((6))ضوء على ممالك غرب افريقيا
مملكة سنغاي بعد اسكيا الحاج محمد بن أبي بكر
((6))
استولى اسكيا الحاج محمد، على حكم مملكة سنغاي بعد تغلبه على أسرة سني علي،في سنة 898ه/ 1493م، مدشنا بذلك حكم أسرة اسكيا، واستطاع أن يترك مملكة واسعة الأرجاء قوية الجانب كثيرة الغنى. لكن مع كبره اغتصب ابنه اسكيا موسى الحكم منه وأقاله بالقوة سنة 1528م ،فاتحا بذلك عهدا من التنافس والتناحر بين أفراد الأسرة على عرش المملكة.
وفي إطار توسعات مملكة سنغاي، التي كانت تقدر مكانة التجارة السودانية ، رغبة منها في إتمام السيطرة الكاملة على مواد التجارة خاصة الملح، فإنها تمكنت من مد نفوذها حتى ممالح تغازى الواقعة شمال السودان وهي أقرب إلى المغرب منها إلى السودان، وحدث هذا في أوج قوة سنغاي، ومع وجود صراعات على الحكم بالغرب .
لكن بعدما دخلت سنغاي في الضعف، وشعر السعديون بقوتهم اندفعوا للسيطرة على ممالح تغازى القريبة منهم أولا، والسيطرة على التجارة السودانية ثانيا، ودخلوا في نزاع سياسيي وعسكري مع مملكة سنغاي ،انتهي بدخول جيش احمد المنصور السعدي، الذي جني نتائج انتصار المغاربة على البرتغاليين في معركة وادي المخازن، إلى بلاد السودان وتقويض دولة السنغاي.
ولن نفصل القول في هذا الحدث التاريخي الذي سال حوله المداد الكثير وألفت حوله المؤلفات بجميع اللغات بين منتصر وبين شاجب له، وبين محبذ وبين رافض له.ومهما تعدد الآراء فان العلاقات السياسية دخلت في منحى آخر إذ صارت بين حاكم ومحكوم بعد أن كانت بين دولة ودولة وبين ند وند.وما نتج عن ذلك من انعكاسات بعضها سلبي والآخر ايجابي، وغير ملامح التواصل بين أقطار ضفتي الصحراء.
إذ استفادت الحركة الثقافية في بلاد السودان من ذلك حيث تمكن علماؤها، ومنهم المثال النموذج احمد بابا التنبكتي من استغلال فرصة وجوده القهري بمراكش للنهل من خزائن الكتب المغربية ، التي وجد بها ضالته من العلم ووجد بها ما لم يجده في خزائن كتب مدينة تنبكت.
وكانت فترة مهمة في حياته لأن أحمد بابا أخذ مجلسه بمساجد مراكش للتدريس إلى جانب العلماء المغاربة، وكانت فترة خصبة من حيث التأليف والكتابة في مختلف العلوم الأدبية والشرعية، بعد أن وسع من ثقافته بما وجده في المكتبات المغربية من أمهات الكتب والمخطوطات، خاصة مكتبة احمد المنصور.إذ يقول احمد بابا " لما قدر الله تعالى لي دخول بلدة مراكش على الوجه الذي أراده في الأزل وقضاه وذلك في أواخر عام اثنين وألف وسهل لي مع ما أنا فيه من التضييق والحبس الوقوف على جملة كتب غرائب لم اكن وقفت عليها.."[51]
و بعد إطلاق سراحه "تصدى لنشر العلم وهرع الناس للأخذ منه ولم يزل إلى وفاة المنصور".[52]
وجلس بمسجد الشرفاء بمراكش، وكان يعطي دروسه في مختلف العلوم اللغوية والشرعية،وأفاد واستفاد.
ومن خلال معرفة طرق تدريسه، والكتب التي درسها، والطلبة والعلماء الذين كانوا يأتون إلى مجلسه، نعرف هذا الأثر الذي تركه أحمد بابا في الثقافة المغربية خلال إقامته الإجبارية بمراكش.
وقال بصدد ذلك "لما خرجنا من المحنة طلبوني للإقراء، فجلست بعد الإباية بجامع الشرفاء بمراكش من أنوه جامعها، أقرأ مختصر خليل قراءة بحث وتحقيق ونقل وتوجيه، وكذا تسهيل ابن مالك وألفية العراقي فختمت على نحو عشر مرات، وتحفة الحكام لابن عاصم والسبكي والحكم والجامع الصغير قراءة تفهم مرارا والصحيحين مرارا ومختصرهما والشفاء والموطأ والمعجزات الكبرى للسيوطي والشمائل والكلاعي وغير ذلك".
