عرض مشاركة واحدة
قديم 04-18-2012, 06:29 PM   #3


الصورة الرمزية عبادي السوقي
عبادي السوقي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 96
 تاريخ التسجيل :  Jun 2009
 أخر زيارة : 10-31-2024 (10:29 PM)
 المشاركات : 389 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: قراءات في مفهوم الدستور,,



لفصل الثاني

إقـــــامة الدســتور

تمثل وثيقة الدستور المصدر الرئيسي للقواعد الدستورية في الدولة التي تتبنى نظام الدستوري المكتوب بما تتضمنه من مبادئ وأحكام أساسية تتعلق بتنظيم السلطات العامة في الدولة وتحديد اختصاصاتها ، وبحقوق وحريات الأفراد وبيان الاتجاهات السياسية والاجتماعية و الاقتصادية لنظام الحكم و التساؤل الذي يرد في هذا المقام هو : من هي السلطة التي تتولى وظيفة إعداد ووضع وثيقة الدستور؟ وما الأسلوب الذي يتبع في ظل تلك الوثيقة ؟

وتم ذلك بمبحثين المبحث الأول / السلطات المختصة بإقامة الدستور المبحث الثاني / أساليب نشأة الدستور


المبحث الأول

السلطة المختصة بإقامة الدستورأن مسألة إقامة الدستور تقودنا حتما إلى دراسة السلطة التي تقيم الدستور 0 وعلى ذلك نتناول في محاور ثلاثة ، طبيعة سلطة إقامة الدستور وبيان مدى حريتها والحالات التي تتدخل فيها لوضع وثيقة الدستور 0

أولاً :- طبيعة سلطة إقامة الدستور ( السلطة المؤسسة ) أن السلطة التي تخلق أو تقيم الدستور هي السلطة المؤسسة أو بتعبير أخر السلطة التأسيسية الأصلية بما أن الدستور يخلق أو ينشئ بدورة جميع السلطات في الدولة ( التشريعية والتنفيذية والقضائية ) ويترتب على هذا أن السلطة المؤسسة (السلطة التأسيسية الأصلية) أعلى من هذه السلطات التي أنشئها الدستور والسلطة المؤسسة (السلطة التأسيسية الأصلية) ليست فقط أعلى من هذه السلطات بل أنها متميزة منطقا وواقعا عنها وهذا يعني أن السلطة المؤسسة تتمتع بوجود مستقل عن باقي السلطات في الدولة فهي التي أسست هذه السلطات وذلك لإقامتها وثيقة الدستور ولذلك يطلق على السلطات في الدولة اسم ( السلطات المؤسسة ) أو ( السلطات المنشأة) تميز لها عن (السلطة المؤسسة ) أو ( السلطة التأسيسية الأصلية ) فهناك أذن سلطة مؤسسة متميزة وأعلى من السلطات المؤسسة 0فالسلطة المؤسسة هي سلطة تعلو على السلطات المنشأة 0ولكن السلطة المؤسسة وأن تميزت بالاعلوية فهي لا توجد لوحدها ولذاتها وإنما تعود لأحد ما يقبض عليها ومن ثم يمارسها 0وبما أننا بصدد السلطة العليا في الدولة فلمن تعود هذه السلطة ,ومن يقبض عليها ؟ ومن يمارسها ؟

أن صاحب السلطة العليا (السلطة المؤسسة) لا يمكن أن يكون غير الشعب فالشعب هو مصدر جميع السلطات في الدولة 0والسلطة المؤسسة تعود إلى مصدر جميع السلطات وهو الشعب 0فالشعب أذن صاحب السلطة المؤسسة لأن جميع السلطات في الدولة تنبثق عنه وهو الذي يمارس السلطة المؤسسة حين يؤسس السلطات في الدولة أي حين يقيم دستورها 0وفي ضوء ما تقدم فأن السلطات التي أوجدها الدستور تتأتى جميعا بدون تميز من الإرادة العامة كلها تتأتي من الشعب إلا أن الشعب لا يستطيع من الناحية العملية أن يمارس مباشراَ سلطته المؤسسة إذ من المتعذر أن يجتمع لهذه الغاية ولذلك فأن ممثلين عنهم سيمارسون هذه السلطة المؤسسة فالشعب صاحب مصر سلطات يستطيع أن يفوض ممارسة هذه السلطات لممثلين عنه يمارسونها باسمه ولحسابه وفي الحدود التي يعينها 0والشعب عندما يقيم دستوره ينظم ممارسة السلطة في الدولة من قبل هيئات متعددة ( تشريعه و تنفيذية وقضائية) وهذه الهيئات التي تمارس السلطة في الدولة( سلطة الشعب ) تمارسها نيابة عن الشعب ولحساب الشعب فبإقامة الدستور قد تخلى الشعب عن الممارسة المباشرة للسلطة وتبنى الممارسة غير المباشرة (الممارسة التمثيلية) 0

