اليعقوبي: أشكركم على الحوار الهادي والهادف.
أما مبحث الأنشاء، فهو كما تعرفون قتله البلاغيون بحثا وشرحا، وانا أتبعهم في كل ما قالوا، فالمحدثون لم يزيدوا عليهم شيئا، وهذا نص القزويني في التلخيص: {لأن الكلام إن كان لنسبته خارج تطابقه أو لا تطابقه فخبر، وإلا فإنشاء}.
هذا من حيث المفهوم، أما الأنواع فالتمني، والترجي، والاستفهام، والأمر، والنهي، وووو إلخ.
ولكل قسم مستوياته الدلالايه، وتعرفون أن (الصيغة المقترنة باللام ) هي التي قدمها القزويني، في معرض حديثه حول الأمر، ثم قال: { وغيرها: نحو أكرم عمرا، ورويدا بكرا} إشارة إلى أن صيغ الأمر ثلاثة : المضارع المقترن باللام، وصيغة افعل، واسم فعل الأمر. أما دلالات الأمر: فأولها طلب الفعل استعلاء، وقد تكون هذه هي الحقيقية، وغيرها من باب التوسع، ويدل على ذلك نص التلخيص بعد سرد هذه الصيغ يقول: {فهي موضوعة لطلب الفعل استعلاء..... }
وحين أراد ذكر المعاني الأخرى جاء بكلمة (قد) للتقليل فقال: { وقد تستعمل لغيره كالإباحة ... والتهديد ..... والتعجيز .... والتسخير .... والإهانة.... والتسوية .... والتمني.... والدعاء.... والالتماس....}. ومن المعلوم أن الأصوليين استفادوا من هذا المبحث كثيرا في استخراج الأحكام.
ومن هنا أجيب عن سؤالك : هل قوللك للطلل : أجبني .. تبقى له دلالة الطلب أم لا ؟؟
لا أحد يدعي أن دلالة الطلب تبقى هنا بالمعنى الحرفي عند البلاغيين، كما أنه لا أحد يشك في أن هذا الأسلوب إنشاء.
هو إذن في الدائرة الإنشائية، ذات المعاني المتعددة، فلنبحث عن المعنى الملائم له.
استئناسا بما ورد في التلخيص يمكن تسمية الدلالة هنا ب(التمني)، فقد استشهد القزويني للنمني هنا بقول امرئ القيس: ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي ** بصبح وما الإصباح منك بأمثل
فالجامع هو مخاطبة ما لا يعقل، وطلب شيء منه، فالمثال الذي جئت به يوجه الأمر إلى (الطلل)، والبيت يوجهه إلى (الليل). فكأنه يتمنى أن لو أجاب له الطلل. ولكن مع كل هذا يبقى توجيه المعنى في مثل هذا الأسلوب ملكا للقارئ، فليجعله تحديا، أو تهديدا، أو تمنيا.....إلخ
على كل فإن الأمر هنا لم تبق له دلالة (الطلب) باتفاق، ولكن هل يمنعنا ذلك نحن أيضا أن نعبر باللغة ونقول: مثلا: (إن الشاعر {يطلب } من الطلل أن تجيب من باب كذا وكذا.... )؟؟ أنا شخصيا لا أرى مانعا من هذا التعبير.
ولكم كل الشكر على إثارة هذا البحث.