الموضوع
:
الكـونفـوشيــة
عرض مشاركة واحدة
#
1
09-22-2010, 07:50 PM
لوني المفضل
Cadetblue
رقم العضوية :
96
تاريخ التسجيل :
Jun 2009
فترة الأقامة :
5629 يوم
أخر زيارة :
10-31-2024 (10:29 PM)
المشاركات :
389 [
+
]
التقييم :
10
معدل التقييم :
بيانات اضافيه [
+
]
الكـونفـوشيــة
الكـونفـوشيــة
التعريف: هي مذهب فلسفي اجتماعي سياسي ديني، يدين بها أهل الصين، وهي ترجع إلى الفيلسوف الحكيم كونفوشيوس الذي ظهر في القرن السادس قبل الميلاد داعياً إلى إحياء الطقوس والعادات والتقاليد الدينية التي ورثها الصينيون عن أجدادهم مضيفاً إليها من فلسفته وآرائه في الأخلاق والمعاملات والسلوك القويم. إنها تقوم على عبادة إله السماء أو الإِله الأعظم، وتقديس الملائكة، وعبادة أرواح الآباء والأجداد.
نشأة المؤسس:
يتحدر كونفوشيوس من أسرة أرستقراطية أحاطت بولادته أوهام وأفكار خيالية، تتناقلها القصص في التراث الصيني، منها أن الأشباح أبلغت أمه الشابة مولده غير الشرعي، وكيف كانت الأرواح الإناث تعطر لها الهواء وهي تلده في أحد الكهوف.
عاش كونفوشيوس يتيماً، توفي والده وهو ابن ثلاث سنوات، وقد مالَ إلى دراسة الفلسفة مع اشتغاله بأعمال بسيطة، تلقى علومه الفلسفية على يدي أستاذه الفيلسوف "لوتس" صاحب النحلة الطاوية، حيث إنه يدعو إلى القناعة والتسامح المطلق، ولكن كونفوشيوس خالفه فيما بعد داعياً إلى مقابلة السيئة بمثلها وذلك إحقاقاً للعدل.
كان الصينيون قبل كونفوشيوس يعطون للتدوين والكتابة هالة معينة، بحيث لا يكون التدوين إلا لبعض الأمور الطقسية والشعائرية أو لأرشيف الحكومات، ولم يكن التأليف الفردي معتمداً، ولكن كونفوشيوس كان أول من كسر هذا التقليد، وأسند إلى نفسه مهمة الكتابة لتوعية معاصريه بما ينشره من مبادىء وقيم أخلاقية واجتماعية تدور حول شؤون السلطة وإدارة المجتمع، لم يذهب كونفوشيوس باتجاه الحديث عن أمور ما وراء الطبيعية، ولا بحث في نظام الكون وسننه، ولا هو أولى جلّ اهتمامه للبحث في المادة والماديات وظواهر الطبيعية ومظاهرها، وإنما تركز اهتمامه على الإنسان.
وسرّ نجاح مشروع كونفوشيوس الفكري في أنه عكف على مجتمعه باحثاً في أزماته وقضاياه التي تمسّ حياة المواطن من الجوانب كافة، وعاد إلى تراث بلاده، ومن ذلك خرج بأفكاره الإصلاحية التي تنطلق من الإنسان والمجتمع من أجل الإنسان، فكان لأفكاره القبول العام بسبب ذلك.
الكونفوشية بعد غياب مؤسسها:
ولم تبق الكونفوشية على حالها بعد كونفوشيوس فانقسمت بعده إلى اتجاهين:
ـ مذهب متشدد حرفي ويمثله "منسيوس" إذ يدعو إلى الاحتفاظ بحرفية آراء كونفوشيوس وتطبيقها بكل دقة، ومنسيوس هذا تلميذ روحي لكونفوشيوس إذ إنه لم يتلق علومه مباشرة عنه، بل أخذها عن حفيده وهو الذي قام بتأليف كتاب الانسجام المركزي. ـ المذهب التحليلي، وأهم رموزه هزنتسي ويانجتسي، إذ يقوم مذهبهما على أساس تحليل وتفسير آراء المعلم واستنباط الأفكار باستلهام روح النص الكونفوشي.
