لاستحالة وقوع الاصطلاح على أول اللغات من غير معرفة المصطلحين بعين ما اصطلحوا عليه>.(المزهر,1/27).
2-أننا لم نسمع من قبل بقوم اجتمعوا لغرض الاصطلاح .
قال ابن فارس :<وخلة أخرى أنه لم يبلغنا أن قوما من العرب في زمان يقارب زماننا أجمعوا على تسمية شيء من الأشياء مصطلحين عليه , فكنا نستدل على اصطلاح قد كان قبلهم>( الصاحبي,231)
3-أنه لو لم تكن العلاقة , بين الاسم ومدلوله , ضرورية لكان تخصيص الأسماء بالمسمى ترجيحا من غير مرجح .
قال عباد الصيمري :<إنه لو لم تكن هناك علاقة ضرورية بين اللفظ والمدلول , حملت الواضع على أن يضع هذا الاسم لهذا المسمى , لكان تخصيص الاسم المعين ترجيحا من غير مرجح >.(المزهر47)بتصرف.
نظرية الاصطلاح :
إلا أن نظرية التوقيف هذه أثارت رد فعل عنيفا عليها من قبل جماعة أخرى قالت بأن اللغة جاءت عن طريق الاصطلاح والتواطؤ .
فاللغة –عندهم –ضرب من العقد الاجتماعي اللازم لضرورة العيش .
ومن القائلين بالاصطلاح عند الأعاجم ديمقريطس الذي رفض أن تكون الألفاظ لضرورة العيش وأن تكون بالضرورة معبرة عن مدلولاتها.
وقد ذهب مذهبه كثير من المفكرين في الغرب , مثل : لوك وكوندياك وآدم سمث , فقرروا أن اللغة ليست هبة من لدن الله , وإنما هي من صنع البشر , حفزهم إليها أسباب وضرورات اجتماعية .
وقد شن الاصطلاحيون هجوما عنيفا على أصحاب التوقيف وأبرز آرائهم هي :
1-أن الألفاظ لا تدل بالضرورة على المسمى , وإنما هي اصطلاح :<إن الاسم الذي نطلقه على الشيء هو الاسم الصحيح , فإذا استعضنا عنه أتى الثاني صحيحا كالأول.
نغير أسماء ممتلكاتنا دون أن يكون الاسم الجديد أقل حظا -في الدقة-من السابق .
لأن الطبيعة لا تأخذ على عاتقها أن تطلق أسماء خاصة , فالتسمية وليدة التكرار والعادة عند الذين زاولوا فعلها >أورده الحاج في فلسفة اللغة ص:18.والقول لهرموجينس يعبر عن رأي ديموقريطس.
2أن تنوع اللغات يشهد على عدم وجود علاقة حتمية بين الاسم والمسمى وقد عبر عن هذه الفكرة كمال يوسف الحاج بقوله:<فلو كانت العلاقة بين اللفظ والشيء حتمية جبرية لتكلم الناس لغة واحدة , ولأثارت الكلمة عينها في أذهان الكل المعنى ذاته>في فلسفة اللغة ص:25بتصرف .
3-ثم إن وجود الأضداد والمترادفات في اللغة يشهد على عدم وجود ارتباط حتمي بين اللفظ ومدلوله .
وقد عبر عن هذه الفكرة الجمهور بقوله :<ولوكان بين اللفظ وما يدل عليه علاقة ذاتية موجبة لاهتدى كل إنسان إلى كل لغة ولما صح وضع لفظ للضدين , كالقرء للحيض والطهر , والجون للأبيض والأسود ...ولو كان الأمر كذلك لما كان للشيء الواحد أسماء متعددة >.
أما كيفية الاصطلاح فقد تخيلها ابن جني على النحو التالي :<ذلك بأن يجتمع حكيمان أو ثلاثة فصاعدا , فيحتاجون إلى الإبانة عن الأشياء المعلومات فيضعوا لكل واحد منها لفظا إذا ذكر عرف به مسماه ليمتاز عن غيره , ويغني بذكره عن إحضاره لبلوغ الغرض في إبانة حاله>( الخصائص 1/44)بتصرف.
ورجع ابن جني ثانية فشرح لنا كيف يكون التواضع ؟قال :<فكأنهم جاؤوا إلى واحد من بني آدم , فأومؤوا إليه , وقالوا :إنسان ...إنسان...إنسان....فأي وقت سمع هذا اللفظ علم أن المراد به هذا الضرب من المخلوق , وإن أرادوا به سمة عينه أو يده أشاروا إلى ذلك , فقالوا :يد ,عين ,رأس,قدم ,أو نحو ذلك , فمتى سمعت اللفظة من هذا عرف معنيها وهلم جرا>(مصدر سابق).
وسنوافيكم -إن شاء الله في الأسبوع القادم بوجهة نظر القائلين بنظرية التوفيق ونظرية التوقف.
وإلى هنا نتوقف ونترك المجال لقرائنا الكرام لعل الله قد خلق بعد ابن جني من يتصف بتلك الصفات التي افترضها فيمن قبلنا , فيرجح لنا وله بين الكفتين وما ذلك على الله بعزيز.



 توقيع : م الإدريسي

قال الإمام العارف ابن قيم الجوزية -رحمه الله : كل علم أو عمل أو حقيقة أو حال أو مقام خرج من مشكاة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فهو من الصراط المستقيم وما لم يكن كذلك فهو من صراط أهل الغضب والضلال ).


آخر تعديل م الإدريسي يوم 05-04-2009 في 07:23 PM.
رد مع اقتباس