عرض مشاركة واحدة
قديم 07-06-2010, 12:24 PM   #9
مراقب عام القسم التاريخي


الصورة الرمزية السوقي الأسدي
السوقي الأسدي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 45
 تاريخ التسجيل :  Feb 2009
 أخر زيارة : 07-18-2016 (12:24 PM)
 المشاركات : 1,152 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي المعلقة العاشرة:المعنونة:حياض الريان في ذكر شيء من السيرة العطرة لشيخنا الشيخ العلامة



المعلقة العاشرة:
المعنونة:

حياض الريان في ذكر شيء من السيرة العطرة لشيخنا الشيخ العلامة عبد الله الغديان

بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة:
الحمد لله الوارث الرشيد، القيوم الباقي العزيز الحميد، له أسماء العز والكمال، والصفات العلا ـ سبحانه وهو شديد المحال.
لا نحصي ثناءً عليه، الغني عمن سواه والكل فقير إليه، العلي العظيم رفيع الدرجات، يضع من يشاء ـ سبحانه عز وجل من قائل حكيماً: ورفعنا بعضكم فوق بعض درجات.
خلق فسوى، ثم قدر فهدى، خلق الإنسان، علمه البيان.
وأصلي وأسلم على من هدي الصراط المستقيم بقوله: رب زدني علما.
صاحب المقام المحمود الأسمى، الرسول المصطفى، والنبي المجتبى، محمد بن عبد الله خير من وطأ الثرى.
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه خير بررة الورى، ومن تبعهم واقتفى أثرهم، واستن بسنتهم أولي حسن المآب والزلفى. يوم تزف البشر للمنوه بفضل مقامهم الشريف: يرفع الذين آمنوا منكم والذين أوتوا درجات.
التوطئة:
وإذا ذكرت مصيبة تسلو بها***فاذكر مصابك بالنبي محمد
هذا ولما كان الموت بحد ذاته مصيبة عظيمة، فما البال إذا كانت الأمة تصاب بها كشلل عظيم، وهو فقد أحد العلماء الأعلام الربانيين، والمصيبة تعظم بعظم مقام العالم ذي الميراث النبوي الكبير، ولا سيما إذا كان من أئمة أهل السنة والجماعة، في عصره، ومن أعيان السلف الصالح العلم الشهير، شيخنا الشيخ العلامة عبد الله الغديان ـ رحمه الله ـ الذي كأنه هو المعني في نعي الشاعر:
هَيْهَاتَ أَنْ يَأْتِي الزَّمَانُ بِمِثْــلِهِ***إِنَّ الزَّمَــانَ بِمِثــْلِهِ لَبَخِــيلُ
إنه بالفعل مصاب جلل، حين ما نعى الناعي فقيد المساجد والمنابر، وفقيه أرباب العلوم والمحابر، من يصطف بين يديه كبار المشايخ يبتدرون تدوين ما يقذفه بحره من درر الجمان المودعة في أمانة الدفاتر، يستضيء بها أربابها، إذا جن عليهم الليل البهيم، فيستبصر بها على نحو قول القائل:
الحمد لله الذي قد ندبا***لكي نميز البيع عن لبس الربا
ومن للمؤلفيـــن الكتبا***تكشف عن عين الفؤاد الحجبا
إذا حجاب دون علم ضربا
فهذا مثل ينطبق حقاً على ما يجليه فضيلة الشيخ شيخنا الغديان في دروسه العلمية المعينة، وفتاواه السديدة المحكمة بالهدى والنور من الكتاب والسنة وما عليه سلف الأمة ـ حسب آثارهم النيرة، ولب ما دلت عليه قواعد أهل العلم المقررة في مؤلفاتهم ومصنفاتهم الجليلة.
اسمه ـ رحمه الله:
إن فضيلة الشيخ الفقيه الأصولي العلامة، أحد أرباب اللغة اللسن البلغاء المفسر الدريك الفهامة، العلم الزاهد، بحر العلوم غزير الفوائد منثر دقيق الشوارد، هو الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الرزاق بن قاسم آل غديان التميمي ـ رحمه الله تعالى.
زهده رحمه الله:
هذا وإن زهد فضيلة الشيخ الغديان أشهر من نار على علم، فالله المسئول وحده، وهو البر الرحيم، أن يضاعف له أجر صنيعه ذلك في زمن يعد بالأصابع من يهدى إلى مثل تلك الخصلة الكريمة، التي تدل على استعداد صاحبها، لنداء الأجل، وهو قد حاسب نفسه فيما هو مباح له، مبالغة في ترويض النفس المطمئنة بالإيمان والأعمال الصالحة.
متعلقاً بجنب الله بالباقيات الصالحات التي يدعو إليها الزهد المحكم بالعلم المعين، والهدي السوي المتين.
لذا إن فضيلة الشيخ الغديان ـ رحمه الله ـ كان من الزهاد المتواضعين، والعلماء الأعلام الربانيين، رضي مرضي عند من يعرفه، تنشرح الصدور عند رؤيته، محبوب الآداب الإسلامية الكريمة، زكي النفس كعادة علماء أهل السنة والجماعة الكرام البررة..
فشيخنا ممن ينطبق عليه قول الشاعر:

