الإنسان والنفس على ضوء القرآن الكريم
بــحـــث
الإنسان والنفس على ضوء القرآن الكريم
بقلم أبي عاصم
محمد بن محمد بن أحمد الإدريسي
أصل هذا البحث من عام 1399هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الإهداء إلى من يعتقد أنه لا يوجد علم نفس إسلامي مع أنه ورد في القرآن والحديث وحكم العرب آداب نفسية على سبيل المثال لا الحصر- قال الله تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} وقال تعالى: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}.
وفي السنة النبوية قال عليه الصلاة والسلام (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام (إن أقربكم إلي يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً). وقال أيضاً (أدبني ربي فأحسن تأديبي).
ومن الشعر: قول البويصيري:
والنفس كالطفل إن تهمله شبَّ على
حب الرضــاع وإن تفطمه ينفطم
وقال أبو ذويب الهذلي:
والنفس راغبـة إذا رغبتـها
وإذا تـرد إلى قليــل تقنع
وقال شوقي:
صلاح أمرك للأخلاق مرجعه
فقوم النفس بالأخـلاق تستقم
وقال أيضاً:
والنفس من خيرها في خير عافية
والنفس من شرها في مرتع وخم
هذا ما أحببت أن أنوه عنه كل قارئ.
والله الموفق،،
أبو عاصم
محمد محمد أحمد الإدريسي
الإهداء
إلى كل الزملاء الذين درست معهم في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في كلية اللغة العربية عام 1399هـ وإلى كل الأصدقاء بحي الخانسة بمكة المكرمة والذين عشت معهم حوالي نصف قرن وكنا منذ صبانا نقرأ الكتب ونتناقش ونتجادل في كل العلوم منذ الطفولة أهدي هذا البحث.
والله الموفق،،
كاتبه طالب العلم
أبو عاصم. محمد بن محمد الإدريسي
تم تنقيحه في الرياض عام 1422هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمـــة
النفس الإنسانية دار حولها جدل كثير من حيث طباعها وميولها ولقد تحدث عنها المفكرون محللين ما غمض من أعماقها المظلمة الشائكة وكم هي الدراسات التي حاولت الوصول إلى أعماق النفس البشرية فغاصت في متاهات الجاهلية واستنبطت دراسات وبحوث ومناقشات كلها لا تجزي شيء وليس من دراسة وهبت الإنسان والنفس حكمها بكل صدق وبكل جلاء سوى الدراسات المبنية على أسس إسلامية وما عداها فما هي إلا دياجير مظلمة حالكة دامسة لا بصيص من نور فيها سوى شدة الظلمة التي لا تصل بنا إلا بأغاليط وسفسطات وتهورات تتحلى بثوب النظريات الهادفة أو ما يسمى بعلم النفس الحديث الذي من رواده (فرويد) وكم هي الحقيقة مخجلة حينما نسمي (هستريا وجنون) (فرويد) بعلم النفس فما هو إلا حماقة ودس يهودي يريد أن يدمر الأخلاق والقيم الإنسانية يقول أنور الجندي (في كتابه نظرية التطور حيث صرح في ذلك الكتاب أن نظرية التطور هي التي مهدت لهدم الأديان) ومنها يستنبط فرويد نظرياته في علم النفس وكل النظريات المادية هدفها هدم الأديان يقول أنور الجندي في ص6، 7) (أما المفهوم المطروح في أسواق الفكر الغربي فهو مفهوم فلسفي خطير لم يقم على أساس وقد أخذ منطلقه من نظرية (داروين) في التطور البيولوجي ثم نقل إلى ميدان الاجتماع والفكر ثم يضيف (ولاشك أنه بهذه النقلة أنما يستهدف غاية خطيرة وهي واحدة من أهداف الفلسفة المادية الوثنية التي تحاول أن تسيطر على الفكر البشري كله وتفرغه من مفاهيم الإيمان والأديان والرسالات السماوية وتدفع به بعيداً عن نهاية خطرة نجدها واضحة في برتكولات صهيون ثم يضيف وتشكل هذه المحاولة فلسفة واضحة متكاملة تهدف إلى تدمير قوى الأديان والأخلاق والإيمان بالله ودفع الإنسانية كلها إلى الدمار بتحطيم قيمها ومعنوياتها وتفريغها من كل القوى التي تحملها على التماسك في وجه الغاية الصهيونية البعيدة المدى للسيطرة على العالم).
