التذنيب
هذا وإن مجتمع صحرائنا الغالي ـ صحراء إقليم أزواد مجتمع لعب دورا كبيرا في شتى مجالات الحيات الدينية، والسياسية، والاجتماعية...
وساد صحراءه بقوة قاهرة في القديم والحديث، ما يجعل الأعداء يتكالبون عليهم بين فينة وأخرى، ومع ذلك صمدوا أمام الأعداء صمودا حال بين الأعداء وبين هدف غزواتهم الرامي إلى بسط السيطرة على عليهم وعلى صحرائهم.
وقد قادت قبائل إموشاغ صد الأعداء أياً كان حدبهم وصوبهم، مع حفاظهم على معاني سامية لسيادة المجتمع خاصة في معرض الدفاع عنهم، وعن ممتلكاتهم شرقا وغربا.
فرجالات إموشاغ السادة ـ سيدا سيدا ـ عن بكرة أبيهم، أحرى وأولى بمعاني هذا البيت في المقول عنهم:
ألم تر أن العز ألقى برحله***إلى الغر من أولاد بكر بن عامر
إلى أن دخلت قوات الصليب الفرنسي الغازية ـ أواخر القرن الثالث عشر الهجري ـ ذات العتاد الحديث، بأنواعه الفتاكة التي يطول بذكرها ووصفها في الحديث.
علما أنه ليس لدى رجالات صحرائنا خاصة السادة إموشاغ إلا سلاح تقليدي من السيوف والرماح والعصي...
ومع ذلك فقد قامت قبائل إموشاغ بالدفاع عن دينهم وعمن في محيطهم من المسلمين دفاعا أهلكهم، وأباد أبطالهم وساداتهم، بعد سلاطينهم مستشهدين في سبيل الله ـ بإذن الله تعالى.
يتساقطون شهداء تحت المدافع والراجمات...
يردد لسان حالهم معاني قول الصحابي الجليل خبيب ـ رضي الله عنه:
ولست أبالي حين أقتل مسلما***على أي جنب كان في الله مصرع
راجين أن يكون خلف إموشاغ ومن سلف من آبائهم من تتحقق فيهم حقائق آية: ((رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر)).
هذا وظني الحسن فيهم ـ وفي بقية من جاهد في عصرهم من رجالات صحرائنا المجاهدين البواسل ـ كظن الشيخ سيدحم الكتني حين أثنى على السوقيين في معرض حسن تدينهم على علم وبصيرة في هدى الإسلام ما جعله يضمن لهم الجنة ـ ضمان صفة أهل الديانة من العلماء الربانيين الأبرار، فقال في حق السوقين بيتا يكتب بمداد من الذهب في معرض ضمانه لهم الجنة على سبيل ما تقدم إشارة البيان إليه في معرض تخريج معنى البيت ـ بيت ضمان الجنة للسوقيين:
وقد ضمنت ذا لهم***على الكريم وإن يرتب ذو الريب
فإن رجالات صحراء الشجعان الأشداء الأكفاء قاموا حقا خاصة السادة إموشاغ ببراهين ساطعة من بذل نفوسهم ودمائهم وأموالهم في سبيل حامية بيضة الإسلام وأهله في صحرائهم...
هذا وما زالوا رجال السيادة والقيادة والفضل والعز والمنعة إلى الآن ولله الحمد ـ اللهم ارحم سلفهم وبارك في خلفهم.
بل ولقد بلغت قبائل إموشاغ بمعاني سامية أعطت الخلق الرضية، والعقول الرزينة ضبطا مثايلا ضرب به مثل، فباللغة الطارقية يقال لما لا يليق: ((وَرُمُوشَغْ)).
أي: هذا ليس من الخلق الكريمة الراقية.
وإذا كان الشيء مما بلغ فيما يليق من الخلق الرضية أبلغ المراقي قال المثل عنها: ((أَمُوشَغْ)).
أي: هذا شيء بلغ غايته في معرض الآداب الاجتماعية الرضية نقلا وعقلا.
هذا ولقد اشتق المثلان المذكوران، وما في معناهما من اسمهم ـ اسم: ((إموشاغ)) دون اسم أي قبيلة أخرى في صحراء إقليم أزواد جمعاء.