ثانياً :- مدى حرية السلطة المؤسسة ( السلطة التأسيسية الأصلية ) في وضع الدستور


أذا كانت السلطة المؤسسة تقوم بوضع وثيقة الدستور على النحو السابق فأن التساؤل يثار على مدى حريتها في وضعها أي مدى ما يكون لها من سلطات في هذا الخصوص0- يجيب الفقيه الدسوري على ذلك بأن السلطة المؤسسة تكون حرة في عملها بحيث أنها لا تخضع لأية قاعدة أو مجموعة قواعد تحدد نشاطها الخلاق ( أقامة الدستور ) فهي سلطة لا تخضع في ممارستها لأي قاعدة سابقة الوجود على هذه الممارسة 0فهي لا تنظمها نصوص خاصة ولا تتلقى اختصاصاتها من نصوص موجودة إذ تتدخل في الوقت قد لا يكون بالدولة نصوص دستورية قائمة وتقوم هي في هذه الحالة بوضع وثيقة الدستور ويترتب على ذلك أن للسلطة المؤسسة الحق في أن تهجر النظام الملكي في الحكم إلى النظام الجمهوري ، وهي تستطيع أن تعدل النظام الديمقراطي النيابي إلى النظام الديمقراطي شبه المباشر ، وتستطيع أم تستبدل النظام البرلماني بالنظام الرئاسي ، وهي تستطيع أن تأخذ بالفلسفة السياسية التي تروق لها 0وصفوة القول أن السلطة المؤسسة ( السلطة التأسيسية الأصلية) وهي تضع الدستور تتمتع بسلطات واسعة فهي حرة – إلى حد ما – في اعتناق ما تراه مناسبات وملائما لظروف الدولة 0



ثالثاً : حالات تدخل السلطة المؤسسة :

إذا كان كانت السلطة المؤسسة هي التي يناط بها أمر إعداد ووضع وثيقة الدستور فمتى تتدخل هذه السلطة وبمعنى آخر متى يثار آمر وضع وثيقة الدستور؟تظهر الحاجة إلى السلطة المؤسسة ( السلطة التأسيسية الأصلية ) في عدة حالات : تتمثل الحالة الأولى : عند نشأت دولة جديدة فتقوم هذه السلطة بوضع أول وثيقة دستورية للدولة 0 وتتجسد الحالة الثانية : عند استقلال الدولة وهذا ما حدث بعد موجة الاستقلال في أعقاب الحرب العالمية الأولى والثانية إذ حاولت الدول التي نالت استقلالها أن تضع دساتير تنظم بها حياتها الجديدة 0وتبرز الحالة الثالثة : عندما يبادر النظام السياسي القائم ذاته في إصدار دستور جديد يحل محل الدستور القائم وينسجم مع المتغيرات التي طرأت في الدولة أما الحالة الرابعة : فتحدث عند حصول تغيير في النظام السياسي في دولة من الدول وينتج عن هذا التغيير إسقاط الدستور القائم فتظهر الحاجة إلى وضع دستور جديد يعبر عن اتجاهات نظام الحكم الجديد عن طريق سلطة تأسيسية أصلية لا تستند إلى الدستور القديم 0


