المحور الثاني: شخصية السيد الشريف انتالا ـ حفظه الله تعالى ـ الاجتماعية.
إن هذا المحور هو محور منسبق على محور الشخصية الدينية.
لأن كل متدين بدين الإسلام على بصيرة من العلم بتعاليمه، لا شك أنه يتطلب منه علمه العمل بمقتضى علمه بشيء من تعاليم الإسلام الحسان العظام.
ومن أهمها وأعظمها بعد أداء حق الله تعالى، أداء حق خلقه، الذي يتوجب على كل مخاطب بحق الله تعالى، فهو مخاطب بحق الخلق من الفرد إلى المجتمع...
وكل أحد مخاطب شرعا، فهو مخاطب قدر طاقته، التي من أجلها طاقات أهل العلم في علمهم، وطاقات أهل السيادة في سلطتهم...
فمقام السيادتين ـ سيادة العلم، وسيادة الإمارة ـ يستلزم على أهلهما دورا عظيما عليهما نقلا وعقلا، لا يلزم من دونهما.
ومما يلزمهما:
· الاتصال بمجتمعاتهم اتصالا مباشرا...
لقوله عليه الصلاة والسلام: المؤمن : الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم.
قال الشيخ الألباني : صحيح
· رعاية حق من له أي حق من المجتمع ببذل ما له من حق، سواء في سبيل تعليمه ما لا يجوز جهله في الدين الإسلامي الحنيف.
أو في جانب حق دنيوي من رعاية كريمة خاصة في حق أهل الاحتياجات من فقير، ومسكين، ويتيم، وأرملة، وغير ذلك مما يتوجب على من رزق أي نوع من إمارة على مجتمعه.
قلت: وبالامتثال بتعليم الشرع في ذلك، وما في معناه، تظهر من شخصية أي شخصية دوره الاجتماعي، في حق المجتمع...
وللشخصية الاجتماعية بين الأعيان الكبار دلائل، منها على سبيل المثال، لا الحصر.
حب المجتمع له المبني على بذل النفع له، وكف الأذى عنهم.
قوة علاقة تلك الشخصية بخيرة مجتمعه من علماء الدين، وسادات القبائل...
كل ذلك ضرب صاحب الترجمة الشيخ انتالا ـ حفظه الله تعالى ـ أروع الأمثلة ـ أثابه الله على ذلك خير مثوبات الدارين.
وسيتضح شيء من جانب شخصيته الكريمة ببعض ما في الفقرات الآتية ـ بإذن الله تعالى:
الفقرة الأولى: جانب كريم من رعاية الشيخ انتالا ـ حفظه الله تعالى ـ لمجتمعاته.
يصور شيئا من ذلك لقراء المعرفة السفير العراقي الأستاذ المؤخر الأديب همام هاشم الألوسي، بوصفه التعريفي البليغ، بقوله:
ولم يقتصر دور الشيخ انتالا بن الطاهر على رعاية أبناء قبيلته وأبناء قومه.
أو استمرار أدوار وساطته بين السلطات الحكومية، والحركات السياسية الأزوادية...
بل وإن بعض متطرفي هذه الحركات حاولوا إدانته من خلال اتهامه بالتواطئ مع السلطة على حساب قضيتهم، إلا أن معظمهم تراجع عن هذا الموقف بعد ذلك.
المصدر: الطوارق ـ الشعب والقضية تاريخا منسيا ـ وحضورا مقهورا ومستقبلا مجهولا. ص170-171.
طبعة: دار أبي قراقا للطباعة والنشر.
قلت: إن هذا النص كشف لنا عن دور اجتماعي كريم الرعاية، قبيلة وقوما إضافة إلى جر ذيل الرعاية على من بدأ منهم التحرك الثوري، الذي ستأتي الإشارة عنه ـ بإذن الله تعالى ـ في محور شخصية السيد الشريف انتالا ـ حفظه الله تعالى ـ السياسية.