هذا لو لم يكن لمجتمع إموشاغ إلا خصلة الرزانة والعقل الحكيمة الباهرة لكفى في معرض مآثرهم.
ومما يسموا برزانة القوم السامية ما تناوله هذا النقل: (((وقال رجل من أصحاب أبي عبد الله له وقد سمعه يقول بل يروى مرفوعا: إذا بلغكم عن رجل حسن الحال فانظروا في حسن عقله فإنما يجازى بعقله يا ابن رسول الله إن لي جارا كثير الصدقة كثير الصلاة كثير الحج لا بأس به فقال: كيف عقله؟ فقال: ليس له عقل فقال: لا يرتفع بذاك منه))).
شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد المدائني.
بل ومن أعز ما يعزز به النقل السابق قول من قال: (((إن الإنسان يتميز بغيره، بهذه المنقبة العزيزة، ويتميز ابن آدم عن أخيه بميزات عقلية، ترجح جيد قريحة علقه الباهرة، عن قريحة صاحبه بفوارق باطنة وظاهرة، سواءً في جانب العبادات، أو العادات.
كان الحسن البصرىّ إذا أخبر عن أحد بصلاح ،قال :كيف عقله ؟ثم يقول: ما يتم دين امرئ حتّى يتم علقه))).
بهجة المجالس ـ ابن عبد البر.
هذا شيء مما قيل دور العقل في حيات الناس في معرض الثناء.
لذا فإليكم بعض ما قيل سخافة العقل في حيات الناس في معرض الذم.
يقول الشاعر في معرض ذم نفسه بسخافة عقله فقال ـ عفا الله عنه:
يقولون في الشيب الوقار لأهله... وشيبي بحمد الله غير وقار
وقال الآخر في معرض ذم غيره بسخافة عقله فقال:
وقالوا: قد توشح عارضاه***فقلت الآن أوضع في الآثام
وقال الحسين: ثلاثة تذهب ضياعاً: دين بلا عقل...
وقيل: لا تعتدوا بعبادة من ليس له عقدة من عقل))).
محاضرات الأدباء ـ الراغب الأصفهاني.
ولعل مما زان علقية القوم اتقائهم مواطن اللوم الاجتمعاي، واستهجانهم من يقع فيه، وترفعهم عن سفاسف الأمور، أنهم ممن يتمثل لهم بما
قاله زياد: ليس العاقل الذي يحتال للأمر إذا وقع ولكنه الذي يحتال للأمر ألا يقع فيه.
هذا وإن التائبين منهم قديما...
قد ضربوا أروع الأمثلة في ابتغاء الفضائل العلمية والدينية فتركوا أقوامهم ولزموا أهل العلم فأصبحوا علماء يحيى بهم أسنى معاني قول الشاعر:
وأحكم ألباب الرجال ذوو التقوى * وكل امرئ لا يتق الله أحمق
وما أبصرت عيناي أجمل من فتى * يخاف مقام الله في الخلوات
فكان مما ينبغي على كتاب التاريخ خاصة الكاتب المؤرخ السوقي أن يشارك في بيان تاريخ إموشاغ، ومآثرهم جزاء الوفاء لهم بما قدموا لأمتنا من سيادات قوية محكمة رزينة دامت قرونا متطاولا إلى دخول النصارى الغزاة ـ دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها.
ولقد كانت سيادات إموشاغ سيادة تتمتع بأن توصف بسم الدول حقا، فضلا عن السلطنات والإمارات...
فلذلك كنت شرعت من قبل في جمع ما عنونته بعنوان: تطوير الفن بنبذ من تاريخ دولة آلاد وكردن.
الذي ما منعني من مواصلة موضوعه ـ في منتديات مدينة السوق ـ إلا افتقاري للمادة التي شرعت في جمعها عبر مثل هذا المجهود الموسوم: تثقيف اللُّسَن بأخبار ومآثر إمزغيرسن
وما شاكله مما مضى تدوينه في تاريخ بعض قبائل إموشاغ، وما سيأتي ما أمكنني منه مادمت حيا ـ بإذن الله تعالى.
وسيكون ـ بإذن من بيده ملكوت كل شيء ـ موضع لحظي على حقائق معاني قول من قال: فيكيف أذكره إذ لست أنساه.