أساليب نشأة الدستورتختلف أساليب نشأة الدستور حسب المفهوم السائد عن صاحب السلطة المؤسسة ( السلطة التأسيسية الأصلية) الذي يملك وضع وإقامة الدستور ، اهو الحاكم و أم الحاكم و الشعب أم الشعب وحده .وقد درج الفقه الدستوري على تفسير أساليب نشأة الدستور : من حيث مدى اعتناقها للمبادئ الديمقراطية – إسلوبين أولهما : الأسلوب غير الديمقراطي والآخر الأسلوب الديمقراطي 0ولدراسة كل من هذين الأسلوبين سوف تقسم هذا المبحث إلى محورين - المحور الأول : الأسلوب غير الديمقراطي في نشأة الدستور - المحور الثاني : الأسلوب الديمقراطي في نشأة الدستور


المحور الأول

الأسلوب غير الديمقراطي في نشأة الدستورأن الأسلوب الغير الديمقراطي في نشأة الدستور هو الأسلوب الذي تسود فيه إرادة الحاكم على إرادة الشعب أو تشترك الإرادتان في وضع الدستور 0وتوضيحاً لذلك فأن الدستور قد يصدر بإرادة الحاكم المنفرد، وقد يتم وضعه باتفاق إرادة الحاكم مع إرادة الشعب عن طريق العقد 0

أولاً : المنحة : يعني إسلوب المنحة تصرف الحاكم وحده كسلطة تأسيسية أصلية تضع الدستور وتنشا السلطات الأخرى في وقت تكون الدولة خالية من النصوص الدستورية التي تحدد أسس الحكم وذلك أي كانت التسمية التي تطلق على الحاكم ( ملك ، أمير ، سلطان ، ....الخ) ولذلك يصف بعض الفقه هذه الطريقة بأنها (( غير ديمقراطية )) حيث أنها لا تعترف مطلقاً بالشعب أو بأنها الطريقة (( المونوقراطية )) لإقامة الدستور حيث أن السلطة تعود لفرد واحد والتساؤل الذب يطرح في هذا المجال عن كيفية وضع الدستور عن طريق المنحة ؟أن نشأة الدستور- بمقتضى هذه الطريقة – تتمثل في : أن الحاكم – صاحب السلطان أو السيادة – يعد الدستور ويستقل بوضع أحكامه ويصدره بعد ذلك بإرادته المنفردة ويقدمه إلى الشعب كمنحة أو هبة منه أو كإيذان منه بانتقال سلطته من الحكم المطلق إلى الحكم الدستوري 0فالمنحة كطريقة لوضع الدستور تعني إذا أن ينفرد الحاكم في وضع الدستور و إصداره دون مشاركة من الشعب بحيث يتنازل الحاكم- بوصفه صاحب السيادة – عن بعض سلطته للشعب في صورة عهد أو ميثاق أو وثيقة دستورية 0ويمكن أن يقال من الناحية النظرية أن الحاكم الذي يمارس السيادة المطلقة يوافق عند منح وثيقة الدستور على التضحية بجزء من تلك السيادة أو يوافق على الأقل على تنظيم ممارسة لتلك السيادة ولكن الواقع يخالف ذلك لأن المنحة ليست في الحقيقة سوى طريقة ينقذ بها الحاكم كبريائه ويغطي مبدأ سيادته غير المقيدة 0حيث أن الواقع العملي يشير إلى أن منح الدستور من ناحية الحاكم تأتي نتيجة ضغط الشعب على إرادته ( أي إرادة الحاكم ) فاضطره إلى إصدار الدستور تفاديا لما قد ينتج رفض ذلك من ثورة تذهب بعرشه أدراج الرياح 0فمن النادر أن نجد أمثلة تاريخية لحاكم تنازل بمحض إرادته و اختياره عن جزء من سلطاته ويكاد أن يكون الدستور البافاري الصادر عام 1818 هو المثال الوحيد لدستور صدر بطريقة المنحة الخالصة من قبل الملك للشعب 0إلا أنه في اغلب الحالات يحس الحاكم بأن الشعب لم يعد مستعدا للخضوع لنظام حكم مطلق بصفة دائمة إزاء ذلك وحفظا لكرامته وضماناً لاستمراره في كرسي السلطة يصدر الحاكم المطلق دستوراً يتنازل بموجبه عن بعض سلطاته للشعب 0ويتضح لنا من ذلك أن الدستور في صورة منحة يعتبر كذلك من الناحية الشكلية أو الرسمية فقط أما من الناحية السياسية والواقعية فأنه يعبر عن إدراك الحاكم لتغير الظروف المحيطة به واستجابة اضطرارية منه لمتغيرات التي حدثت 0وقد نتج عن هذا التكييف القانوني لكيفية صدور الدستور عن طريق المنحة نقاش فقهي حول مدى أحقية الحاكم في سحب أو إلغاء الدستور الصادر وفق هذا الأسلوب 0 أنقسم الفقه في شأن الإجابة على هذا التساؤل إلى اتجاهين متمايزين : فذهب الاتجاه الأول - ويمثل بعض الفقه الدستوري إلى أن صدور الدستور في شكل منحة أو هبة بالإرادة المنفردة للحاكم يعطيه كامل الحق في إلغاء الدستور أو سحبه لأن من يملك المنح يملك المنع ، وبتعبير آخر أن يملك المنح يملك الاسترداد ولا يحرم الحاكم من هذا الحق إلا إذا كان قد تنازل عنه في نصوص الدستور ويساند هذا الاتجاه أمثلة تاريخية حدثت بالفعل فقد قرر ملك فرنسا ( شارل العاشر) في عام 1830 إلغاء دستور عام 1814 والذي كان قد صدر في شكل منحة متعللا أن الشعب الفرنسي قد اظهر جحود للمنحة ونكران للجميل 0وفي مصر قام الملك فؤاد عام 1930 بإلغاء دستور عام 1923 واصدر بدلا منه دستور جديد يعطيه سلطات أقوى مما كانت له في الدستور السابق وذلك بحجة التوفيق بين النظم الأساسية وبين أحوال البلاد وحاجاتها 0وذهب الاتجاه الثاني – ويمثل رأي غالبية الفقه الدستوري – إلى أن الدستور وقد منح من جانب الحاكم فأن الحاكم لم يعط للشعب حقا جديدا تفضل عليه ولكنه أعاد إليه سلطته الأصلية التي كانت مغتصبة في ظل حكمه المطلق ، وحجتهم في ذلك