مرتكزات الدعوة:
إن كونفوشيوس الذي عاش في مجتمع يسوده الإقطاع والفوضى وتمزقه الحروب وعدم انتظام الحياة العامة بشكل سليم، كان يدعو إلى احترام الإنسان، ومن أجل ذلك دعا لاقتران السياسة بالأخلاق، وأساس فلسفته إقامة نظام سياسي اجتماعي على أساس من المنطق السليم والمبادىء العقلية السليمة، وهذا النظام السياسي يتخذ أساسه من الأخلاق.
ركّز كونفوشيوس على دور التربية والتعليم لتنشئة الأجيال وإعدادها، والتربية عنده يجب أن تغرس الشعور بالمسؤولية، وروح العمل الجماعي، أما التعليم فيجب أن يكون شاملاً، ومن المتعلمين يجب أن يتم اختيار أصحاب المناصب الإدارية الحساسة، فالتعليم هو المعيار عنده لا الانتماء الاجتماعي.
والكونفوشية لم تبحث عن قيم ومثل في غير عالمنا المعاش، ولم تطلب ما لا يمكن للطبيعة البشرية أن تحققه، ولكنها ترسم أنماطاً من السلوك المبني على الطبيعة الإنسانية وإمكانيات هذه الطبيعة، والنظام الأخلاقي والسلوكي عند الكونفوشيين يقوم على الوسطية والاعتدال بلا إفراط أو تفريط، والعلاقات هذه تقوم على ركائز خمس: هي علاقة الأمير بالرعية، وعلاقة الابن بأبيه، والأخ الأكبر بأخيه الأصغر، وعلاقة الزوج بزوجته، وعلاقة الصديق بصديقه.
لقد توصل كونفوشيوس إلى قناعة مفادها أن مشكلات الشعب تنبع من السلطة الحاكمة التي تمارس من غير مبدأ أخلاقي، ويهمها مصلحة الحاكم ورفاهيته، والصحيح عنده أن تدار الحكومة بشكل يحقق مصالح الناس جميعاً، وهذا لا يكون إلاّ إذا كان أعضاء الحكومة من المتميزين بأكبر قدر من الاستقامة الشخصية، ولذلك رأى أن أخلاق الحاكم تظهر في:
احترام الأفراد الجديرين باحترامه، التودّد إلى من تربطهم به صلة قربى وقيامه بالتزاماته حيالهم، معاملة وزرائه وموظفيه بالحسنى، اهتمامه بالصالح العام، مع تشجيعه للفنون النافعة والنهوض بها، العطف على رعايا الدول الأخرى المقيمين في دولته، وتحقيق الرفاهية لأمراء الأمبراطورية ولعامة أفرادها.
رغم الطابع الإنساني للكونفوشية فإن الموقف من المرأة لم يكن إيجابياً وينسب لكونفوشيوس قوله: "إحذر لسان المرأة، إنك ستلدغ منه إن عاجلاً أو آجلاً واحذر زيارة المرأة إنها ستصيبك إن عاجلاً وإن آجلاً".
أما بالنسبة للعلاقات الوالدية، فقد قالت الكونفوشية بولاء الأبناء "هسياو" وهو فضيلة توقير العائلة واحترامها. فأولاً وقبل كل شيء يتم توقير الأبوين لأن الحياة نفسها متولدة عنهما، وفي غمار إظهار التوقير للوالدين من المهم حماية الجسم من أن يلحق به أذى حيث إن الجسم من الأبوين ومن هنا، فإن حماية الجسم هي تكريم للأبوين.
مصادر الفكر الكونفوشي:
أما عن الفكر الكنفوشي فقد جاء ممثلاً في مجموعتين أساسيتين من الكتب بما التعليقات والشروح والتلخيصات، المجموعة الأولى تسمى الكتب الخمسة، والثانية تسمى الكتب الأربعة.
الكتب الخمسة: وهي الكتب التي قام كونفوشيوس ذاته بنقلها عن كتب الأقدمين وهي:
1-كتاب الأغاني أو الشعر: فيه 350 أغنية إلى جانب ستة تواشيح دينية تغني بمصاحبة الموسيقى.
2-كتاب التاريخ: فيه وثائق تاريخية تعود إلى التاريخ الصيني السحيق.
3-كتاب التغييرات: فيه فلسفة تطور الحوادث الإِنسانية، وقد حوّله كونفوشيوس إلى كتاب علمي لدراسة السلوك الإِنساني.
4-كتاب الربيع والخريف: كتاب تاريخ يؤرخ للفترة الواقعة بين 722 - 481 ق.م.
