الموضوع
:
خمسون عاماً على إبطال الرقيق: قصة تجارة العبيد في الحجاز [1855 -1962م]
عرض مشاركة واحدة
09-20-2012, 01:01 PM
#
3
بيانات اضافيه [
+
]
رقم العضوية :
96
تاريخ التسجيل :
Jun 2009
أخر زيارة :
10-31-2024 (10:29 PM)
المشاركات :
389 [
+
]
التقييم :
10
لوني المفضل :
Cadetblue
رد: خمسون عاماً على إبطال الرقيق: قصة تجارة العبيد في الحجاز [1855 -1962م]
دراسة علمية من منظور إسلامي ، توضح الخلل الذي طرأ على مفهوم الرق والاستعباد في جميع الأديان السماوية (الإسلامية – المسيحية – اليهودية ) ..
ما دفعني في الحقيقة إلى التعرض لهذه القضية الفكرية المسمومة ، بدراسة موضوعية من منظور إسلامي ، هو لشمولية هذا الدين ، على جميع الأطر الصحيحة ، التي تستقيم بها حياة البشرية ، لجميع أتباع الديانات ، فضلاً عن مقدرته على تقديم الحلول، التي تواجه بني البشر على وجه العموم ، ولكن لا يكون ذلك إلا شريطة أن يفهم جوهره الأصيل .
والشمول في اللغة : تعني الاحتواء والتضمين ، وشمله بمعنى احتواه وعمه وتضمنه .
و في الشرع :يأتي ذلك في معنى قوله الله تعالى (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ) (7 ).
وأيضاً في قوله تعالى ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) (8 ) .
ويأتي هذا التبيان شاملاً لكل الأزمنة والأماكن على وجه الأرض ، فالقرآن الكريم فيه تبيان وتوضيح لكل شيء ، حيث يقدم القواعد الكلية والخطوط الرئيسية ، والمرجعيات والمعايير ، للعيش في الحياة الدنيا بأمان ، و حماية ، وتحسيناً وتجويداً لحياة البشر، وحمايتهم من الوقوع في الزلل والانحراف والخطأ ، كما يتدخل في بعض التفاصيل ليقررها مباشرة لسبب ما ، في علم الله . وهو رحمة للعالمين جميعاً المسلمين وغير المسلمين ، سواءً آمنوا به أو لم يؤمنوا ، فستصبيهم رحمته من تواصلهم مع المسلمين المؤمنين به . لأن رحمة الرسالة واسعة بما فيها من الحقائق الكلية للكون وللحياة ، وفلسفة الحياة ، وقواعد العيش الآمن على الأرض، وحقائق المخلوقات ، وفلسفة كيفية تسخيرها للإنسان والانتفاع بها ، وإجابات لأسئلة كثيرة تعجز الأديان الأرضية والعقول البشرية عن الوصول إليها.ومن المعلوم أن الفكر الإسلامي يتميز - على مر العصور - بامتداده إلى عمق الحياة ، وشموله لجوانبها ، وارتباطه بمشكلاتها من جهة ، كما يتميز بربط أمور الدنيا - معيشة ودراسة - بأمور الدين عقيدتاً ومصيرا من جهة أخرى .
ومن ثم فإن الباحث الديني حين يتعامل مع هذا الفكر ، فإنه يجب أن يتعامل معه بعقل مفتوح ، وقلب مؤمن ، وحين يقدمه إلى القراء والمستمعين والمشاهدين ، فإنه يجب أن لا ينسى هذا الارتباط بين الدين اعتقاداً ، وبين الحياة واقعاً ، فهو لا يقدم أفكاراً مجردة تنحصر في رياضة عقلية ومتعة فكرية ، كما أنه لا يلهب العواطف بكلمات منمقة وسبحات روحية وعند تتبع النهج القرآني في التربية أو المعاملات أو غيرها ، نجده يحرص كل الحرص على هذا الربط ، فهو يعرض المسألة مرتبطة بواقع الناس من جانب ، ثم يمزج هذا الواقع فيجعله من صميم الدين من جانب آخر ، ولعلي هنا أضرب مثلاً لتقريب المسألة أكثر : إذا قرأنا آية من القرآن عقب قراءتنا لمسألة من مسائل المعاملات ، في توزيع غنائم الحرب مثلاً ، في قول الله تعالى(وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)(9 ) .