أ‌- أن الدستور ولو كان قد صدر في شكل منحة ، إلا أنه في حقيقة الأمر ليس وليد إرادة حرة للحاكم بل كان وليد الضغوط السياسية و الشعبية القوية التي أحس الحاكم بأسها من جانب الشعب ومن ثم فأن الصحيح أن يقال أن إرادة الشعب قد شاركت بدورها في إصدار الدستور ، فلا يجوز للحاكم أن ينفرد من جانبه بإلغائه

ب‌- أن المنحة تعد بمثابة التزام بالإرادة المنفردة من جانب الحاكم ، ومن المقرر قانونياً في هذا الصدد أن الالتزام إذا صدر بالإرادة المنفردة يكون منتجا لكافة آثاره القانونية ومن ثم فأن الرجوع عنه باطل قانوناً فيمتنع على الحاكم إلغاء الدستور بعد أن صادف إصداره بالإرادة المنفردة قبولا من جانب الشعب والذي تتعلق به حق له

ومن أمثلة الدساتير التي صدرت في شكل منحة : الدستور الفرنسي لعام 1814 والدستور الايطالي لعام 1848 و الدستور الياباني لعام 1889 و الدستور الروسي لعام 1906 و دستور إمارة موناكو لعام 1911 و الدستور المصري لعام 1923 والدستور اليوغسلافي لعام 1931 وكذلك دستور إثيوبيا لعام 1931 ولعام 1955 0وجدير بالذكر أن جميع الدساتير التي صدرت بموجب طريقة ( المنحة ) قد أندثر باستثناء أمثلة نادرة منها دستور إمارة موناكو الذي اصدر في العام 1962 بدلا من دستورها عام 1911 0أما دستور إثيوبيا لعام 1955 فقط سقط بنتيجة الانقلاب العسكري الذي وقع فيها عام 1974