"وازدحم علي الخلق وأعيان طلبتها ولازموني بالإقراء على قضاتها كقاضي الجماعة بفاس العلامة أبي القاسم بن أبي النعيم الغساني وهو كبير ينيف الستين، وكذا قاضي مكناس الرحلة المؤلف صاحبي أبو العباس بن القاضي المكناسي له رحلة للشرق لقي فيها الناس وهو أسن مني، ومفتي مراكش الرجراجي وغيرهم، وأفتيت بها لفظا وكتاب بحث لا تتوجه الفتوى بها غالبا إلا إلي ... واشتهر إسمي في البلاد من سوس الأقصى إلى بجاية والجزائر وغيرهما، وقد قال لي بعض طلبته لما قدم علينا مراكش لا نسمع في بلادنا إلا باسمك فقط هـ".[53]
ولم يترك أحمد بابا التدريس إلا بعد وفاة المنصور "فأذن له ولده الزيدان بالرجوع"[54]
وخلال إقامة أحمد بابا بمراكش ترك للخزانة المغربية عددا من المؤلفات والكتب التي جاءت ثمرة اجتهاده. ومن هذه الكتب نيل الابتهاج بتطريز الديباج، وهو في تراجم فقهاء المالكية ألفه في مراكش سنـة 1005. واللآلئ السندسية في الفضائل السنوسية ألف في سنة 1004 بمراكش، وغيرها من الكتب في مختلف المواضيع، والخزانة المغربية غنية بالمخطوطات التي تركها هذا العالم السوداني.[55]
وهذا مثال على استفادة العنصر السوداني من المغرب و على التواصل الثقافي والبشري ،رغم اضطراب العلاقات السياسية بين البلدين.
واستمرت الحركة الثقافية في بلاد السودان بين مد وجزر، وظهر كتاب ومؤرخون معاصرون للحملة أمثال عبد الرحمان السعدي صاحب كتب تاريخ السودان، ومحمود كعت والفتاش وغيرهم ، بل أن احمد بابا التنبكتي درس في تنبكت بعد رجوعه إلى بلده زمن الوجود المغربي في تنبكت.
ووجدت عناصر سودانية أخرى أثرت بدورها. إما بالسلب أو بالإيجاب، في العادات والتقاليد والمفردات اللغوية والموسيقى، بحكم وجودها في القصور والجيش ودور الأغنياء وفي المعامل والحقول وفي الأزقة. وحدث تلاقح بين الحضارتين المغربية والسودانية والتي أتت أكلها بعد حين، في ظل الحضارة العربية الإسلامية .
ولا أدل على ذلك من استعمال الخط المغربي في أقطار جنوبي الصحراء و القراءة المغربية ووجود العديد من مؤلفات العلماء المغاربة في خزائن دول الجنوب.والأخذ بالمذهب المالكي، و الانتساب إلى الطرق الصوفية المغربية.
واهم ملاحظة هو سعي دول الضفتين في السنوات الأخيرة إلى استمرار التواصل والبحث عن سبل إنعاشه وتمثل ذلك في عقد اتفاقيات التعاون بين هذه البلاد التي اهتمت بمختلف الميادين الاقتصادية و الاجتماعية والثقافية والإنسانية ، و ذلك لربط الماضي بالحاضر والتطلع إلى مستقبل القارة الإفريقية جمعاء في ظل حضارة عربية إسلامية علمية. فمزيدا من التواصل والتواصل والتواصل.
مصادر ومراجع:
الإدريسي : نزهة المشتاق في اختراق الافاق .
ابن بطوطة الطنجي : تحفة النظار في غرائب الامصار. بيروت 1992 .
ابن خلدون : كتب العبر وديوان المبتد ا والخبر المجلد 7 بيروت
البكري ابو عبيد الله : المغرب في ذكر بلاد افريقيا و المغرب باريس 1956.
الحسن الوزان : وصف افريقيا . ترجمة محمد حجي ومحمد لخضر الرباط 1980
احمد بابا التنبكتي :اللآلئ السندسية في الفضائل السنوسية الخزانة العامة رقم د 984
الفشتالي : مناهل الصفا في اخبار الملوك الشرفا الرباط 1973
المقري : نفح الطيب من غصن الاندلس الرطيب بيروت 1968.
السعدي عبد الرحمان: تاريخ السودان باريس 1964
محمود كعت : تاريخ الفتاش في اخبار البلدان والجيوش واكابر الناس باريس 1913
اليفرني محمد الصغير : نزهة الحادي في اخبار ملوك القرن الحادي الرباط 1977
المراكشي : الاعلام بمن حل بمراكش واغمات من الأعلام الرباط 1974- 1983
عبد القادر زبادية : مملكة سنغاي في عهد الإسقيين. الجزائر 1971.
