موضوع جميل يا أبا عبد الرحمن , وما تنقل الشعراء السوقيين من الناقة إلى الطائرة بأمتع من تنقلك من الخط السوقي إلى الخطوط الجوية , ولا ريب أن القارئ لهذه المقاطع من الشعر السوقي , إذا ربط بينها وبين زمانها ومكانها , وعرف شيئا من سيرة قائليها فلا مناص له من قضاء العجب , فإن لم تكن هذه النماذج من دلائل العبقرية فلادليل لها , أنا بالفعل أخذني العجب حينما قرأت هذه المقاطع مركزا , وحاولت الربط بين الصور المودعة في مطاويها , وبين اهتمامات مصوريها , وهذا إن دل على شيء , فإنما يدل بالدرجة الأولى على عظمة العلم وحامليه , هذا الوصف الذي ينقل من تحلى به إلى عوالم شاسعة من الخيال والتفكير , في طرفة عين , قد تنقطع صدور العيس وظهورها دونها بغير العلماء من الراكبين .
أخي العزيز إن الشعراء الثلاثة إغلس والأنصاري وحمدا سلكوا مسلكا يختلف عن مسلك المحمود , حيث إنهم عمدوا إلى مزج الطائرة بالناقة من طريق المقارنة عند البعض , والكناية عند البعض الآخر , وقد أبدعوا في ذلك , لكن ربما يوجد تحليل عندكم لاختلاف منهجهم عن منهج المحمود , فما السبب في قطعه للحديث عن الناقة بل والتفكير فيها عند الشطر الثاني مباشرة من أبياته يا ترى ؟
أخانا العزيز الأديب الخرجي نتمنى أن تكمل هذا المشوار , فبقية الطائريين من شعراء السوقيين ينتظرون الحصول على أرقام مقاعدهم قبل الإقلاع , وهم في قاعة الانتظار مستعجلون.
أخانا العزيز لو ألقيت الضوء على التناسب الواضح بين وصف المحمود للطائرة بأنها مركبة من عدة ألواح , ورغم ذلك وصلت من الإتقان والدقة درجة يحسبها الناظر إليها لوحا واحدا من شدة الالتئام , أقول : لو ربطت بين هذا وبين وصفه لها بقوله : وتحسبها شقت من الهضب , حيث إن الهضب كما ذكر صاحب القاموس ( جَبَلٌ خُلِقَ من صَخْرَةٍ واحِدَةٍ )القاموس المحيط - (1 / 184)
لتمت المتعة , فما أحلى هذا التسلسل الفكري الذي لم تطغ عليه قوة الروي , ولا علو الكلمات التعبيرية .
كذلك وصف الطائرة في قصيدة حمدا هو أيضا مما ننتظر قيامك باستيفائه , فهو غاية في الروعة , فقد نفخ الروح في هذا الجبل بطريق تستحق مزيدا من الاعتناء والإشادة , ودمت موفقا يا أبا عبد الله , ودائما صاحب مفاجآت من هذا النوع , ولتبق طائرا محلقا في سماء الإبداع وتقبل تحياتي.