وفي ص8 يقول (ولقد كان القول بالتطور المطلق سبيلاً إلى نزع القداسة عن الأديان والقوانين والقيم والأخلاق والسخرية منها والدعوة إلى التحلل والإباحية وإنكار مقومات المجتمعات والعقائد على النحو الذي كشفت عنه نظرية (فرويد) (ودوركايم وغيرها) أهـ ومع علمنا هذا ولكن نرجع إلى تلك النظريات ونحاول الأخذ منها مع أن الحقائق واضحة فلماذا لا زلنا مغرورين بنظرية (فرويد) في علم النفس الجنوني الإباحي والهدام ونحن إذا أردنا دراسة النفس الإنسانية نرجع إلى المصدر الذي لا يأتيه الباطل نرجع إلى القرآن المنزل من عند الله عز وجل. فإذا رجعنا إلى القرآن الكريم نجد أنه تعرض للإنسان والنفس بآيات كثيرة أوضحت حقيقة الإنسان وأزالت كل الأباطيل والخرافات التي روجها المضللون حول الإنسان فأوضح القرآن الكريم ماهية الإنسان أصله ومما خلق وكذلك النفس ذكرت في آيات كثيرة أبانت كينونيتها وما ينتابها من نزعات صالحة وطالحة وما يلازمها من فرح وحزن وغرور وكبرياء وعزة وإيمان وسنذكر ذلك في محله وعندما نرجع إلى كتاب الله عز وجل وحديث الرسول عليه الصلاة والسلام نجد فيهما البيان الشافي عن الإنسان ونجد القيم النفسية والتربوية الإسلامية والقواعد النفسية التي ربى الإسلام عليها المسلمين ولكن عزوف المسلمين وإغماضهم عيونهم عن الشمس الساطعة لكي لا يروها ومن العجب أن نجد كل الحقائق ذكرت في القرآن الكريم والحديث ومع ذلك نبدي أهمية بتضليل اليهود وأعوانهم من أعداء الإسلام فنزعم مع زعم المضللين أن هناك علم نفس حديث وما هو إلا جنون وتهور ومكيدة لتحطيم العالم وتجريده من الأخلاق ليتم لليهود السيطرة على العالم كله، ومما دعاني ودفعني إلى كتابة هذه الدراسة الرد على مزاعم (فرويد) التي يزعم فيها أن الطفل يرضع أمه من أجل الرغبة الجنسية وفسر كل تحركات الطفل بأنها جنسية وراح يسفسط حتى قال بان هناك عقدة أديب وعقدة إلكترا أي بأن يحب الابن أمه وتحب البنت أباها بنزعة جنسية وسوف نرد على تلك الأضاليل في محلها فبالله نستعين.
الباب الأول
الفصل الأول
(الإنسان كما يصوره القرآن)
الإنسان كما يصوره القرآن الكريم وقبل الشروع في ذلك نتحدث عن الإنسان عن اشتقاقه ولماذا سمي الإنسان إنساناً وقد قيلت أقوال كثيرة عن الإنسان وماهيته لو تتبعناها لطال بنا المقام ولكن نختار ما ذكره النويري([1]) في كتابه فنون الأدب([2]).
قال (أما اشتقاقه في تسميته فقد اختلف الناس في ذلك هل من الأنس الذي هو نقيض الوحشة أو النوس الذي هو نقيض السكون. أو الإيناس الذي هو بمعنى الإبصار والنسيان الذي هو نقيض الذكر) ثم استشهد ببيت يوافق الرأي الأخير قال الشاعر:
وما سمي الإنسان إلا لا نسه
ولا القلب إلا أنه يتقلــب
أما اشتقاق الإنسان لغة فقال الكسائي([3]) لغة مفردة وهو اسم ألفه منقلبة عن واو واستدل بقول العرب في تحقيره (نويس) وقال على القاري([4]) (أصل الناس إلا يناس فحذفت الهمزة التي هي فاء ويدلك على ذلك الأنس- وإلا ناس فأما قولهم في تحقيره نويس فأن الألف لما صارت ثانية وهي زائدة أشبهت فاعل الخ. ورأي آخر لسلمه ابن عاصم([5]) من أصحاب الفراء قال (الأشبه في القياس أن يكون كله واحد منهما أصلاً بنفسه فأناس من الأنس وناس من النوس لقولهم في تحقيره نويس كبويب في تحقير باب وذهب أبو عمر الشيباني([6]) أنه مشتق من الإيناس الذي هو بمعنى الإبصار ومنه قوله تعالى {إِنِّي آنَسْتُ نَاراً} أي أبصرت نارا.