أو في مسائل المعاملات المالية مثل قوله تعالى( وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(10 ) .
فكأنما تقوى الله والتذكير بحدوده ، هي الضوابط التي ترسم طريق هذه المعاملات وتضمن سلامتها .
كما أن على متلقي الفكر الإسلامي أيضاً ، أياً كان نوع هذا التلقي ، أن يتصور هذه العلاقة ابتدءاً ، حتى لا يجهد نفسه ، بإلزام المنهج الإسلامي، ما لا يجوز التزامه به ، ولا يحمله من المعاني والاتجاهات ، ما لا يتحمله .
فلقد امتزج هذا الفكر بالحياة ، وامتد إلى جوانبها المختلفة ، ولكن المفكرين فيه ، لم يكن يعنيهم تقديم الفكر إلى الناس، بقدر ما يعنيهم تقديم المنهاج ،الذي يربط الدنيا بالدين ، ويهيئ الحياة للآخرة .
الحكمة من نزع الحرية البشرية
من المعلوم أن الأصل في الإنسان الحرية ، والمقصود بالحرية هنا ، هي الحرية الدينية والشخصية والاجتماعية ، المشروطة بضوابط ، وأطر التشريع الرباني ، الذي يوجهها نحو الاستقامة ، والنهج المستقيم ، لتنصرف مختارة لعبادة خالقها سبحانه وتعالى وحده ، الذي تنسب إليه هذه المشيئة ، حيث قال تعالى(إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً * وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً )(11 ).
وقال تعالى ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ )(12 ) .
وقال تعالى (ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقّ فَمَن شَآءَ اتّخَذَ إِلَىَ رَبّهِ مَآباً )(13 ).
وقال تعالى ( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ * وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ )(14 ) .
وقال تعالى (مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) (15 ).
ومن خلال مجموع هذه الآيات ، ندرك أن للحرية الإنسانية أكبر المساحات في الإسلام ، وأنه دين لا يسلك أبداً مسلك إرغام الناس على تبني اعتقادات فكرية ، أو مذهبية معينة ، ولا يكره أحداً على اعتناق عقيدة الإسلام ،ولا إكراه فيه على الدين ، إنما هو البلاغ .
لأن منظومته الاعتقادية ، قدمت في إطار استدلالي محكم ، يمتد على مساحة هائلة من النشاط الإنساني ، في مجال الاعتقاد ، والفكر ، وغيره، وهي مساحة لا يستطيع أن يراها الأشخاص الذين ينظرون إليه ، من خلال نظاراتهم السوداء ، إما عن جهل جائر ، وإما من عداء كافر ، والقائل بأن الإسلام لم يقل بالحرية الشخصية ،أو حرية العقيدة ،أو حرية الرأي ، القائمة على أساس من الدين السماوي ، والنظام الأخلاقي النظيف ، إنما يضع نفسه بجدارة ، في صف أعداء الإسلام .
ولهذا فهو دين شامل ، جاء ليكفل حرية كل إنسان ، في الوطن الإسلامي ، ويصون حرماته ، أياً كانت عقيدته ، كما أنه دين يسمح للناس ، بل يدعوهم إلى الاستنتاج الحر، عن طريق استخدام مبدأ الحوار ، وآليات المناظرة ،والحجج ، ليصلوا جميعاً ، غاية العدالة الإلهية ، المتمثلة في العدالة الكونية ، والعدالة الشرعية ، وهي غاية أصيلة ، لجميع الشرائع السماوية ، التي جاءت قاطبة ، لتحقيق العدالة في الأرض ، ليتحقق مقتضى سنن الكون في الوجود ، من أجل أن تجري جميع الكائنات نحو غاياتها بتوازن ، كما أن في هذه الغاية أيضاً ، قيمه إنسانية سامية ، يسود بها منهج الحق ، ويتحقق بها مقتضى سنن الشرع في المجتمعات ، لتكون البشرية بسائر أجناسها ، وأعراقها ،وثقافاتها ، أمام ميزان العدل والإنصاف ، للعدل بين الناس ، وفق أوامر الشرع ، وإعطاء كل ذي حق حقه ، قال تعالى (إِن َّاللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (16 ).