5-كتاب الطقوس: فيه وصف للطقوس الدينية الصينية القديمة مع معالجة النظام الأساسي لأسرة "تشو" تلك الأسرة التي لعبت دوراً هاماً في التاريخ الصيني البعيد.
- الكتب الأربعة: وهي الكتب التي ألّفها كونفوشيوس وأتباعه مدوِّنين فيها أقوال أستاذهم مع بعض التفسيرات أو التعليقات وهي تمثل فلسفة كونفوشيوس نفسه وهي:
1-كتاب الأخلاق والسياسة.
2-كتاب الانسجام المركزي.
3-كتاب المنتخبات ويطلق عليه اسم إنجيل كونفوشيوس.
4-كتاب منسيوس: وهو يتألف من سبعة كتب، ومن المحتمل أن يكون مؤلفها منسيوس نفسه.
المعتقدات:
إن كونفوشيوس الذي وجّه اهتمامه إلى الإصلاح الاجتماعي السياسي، والذي كان يهدف إلى صياغة مجتمع صيني مستقر، لم يخرج عن المألوف الصيني في المعبود، ولم يذهب إلى مظهر طبيعي يعبده كالشنتوية في اليابان الذين قدسوا آلهة الشمس، أو كالهندوسية في الهند التي انطلقت من الثالوث: براهما ـ فيشنو ـ شيفا إلى الإيمان بآلهة متخصصة لكل شأن.
لقد آمن كونفوشيوس "بأنه ليس في الوجود سوى إله واحد قوي الإرادة هو السماء، وكان أول من صرّح بوجود العناية الوحدانية بالصين عندما كانت الصين غارقة في ظلمات الوثنية والوحشية، ولم يكن هو نفسه موضع عبادة أو تأليه، ولم يرضَ بذلك، لأنه كان يعتبر الآلهة رموزاً لقوى الطبيعة وأرواح السلف ليس أكثر".
هكذا قامت العقيدة عند الكونفوشية على أساس عبادة السماء مع تلمّس الوحدانية، وعلى افتراض آلهة تعرب عنها قوى وظواهر الطبيعة، ومن ثم تقديس الأسلاف على الطريقة الشنتوية اليابانية، والعنصران الآخران في العقيدة مشتركان بين الكونفوشية والشنتوية.
يمكن تحديد العقيدة الكونفوشية على الوجه التالي: "إن الديانة التي اعتنقها كونفوشيوس والتي كانت سائدة في أيامه، على الرغم من الاضطراب الفكري والديني والفلسفي الديني الذي كان سائداً آنذاك، كانت قائمة أولاً على عبادة السماء باعتبارها الإله الأعظم وحاكم الحكام أو رب الأرباب، ثم عبادة الأرض، لأن للأرض هي الأخرى إلهاً، ثم عبادة الأرواح الأجداد ثم عبادة الجبال والأنهار".
وعند الكونفوشية تفسير يحاولون من خلاله تبرير اعتقادهم بقوى الطبيعة وكائناتها، هذا التفسير يبدأ من الماء والنار وما يتعلق بهما وينتهي مع الإنسان، وهو عندهم أرقى الكائنات.يبني الكونفوشيون تفكيرهم على فكرة "العناصر الخمسة":
فتركيب الأشياء: معدن - خشب - ماء - نار - تراب.
الأضاحي والقرابين خمسة.
الموسيقى لها خمسة مفاتيح، والألوان الأساسية خمسة.
الجهات خمس: شرق وغرب وشمال وجنوب ووسط.
درجات القرابة خمس: أبوّة - أمومة - زوجية - بنوّة - أخوّة.
تلعب الموسيقى دوراً هاماً في حياة الناس الاجتماعية، وتسهم في تنظيم سلوك الأفراد وتعمل على تعويدهم الطاعة والنظام، وتؤدي إلى الانسجام والألفة والإِيثار، والرجل الفاضل عندهم هو الذي يقف موقفاً وسطاً بين ذاته المركزية وبين انفعالاته ليصل إلى درجة الاستقرار الكامل.
