عرض مشاركة واحدة
قديم 06-17-2010, 09:20 PM   #14


الصورة الرمزية عبدالواحد الأنصاري
عبدالواحد الأنصاري غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 159
 تاريخ التسجيل :  Oct 2009
 أخر زيارة : 08-01-2010 (03:52 PM)
 المشاركات : 26 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: كل اسوك وكل انصر: إلى أين؟؟



من وجهة نظري أن الأصل الذي أوقع في الغلط كثيرا من كلنتصر وكل السوك بعد انتقالهم إلى البلاد العربية، انطلق من نقطة خفية، خفيت على كثير منهم، وهي: من إطلاق خصوصياتهم وتعميمها على غيرهم، وهو ما انتشر كثيرا بعد تفرقهم في الآفاق.
وهذا غير صحيح، فيجب على كل أن يتكلم عن خصوصياته، وأن لا يحمل كلام الناس في خصوصياتهم على أنه تعميم عليهم إلا ما كان صريحا في ذلك، فنحن مثلا عندما نتحدث عن أنصار آل إنفا وأنصار السوقيين فنحن لا ننفي باقي أنصار الصحراء والمغرب وليبيا والجزائر، كما أننا عندما نتحدث عن أشراف هؤلاء وأولئك فليس المقصود نفي شرافة أبناء سيدي عالي أو ما شابه، كما أنه ينبغي لنا أن نعرف الفروق بين الأمور في مواطنها الأصلية، وبين التسميات التي تحدث عندما ينتقل الناس، والتغييرات الاجتماعية التي تطرأ على المهاجرين في الآفاق، وبالتالي تطرأ عليهم تغييرات ثقافية وسلوكية واجتماعية وتتغير بعض اصطلاحاتهم.