إنَّ للَّه عِبادًا فُطَـــنا***طلّقوا الدّنيا وخافوا الفِتَنا
جَرّبوا الدّنيا فلمّا عَرفـوا***أنَّها ليست لِحيّ سَكـنًا
جعلوها لُجَّة واتَّخــذوا***صالحَ الأعمال فيها سُفنا

أخلاقه ـ رحمه الله:
إنه ممن يتمتع بالخلق الكرام خلق الأنبياء عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام.
كيف لا وهو من ورثتهم ـ رحمه الله.
شيخنا الغديان ـ رحمه الله ـ شخصية دينية جليلة متميزة بانشراح النفس، وسلامة الصدر، منور الوجه، يعلوه الوقار، إنه كريم الطباع، جميل العشرة، بشوش حبيب، لين الجانب، شيخ جليل، سمح.
تواضعه ـ رحمه الله:
هو عالم علامة متواضع، وفي مثل هذا يحسن الاستشهاد بقول القائل:
وليس يصح في الأذهان شيء***إذا احتاج النهار إلى دليل
إن تواضع شيخنا هو تواضع عالم سني وقور ـ رحمه الله تعالى.
هذا وليس من المبالغة في القول أن يوصف من يبحث عنه، ولم يسبق له رؤيته شخصياً ـ رحمه الله رحمة واسعة ـ إن رآه أن يهتدي أنه هو الشيخ العلامة الغديان من شدة تواضع الشيخ، الممزوجة بالزهد المبني على ما كان عليه السلف الصالح، من الهدي المستقيم، والنهج القويم ـ رحمه الله.
خاصة إذا كان الباحث عنه ليس من أهل العلم، فإن أهل العلم لا يخفى عليهم ملامح نور أهله الكرام، فما بالك بالفطاحلة الأعلام.
قلت: ومن خلقه الكريمة العزيزة خاصة في مثل هذه الأزمنة.
** أنه متى ما سلمت على فضيلته ـ رحمه الله ـ رده بأحسن منه، وإن كان بالمصافحة، فإنه يبقى كفه الكريمة في كف المسلم عليه، حتى ينزعها منه المصافح أدباً وكرماً في تواضع جم.
** أنه إن تشرفت بمحادثته الكريمة، فإن فضيلته يحادثك على الهيئة التي أدركه المحادث إن واقفاً وقف معك فضيلته ـ رحمه الله ـ طال سؤالك، أم قصر..
وأما إن سألته جالساً فيظل في تلك الحالة حتى ينتهي بالسائل مراده، ثم بعد ذلك يقوم قيام عالم محتسب الأجر في صنيعه ـ ذلك الذي نحسبه، ولا نزكي على الله أحداً.
قلت: ومن ذلك أيضاً أنه إذا كان في مجلس درسه الزخار بالفوائد العلمية العظام.
** أنه إن سأله أحد الحاضرين عن مسألة ما وهي من المسائل التي يتجلى منها شيء من معاني الفضول، أرشد صاحب السؤال إلى ما هو أهم من ذلك بالنسبة له.
على أن توجيهاته تلك الكريمة، إنما هي قواعد فائقة الحسن في تربية كل طالب عالم بريق المستقبل العلمي الأسيس، ويعلو تلك التوجيهات إشراق نير بأسلوب عالم جليل جميل الحديث متمكن في التوجيهات اللطاف الحسان..
** إن من خلقه العلمية العلية الرضية أن طالب العلم الواضح في سؤاله المهارة العلمية المتمكنة، فإنه إن سأل شيخنا العلامة الغديان في مسألة علمية دقيقة المنزع، طفق الشيخ يتناولها إيرادا واعتراضاً بأسلوب أرباب فن تلك المسألة، ثم يتخلص بعد تفصيلها الذي كأن فضيلته يقرأها ساعتئذ في كتب الأصول والفروع من شدة تمكنه في العلوم الإسلامية، واستحضارها في مظانها فضلاً في مواطنها.
فإذا بلغ القدر الذي يطمئن فضيلته ـ رحمه الله ـ أن صاحب المسألة أدركها جلياً، شرع في خاتمة متيمة علماً يبين فيها للسائل الراجح من المرجوح في المسألة.
**ومن خلقه الرضية النادرة، أنه عندما تنصرف من عنده تكون كلمته الأخيرة الدعائية الجميلة: (((في أمان الله)).
وهي التي تذكرتها لما أفجعت بقبضة من أطراف الأرض المؤولة بموت العلماء، قال الإمام القرطبي ـ رحمه الله:(( وذكر وكيع بن الجراح عن طلحة بن عمير عن عطاء بن أبي رباح في قول الله تعالى: " أو لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها " قال: ذهاب فقهائها وخيار أهلها.
قال أبو عمر بن عبد البر: قول عطاء في تأويل الآية حسن جدا، تلقاه أهل العلم بالقبول.
قلت: وحكاه المهدوي عن مجاهد وابن عمر، وهذا نص القول الأول نفسه، روى سفيان عن منصور عن مجاهد، " ننقصها من أطرفها " قال: موت الفقهاء والعلماء..)).[1]
وعلى كل حال فإنني لما سمعت ما لا نقول فيه إلاّ ما يرضي الرب ـ الحي القيوم الباقي سبحانه ـ عند ذلك جئت مسرعاً إلى من يغلب على ظني أن عنده نبأ يقيناً في حقيقة هذا النبأ المفجع، إذ جئت إلى فضيلة الشيخ أبر تلميذ الشيخ الغديان به، وأكثرهم به اتصلاً، بل من شدة بره به كأنه أحد أبنائه الكرام.