ثانياً : العقـــد

ينشا الدستور في شكل عقد حينما تكون السلطة التأسيسية الأصلية ، شركة بين الحاكم و الشعب : فكل منهما يشترك في وضع الدستور وعلى هذا النحو ، لا تنفرد إرادة الشعب وحدها بوضع الدستور وإنما يكون الدستور – تبعا لطريقة العقد – قد تم وضعه عن طريق اشتراك إرادتين : إرادة الحاكم و إرادة الشعب 0 فهو ثمرة عمل مشترك بين الحاكم و الشعب والتساؤل الذي يرد في هذا الصدد : عن كيفية وضع وإصدار الدستور عن طريق العقد ؟ يصدر الدستور طبقا لهذه الطريقة من خلال مشاركة الشعب بشكل غير مباشر حيث ينتخب الشعب هيئة تنوب عنه في المساهمة في إعداد ووضع مشروع الدستور ، ويطلق على هذه الهيئة مسميات مختلفة فقد تسمى الجمعية التأسيسية أو المجلس التأسيسي فإذا انتهت هذه الهيئة من إعداد مشروع الدستور تعرضه إلى الحاكم فيوافق عليه ويوقعه ويصدره و عندئذ يصبح نافذا و إسلوب العقد يفترض من الناحية النظرية مساهمة طرفي العقد – الشعب والحاكم – بنصيب متساوٍٍ في وضع الدستور ولكن للظروف العملية أحكامها التي قد تهدم هذه المساواة 0ولعل ذلك هو الذي حدا بالبعض إلى انتقاد إطلاق صفة العقد على الدساتير الصادرة بهذا الأسلوب لأنها لم تصدر نتيجة توافق و رضا حقيقي لإرادتين وإنما نتيجة لضغوط و ثورات شعبية قام ممثلوا الشعب على أثرها بوضع الدستور وبذلك يكون اشتراك الحاكم في التعاقد صوريا وتعتبر طريقة العقد نسبيا مرحلة أكثر تقدمية من المرحلة السابقة ( المنحة ) لأنها تجعل الشعب طرفا في العقد وتضفي على الدستور صبغة تعاقدية تحول دون إلغاءه أو تعديله بناءا على مشيئة طرف واحدومن أشهر المواثيق التي صدرت بهذا الأسلوب : (أ‌) وثيقة العهد الأعظم Magna Carta التي عقدت في العام 1215 بين الملك الإنكليزي وبين ممثلي الشعب ورجال الدين و الأشراف ، وكذلك الوثائق التي تلتها مثل ملتمس الحقوق Petition Rights للعام 1628 و وثيقة الحقوق Bill of Rights عام 1689 وتعتبر هذه الوثائق جزءا هاما من الدستور الإنكليزي الذي يقوم في معظم أجزائه على القواعد العرفية (ب‌) الدستور الفرنسي الصادر عام 1830 ويعتبر هذا الدستور خير مثال على الوثائق الدستورية التي وضعت عن طريق التعاقد بين الحاكم و الشعب حيث اجتمع المجلس النيابي بعد تنازل ( شارل العاشر ) عن العرش و وضع دستورا جديدا ، ودعي ( دوق أورليان ، لويس فيليب ) لتولي العرش على أساس الالتزام بأحكام الدستور الجديد ، ولقد ظهرت الصيغة التعاقدية بالنسبة لوضع هذا الدستور حتى في مراسيم التتويج فلما حضر دوق أورليان يوم 14 أغسطس عام 1830 إلى قاعة الاجتماع لم يأخذ مكانه على العرش مباشرة وإنما جلس في معقد مجاور له وثم تلي عليه الدستور الجديد فوافق عليه واقسم اليمين على احترامه ثم اعتلى العرش من بعد ذلك ملكا على فرنسا ومن الأمثلة الأخرى للدساتير التي صدرت بصيغة التعاقد الدستور اليوناني لعام 1844 والدستور البلغاري لعام 1879(ج) ومن أمثلة الوثائق الدستورية التي وضعت بهذه الطريقة خلال القرن العشرين الدستور الأردني لعام 1952 و الدستور البحريني لعام 1973 والدستور السوداني لعام 1973 الذي وضع عن طريق التعاقد بين رئيس الجمهورية و مجلس الشعب


المحور الثاني

الأسلوب الديمقراطي في نشأة الدستوريقر الأسلوب الديمقراطي للشعب بسلطة وضع الدستور باعتباره صاحب السيادة و مصدر جميع السلطات و الدساتير التي توضع تبعا للأسلوب الديمقراطي إما تكون عن طريق الجمعية التأسيسية و إما أن تكون عن طريق الاستفتاء الدستوري