وهذا ما حققه العنصر البشري ، في زمن الرسول محمد صل الله عليه وسلم ، وأصحابه الكرام رضوان الله عليهم أجمعين ، تلك العناصر التي تألقت في عالم الإنسانية ، لجعلها سنة العدالة الإلهية أساسًا ومنبراً ، لدينها ودنياها ، وقدمت للبشرية جمعاء على إثر ذلك ، الكثير من النماذج المشرقة ، للوحدة ،والتجانس ،والأمن، والسلام ، في ظل التباين الثقافي، والديني، والعرقي، لتلك المجتمعات ، ومما يؤسف عليه ، فإن ذلك التألق للأمة الإسلامية ، حٌجِب عن أنظار البشرية ،بعد أن كانت خير أمة أخرجت للناس ، قال تعالى(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) (17 ).
وما سبب ذلك الحجب، إلا لتغطية سحب ركام المظالم ، وأحداث الجوانب المظلمة ، للأعمال الغير مسئولة ،التي أرتكبها المسلمون في عصرهم الحديث .
والكون وكما هو معلوم ، يجري في توازن دقيق ، وفق عدالة عامة ، نابعة من تدبير الخالق جل علاه ، تدير موازنة عموم الأشياء ، وتأمر البشرية بإقامة العدل ، ومراعاة هذا الميزان الإلهي ، سواء من الجانب الشرعي ، بإتباع صراط الدين الذي جاء به الرسل ، وبينوه ، حيث قال تعالى ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بالقسط... )(18 ).
أو بالامتثال لسنن الحق والعدل في نواميس الكون ، وهذا ما حافظ على الدوام عليه ، الأنبياء والرسل ، وعباده الله المؤمنين الصالحين ،الذين ليس لغير الله عليهم من سلطان ، لأن الإنسان ملزم بالفطرة ،على المحافظة على هذا التوازن ومراعاته ، سواء في الجانب الكوني ،أو الشرعي ، والسعي في سبيل نشره ، والمناداة به ، والدعوة إليه، لإيجاد عناصر العدل ، والتوازن ، في سائر مظاهر الحياة ، ليعم سائر أرجاء العالم ، وهذا ما يرجوه أي ضمير إنساني.
ولكن لما كان هناك بعض الناس ، ممن لا يؤمنون بالشرائع ، وطبعت نفوسهم على الطغيان ، وتحررت ضمائرهم من شعور العبادة الخالصة لله ،وصرفت لغيره ، سواء لبشر، أو ملك، أو حجر، أو ما أشبه ذلك ، ولد حينها الكفر، الذي ينكر حقيقة الله ، ونعمه التي أمتن بها على عباده ، أتي دور عمل سائر الحريات الممنوحة للإنسان ، في مختلف معاملاته ، وسائر شؤونه الفردية، والاجتماعية ، التي جعلتهم يقفون في سبيل الدعوات المنادية إلى إقامة مبدأ العدالة الإلهية العامة، ويضعون العقبات في سبيل تقدمها ، ويمنعون الداعي عن تبليغها ، ويعذبون من آمن بها ، وفي هذا تمرد على نظام المشيئة الإلهية ، سواء في الجانب الكوني ، أو الشرعي ، أو كلا الجانبين معاً .