دائرة المعاف الاسلامية . ترجمة محد ثابت افندي الجزء 13
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - عبد القادر زبادية، مملكة سنغاي في عهد الأسقيين، الجزائر 1971، ص. 15.
[2] - دائرة المعارف الإسلامية، ترجمة محمد ثابت الفندي، جزء 13، ص. 327.
[3] - مملكة سنغاي، مرجع سابق، ص. 15
[4] - عبد القادر زبادية، مملكة سنغاي، ص. 17.
[5] - أبو عبيد الله البكري، المغرب في ذكر بلاد إفريقيا والمغرب، باريس 1956، ص. 176
[6] - نفس المصدر والصفحة
[7] - الإدريسي، نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، بدون ترقيم.
[8] - الإدريسي، نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، ص. 177.
[9] - احمد اشكري ، مملكة غانة وعلاقتها بالحركة المرابطية. الدارالبيضاء 1998
[10] - بازل دافدسن، إفريقيا تحت أضواء جديدة، ص. 147.
[11] - مملكة سنغاي، ص. 21، إشارة إلى العمري وأبي الفداء.
[12] - تاريخ السودان، ص. 7.
[13] - نفس المصدر والصفحة.
[14] - نفس المصدر والصفحة.
[15] - تحفة النظار، ص. 167.
[16] - نفس المصدر، ص. 194.
[17] - تحفة النظار، ص. 191.
[18] - نفس المصدر والصفحة.
[19] - نفس المصدر، ص. 194.
[20] - نفس المصدر والصفحة.
[21] - تحفة النظار، ص. 209.
[22] - تاريخ السودان، ص. 71.
[23] - تاريخ الفتـاش، ص. 78.
[24] - السعدي، ص. 71.
[25] - نفس المصدر والصفحة.
[26] - تاريخ الفتـاش، ص. 78.
[27] - نزهة المشتاق، م. 4، ص. 24.
[28] - البكري، ص. 158.
[29] - ابن بطوطة، ص. 192 وص. 193.
[30] - نفس المصدر، ص. 191.
[31] - البكري، ص. 171.
[32] - الإدريسي، بدون ترقيم.
[33] - ابن بطوطة، ص. 206.
[34] - وصف إفريقيا.
[35] - البكري، ص. 158.
[36] - الإدريسي، (ب ت).
[37] - السعدي، مصدر سابق. ص. 11.
[38] - وصف افريفيا ج2 ص ترجمة محمد حجي ومحمد الاخضر
[39] - البكري أبو عبد الله، المغرب في ذكر بلاد إفريقيا والمغرب، ص. 168، باريس 1965.
[40] محمد بن شريفة: من أعلام التواصل بين بلاد المغرب و بلاد السودان . الرباط1999.ص26
[41] - المقري . نفح الطيب من غصن الاندلس الرطيب بيروت1968 ج3 ص 107.
[42] - مجلة المناهل، عدد 7، سنة 1976، ص. 138، شوقي عطا الله الجمل.
[43] - الاستقصاء، الناصري، الجزء 3، ص. 152.
[44] - كتاب العبر لابن خلدون، المجلد 7، ص. 554.
[45] - ابن خلدون، المجلد 7، ص. 310، الصحيح أنه أخوه.
[46] - ابن خلدون، المجلد 7، ص. 554.
[47] -محمد بن شريفة مرجع سابق ص72.
[48] - تحفة النظار في غرائب الأمصار، ص. 702- 704، ط 2، بيروت 1413 / 1992.
[49] - دولافوس، علاقة المغرب والسودان، مجلة هيسبيرس، 1924، ص. 161.
DELAFOSSE, Les relations du Maroc avec le Soudan, Héspéries 1924, P. 161.
[50] - دولافوس، علاقة المغرب والسودان، مجلة هيسبيرس، 1924، ص. 161.
DELAFOSSE, Les relations du Maroc avec le Soudan, Héspéries 1924, P. 161.
[51] - اللآليء السندسية في الفضائل السنوسية . مخطوط الخزانة العامة الرباط رقم:د 984.
[52] - نزهة الحادي في أخبار ملوك الحادي، ص. 97.
[53] - الأعلام، المراكشي، مرجع سابق، ص. 102.نقلا عن كفاية المحتاج
[54] - الفشتالي، مناهل الصفا، ص. 97.
[55] - انظر : كتابنا مخطوطات أحمد بابا التنبكتي في الخزائن المغربية، الرباط 1996.
آخر تعديل السوقي يوم
02-15-2009 في 02:08 PM.
|