ولكي نفهم ذلك فلا بد من تقدمة لها تعلق بتقسيم المنطقة جغرافيا وسياسيا، ولها تعلق بما أسماه الأخ اليعقوبي: إمارة كل انتصر ومشيخة كل السوك.
ولا بد من التقديم وإلقاء الضوء على هذه التسميات، ولكي نعرف معنى انتساب آل إنفا إلى الأنصار، وبعض كل السوك إلى الأنصار، والفرق بين التسميات القديمة، والتسميات الحديثة فلا بد من قاعدة ومثال:
هناك تسميات حديثة سياسيا وإعلاميا، مثلا: كلمة الطوارق:
سابقا، عندما تسأل أي أحد من كبار السن من ذوينا، فكلمة "التارقي" تخص "أماشغ" خاصة، وحتى الآن البرابيش عندما تسميهم الطوارق يغضبون وكذلك الصونغاي وكذلك عندما تسمي الأنصاري طارقي يغضب.
لكن الآن وعبر الطرح السياسي والإعلامي المنتشر في العالم، أصبح الطوارق يطلقون على من كان شمال مالي وشمال النيجر وجنوب الجزائر وليبيا، باختلاف لغاتهم وأجناسهم وألوانهم، فأصبحت كل هذه الاجناس يسمى أهلها طوارق إعلاميا، مع أنه حديثا لكن مؤخرا وفي القرن الميلادي الجديد أصبح كل من يعيش هذه المنطقة من عبد وصونغاي وأماشغ يسمى طارقيا وحتى لو كان بربوشيا، فيسمى من الطوارق.
وهكذا عندما نفهم هذه القصة وحيثياتها، يكون ذلك تمهيدا لنفهم معنى كل السوك وكل انتصر، ولكن قبل أن نفهم معنى كل انتصر ومعنى كل السوك يجب أن نفهم المحيط والنفهم هذه المعضلة التي نعيشها الآن بين الفريقين.
ولكي نعرف من هم كل السوك، فعلينا قبل ذلك أن نفهم أن هناك حلفين للناطقين بتماشق في مالي بوجه عام: واحد منهم كل تماشق والثاني حلف كل انتصر.
فحلف كل تماشق يطلق قديما عندنا على كل من يبدل الحاء خاء والعين غينا: محمد: مخمد. عالي: غالي. ويسمون حيواناتهم على الجهة اليمنى.
وكل انتصر يطلق على كل من ينطق هذين الحرفين كما هما، مع وسم الحيوانات على الجهة اليسرى.
وهذه كلها أحلاف مكونة من عدة أعراق، ومن ضمن كل انتصر مجموعة اسمها بني إنفا، وهي عائلة واحدة هي التي يتحدث عنها كتاب الأوفى.
وأما من ينطق الحاء والعين فهؤلاء منطقهم شمال النهر، وينطلقون من بمبا "الكصبة" إلى حدود موريتانيا غربا. ومن ضفاف النهر شمالا إلى عمق الصحراء.
فهؤلاء لا يمكن خلطهم مع حلف كل تماشق، وهؤلاء قيادتهم الحربية لآل إنفا، بحيث لا يرى أبناء إنفا أنهم أحسن أو أفضل من أي من مكوني الحلف، ولكن تم اختيار بني إنفا للقيادة الحربية. مع أن المشيخة والفتوى مشتركة بين جميع المنتسبين للحلف. كما أن الحرب والقتال مشتركة بين جميع المكونات، ولكن خصت القيادة الحربية لآل إنفا فقط.
وآل إنفا يعرفون الفضل لمن انضم إلى حلفهم، بل يعتبرونهم أفضل لانتساب أولئك إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ويرون أن الدفاع عنهم واجب بالشرع وليس اختياراً، ويتبادلون الاحترام ويتزاوجون وهم مختلطون بعضهم ببعض ثقافيا ودينيا واجتماعيا وعسكريا. فكلهم أبطال حرب، وكلهم شركاء المشيخة، فليس أبناء إنفا وحدهم من يحاربون، بل إن أحلافهم هم مادة الحرب وأبطالها، وهم رجال حرب ومشايخ علم.
في الجهة المقابلة نرى أن كل تماشق تقاسموا الأدوار فيما بينهم:
فاختصت قضية الحرب بإيموشاغ دون غيرهم.
واختصت الفتوى والمشيخة والسيادة العلمية لكل السوك دون غيرهم، في جميع أمور الدين، وتمتد حتى إلى تسمية الأولاد وأحكام النكاح والطلاق وغيرها من أمور الدين. حتى في قضية تعداد السكان لا يكاد "الأماشغ" يذكر اسم والده إلا بحضور "أوسوك" فهذا العالم هو الوحيد الذي يستطيع أن يذكر اسم والد "آباء إيموشاغ"، وكذا عند استدعائه للنطق باسمه والتعريف بنفسه، فذلك لا يكون إلا بولاية شيخه من "كل السوك".
إذن: لم يكن ثمة اختلاط لا جغرافيا ولا سياسيا ولا اجتماعيا بين كلنتصر وكل السوك بالصورة المذكورة في رد الأخ اليعقوبي، وإنما كانوا متجاورين في الصحراء ويقابل بعضهم بعضا، فإذا انتقل كل انتصر إلى الجنوب التقى الطرفان، لكنهم لا يشتركون لا في الممتلكات ولا في الأماكن ولا في الحلف، فلا الكلنتصري يحكم أو يتدخل في حلف كل تماشق، ولا أوسوك ولا أماشغ يتدخل في الحلف الكلنتصري.

والمشكلة الحاصلة الآن في الدول العربية هي العكس: أي أن بعض هؤلاء يحكم في نسبة أولئك أو شؤونهم، وبعض أولئك يحكم في نسبة أو شؤون هؤلاء.