ولا سيما أن شيخنا الشيخ الغديان في مرتب والد الجميع فضلاً عن مثل ذلك التلميذ الشيخ العلامة عبد العزيز بن قاسم ـ حفظه الله.
فلما سألته، وكنت أقرأ على أسارير وجهه الكريم آثار قوة هذا النبأ قبل أن يجيبني بتلك الحقيقة المرة ـ ألهم الله ذويه ومعارفه بالصبر والسلوان، وأسكنه فسيح الجنان.
قلت: وبعد تحققي من النبأ توقفت الذاكرة من هول الخبر، ثم خرج وقوف الحيرة بها إلى شيء من ذكريات الشيخ الأخيرة التي آخرها: هي أن تشرف بعهد قريب بفضيلته، وهو آخر عهد لي معه ـ رحمه الله ـ نحو شهر، أن ودعني بقوله الجميل: ((في أمان الله)).
اللهم اجعله ممن يتحقق فيهم قولك الكريم: )أُولئِكَ لهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (
** خلقه الجليلة مع صغار طلبة العلم، ولين جانبه الكريم لهم، من ذلك إن شيخنا الشيخ العلامة الغديان ـ رحمه الله رحمة واسعة ـ
كان من حبه للعلم وطلابه أنه لما التزمت دروسه المتميزة بالفوائد العلمية الجليلة عرضت عليه بعض محاولاتي، التي منها منظومة في البدع[2]
ونظم الأصول الثلاثة، مهدياً نسخاً منها لفضيلته رجاء أن أظفر بتوجيهات علمية نيرة، فوعدني فضيلته بعد قراءتها بإفاداتي، وكنت أتحين فرص إفاداته الجليلة حتى وافاه الأجل رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.