وذهب الكوفيون([7]) إلى أنه مشتق من النسيان وحجتهم أن أصل أنسيان فحذفت الياء تخفيفاً وفتحت السين لأن الألف تطلب فتح ما قبلها ولأن العرب حين صغرته قالت: فيه أنسيان فزادت الياء والتصغير يرد الأشياء إلى أصولها ولو لم تكن في المكبر لما ردت في المصغر وبه قال أبو تمام الشاعر:
لا تنسين تلك العهود فأنمـا
سميت أنسانا لأنـك نـاس
وأنا أميل ([8]) لهذا القول الذي ورد في البيت فهو أقرب وأوضح من المعنى المشتق وقد أنكر البصريون ذلك لأن العرب صغرت أشياء على غير قياس كما قالوا في تصغير رجل راجل- رويجل.
الرأي الثالث قول ابن عباس([9]) أنما سمي الإنسان إنساناً لأنه عهد إليه فنسي) ثم قال صاحب الكتاب بعد أن أورد قول ابن عباس وهذا هو الأرجح وكذلك كاتب هذه السطور يرى ذلك كما ذكرت ذلك آنفاً عند قول أبو تمام والله تعالى أعلم.
وأورد النويري([10]) تفسيرات أخرى للإنسان عن أجزائه وتراكيبه العجيبة التي تدل على قدرة الله ووحدانيته.
أجزاء الإنسان وتراكيبه العجيبة عند النويري:
قال (وجعل عقل الإنسان في دماغه وشرهه في كليته وغضبه في كبده وصرامته في قلبه ورغبته في رئته وضحكه في طحاله وحزنه وفرحه في وجهه وجعل فيه ثلاث مائة وستين مفصل:
ويقال إنما لقب الإنسان بالعالم الصغير لأنه مثلوا رأسه بالفلك ووجهه بالشمس إذا لا قوام للعالم إلا بها كما لا قوام للجسد إلا بالروح وعقله بالقمر لأنه يزيد وينقص ويذهب ويعود الخ 1هـ.
أما الإنسان كما ورد في القرآن الكريم فقد وردت آيات كثيرة في ذكر الإنسان تصف جميع أحواله من صفات خلقية وصفات معنوية من غضب وفرح وكرم وطمع وقد قال تعالى: {إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً. إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً. وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً}([11]).
وفي هذه الآية يتضح لنا ما عليه الإنسان من صفات وهي متمثلة في الجزع والهلع والشح وذلك إذا كان قلبه خالياً من الإيمان فإن حب المادة يطغى على قلبه وعقله.
نقلاً عن السيد قطب([12]) بتصرف في ص 3698 وص3699 ما نصه (آفة النفس الإنسانية الشح الإنسان عند خواء قلبه من الإيمان كما يرسمها القرآن صورة عجيبة وتعبير كامل الملامح عن ذلك المخلوق والذي لا يعصمه إلا الإيمان الذي يصله بمصدر يجد عنده الطمأنينة التي تمسك به من الجزع عند ملاقاة الشر ومن الشح عند امتلاك الخير.
ثم يضيف ويقول (ملامح الإنسان نطقت الآيات الثلاث بالسورة ونهضت بالحياة وانتفض من خلالها بحياته وملامحه الثابتة.
1- هلوعا.
2- جزوعاً عند مس الشر.
3- يتألم لنزعته.
4- ويجزع لوقعه ويحسب أنه دائم لا كاشف له.
5- يظن اللحظة الحاضرة سرمداً مضروباً عليه.
6- يحبس نفسه بأوهامه في قمقم من هذه اللحظة وما فيها من الشر الواقع به- ينسى أن هناك فرجاً ولا يتوقع من الله تغيراً ومن ثم ياكله الجزع ويمزقه الهلع فهو الهلع في كلا الحالتين- هلوعاً على الخير والشر وهي صورة يائسة حين يخلو فيه من الإيمان.
