عرض مشاركة واحدة
قديم 11-01-2011, 07:42 PM   #9
مشرف منتدى الحوار الهادف


الصورة الرمزية أبوعبدالله
أبوعبدالله غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 8
 تاريخ التسجيل :  Dec 2008
 أخر زيارة : 05-13-2024 (09:44 AM)
 المشاركات : 1,679 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي خطبة : صلاح الدين الأيوبي



خطبة يوم الجمعة الأولى بعد فتح بيت المقدس على يد صلاح الدين الأيوبي
لما فتح صلاح الدين الأيوبي بيت المقدس في سنة 583 ه ( 1189 م) وكان قد مضى

عليها نحو قرن وهي في أيدي الأوربيين اهتز العالم الإسلامي بأجمعه. ورحل كثير
من العلماء وذوي الوجاهة في البلاد الإسلامية لرؤية الاحتفال بفتحها ودخولها في
طاعة صلاح الدين.
واختار صلاح الدين لخطبة يوم الجمعة الأول من فتح المدينة القاضي محيي
الدين محمد بن علي المعروف بابن الزكي فارتقى المنبر وألقى هذه الخطبة التاريخية
بين حشد من مسلمي جميع الأقطار العربية (وكانت ولادته في 550 ووفاته في
598 ه بدمشق). ونحن ننشر هذه الخطبة على غلو صاحبها في التعصب لكي يدرك
القارئ منها ذهنية الناس في ذلك العهد وكيف كانوا يتطاحنون من أجل الدين —
والدين لا يدعو إلا إلى التسامح. قال:
الحمد لله معز الإسلام بنصره. ومذل الشرك بقهره. ومصرف الأمور بأمره.
ومديم النعم بشكره. ومستدرج الكفار بمكره. الذي قدر الأيام دولا بعدله.
وجعل العاقبة بفضله. وأفاء على عباده من ظله. وأظهر دينه على الدين
كله. القاهر فوق عباده فلا يمانع. والظاهر على خليقته فلا ينازع. والآمر
بما يشاء فلا يراجع. والحاكم بما يريد فما يدافع. احمده على اظفاره
واظهاره واعزازه لأوليائه. ونصره لأنصاره. وتطهير بيته المقدس من أدناس
الشرك وأوضاره. حمد من استشعر الحمد باطن سره وظاهر جهاره.
وأشهد أن لا إله إلا لله وحده. لا شريك له الأحد الصمد. الذي لم يلد ولم
يولد. ولم يكن له كفوًا أحد. شهادة من طهر بالتوحيد قلبه. وأرضى به
ربه. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. رافع الشك ومدحض الشرك وماحق
الإفك. الذي أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى. وعرج به منه
إلى السموات العلى إلى سدرة المنتهى. عندها جنة المأوى ما زاغ البصر وما
طغى. صلى لله عليه وعلى خليفته أبي بكر الصديق السابق إلى الإيمان.
وعلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أول من رفع عن هذا البيت شعار
الصلبان. وعلى أمير المؤمنين عثمان بن عفان ذي النورين جامع القرآن.
وعلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب مزلزل الشرك ومكسر الأوثان وعلى
آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان. أيها الناس. ابشروا برضوان لله الذي
هو الغاية القصوى والدرجة العليا لما يسره لله على أيديكم من استرداد
هذه الضالة من الأمة الضالة. وردها إلى مقرها من الإسلام. بعد ابتذالها
في أيدي المشركين قريبًا من مائة عام. وتطهير هذا البيت الذي أذن لله
أن يرفع ويذكر فيه اسمه. وإماطة الشرك عن طرفه. بعد أن امتد عليها
رواقه واستقر فيها رسمه. ورفع قواعده بالتوحيد. فإنه بنى عليه وشيد
بنيانه بالتمجيد. فإنه أسس على التقوى من خلفه ومن بين يديه. فهو
موطن أبيكم إبراهيم. ومعراج نبيكم محمد عليه السلام وقبلتكم التي
كنتم تصلون إليها في ابتداء الإسلام. وهو مقر الأنبياء ومقصد الأولياء
ومدفن الرسل ومهبط الوحي. ومنزل به ينزل الأمر والنهي. وهو في أرض
المحشر وصعيد المنشر. وهو في الأرض المقدسة التي ذكرها لله في كتابه
المبين. وهو المسجد الذي صلى فيه رسول لله صلى الله عليه وسلم بالملائكة المقربين. وهو
البلد الذي بعث إليه لله عبده ورسوله وكلمته التي ألقاها إلى مريم.
وروحه عيسى الذي كرمه برسالته. وشرفه بنبوته ولم يزحزحه عن رتبة