نبذة يسيرة عن دروسه ـ رحمه الله:
قلت ـ رحم الله من انتهى إلى ما قد سمع.
وأشاكل معنى هذا الدعاء الأثير، بقولي: رحم الله من انتهى إلى مبلغ علمه.
وذلك أنني لن أشير في هذه العجالة إلاّ إلى مقتطفات أدركتها مدة حضوري دروس الشيخ الغديان ـ رحمه الله.
إذ أنني قد التحقت بدروس فضيلته ـ رحمه الله ـ حدود 1418هـ، إلى حوالي 1424هـ.
مكان تلك الدروس:
إنها كانت تقام في مسجد رئاسة إدارة الإفتاء في مدينة الرياض ـ عاصمة ـ المملكة العربية السعودية حماها الله من كيد كل كائد.
وإنه مسجد كان يتمتع بجوار بيت شيخنا به فكان محراباً من محارب العلم الغزير يؤمه طلاب العلم من كل حدب وصوب..
أوقات تلك الدروس:
إنني أدرك شرف حضور يوم الأحد ليلة الأثنين، ويوم الأثنين ليلية الثلاثاء. وكلها يبد عطاء علم الشيخ بها بعد صلاة العشاء إلى ما شاء الله من الليل، وقد يصل ذلك الحادية عشر ليلاً.
بلا ملل من الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ إذ ما من كتاب يقرأ عليه إلاّ وتجد نشاط الشيخ العلمي ينهمر، ما يكابده من مرض وضعف ـ أجزل الله أجر صبره المحتسب في بث العلم والهدى في تلك الدروس وغيرها ـ رحمه الله.
الكتب التي تقرأ في تلك الدروس:
إنني بادئ ذي بدء أجمل القول في الكتب التي تقرأ على الشيخ في الليلتين المذكورتين من غير التعرج هنا فيما يقرأ على فضيلته في كل واحدة منهما.
ولعل ذلك ـ بإذن الله ـ يكون من موضوعات كتاب: الدر النضيد..
وهو كتاب يدون فيه ما تشرف به من أسماء شيوخي، وما استفدت منهم حسب تواريخ تقييداتي تعليقات دروسهم مسمياً ما قيدته من الكتب التي يدرسون منها ـ بإذن من بيده ملكوت كل شيء.
لذا فإن الشيخ تقرأ عليه أصعب كتب الأصول، وقواعده:
التي منها:
** الرسالة للإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي.
** المستصفى من علم الأصول لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي.
** قواعد الأحكام في مصالح الأنام لسلطان العلماء العز بن عبد السلام.
** الفروق للإمام شهاب الدين الصنهاجي القرافي.
** أصول السرخسي للإمام الفقيه الأصولي النظار أبي بكر محمد بن أحمد ابن أبي سهل..
** الطرق الحكمية لابن القيم.
** المنثور في القواعد لبدر الدين محمد الزركشي الشافعي.
** الموافقات في أصول الشريعة لأبي إسحاق إبراهيم بن موسى للشاطبي.
** القواعد للحافظ أبي الفرج عبد الرحمن ابن رجب.
** الإرشادات الإلهية إلى المباحث الأصولية لنجم الدين أبي الربيع سليمان بن عبد القوي الطوفي.
** التمهيد في تخريج الفروع على الأصول لجمال الدين أبي محمد عبد الرحيم الإسنوي.
** شرح الكوكب المنير في أصول الفقه للعلامة محمد بن أحمد بن عبد العزيز الفتوحي المعروف بابن النجار.
** إرشاد الفحول للشوكاني.
** نشر البنود على مراقي السعود لسيدي عبد الله بن إبراهيم الشنقيطي.
** نهاية الأصول في دراية الأصول لصفي الدين محمد بن عبد الرحيم الهندي.
وكان درسه المتين بالعلم المعين، يبدأ من بعد صلاة العشاء، في الليلتين الآنفتي الذكر، ويستمر بطلابه عطاؤه العلمي المنهمر، إلى حوالي الحادية عشر ليلاً..
وفاته ـ رحمه الله:
إن الوفاة أمر محتم لكل مخلوق ..
قال قتادة: نعيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم نفسه، ونعيت إليكم أنفسكم.[3]
وهي في الحقيقة مصيبة لكل من له صلة بالمتوفى، وهم درجات بين الناس، كما هم درجات عند الله في الفضل.
وصدق الله إذ يقول:{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}
فما بالنا بالعلماء الربانيين أهل السنة والجماعة الذي كانوا في حياتهم على هدي مستقيم قويم، سائرين على ما هم عليه السلف الصالح، وهم من كان على ما كان عليه نبينا محمد ـ عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
فإنهم ممن يرجى لهم خير ثواب الدنيا والآخرة ـ حقق الله ذلك لسلفنا الأخيار الذين منهم فضيلة الشيخ الغديان الذي توفي يوم الثلاثاء بعيد الظهر 18/6/1431هـ.
مكان المصلى عليه ـ رحمه الله.
إن فضيلته ـ رحمه الله ـ صلي عليه في جامع الملك الخالد في أم الحمام.
وهو يوم مشهود، بكثرة من صلى عليه ـ رحمه الله.
ولقد صليت في ذلك الجامع على جنائز متعددة في غير ما وقت، ولم أشهد اكتظاظ المصلين فيه في غير ذلك.
إذ ولقد امتلأ ذلك الجامع الكبير حتى فرش في ساحاته التي في الخارج، من كثرة المصلين الذي تسابقوا إلى ذلك الجامع للصلاة على جنازته اللهجة الألسن بشهادتها لفضيلته بالخير والفضل.
وهم في شهاداتهم تلك على نهج أهل السنة والجماعة الذين لا يقطعون بالشهادة القطعية إلاّ لمن ورد النص الصريح من الكتاب والسنة أنه من أهل الجنة ـ جعل الله فضيلته ممن يتحقق له قوله سبحانه: وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون.
مكان دفنه ـ رحمه الله.
إن فضيلته ـ رحمه الله ـ دفن في غد يوم وفاته ـ يوم الأربعاء عصراً في مقبرة أم الحمام، بعد أن شيع جنازته خلق من المصلين، وهم لا يحصيهم كثرة إلاّ علام الغيوب.
إذ ولقد بلغ ازدحام الناس على جنازته ، أن جعل الوصول إلى قبره وقت الدفن كالوصول إلى الحجر الأسود في بعض أيام الزحام.
وكنت ممن بلغ القبر بعد مدة من الزمان، في لجة من أمواج الخلق الذين هم ما بين أصحاب الفضيلة العلماء والمشايخ الفضلاء من الدكاترة، وغيرهم.
نجوماً رأيتها:
وهم جمع من المشايخ الأعيان الأعلام الكرام ـ حسب ما رأيته من الجهة التي دخلت المقبرة من قبلها.
** شيخي فضيلة الشيخ العلامة شيخ الحنابلة شيخي الشيخ عبد الله بن عقيل ـ حفظه الله ومتعنا بصحته.
** شيخي الشيخ العلامة فارس العقيدة الشيخ عبد العزيز الراجحي ـ حفظه الله ومتعنا بصحته.
** شيخي فضيلة الشيخ الدكتور عبد الله بن حمود التويجري، مع جمع من إخوته الدكاترة الفضلاء، وغيرهم ـ حفظ الله الجميع من كل مكروه..
** الشيخ الكريم، والمحسن الفاضل ذي البر الجسيم الشيخ يوسف العطير، أحد فضلاء الأثرياء العلم الشهير، المقول في فضل أمثالهم: نعم المال الصالح للرجل الصالح..


