أتشرف بالصدارة في قائمة المعلقين على العضو المبدع ـ ابن المدينة ـ ، وأشكره كثيرا على هذا الموضوع الاجتماعي التربوي، وما يزيد من مكانته نوعية مصادره الأولى حيث سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وسنته، وأمره، و كذلك القاعدة الكونية، والقصص القصيرة ( واقعية/ خيالية) حيث كل ذلك يتراكم وتتكون منه مصداقية حض الآباء على الرأفة بالأبناء. وهو أمر أكدته التربية الحديثة، وحذرت من سلبياته الكثيرة، وأشدها ما يرددونه من ان الطفل من السنة 2 إلى 5، 6 تؤثر عليه قساوة الواليدن سلبا، حيث يزرع فيه ذلك كره الوالد أولا فيما يسمونه ب(عقدة أوديب)، أو كره الأم : (عقدة إلكترا)، وهذه العقدة تولد سلبيات أخرى لا تقل خطورة عنها، من مثل تحول الشخص إلى( مجرم) إذا تطورت عقدة أوديب، وكره الجميع، سيتعطش إلى الدماء، وتتمثل في كل رجل صورة أبيه القاسي، ويبغض كل رجل، ويرغب في الانتقام بالوحشية.... وهكذا ومن البديهي معرفة ما ينتج عن هذه أيضا من شقاوة الإنسان، والقضاء على سعادته، ووءده قبل الأوان.
فمن هنا حذر المربون الآباء من التصرفات السيئة تجاه الأطفال في هذه المرحلة.، ونصحوهم بالرفق والرحمة، وإظهار المزيد من الحب، لزرع هذا الخلق العظيم.
وطبعا كان هذا الجزء المهم من التربية من الكثير الذي سبق إليه ديننا الحنيف. وبينه نبينا صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا.
ولهذا أعود واكرر شكري لابن المدينة.
لكني أستسمح فضيلته في عدم إعجابي ببعض أساليبه، في مقدمة قصيدته الجميلة، وأقتصر على هذا فقط:
(هكذا كان تعليقه الحاد والجاد صلى الله عليه وسلم؛ (أي لا ترحموا من لا يرحم الناس. ومن لا يكن من أهل الرحمة فإنه لا يرحم).
التعبير مفتوح دوما في دين الأدباء، ولا حدود للكلمات إلا إذا تعلق الأمر بشخصية كنبي، وهنا تعلق الأمر بخير خلق الله خلقا وخلقة. فنبينا صلى الله عليه وسلم مثال في كل خلق جميل، و ناه عن كل خلق ذميم.
إنه نموذج كامل في الرفق، وتليين اللكمات، خصوصا اثناء التوجيه، فوصف تعليقه ب(الحاد)، لا داعي إليه في رأيي سوى الرغبة في خلق الجناس الناقص بين (الحاد/ الجاد). وهذا الغرض اللغوي القليل لا ينبغي أن نمس في طريق تحصيله ولو إشارة جانبا من جوانب مدرسة الأخلاق العالمية صلى الله عليه وسلم. فتعليقه جد لطيف، وجد لين. لنمعن النظر في جمالية هذا الأسلوب: النبي عليه السلام يخاطب الأقرع وحده، والمتوقع من مثل هذا المقام هو مخاطبة الفرد السائل/ المتسائل/ المتحث. ولكنه عدل إلى أسلوب عام، يتعلق ب(من) لا ب(أنت)، ولم يصدر كذلك (أمرا، ولا نهيا) بل أصدر حكمة مفادها الترغيب في خلق الرحمة، والترهيب من عدمها، بتعليق لطيف جدا،
على أن الاستنباط أيها الأستاذا المحترم استوقفني أيضا: فالنبي عليه السلام لم ينه وما نهى ولن ينهى عن الرحمة، بل كان آمرا وناصحا بها دوما، لأنه خلقه (ولو كنت فظا غليظ القلب ..... )، وكان أرفق الناس بالناس. ولا ننسى الموقف الذي قال فيه: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)، ونعرف أنه موقف يتنافى ـ بطبيعة الإنسان العادي ـ مع الرحمة. وهو إنما يحبب إلينا أخلاقه الطاهرة، (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، وليس من مكارم الأخلاق مجازاة الإساءة بالإساءة، (فمن عفى وأصلح فأجره على الله).
ونبينا عليه السلام ببلاغته المعجزة عدل عن الأسلوب الذي فسر به أستاذنا الكريم حديثه (لا ترحموا من لا يرحم الناس.....) وإنما ساقه بسياق عام جدا، يشبه الإخبار عن أحوال الناس، أنهم لا يرحمون الذي لا يرحمهم، وهذا أمر تعرفه العرب، ولكن النبي لم يأت ليقرر كل أخلاق العرب والعجم، بل جاء ليصفي الخلق، ويتمم المكارم.
وما رأي الأستاذ إذا قلت إن هذا الجديث يأمرنا بأن نرحم الجميع راحما كان أو غير راحم، فمن طبائع الناس عدم الرحمة للكل فضلا عن الذي لا يرحمهم، ولكن شريعتننا أعلى من طبائع الناس، تستمد الخلق من قبس رباني، فتأمر بالرحمة المطلقة. ؟؟؟ هل هذا المعنى يشير إليه الحديث؟؟ أنا أظنه يمسه بالأصابع، ويشدد عليه.
ولذا أعود وأكرر أن تعليق النبي صلى الله عليه وسلم جد لطيف ولين. وخال من كل معاني الحدة مع أنه جاد.
مع تحياتي الخالصة