أولاً : الجمعية التأسيسية يعتبر هذا الأسلوب تطبيقا للديمقراطية النيابية حيث يقوم الشعب بانتخاب ممثلين يكونون هيئة نيابية ( تسمى الجمعية التأسيسية أو المجلس التأسيسي ) ذات وكالة محدودة تضطلع بالسلطة التأسيسية الأصلية و تتولى مهمة وضع و إقرار دستور الدولة باسمه ونيابة عنه بحيث يعد الدستور الذي يصدر عنها و كأنه صادر عن الشعب بأسره 0و على ذلك فأن الشعب لا يتدخل في وضع الدستور وإنما تنفرد الجمعية التأسيسية و حدها و التي قام الشعب بانتخاب أعضائها في وضع وإعداد مشروع الدستور وبعد ذلك تتولى الجمعية التأسيسية ذاتها إقرار الدستور بصيغته النهائية و بمجرد إقرار الجمعية التأسيسية لوثيقة الدستور في صيغتها النهائية تصبح ذات قوة قانونية واجبة النفاذ على إقرار من جانب الشعب

وتتخذ الجمعية التأسيسية إحدى الصورتين

الصورة الأولى : جمعية تأسيسية مخصصة : و معنى ذلك أن يقتصر اختصاص الجمعية التأسيسية على أنشاء الدستور دون غيره فلا يكون لها أي اختصاص آخر سوى هذا الأمر فلا يمكن لها أن تقوم بالوظيفة التشريعية العادية أو بأية وظيفة أخرى لذلك أطلق على صورة هذه الجمعية – تبعا لمدى اختصاصها – الجمعية المتخصصة لأنها تختص فقط بإنشاء ووضع و إقرار الدستور 0إذا كنت الجمعية التأسيسية يتم انتخابها من الشعب خصيصا لوضع الدستور فأن عملها ينتهي بالانتهاء من صياغة الدستور ، وقد تحقق ذلك بالنسبة للجمعية النيابية التأسيسية التي تولت مهمة وضع و إقرار دستور الولايات المتحدة الأمريكية عام 1787 حيث صدر هذا الدستور عن طريق جمعية نيابية اجتمعت في فلاديفيا في 17 سبتمبر عام 1787 وضمنت هذا الدستور مقدمة أوضحت فيها أن شعب الولايات المتحدة الأمريكية هو الذي اصدر هذا الدستور و قرره وأصبح هذا الدستور نافذا منذ الأول من يناير عام 1789 بعد موافقة أعضاء الجمعية النيابية


الصورة الثانية : جمعية تأسيسية عامةومعنى ذلك أن اختصاص الجمعية التأسيسية لا يقتصر فقط على وضع وإقرار الدستور بل يكون اعم من ذلك فإلى جانب الاختصاص في وضع و إقرار الدستور تقوم الجمعية بممارسة الاختصاص التشريعي أي بالوظيفة التشريعية المتمثلة في وضع القوانين العادية وقد تختص بالإضافة إلى ذلك بوظيفة تشكيل الوزارة أي اختيار الوزراء الذين يقومون بالوظيفة التنفيذية لذلك أطلق على صورة هذه الجمعية – تبعا لمدى اختصاصها – الجمعية العامة لأنها علاوة على أنشاء الدستور تقوم بالوظيفة التشريعية واختيار من يمارس الوظيفة التنفيذية 0وهو ما تحقق في فرنسا بالنسبة للجمعية النيابية التأسيسية التي انتخبت وتولت مهمة وضع و إقرار دستور عام 1791 حيث جمعت في قبضت يدها فضلاً عن اختصاص وضع الدستور الوظيفة التشريعية و التنفيذية وكذلك كان الشأن في الجمعية التأسيسية التي أنتخبت في فرنسا و التي تولت وضع و إقرار دستور عام 1848 0وقد وجد أسلوب الجمعية التأسيسية تطبيقات في عدة الدساتير .ومن أمثلة الدساتير التي صدرت وفق الجمعية التأسيسية : الدستور النمساوي لعام 1920 والدستور الاسباني اعلم 1931 والدستور اليوغسلافي لعام 1946 و الدستور الياباني لعام 1947 و الدستور الايطالي لعام 1947 و الدستور الروماني لعام 1948 والدستور الهندي لعام 1949 والدستور السوري لعام 1950 والدستور الليبي لعام 1951