عبوديته. فقال تعالى ?لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْدًا لله وَلَا الْمَلَائِكَةُ
الْمُقَرَّبُونَ?. كذب العادلون بالله وضلوا ضلالا بعيدًا ما اتخذ لله من
ولد وما كان معه من إله إذن لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم
على بعض. سبحان لله عما يصفون. لقد كفر الذين قالوا إن لله هو
المسيح بن مريم (إلى آخر الآيات من المائدة). وهو أول القبلتين وثاني
المسجدين وثالث الحرمين. لا تشد الرحال بعد المسجدين إلا إليه. ولا تعقد
الخناصر بعد الموطنين إلا عليه. فلولا أنكم ممن اختاره لله من عباده.
واصطفاه من سكان بلاده. لما خصكم بهذه الفضيلة التي لا يجاريكم
فيها مجار. ولا يباريكم في شرفها مبار. فطوبى لكم من جيش ظهرت
على أيديكم من المعجزات النبوية والوقعات البدرية والعزمات الصديقية
والفتوحات العمرية والجيوش العثمانية والفتكات العلوية ما جددتم به
للإسلام أيام القادسية والملاحم اليرموكية والمنازلات الخيبرية والهجمات
الخالدية. فجزاكم لله عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الجزاء. وشكر لكم ما
بذلتموه من مهجكم في مقارعة الأعداء. وتقبل منكم ما تقربتم به إليه
من اهراق الدماء. وأثابكم الجنة فهي دار السعداء. فاقدروا رحمكم لله
هذه النعمة حق قدرها. وقوموا لله تعالى بواجب شكرها فله المنة عليكم
بتخصيصكم لهذه النعمة وترشيحكم لهذه الخدمة. فهذا هو الفتح الذي
فتحت له أبواب السماء. وتبلجت بأنواره وجوه الظلماء. وابتهج به الملائكة
المقربون. وقرت به عيون الأنبياء والمرسلين. فمن عليكم من النعمة بأن
جعلكم الجيش الذي يفتح على يديه بيت المقدس في آخر الزمان. والجند
الذي يقوم بسيوفهم بعد فترة من النبوة أعلام الإيمان. فيوشك أن يفتح
لله على أيديكم أمثاله. وأن تكون التهاني لأهل الخضراء أكثر من التهاني
لأهل الغبراء. أليس هو البيت الذي ذكره لله في كتابه. ونص عليه في
محكم خطابه. فقال تعالى ?سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى? بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ
الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأقَْصَى?. أليس هو البيت الذي عظمته الملل. وأثنت
عليه الرسل. وتليت فيه الكتب الأربعة المنزلة من لله عز وجل. أليس هو
البيت الذي أمسك لله تعالى لأجله الشمس على يوشع أن تغرب. وباعد
بين خطواتها ليتيسر فتحه ويقرب. أليس هو البيت الذي أمر لله عز
وجل موسى أن يأمر قومه باستنقاذه. فلم يجبه إلا رجلان. وغضب لله
عليهم لأجله فألقاهم في التيه عقوبة للعصيان. فاحمدوا لله الذي أمضى
عزائمكم لما نكلت عنه بنو إسرائيل. وقد فضلت على العاملين. ووفقكم لما
خذل فيه أمم كانت قبلكم من الأمم الماضين. وجمع لأجله كلمتكم وكانت
شتى. وأغناكم بما أمضته كان وقد عن سوف وحتى. فليهنكم إن لله
قد ذكركم به في من عنده. وجعلكم بعد أن كنتم جنودًا لأهويتكم جنده.
وشكر لكم الملائكة المنزلون على ما أهديتم لهذا البيت من طيب التوحيد
ونشر التقديس والتمجيد. وما أمطتم عن طرقهم فيه من أذى الشرك
والتثليث والاعتقاد الفاجر الخبيث. فالآن تستغفر لكم أملاك السموات.
وتصلي عليكم الصلوات المباركات. فاحفظوا رحمكم لله هذه الموهبة فيكم.
واحرسوا هذه النعمة عندكم. بتقوى لله التي من تمسك بها سلم. ومن
اعتصم بعروتها نجا وعصم. واحذروا من اتباع الهوى ومواقعة الردى.
ورجوع القهقري والنكول عن العدا. وخذوا في انتهاز الفرصة وإزالة ما
بقى من الغصة. وجاهدوا في لله حق جهاده. وبيعوا عباد لله أنفسكم
في رضاه إذ جعلكم من خير عباده. وإياكم أن يستزلكم الشيطان. أو
يتداخلكم الطغيان فيخيل لكم أن هذا النصر بسيوفكم الحداد وخيولكم
الجياد وبجلادكم في مواطن الجلاد. لا ولله ما النصر إلا من عند لله
العزيز الحكيم. فاحذروا عباد لله بعد أن شرفكم بهذا الفتح الجليل والمنح