إن هذه العناصر الخمسة تشكل محور المعتقد الكونفوشي، لذلك كانت عندهم ضمن عباداتهم المرتبطة بالعقيدة خمسة قرابين: "وهذه العبادات الخمس كانت لها طقوس خاصة تختلف من عبادة لأخرى، كما كانت القرابين التي تقدم في حالة عبادة السماء غير تلك التي تقدم في حالة عبادة الأرض مثلاً. وعبادة هذه الأشياء الخمسة إنما كانت لأغراض نفعية خاصة بالإنسانية؛ فعبادة السماء أو ربِّ الأرباب تؤدي إلى أن يقوم كل رب من الأرباب الأخرى المنتشرة في السماء والأرض والبحر بمهمته المكلف بها، وعبادة الأرض من شأنها أن تحفز إله الأرض إلى إنماء النبات وإخراجه إلى حيز الوجود، وعبادة أرواح الموتى الأجداد في المعبد الخاص بذلك من شأنها أن تؤكد الصلة بين الأجداد والأحفاد والآباء والأبناء وتولد الشفقة والعطف بين أفراد الأسرة الواحدة. أما عبادة الجبال والأنهار فهي لتقديس الأرواح الإنسانية الأخرى غير أرواح الأقارب والأجداد، أما تقديم القرابين الخمسة فالغرض منه تخليد أصل الحرف الإنسانية".
ولذلك تتلخص عقيدة الكونفوشيوس فيما يلي:
ـ الإِله الأعظم أو إله السماء ويتوجهون إليه بالعبادة، كما أن عبادته وتقديم القرابين إليه مخصوصة بالملك، أو بأمراء المقاطعات.
ـ إله الأرض، ويعبده عامة الصينيين.
ـ للشمس والقمر، والكواكب، والسحاب، والجبال ... لكل منها إله. وعبادتها وتقديم القرابين إليها مخصوصة بالأمراء.
ـ الملائكــة: يقدسون الملائكة ويقدمون إليها القرابين.
ـ أرواح الأسلاف: يقدس الصينيون أرواح أجدادهم الأقدمين، ويعتقدون ببقاء الأرواح، والقرابين عبارة عن موائد يدخلون بها السرور على تلك الأرواح بأنواع الموسيقى، ويوجد في كل بيت معبد لأرواح الأموات ولآلهة المنزل.
ـ الإيمان بثنائية الـYang والـYin والعناصر الخمسة وخصائصها وصولاً إلى القرابين الخمسة التي قدمونها ولكل واحدة وجهتها.
العبادات والهياكل:
كان الصينيون قبل كونفوشيوس يعبدون السماء ويقدسونها، وكانوا يقدسون الأسلاف ويعبدونهم، وعندما جاء كونفوشيوس وأرسى أسس هذه العبادة استقبل الصينيون عموماً دعوته، وكان لها انتشار سريع في أرجاء البلاد كافة؛ لأنها وافقت مزاجهم، والتزمت منتجات تراثهم الديني.
وقد عرف واقع الصين انتصار وسيادة "الكونفوشية، وعبادة الأسلاف على كثير من الديانات المنافسة لهما، وقاومتا هجمات كثيرة من أعدائهما، وخرجتا ظافرتين من صراع دام عشرين قرناً، لأن الصينيين يشعرون بأنه لا غنى عنهما للاحتفاظ بالتقاليد القومية السامية التي أقامت الصين عليها حياتها. وكما كانت هاتان الديانتان هما الضمانتين الدينيتين لهذه الحياة، فكذلك كانت الأسرة هي الوسيلة الكبرى لدوام هذا التراث الأخلاقي. فقد ظلّ الأبناء يتوارثون عن الآباء قانون البلاد الأخلاقي جيلاً بعد جيل حتى أصبح هذا القانون هو الحكومة الخفية للمجتمع الصيني".
إن هذا النسيج العقدي الموحد للصينيين هو الذي أسهم في صياغة وحدة دينية وقومية جعلت مجتمعهم متماسكاً في الظروف وأمام التحديات كافة. وكانت رأس العبادات عندهم تتمثل بالاحتفالات السنوية الضخمة التي تقام بأمر من الأمبراطور وبمشاركته، وتقدم فيها القرابين للسماء بوصفها تشير عندهم إلى إرادة الإله. يقول ول ديورانت وهو يصف هذا الاحتفال السنوي: "كان من الأصول المقررة في الديانة الكونفوشية، الاعتراف بالشانج ـ تي، أي القوة العليا المسيطرة على العالم، وكان الأمبراطور في كل عام يقرِّب القربان باحتفال عظيم على مذبح السماء لهذا المعبود المحرر. وقد خلا هذا الدين الرسمي من كل إشارة للخلود، فلم تكن السماء مكاناً بل كانت إرادة الإله أو نظام العالم".