لذلك يأمر الله سبحانه وتعالى ، أنبيائه، و عباده المؤمنين الموحدين ، أن يواجهوا ذلك الإنسان ، من أجل الحفاظ على توازن العدل ، سواء فيما يتعلق بالجانب الكوني ، أو الشرعي ، ويدعوه دعوة قرآنية أساسها الحكمة ، والموعظة الحسنة ، التي تنبأ عن الحب ، والشفقة ، والعطف الرباني للإنسان ، تلك الدعوة التي لا تختلف في طريقتها الإنسانية ، باختلاف الزمن ، من بداية دعوة سيدنا نوح عليه السلام ، حتى نبينا محمد صل الله عليه وسلم ، وصحابته أجمعين ، والتي قد تكون سبباً ، في رجوعه إلى رشده ، وتزكية نفسه ، وإرشاده على الله ، للرجوع إليه ، والدخول في دينه ، الذي يدين بالحق ، و يفضي إلى الامتثال إلى أوامر العدل ،قال تعالى ( أُبَلّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ) (19 ).
وقال تعالى ( قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ * وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ ) (20 ) .
فإن امتثل لذلك واهتدى ، وأسلم ، فذاك هو المطلب ، وبالتالي يخلص ذلك الإنسان نفسه ،من عبادة العباد ، إلى عبادة رب العباد
وإن رفض الدخول في الإسلام ، وتوقف عن اعتراض سبيل الدعوة الإسلامية ، ورضي بإعطاء الجزية ، فلا إكراه في الدين ، لأن من لم يمنع المسلمين ، من إقامة دين الله ، ونشر عدالته ، لم تكن مضرة كفره ، إلا على نفسه ، قال الله تعالى (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ )(21 ).
وبذلك يعطيه المسلمون عهداً على ذلك ، بموجب عقد يعقده إمام المسلمين معه ،أو نائبه ، وهذا إقرار الكافر على كفره ، وعدم المساس بحريته الدينية ، وبموجب ذلك يصبح من أهل العهد ( أهل الذمة ، أهل الهدنة ) ، بشرط الالتزام بأحكام الإسلام ، التي يتمتع بموجبها بحماية الدولة الإسلامية ، سواء ببقائه في دار الإسلام ، أو ببقائه في دياره ، وذلك كما عاهد النبي صل الله وسلم ، نصارى نجران في بلادهم .
والحكمة من هذه الجزية ، ومن التوقف عن القتال والكف عنه ، هو لضمان عدم إعاقة حركة توسع مبدأ العدالة الإلهية ، المتمثلة في الدين ، وتهيئة الجو الإسلامي لذلك الكافر ، لعله يدخل في الإسلام باختياره ، عند مشاهدته للمسلمين، وهم يقدمون النماذج المشرقة، للوحدة ،والتجانس ، والأمن ،والسلام ،ويمثلون الإسلام خير تمثيل .
ولكن إن اعترض ، وتمرد على دين الله ، وأطاع الشيطان ، ثم أصر على تسخير نفسه ، وتسخير كامل حريته ، التي قامت على أساس أساطير عقائد القوة ، والإكراه ، للقضاء على دين الإسلام ، أو أي دين سماوي آخر ، يستمد شرعيته من عقيدة العدل الربانية ، ومن مبدأ موازين العدالة الإلهية ، ( العدالة الكونية ، العدالة الشرعية ) ، ففي هذا الفعل، تعارض صارخ ، ومخالفة صريحة ، لنواميس العدل ، التي أقام الله بها الكون. ولذلك ينزع الله منه تلك النفس ، أو تلك الحرية ، بسلطان الشريعة ، لأنه لا يجوز أن تسلب هذه القدسية ، إلا بالحق ، وهذا الحق لم يتركه الشارع هكذا دون تحديد ، ولم يتركه لاجتهاد المجتهدين ، و المتأولين ، الذين قد يعبثون بهذه القدسية ، لأسباب قومية ، أو عرقية ، أو ما أشبهها من الدوافع ، التي يأباها الإسلام ، لتكون فوضى ، ينعدم الأمان بموجبها ، كما هو حاصل الآن في كثير من أقطار العالم ، ولذلك يسلط الله عباده الذين مارسوا معتقداتهم ، وشعائرهم الدينية ، من إقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، و أمر بالمعروف ، ونهي عن المنكر ، على أساس من الدين السماوي ، والعقيدة الربانية ، التي تحقق مبدأ العدالة الإلهية ، على أصحاب تلك الحريات الشيطانية ، بنشوء مواجهة - قتال - بين أتباع هاتين الحريتين .