ونختم هذه الفقرة المهمة في حق الفرد والمجتمع اللذين بهما تظهر حقيقة القيام بمهام مسئولية الوطن، وذلك لا يكون إلا برعاية سكانه، الذي يصور شيئا من ذلك لقراء المعرفة السفير العراقي أيضا، الأستاذ المؤخر الأديب همام هاشم الألوسي، بوصفه التعريفي البليغ، بقوله:
يشير معظم الطوارق باعتزاز إلى شخصية انتالا أغ الطاهر ـ أمير قبائل افوغاس، الزعيم الكبير، الذي لعب طوال حياته دورا كبيرا مؤثرا في حماية أبناء المنطقة الأزوادية ورعايتهم دون تحيز لفئة أو قبيلة على أخرى.
المصدر: الطوارق ـ الشعب والقضية تاريخا منسيا ـ وحضورا مقهورا ومستقبلا مجهولا. ص170-171.
طبعة: دار أبي قراقا للطباعة والنشر.
الفقرة الثانية: نماذج رائعة من العلاقة الاجتماعية بصفة خاصة بسادات القبائل ـ أهل الحل والعقد من الأعيان الذين بينه وبينهم جسر التواصل:
· السيد النبيل إلياس أق أمية من قبيلة إفوغاس...
· السيد النبيل وَانْقا أق دَكَّنَنْ من قبيلة إفوغاس...
· السيد النبيل دَمّا أق الناصر من قبيلة إفوغاس...
· السيد النبيل بُوجَكَّتْ أق أحمد السوقي من قبيلة كَلَ أضاغْ...
· السيد النبيل بُسّادْ أق حَكَّتْ من قبيلة إدْنانْ...
· السيد النبيل هَبّا أق فَنا من قبيلة تَاغَاتْ مَلَّتْ...
· السيد النبيل حمزة بن القاسم من قبيلة تَاغَاتْ مَلَّتْ...
· السيد النبيل بَناسا أق سعيد من قبيلة إمَكَلْكَلَنْ ـ إمْغادْ...
· السيد النبيل باي أق أتَّكْبَلْ من قبيلة تَلْقَطْغاتْ...
· السيد النبيل بداري أق آكْلي من قبيلة كَلْ غَلى...
· السيد النبيل محمد بن أبيساكَتْ من قبيلة إرَجَناتَنْ...
· السيد النبيل حمزة أق عَمًّسْتْ من قبيلة إبَطَّناتَنْ...
الفقرة الثالثة: علاقته الاجتماعية الحميمة مع رجال الدين من العلماء، قديما وحديثا.
وقد تقدمت نماذج رائعة في مسرد العلماء الذين تربطه بهم علاقات اجتماعية، المبنية على الجانب الكبير من العلاقة الدينية.
ويكفي عن تصويرها قول قائلهم، وهو الشيخ العلامة أعالي الإدريسي السوقي المرسي ـ رحمه الله تعالى:
لولا الإمام ابن الإمام الطاهر***ابن الإمام إلّي ذي الـــمآثر
انتالا ما كلمت في تي المسألة***إذ كنت لا أظنها بالمعضلة
فهذه اللفتة التاريخية الكريمة، يردك من خلالها بعض الحقائق الجليلة في شخصية الشيخ انتلا، وعلاقته بكبار رجالات مجتمعاته...
كل يعامله بعلاقت دور منصبه الاجتماعي، الذي منهم دور رجال الدين في المجتمع، وهو القيام في معرض هداية المجتمع ببذل تعاليم الدين لهم تعليما وإفتاء...
في كل ما من إن شأنه أن يرفع إلى رجال الدين مما تدعو إليه حاجة البيان الشرعي، سواء كان دقيقا أو جليلا.
لأن الجليل والخفي الدقيق مسألتان تتعلق نسبة إدراكهما حقيقة بالعلماء، وتفاوت درجاتهم في إدارك الدقيق من غيره، خاصة في جانب معرفة متعلقاتهما من الحلال والحرام.