لقد آمن الكونفوشيون كمن قبلهم من الصينيين بإرادة عامة تخلق وتسيِّر المخلوقات أطلقوا عليها اسم السماء، بعد عبادة السماء هذه تحل في مرتبة تالية عبادة الأسلاف، وعبادة الأسلاف هذه جعلت ثمة خصوصية عائلية في طقوس العبادات، وإقامة المعابد، حيث أقامت كل عائلة هياكلها ومعابدها الخاصة، وكثيراً ما كانوا يجعلون هذا المعبد أو الهيكل، وهو عندهم "البجودة"، لتخليد ذكرى مؤسس العائلة أو من كان في تاريخها الأكثر بروزاً. "إن عبادة الأسلاف هذه أضحت القسم المكوِّن الرئيسي للمعتقدات والطقوس الصينية، رغم أنها ليست ديناً رسمياً في الصين، فكان لكل عائلة معبدها العائلي الخاص أو مصلاّها، حيث تقام فيه طقوس العبادة العائلية في وقت محدد، ولكل سلالة ـ شي ـ معبدها العشائري للأسلاف (مياو ـ أوتزون ـ مياو) وكثيراً ما يدعى الآن نصيتان، مكرس الأوائل من أنشأ السلالة المعنية.
إن لكل مجموعة عشائرية أكثر كبراً ـ سين (عائلة) ـ كان لها معبد بدورها مكرس لأول رئيس عام للعائلة. أما القرابين والصلوات في هذه المعابد فكان يقيمها إما رأس العائلة أو الأكبر سناً في العشيرة".
إن عبادة الأسلاف لها مواسمها ومناسباتها وطقوسها، وحسب ما هو سائد في الكونفوشية، فإنه "يحدث التوجه بصلوات مشابهة إلى الأسلاف عند حدوث وقائع عائلية أخرى، وخلال الأعياد وفي أيام محددة من السنة، ففي أواسط كل شهر من أربعة شهور من السنة مثلاً (أرباع السنة) ينبغي تقديم قربان عائلي. وقبل فترة وجيزة على حلول الموعد يتقدم رب العائلة من معبد الأسلاف، ويجثو على ركبتيه أمام اللوحات المخرجة من الخزائن وهو يتلو: أنا العابد الحفيد فلان الفلاني، اليوم وبمناسبة حلول أواسط الفصل كذا، أود تقديم قربان لكم، أيها المرحومون إلى القريب والجدِّ، وجدِّ الجدِّ، وجدِّ جدِّ الجدِّ، وإلى القريبة، الجدَّة، وجدَّة الجدَّة، وجدَّة جدَّة الجدَّة، وأملك الجرأة لنقل لوحكم الخشبي إلى قاعة المنـزل لأدعو أرواحكم لتنعم هناك بقبول القرابين التي ستقدم مع فائق التبجيل".
هكذا ترتبط طقوس الكونفوشيين إذن بالأسلاف، وكذلك هياكلهم "البجودات" والكلمة مشتقة من كلمة هندية هب بت ـ كده؛ أي بيت الأصنام. وتنتشر الهياكل في الصين بشكل واسع، وفي استعراض واقع هذه الهياكل وانتشارها نسجل ما يلي: إن "أقدم البجودات التي لا تزال قائمة حتى الآن البجودة القائمة في سونج إيورسو، والتي شيِّدت عام 523م على جبل سونج شان المقدس في هونان، ومن أجملها البجودة الصيفية، وأروعها منظراً بجودة اليشب في بيجنج، وبجودة المزادة في (وو ـ واي ـ شان)، وأوسعها شهرة برج الخزف في ناتكنج وقد شيِّد في عام (1412م ـ 1431م) ويمتاز بطبقة من الخزف فوق جدرانه المقامة من الآجر، وقد دمر هذا البرج في ثورة تاينيج التي استعرت في عام 1854م.
وأجمل الهياكل الصينية هي التي مخصصة للديانة الرسمية في بينجنج (بيكنج). ومن هذه الهياكل كونفوشيوس... ولكن الهيكل نفسه يخلد الفلسفة أكثر مما يخلد الفن، وقد شيِّد في القرن الثالث عشر الميلادي، ثم أدخلت عليه عدة تعديلات وأُعيد بناء بعض أجزائه عدة مرات".