قال تعالى ( الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) (22 ).
وقال تعالى ( وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُون )(23 ).
وقد وضع الإسلام لهذا القتال قيوداً وضوابط أذكر منها :
- القتال بدافع الإيمان ولأجل إقامة دين الحق ، وحمايته .
- النهي عن بدأ قتال الكافر .
- الأمر بتقديم الحجج ،والأدلة ،ومناظرة الكافر المعتدي، من أجل هدايته ، وإرجاعه .
- إنذار الكافر ،بعد إقامة الحجة عليه ،وتخويفه .
- استجابة دعوة السِلم ،من قبل الكافر المعتدي ، والنهي عن مقاتلة غيره من الكفار .
قال تعالى ( وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِين ) (24 ).
وقد عرف هذا القتال في مصطلح التشريع الإسلامي - بالحرب الدينية المشروعة - ، وهو قتال ليس من أجل إكراه أحد على الدخول في الدين ، وإنما من أجل تأمين الدفاع عن حرية أتباعه ، في ممارسة معتقداتهم ، وشعائرهم الدينية المقررة شرعاً ، ولأجل ضمان استمرارية مسيرة رسالته الدينية ، الساعية لإرساء قواعد الحرية ،والمساواة ،والعدل ،والرحمة ،والإخاء ، بين أبناء الشعوب ، وتمكينها في الأرض ، لمن يرغب بالدخول في الإسلام بكامل اختياره ، ولأجل ردع أولئك الكافرين ، والمعتدين ،الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ، أما عن طريق نزع أرواحهم بقتلهم ، وإما عن طريق نزع حرياتهم ، إذا وقعوا أسرى في يد المسلمين في تلك الحرب .
وعلى الرغم من أن طبيعة قتل الكافرين ، ونزع حرياتهم هو الكره ، إلا أن هناك حكمة إلهية بالغة الأهمية ، من أباحة ذلك، وذلك لما في فتنة الكفار، والمعتدين ، على ما هو أكبر وأعظم من ذلك . لتسلطهم على مبدأ العدالة الإلهية .قال تعالى ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الْدُّنْيَا والآخرة وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )(25 ).
ولذلك أباح الله تعالى من قتل تلك النفوس ، و نزع تلك الحريات ، ما يحتاج إليه في حفظ الدين ، وصلاح أمور العباد ، وما تقتضيه ضرورة الحفاظ على توازن عدالته الكونية والشرعية .
ومن الطبيعي، فلا تكاد تخلوا مثل تلك الحرب الدينية المشروعة ، من غالب يحوز الأرض ، أو المال ، أو الأنفس ، أو هذه جميعاً ، وهذا ما يسمى- الغنائم - ، ومغلوب يفقد هذه الأشياء ، أو بعضها ، والمقصود بالأنفس هنا هم الأسرى(26 ).
ولقد لخص جمهور الفقهاء مصائر الأسرى بعد سيطرة الدولة الإسلامية عليهم ، في أمور أربعة هي : المن عليهم والعفو عنهم ، أو مفاداتهم على مال ، أو أسرى ، أو استرقاقهم ، وسريان أحكام الرقيق عليهم ، أو قتلهم .
وعرضوها أحياناً بشكل يختار الإمام بينها ، وفاضلوا أحياناً أخرى ، بين واحد منها والآخر ، وألغى بعض الفقهاء واحداً أو أكثر من هذه المصائر ، ليحددوا مصير الأسرى فيما أبقوه دون ما ألغوه .
أبحث عن الحقيقة شارك في صنع حياه مثاليه أمتلك المعرفة فإن هناك من يحاول إخفائها عنك حتى تظل أسيرا له
فترة الأقامة :
5629 يوم
معدل التقييم :
زيارات الملف الشخصي :
156
إحصائية مشاركات »
المواضيـع
الــــــردود
[
+
]
[
+
]
بمـــعــدل :
0.07 يوميا
عبادي السوقي
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى عبادي السوقي
البحث عن كل مشاركات عبادي السوقي