نشر الرياحين:
بين يدي المادة:
الدين إنما أتى بالنقل***ليس بالاوهام وحدس العقل
هذا والكلام في أهمية الكلام المسند، لا يتأتى بغير إسناد، والإسناد هو الركن الأساس في اعتبار طرق ضعف وصحة المنقول، وبه يدرك منقول الناقل من المعقول...
وبه تدرك أهمية كل قول ليس للقائل بين الأواخر والأوائل...
فالإسناد كما قيل: الإسناد من الدين، المقول في أهم ميزانه نقلا وعقلا: لو لا الإسناد لقال من شاء ما شاء.
وليس هذا موضع الاستطراد في ذلك، وإنما سقت هذه الإشارة في معرض اعتزاز خيار الأمة بالإسناد...
ولذلك تجد من شذ عن هذا النهج القويم، يقول أو يكتب في كتاباته ما لا يستقيم...
وذلك لإدراك القارئ الحصيف أن تلك المعلومات المسوقة هناك، ليست مما شهدها القائل أو الكاتب، بل عامتها ما أدرك من أسندت إليه...
فيعلم القارئ الحصيف أن من صدر منه ذلك لا يخلو أن يكون أحد الصنفين، من الوضاعين باعتبارت، أو من المدلسين باعتبارات أخرى.
وكل من الوضع والتدليس شر، ومن العيوب التي لا تغتفر، إلا أن: بعض الشر أهون من بعض.
ولما لم يسع الناقل ترك الإسناد، كان ولا بد من قول ما نقله القرطبي: وشرطي في هذا الكتاب: إضافة الأقوال إلى قائلها...فإنه يقال: من بركة العلم أن يضاف القول إلى قائله.
لذا فإني في مادة هذا الكتاب، كغيرها مما تناولته، وسأتناوله ـ بإذن الله تعالى ـ نقلا مبينا عمدة كل نقل ـ ولله الحمد والمنة ـ لتكون العهدة عليه، مع أني ما اعتمدته إلا بعد أن اخترته في معرض براءة الذمة شرعا لتوفر شروط صحة النقل عن مثله، التي منها أني لا أعلم منه ولا ظهر فيه إلا الخير...
والله سبحانه وتعالى يتولى سرائر الجميع، هو وحده علام الغيوب ـ من أحاط بكل شيئ علما.