ثانيا : الاستفتاء الدستوري :قد يمارس الشعب بنفسه السلطة التأسيسية الأصلية متبعا في ذلك إسلوب الاستفتاء الدستوري أو كما يسميه البعض الاستفتاء التأسيسي ( الاستفتاء المؤسس ) – كطريقة لوضع وثيقة الدستور 0وتبعا لطريقة الاستفتاء الدستوري يتم وضع مشروع الدستور عن طريق هيئة منتخبة أو لجنة حكومية تقوم بمجرد تحضيره وإعداده ثم يعرض هذا المشروع على الشعب لاستفتائه ويأخذ الدستور قوته الملزمة بعد موافقة الشعب عليه وإقراره في الاستفتاء فإذا تم ذلك صار الدستور نافذا وتتجسد طريقة الاستفتاء الدستوري في مرحلتين وعلى النحو التالي :

المرحلة الأولى : وتتمثل في إعداد ووضع مشروع الدستور 0ويوضع مشروع مسودة الدستور الذي يعرض على الاستفتاء الشعبي بإحدى الطريقتين هما : طريق الجمعية المنتخبة و طريقة اللجنة الحكومية 0- الطريقة الأولى ، يوضع مشروع وثيقة الدستور الذي يعرض للاستفتاء الدستوري بواسطة هيئة نيابية (أياً كانت تسميتها جمعية نيابية أو جمعية تأسيسية ) ولقد شهد التأريخ الدستوري الفرنسي وضع الدساتير والتي قامت بإعداد مشاريعها جمعيات منتخبة من جانبا لشعب لهذا الغرض وتم عرضها على الشعب بعد ذلك في استفتاء عام مثل دستور عام 1793 و دستور عام 1795 و دستور عام 1946 إما الدستور المصري الصادر عام 1971 فقد قامت بوضعه لجأن برلمانية منبثقة من مجلس الشعب ثم طرح للاستفتاء الشعبي عليه حيث حصل على موافقة أغلبية الشعب في سبتمبر عام 1971

- الطريقة الثانية : فمؤداها أن تتولى الحكومة وضع مشروع وثيقة الدستور عن طريق لجنة تشكلها لهذا الغرض و تزودها بالتوجيهات التي تراها مناسبة وهذه الطريقة لا تسمح للشعب – عن طريق

ممثليه - بالمشاركة في إعداد مشروع الدستور وتضمينه ما يشاء من أحكام ويقتصر دوره في النهاية على مجرد الموافقة أو الرفض بالنسبة لمشروع الدستور المعروض ككل لا مجال لمناقشة محتوياته ومن أمثلة الدساتير التي صدرت وفقا لهذه الطريقة الدستور المصري عام 1956 وأيضاً الدستور الفرنسي لعام 1958 فكلاهما صدر بطريق الاستفتاء الدستوري وكان مشروعيهما من إعداد لجأن حكومية ونتساءل عن الطريقة الأوفق في وضع الدستور يفضل جانب من الفقه أن يكون إعداد مشروع الدستور من عمل جمعية منتخبة لا من عمل لجنة فنية حكومية ولعل السبب يعود إلى بعض التجارب التاريخية المريرة التي عهد فيها إلى لجأن فنية بتحضير مشاريع الدساتير فانحرفت عن أهدافها واكتفت بتقنين رغبت الحكام في الاستئثار بالسلطة و يمكن تفسير الحذر من عمل اللجان الحكومية بكثرة استخدام هذا الأسلوب في فترات عدم الاستقرار (عقب الثورات و الانقلابات و عشية الحروب ) فنرى السلطة الحاكمة تسرع إلى عرض مشروع الدستور على الشعب ليبدي رأيه فيه مستغلة حماسته للعهد الجديد أو كراهيته للنظام السابق ونحن من جانبنا نفضل أن تقوم جمعية منتخبة من الشعب بمهمة وضع الدستور على أن يكون لها الاستعانة بمن تشاء من أصحاب الخبرة و المتخصصين في المجال الدستوري ، إلا أن الاستفتاء يبقى بحد ذاته في الطريقتين أسلوباً ديمقراطياً في إقرار الدستور