ولكن هذه الهياكل "البجودات" المنتشرة في الصين، ومعظمها يرتبط بعبادة الأسلاف أو على الأقل أبرزهم، لم تخل من مظاهر القداسة لكونفوشيوس حيث كان ولا تزال تقدم القرابين أو تقام الطقوس مرة بعد مرة تخليداً لذكراه، هكذا إذن تكاثرت الهياكل فمنها ما يكون للأسلاف ومنها ما يكون لكونفوشيوس.
وهناك وجه آخر للعبادة والتقديس عندهم يرتبط بعبادة السماء بوصفها الإرادة العامة للخلق وتسيير الكون، وبعبادة الأسلاف، ونشدان الاستقرار في المجتمع حسبما وجه كونفوشيوس إنه تقديس الأباطرة واعتبارهم من سلالات الآلهة على الطريقة اليابانية تماماً.
عند هذه النقطة أقام كونفوشيوس ربطاً وثيقاً بين السماء والشعب والحاكم. فرغبة الشعب ترتبط برغبة الإله الذي هو السماء، وفي الوجه السياسي تقوم الكونفوشية على أساس الحكم والسلطة الموجودين في قبضة الأباطرة الذين هم ليسوا أكثر من تفويض وتوكيل إلهي الطابع، فالأباطرة يحكمون بإرادة السماء لكن هذه السلطة المفوضة من السماء للحاكم إنما مسخرة بالكامل لمصلحة الشعب والمجتمع، فالأمبراطور عندهم من نسل الآلهة، ووكيل السماء في منصبه السلطوي، لكن ما يمارسه ينبثق من إرادة سماوية تلتقي مع إرادة الشعب في تحقيق مصلحة المجتمع واستقراره.
وكونفوشيوس، كمن سبقه من فلاسفة الصين، قال بانتظام الأمور الكونية وشؤون المجتمع وفق قوانين لها صفة الثبات، والتغيير ليس مطلباً قريب المنال، ويؤثر عن كونفوشيوس أنه قال مرة، وهو على ضفة نهر، العبارة التالية: "كل شيء يجري كما تجري هذه المياه، لا شيء يتوقف، لا النهار ولا الليل، من لا يعرف إرادة السماء لا يصبح حكيماً".
وعلى ضوء ذلك فإن الفلسفة الكونفوشية كما يقول ول ديورانت: هي " أهم ما يواجه المؤرخ لبلاد الصين، ذلك أن كتابات معلمها الأكبر ظلّ جيلاً بعد جيل النصوص المقررة في مدارس الدولة الصينية، يكاد كل صبي يتخرج في تلك المدارس أن يحفظها عن ظهر قلب، وتغلغلت النزعة المتحفظة القوية التي يمتاز بها الحكيم القديم في قلوب الصينيين، وسرت في دمائهم، وأكسبت أفراد الأمة الصينية كرامة وعمقاً في التفكير لا نظير لهما في غير تاريخهم أو في غير بلادهم، واستطاعت الصين بفضل هذه الفلسفة أن تحيا حياة اجتماعية متناسقة متآلفة، وأن تبعث في نفوس أبنائها إعجاباً شديداً بالعلم والحكمة، وان تنشر في بلادها ثقافة مستقرة هادئة أكسبت الحضارة الصينية قوة أمكنتها من أن تنهض من كبوتها، وتسترد قواها بعد الغزوات المتكررة التي اجتاحت بلادها".
هذه الكونفوشية تغلبت على النزعة الشيوعية والنزعة الاشتراكية اللتان طرأتا عليها في القرنين السابقين للميلاد وانتصرت عليهما. كما أنها استطاعت أن تصهر البوذية بالقالب الكونفوشي الصيني وتنتج بوذية صينية خاصة متميزة عن البوذية الهندية الأصلية، ولذلك فهي لا تزال كامنة في روح الشعب الصيني على الرغم من السيطرة السياسية للشيوعيين. والديني لكنها ما تزال الأمر الذي قد يؤدي إلى تغيير ملامح الشيوعية الماركسية في الصين.
أبحث عن الحقيقة شارك في صنع حياه مثاليه أمتلك المعرفة فإن هناك من يحاول إخفائها عنك حتى تظل أسيرا له
زيارات الملف الشخصي :
156
إحصائية مشاركات »
المواضيـع
الــــــردود
[
+
]
[
+
]
بمـــعــدل : 0.07 يوميا
عبادي السوقي
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى عبادي السوقي
البحث عن كل مشاركات عبادي السوقي