7- الإيمان كلمة تقال باللسان لا شعائر تعبدية تقام أنه حالة نفس ومنهج حياة وتصور كامل للقيم والأحداث ويدرك الأشياء بسمعه وبصره وبصيرته) التي توضح له الطريق فيختار أي الطرق يسلك وهناك آيات أخرى تحدثنا عن الإنسان توضح سرعة نسيان الإنسان عن الأمور التي تصيبه فإذا مسه الضر دعا وإذا كشف الله عنه نسى كأنه لم يمسه الضر قبل ذلك قال تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}([13]).
وهذه هي حالة الإنسان في كل العصور وعلى مدى الأيام جحود بالنعمة ونسيان بما أنعم الله عليه وقد ذكر الله تعالى حالة أخرى وهي الكفران بالنعمة واليأس.
قال الله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُوسٌ كَفُورٌ}([14]) وهناك آيات في القرآن الكريم تتحدث عن أنعم الله على الإنسان وتصف الإنسان بالظلم والكفر قال تعالى: {وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}([15]).
ونمضي مع القرآن في تصويره للإنسان من نعوت كثيرة منها المكابدة قال تعالى: "ولقد خلقنا الإنسان في كبد" قال الحسن البصري([16]).
يكابد مصائب الدنيا وشدائد الآخرة. وقال قتادة يكابد أمر الدنيا والآخرة فلا تلقاه إلا في مشقه وقيل منتصباً على قدميه وروى أبي جريج([17]) عن عطاء عن ابن عباس قال يعني حمله وولادته ورضاعه وفصاله ونبت أسنانه وحياته ومعاشه ومماته كل ذلك شده" 1هـ.
ومهما حاولنا من سرد الآيات التي وردت في ذكر الإنسان فذلك أمر يحتاج إلى رسالة وكتاب كبير ولكن إتماماً للفائدة نسرد بعض الآيات التي ليست لنا وقفة عندها.
قال تعالى: {عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}([18]).
قال تعالى: {الرَّحْمَنُ. عَلَّمَ الْقُرْآنَ. خَلَقَ الْإِنسَانَ.عَلَّمَهُ الْبَيَانَ}([19]).
قال تعالى: {خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ}([20]).
قال تعالى: {فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ}([21]).
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ}([22]).
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ}([23]).
والآيات التي وردت في سورة الطارق توضح مما خلق الإنسان أنه خلق من ماء دافق يخرج من الصلب والترائب.
والآن لنا عودة ووقفة عند بعض الآيات فيقول الدكتور عبدالكريم عثمان في كتابه([24]) معالم الثقافة ص3.
ما نصه: (أن الإنسان في عرف التصور الإسلامي قمة الكائنات الحية التي تعيش على وجه البسيطة وأفضلها وأكرمها قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}([25]) وقال تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ....}([26]) وقال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}([27]).
وسبب للتفضيل أنه تعالى عد الإنسان لخلافته على هذه الأرض ولا عمار هذا الكون بالخير والعمل الصالح".
وقد خلق الإنسان لأمر عظيم وهو خليفة الله في الأرض ومهما حاول (دارون وفرويد) من تدنيس قيمة الإنسان وهدم كيانه ولكن ليس ذلك بل لمهمة عظمى أسمى وأشرف مما ذهبت إليه الفلسفة المادية التي تحاول هدم كيان الإنسان([28])- وقد أشار القرآن الكريم عن التصور الإسلامي لحقيقة الإنسان وعند بدء نشئته لا كما تدعى النظرة الدارونية، بأن هناك حلقة مفقودة في حياة الإنسان بينه وبين القردة محاولاً إرجاع أصل الإنسان إلى القردة ولكن نجد الدليل الشافي في القرآن على حقيقة الإنسان منذ نشأته الأولى قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}([29]).
يقول عبدالكريم عثمان ص 19 إلى ص20 وبعد ذكر الآية ما نصه "ولكن ما هو كنه الإنسان الذي يتصل من جهة بالحقيقة الإلهية إيماناً وعبادة واتباعاً لشريعته أن الإنسان في تصور الإسلام كائن يتألف من الجسم والعقل والروح وبوجود العقل والروح في الإنسان استحق أن يكون خليفة على هذه الأرض" 1هـ.