مثاله الدقيق المعاصر: أنه عندما يكتب بعض إخواننا السوقيين فربما يعمم مشيخته على كلنتصر، أو يجعلهم تحت إمارة إيموشاغ. وكذا قد يقوم أحد آل إنفا مخطئا بتعميم إمارته على كل السوك، أو مشيخته على كل تماشق، خارج المنطقة المحددة له ولحلفه، فيتجاوز ما هو تحت حلفه إلى ما له ليس له إليه سبيل.
أما كون من ينتسب إلى الأنصار والأشراف، سواء من كل السوك، أو كل انتصر، أو غيرهم من أهل الصحراء، فهذا الانتساب موجود من جميع مكونات القبائل في مالي، وهو مسلم به ولا جدال فيه.
لكن نحن نتكلم الآن عن الأحلاف، الحلف الفلاني والحلف الآخر، والأسماء التي تطلق عرفاً على تلك الأحلاف، وينبغي للكلنتصري عندما يتكلم عن الأنصار أن يوضح أنه يتكلم عن حلفه دون التعرض للأنصار المنتمين لحلف غيره، فهو لا يدرسهم لا دينهم ولا دنياهم ولا يدرسهم أنسابهم، كما ينبغي للسوقي أن يتحدث عن الأنصار السوقيين من دون أن يتعرض للأنصار المنتمين لحلف غيره، فهو لا يعلمهم لا دينهم ولا دنياهم ولا هو بمرجع لهم في أنسابهم.
وعندما أتحدث عن الحلف الذي يمثلني، فالمعروف أن حلف "كل انتصر" مكون من الأنصار والأشراف بنسبة 90%، وهم "كل إيزجت" و"كل حا" أو "كل محمد". ولا أحد يتكلم في أزواد التي نعرفها بالحاء من الناطقين بتماشق غيرهم.
حتى إن تماشق التي تدرس الآن في المدارس داخل مالي، في الكتب التي ألفها البروفسور "إمبيري" على سبيل المثال، تسمي هذه "التماشق": "تماشك آراب". لشمولها لحروف اللغة العربية كلها، وأقلها ظهورا في "تماشك آراب" هي اللام المفخمة، فلا نجدها إلا في كلمتين هما: "تاللوت": وهي أصبع الكلب والأسد التي لا تمس الأرض إلا إذا جرى جريا سريعا، و"تللمت": وهي الناقة. ومنها الحروف الحلقية المذكورة، وتزيد على العربية بضعة أحرف أخرى، وليس ذلك لأن ناطقيها هم المنتسبون للعرب وحدهم. كما أنها تختلف عن تماشق إيموشاغ في عدة أحرف أيضا.
فلذلك يجب عدم خلط الأوراق، وعندما يتكلم أحد عن حلفه ومنطقته فليتكلم بما شاء عمن شاء، ولا ينف ما هو مثبت لدى حلف آخر، ولا يعمم خصوصياته على الآخرين.
فكما ذكرت: هذا الأصل هو الذي أضل وأوقع في الغلط كثيرا من كلنتصر وكل السوك، من إطلاق خصوصياتهم وتعميمها على غيرهم، وهو ما انتشر كثيرا بعد تفرقهم في الآفاق.
وبعد هذا الأصل نجد عددا من الأسباب الأخرى التي تتعلق بمشكلات اجتماعية متعلقة بالعقد النفسية لدى الطرفين، فمن الاخطاء المنتشرة مثلا أن كثيرا من أولاد كلنتصر عندما يربيه أبوه مؤخرا في بلدان الشتات يربيه على أنه أمير ابن أمير ابن أمير ولا يرى لأحد أنصارية أو إمارة أو مشيخة غير نفسه، بل ورأينا بعضهم يدعي أنه هو الأنصاري وحده. وهو الأمر نفسه الذي وقع فيه بعض من انتسب إلى الأنصارية من أنصار كل السوك.
وكذلك مثلا: رأينا من بعض إخواننا السوقيين من ينتمي إلى مناطق بعيدة عن تمبتكو، فبعض من نعرف معرفة يقينية أنهم من "غاو" مثلا يطلقون على أنفسهم "التمبكتي"، وهذا ليس شيئا كبيرا لو أن هذا الرجل سكن تمبتكو فترة، لكن أن يكون هذا الرجل كما في بعضهم ممن لم يسكن تمبتكو ولم يسبق له أي سجل في تمبتكو ولم ينتم قط إلى تمبتكو، وقد يكون من "بوركينا" أو "النيجر" ويدعو نفسه تمبتكيا، فهذا هو الخطأ.
وهذا أيضا وقع في بعض كل انتصر الذين رأينا بعضهم يدعو نفسه بالغرناطي، وقد كنت أنا نفسي واقعا في هذا الخطأ في صباي ومراهقتي، عندما لقنت أنني "غرناطي" وذلك تبعا لنظرية بعض المؤولين لظواهر النصوص، عندما ذهبت تأويلاتهم إلى أن لنا جدا ينتهي عند أحد ملوك بني الأحمر، ولم أوفر في إنكار ذلك عندما أدركت ما يخالفه جهدا، ولا وفرت طاقة في التنبيه عليه، منذ ذلك اليوم حتى الآن.

وما لم ندرك هذه الحيثيات جميعا ونتصد لها، ونتعامل معها بالفقه والحلول الناجعة، فستظل المشكلة قائمة، ولن يكون كتاب الأوفى أو غيره إلا نتاجا لها، وجمرة تلقى في أتونها.


 

رد مع اقتباس