وأما الحريص من غيرهم من الأعيان وغيرهم، فلا يسعه أن يرى شيئا من الدين سهلا قولا واحدا، سواء في خاصة نفسه، أو في خاصة من تحت رعايته، وصدق الصادق المصدوق إذ يقول: الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس. كما في الصحيحين.
ومن هم هؤلاء الناس؟ إنهم هم العلماء، الذين هم جاء الأمر بالرجوع إليهم في معرفة خطاب الشرع ومراده، وصدق الله ـ عز اسمه ـ إذ يقول: {فَاسْأَلوا أَهْل الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلمُونَ}
قلت: وهذا السؤال الذي يراه الشيخ العلامة أعالي الإدريسي السوقي المرسي ـ ليست مسألته: بالمعضلة.
ذلك بالنسبة له كعالم فقيه علامة ـ رحمه الله تعالى، ومن كان من أهل مقاماته، المنوط عيهم القضاء والإفتاء.
وأما غيرهم خاصة في حق جانب الأعيان الكبار وغيرهم من الساسة هم وغيرهم، وإن كان لدى بعضهم من العلم ما يجعله يدرك إدراك علم كثيرا من الحلال والحرام، إلا أنه مما ينبغي عليهم ما قام به الشيخ انتالا ـ حفظه الله تعالى ـ عن السؤال في حكم تلك المسألة، التي قال عنها أحد علماء زمانه: إذ كنت لا أظنها بالمعضلة.
قلت: وقد وقفت لصاحب الترجمة العام الماضي 1433هـ على موقف عظيم في مسألة اجتماعية، كنت أنا أيضا أظنها ليست: بالمعضلة.
وذلك أن صاحب الترجمة السيد الشريف انتالا ـ حفظه الله تعالى ـ قال في يوم مشهود، يوم تنصيب رئيس مجلس الانتقال لأزواد السيد النبيل الشريف بلال أق الشريف، في مدينة: قاو، العام الماضي 1434هـ.
فكان مما شنف به الأسماع وشرف الشيخ انتالا به الحضور الكبار من أعيان وسادات قبائل أفقنا شرقا وغربا، شمالا وجنوبا.
أن قال أمام الحضور مشهدا إياهم على قوله الجليل المعاني: أن أي فرد من إفراد قبيلة إمغاد، فهو في حل منا كم هوأخ من أخوة كرام لنا...
قلت: وهذه المسألة ذكرها أيضا صاحب الترجمة في حضور ملتقى أهل العلم في كيدال، فأشهد الجميع بذلك، مرة أخرى.
وأنا في الحقيقة ما كنت أظن أن هذه المسألة: معضلة.
لعدم ظهورها، كأي مشكلة ظاهرة للعيان ذات حدث بارز في أرض الواقع الحديث بين القبيلتين اللتين لعبت كل واحدة منهما، وغيرهما دورا كبيرا في التقدم بمجتمع أفقنا سياسيا وعسكريا واجتماعيا واقتصاديا...
لكن من دين الرجل ـ نحسبه كذلك والله حسيب الجميع ـ قام بعرضه ذلك الإشهاد على وجه البشرى الاجتماعية الفريدة الذكر.
وفي ختام هذا المحور، فإنه مما ينبغي أن يعلم أن جانب الشخصية الاجتماعية في المترجم له، هو الجانب المتمتع بشخصية فذة أصبحت في حق المترج له كخصلة راسخة في شخصيته، حتى كأنها هي الخصلة الحميدة المتمتع بها، فبها ذاع صيته ـ حفظه الله تعالى.
لذا فإنه مما ينبغي في معرض الواجب العرف الحسن على كتاب التاريخ أن يهتموا بتدوين درر نفائس من شخصية صاحب الترجمة الاجتماعية، لأجيال هذا العصر، ومن بعدهم جيلا جيلا...
ليقتدى بتلك الخصلة الاجتماعية المتنوعة بأجناس المآثر الاجتماعية الحميدة...
هذا وصدق الله تعالى إذ يقول: {فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الأَلْبَابِ}