ويقول السيد قطب بعد ذكر قوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}([30]) الحقيقة الرئيسية التي تعرضها هذه السورة هي حقيقة الفطرة القويمة التي فطر الله الإنسان عليها" ويضيف في ص 3933 فيقول "وأن عناية الله بأمر هذا المخلوق على ما به من ضعف وعلى ما يقع منه من انحراف عن الفطرة وفساد لتشير إلى أن له شأناً عند الله" 1هـ.
ثم يقول ابن القيم في كتابه التبيان في علوم القرآن ص31 "أنه سبحانه ذكر نعمته على الإنسان بخلقه في أحسن تقويم وهذه النعمة توجب عليه أن يشكر بالإيمان وعبادته وحده لا شريك له فينقله من هذه الدار إلى أعلى علين إلخ([31]).
وقد رد السيد قطب([32]) في تفسيره عند تفسيره سورة العصر قال ما هو البرهان الشافي والحجة الدامغة لكل فرية غاوية مضللة فقد أوضح أن الإنسان قد كرمه الله وجعله في أسمى منزلة لا كما أراد أن يدنسه (فرويد) (قال ما نصه- (والاعتقاد بكرامة الإنسان على الله يرفع من اعتباره في نظر نفسه ويثير في ضميره الحياء من التدني عن المرتبة التي رفعه الله إليها وهذا أرفع تصور يتصوره الإنسان لنفسه أنه كريم عند الله وكل مذهب أو تصور يحط من قدر الإنسان في نظر نفسه ويرده إلى منبت حقير ويفصل بينه وبين الملأ الأعلى هو تصور أو مذهب يدعوه إلى التدني والتسفل ولو لم يقل له ذلك صراحة (ومن هنا كانت إيحاءات الدارونيه و الفرودية، والماركسية هي أبشع ما تبتلى به الفطرة البشرية والتوجيه الإنساني، فتوحي إلى البشر بأن كل سفالة وكل قذارة وكل حقارة هي أمر طبيعي متوقع ليس فيه ما يستغرب ومن ثم ليس فيه ما يخجل: وهي جناية على البشرية تستحق المقت والازدراء([33]).
وبعد أن وضحنا رأي القرآن في الإنسان فنسرد على القارئ آيات تحدثت عن الإنسان كما يراه القرآن إتماماً للفائدة قال تعالى: {إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ}([34]).
ومعنى الكنود: الكفور أو البخيل أو اللوام لربه يعد المصائب وينسى النعم([35]).
قال تعالى: {إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} وهذه الآية تضع الدستور الإسلامي كله في كلمات قصار وتصف الأمة المسلمة حقيقتها ووظيفتها في آية واحدة هي الآية الثالثة من السورة وهذا هو الإعجاز الذي لا يقدر عليه إلا الله"([36]).
ولو استطردنا لذكرنا آيات كثيرة ولكن نوجز فنذكر بعض الآيات قال تعالى: {بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ}([37]) وقال تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى}([38]).
قال تعالى: {خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ}([39]). قال تعالى: {فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ}([40]). وهذه الآية تصف مدى غرور الإنسان فهو حين ينعم الله عليه يحسب ذلك دليل استحقاق ورضا من الله وعند الابتلاء والامتحان يحسب ذلك عقوبة فيقيس الكرامة والعقوبة بعرض هذه الحياة الفانية فهو مخطئ في كلا الحالتين:
ومن الآيات التي تحدثت عن الإنسان أيضاً:
قوله تعالى: {قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ}([41]) وهي تمثل جحود الإنسان وكفره الفاحش لربه وطغيانه ونسيانه أنعم ربه ولو تدبر فيها لعبد الله حق عبادته. وقبل نهاية هذا الفصل نود أن نوضح أن الآيات التي وردت في ذكر الإنسان كثيرة عددها تقريباً([42]) 63 آية في 43 سورة- ولولا ضيق المجال وقرب الامتحانات لذكرتها جميعاً ووقفت عند كل آية وإتماماً للفائدة نذكر أن الإنسان([43]) من مادة أنس به وإليه أي آلفه وسكن قلبه به وأنسه لاطفه وأزال وحشته. وأنس الشيء أدركه وأحسه ببصره- والإنسان يطلق على الكائن الحر المفكر من بني آدم والجمع أناس...إلخ.
.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|