درراً التقطتها:
هذا ولما وصلت قبر فضيلته ـ رحمه الله ـ بعد زحام شديد، صرت أضع التراب على قبره المسؤول ربي أن يجعله روضة من رياض الجنة..
قلت ومن فضل أهل السنة والجماعة حسن تمسكهم بالكتاب والسنة وما عليه السلف الصالح، من عمل يشرع، وترك ما لا يشرع..
** أنه لما بلغ الزحام بالناس ما سبق شيء من وصفه، صار من قرب إلى القبر ولم يتمكن من أن يباشر حثو شيء من التراب على قبر فضيلته ـ رحمه الله ـ جعل البعض المتمكن من التراب الذي عند القبر ليوضع على قبر فضيلته ـ رحمه الله ـ يأخذ من باشر بكفه التراب فيمد به من لم يتمكن كتمكنه.
ثم هم يحاولون وضعه على القبر على وجوه كيف ما يتيسر لهم، وذلك من الشدة الزحام..
وعلى كل حال، فإن أحد الفضلاء النصحاء من أهل العلم رأى ذلك، فأرشدهم قائلاً: إن هذا عمل غير مشروع، من استطاع أن يباشر حثو التراب من غير واسطة فليفعل، وذلك هو السنة، وإلا فما عدا ذلك ليس بمشروع ـ جزاه الله كل خير على ما بينه من الهدى.
** ما ارتجله من كلمة جميلة بليغة موجزة، بأسلوب لطيف محكم، استهلها بذكر الله عز وجل، والثناء عليه ـ سبحانه، ثم ثنى بذكر الموت والاتعاظ به..
ثم تناول فضل العلماء ودروهم الكبير، وعظم الجلل بموتهم لأنه بقبضهم يقبض العلم..
واستمرت كلمته الجليلة دقائق معدودة، بأسلوب أحد العلماء الدعاة النبهاء النبلاء.