الجزيل. وخصكم بنصره المبين. واعلق أيديكم بحبله المتين. أن تقترفوا
كبيرًا من مناهيه وأن تأتوا عظيما من معاصيه. فتكونوا كالتي نقضت
غزلها من بعد قوة أنكاثا. وكالذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها. فاتبعه
الشيطان فكان من الغاوين. والجهاد. الجهاد. فهو من أفضل عباداتكم
وأشرف عاداتكم. انصروا لله ينصركم. احفظوا لله يحفظكم. اذكروا لله
يذكركم. اشكروا لله يزدكم ويشكركم. جدوا في حسم الداء وقلع شأفة
الأعداء. وطهروا بقية الأرض من هذه الأنجاس التي أغضبت لله ورسوله.
واقطعوا فروع الكفر واجتثوا أصوله. فقد نادت الأيام بالثارات الإسلامية
والملة المحمدية. لله أكبر. فتح لله ونصر. غلب لله وقهر. أذل لله من
كفر. واعلموا رحمكم لله إن هذه فرصة فانتهزوها. وفريسة فناجزوها.
وغنيمة فحوزوها. ومهمة فاخرجوا لها هممكم وأبرزوها وسيروا إليها سرايا
عزماتكم وجهزوها. فالأمور بأواخرها. والمكاسب بذخائرها. فقد أظفركم
لله بهذا العدو المخذول. وهم مثلكم أو يزيدون. فكيف وقد أضحى قبالة
الواحد منهم منكم عشرون. وقد قال لله تعالى ?إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ
صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ و?َإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا
بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ?. أعاننا لله وإياكم على اتباع أوامره والازدجار
بزواجره. وأيدنا معاشر المسلمين بنصر من عنده. إن ينصركم لله فلا
غالب لكم. وان يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده. إن أشرف مقال
يقال في مقام. وأنفذ سهام تمرق عن قسي الكلام. وأمضى قول تجل به
الأفهام. كلام الواحد الفرد العزيز العلام. قال لله تعالى ?وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ
فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ?
(ثم قرأ سورة الحشر) ثم قال:
اللهم وادم سلطان عبدك الخاضع لهيبتك. الشاكر لنعمتك. المعترف بموهبتك.
سيفك القاطع وشهابك اللامع. والمحامي عن دينك المدافع. والذاب عن
حرمك الممانع. السيد الأجل الملك الناصر. جامع كلمة الإيمان. وقامع عبدة
الصلبان. صلاح الدنيا والدين. سلطان الإسلام والمسلمين. مطهر البيت
المقدس. أبي المظفر يوسف بن أيوب محيي دولة أمير المؤمنين. اللهم
عم بدولته البسيطة. واجعل ملائكتك براياته محيطة. وأحسن عن الدين
الحنيفي جزاءه. واشكر عن الملة المحمدية عزمه ومضاءه. اللهم ابق الإسلام
مهجته. وق للإيمان حوزته. وانشر في المشارق والمغارب دعوته. اللهم كما
فتحت على يديه البيت المقدس. بعد أن ظنت الظنون وابتلى المؤمنون.
فافتح على يديه داني الأرض وقاصيها. وملكه صياصي الكفر ونواصيها.
فلا تلقاه منهم كتيبة إلا مزقها. ولا جماعة إلا فرقها. ولا طائفة بعد
طائفة إلا ألحقها بمن سبقتها.
اللهم اشكر عن محمد صلى الله عليه وسلم سعيه. وأنفذ في المشارق والمغارب أمره
ونهيه. اللهم وأصلح به أوساط الناس وأطرافها وأرجاء المملكة وأكنافها.
اللهم ذلل به معاطس الكفار. وأرغم به أنوف الفجار. وانشر ذوائب ملكه
على الأمصار. واثبت سرايا جنوده في سبل الأقطار. اللهم اثبت الملك فيه
وفي عقبه إلى يوم الدين. واحفظه في بنيه وبني أبيه الملوك الميامين. واشدد
عضده ببقائهم. واقض بإعزاز أوليائه وأوليائهم. اللهم كما أجريت على
يده في الإسلام هذه الحسنة. التي تبقى على الأيام. وتتخلد على مر الشهور
والأعوام. فارزقه الملك الأبدي الذي لا ينفد في دار المتقين. واجب دعاءه
في قوله ?رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى? وَالِدَيَّ وَأَنْ
أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ?. ا.ه.


 
 توقيع : أبوعبدالله


العقول العظيمه تناقش الافكار , والعقول المتوسطه تناقش الاحداث , والعقول الصغيره تناقش الاشخاص



رد مع اقتباس