هذا ولقد أمعنت النظر في وجهه الكريم، وليس ممن تشرفت بمعرفتهم، إلاّ أنه من أهل العلم المتمكنين، لا سيما أن مثل جنازة شيخنا الغديان المحفوفة بكبار العلماء الأعلام، ليس من السهل ارتجال مثل تلك الكلمة المدعومة بالنصوص، وأداء هادئ بديع كأنه بنيان مرصوص..
علماً أنها كانت تلك الكلمة الكريمة من غير مكبر صوت لعدم وجوده أصلاً، وذلك من حسن هدي أهل السنة والجماعة، وهو التعامل مع أي حدث تحت ضوء من الكتاب والسنة، وما ورد عن السلف الصالح.
ويتوقفون عما لم يرد، وهو منهج أهل الهدي القويم والصراط المستقيم المتمسكين بالكتاب والسنة..
**ومن الدرر الكريمة أن أحداً سأل أحد الدكاترة من المشايخ الفضلاء، وهو أحد أولاد الشيخ العلامة حمود التويجري ذلكم فضيلة الشيخ الدكتور عبد العزيزـ رحم الله السلف وبارك في الخلف.
وعلى كل حال فإن ذلك السائل لما سأله وأنا قريب منهما، عن حكم الصلاة على الجنازة بعد العصر.
وذلك أن السائل ممن جاء متأخراً عن الصلاة على جنازة فضيلة الشيخ الغديان ـ رحمه الله ـ مع المصلين في جامع الملك خالد.
فأفتى له بعدم الصلاة عليه ـ رحمه الله. معللاً ذلك بوقت النهي، لا سيما بعد أن صلي جموع المسلمين عليه بادئ ذي بدء.

بهذا يتوقف بنا قلم العزاء

في تناول هذه الجمانات من سيرة شيخنا العلامة الغديان ـ رحمه رحمة واسعة ـ وإن لم أكن من أرباب القلم الحري بالكتاب عن شيخنا، فالذي تناولته هو من كلمات أعزي بها ذويه الكرام، ثم نفسي، ثم من كان في طبقتي من صغار طلبته.
وإن مد في العمر، واشتد الساعد عدنا، ونرجو أن يكون ذلك من العود المقول عنه: ((والعود أحمد)).
هذا وما توفيقي إلاّ بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
قاله وكتبه
تلميذه
أبو العباس يحيى بن إبراهيم الإدريسي السوقي
بتاريخ


26/6/1431هـ




[1] - قاله عند تناوله تفسير الآية نفسها.
[2] - وهي منظومة بلغة ألف بيت 1038
[3] - القرطبي عند تفسير هذه الآية: إنك ميت وإنهم ميتون.


 
 توقيع : السوقي الأسدي

رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ
(الحشر:10)
.................................................. .........................
اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدَكِ وَارْحَمْنِي ، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ


رد مع اقتباس