المرحلة الثانية : فتتمثل في عرض مشروع الدستور على الشعب في استفتاء عام 0 سواء قام بوضع مشروع وثيقة الدستور جمعية نيابية تأسيسية أو لجنة حكومية فأنه يشترط لصدور الوثيقة الدستورية ونفاذها و جوب عرضها للاستفتاء الدستوري و موافقة الشعب عليها وبالتالي فأن مشروع وثيقة الدستور الذي يوضع بإحدى الطريقتين السابقتين لا يتخذ قوته القانونية الإلزامية إلا بعد موافقة الشعب عليه عن طريق الاستفتاء الدستوري بحيث إذا لم يوافق الشعب عليه اعتبر كان لم يكن وعلى هذا النحو ترتكز القوة القانونية للدستور إلى موافقة الشعب ذاته لا إلى جهة التي قامت بإعداده وصياغته حتى لو كانت الجمعية منتخبة ودليل ذلك ما حدث في فرنسا عند إعداد دستور عام 1946 إذ رفض الشعب في 5 مايو 1946 الموافقة على الدستور الذي أعدته الجمعية التي تم انتخابها لهذا الغرض وكان من نتيجة ذلك أن اعد مشروع جديد بواسطة جمعية أخرى و عرض على الشعب في أكتوبر عام 1946 وكل مواطن توافرت فيه شروط الناخب – كالجنسية و السن – يستطيع أن يبدي برأيه في مشروع الدستور هذا ويلاحظ أن نظام الاستفتاء الدستوري من شأنه أن ينمي قدرات المواطنين و يرفع من مكانتهم السياسية ويشعرهم بأهمية الدور الذي يقومون به في تحديد نظامهم السياسي و بناء مؤسساتهم الدستورية ، ونظرا لأهمية طريقة الاستفتاء الدستوري في وضع الدستور فلا بد من توافر بعض الشروط وذلك لكي تكون النتيجة خير معبر عن الإرادة الشعبية ومن هذه الشروط أ‌- أن يكون الشعب المستفتى قد وصل لدرجة مقبولة من النضج و الوعي السياسي ب‌- أن يعلن مشروع الدستور على الشعب بواسطة أجهزة الإعلام المختلفة وأن يتم نشر مشروع الدستور بشكل متكامل دون أدنى حذف أو تغيير ج‌- أن تترك مدة كافية و مناسبة للشعب للاطلاع على مشروع الدستور و مناقشة مواده وما تضمنه من أحكام لكي تسمح لأفراد الشعب بأن يكونوا على بينة و معرفة كاملة بحقيقة و جوهر المشروع المستفتى عليه ليتمكنوا من المفاضلة بين اتجاه وآخر د- أن يتم الاستفتاء في جو من الحرية و النزاهة و الحيادية بحيث تستقل إرادة الشعب وحدها في التعبير عن الموافقة أو الرفض لمشروع الدستور ومن أمثلة الدساتير التي وضعت بطريقة الاستفتاء الدستوري : الدستور الفرنسي لعام 1958 و الدستور التركي لعام 1982 والدستور المصري لعام 1971 والدستور السوري لعام 1973 والدستور الجزائري لعام 1989 و الدستور اليماني لعام 1990 والدستور الموريتاني لعام 1991

المعاهدة الدولية كأحد أساليب نشأة الدستور أضاف جانب من الفقه إلى أساليب نشأة الدستور – والتي اشرنا إليها – أسلوبا آخر : وضع الدستور بواسطة المعاهدات الدولية 0ورأى الفقه أن قواعد القانون الدولي ساهمت في تكوين القواعد الدستورية من خلال إقامة عدد من الدساتير بموجب أحكام معاهدة بين عدد من الدول أو على اثر معاهدة بينها وعلى سبيل المثال الدستور السويسري الصادر عام 1848 والذي يرجع أساسه إلى معاهدة عقدت بين عدد من المقاطعات اتحدت للدفاع عن مصالحها المشتركة ، وفي ألمانيا كان الدستور الصادر عام 1867 ( والنافذ حتى عام 1918) يجد أصول قواعده في المعاهدة المعقودة بين (39) دولة ألمانية عام 1815 وفي الوثيقة التي اقرها مندبوا هذه الدول عام 1820 0ويسري هذا التأصيل على جميع الدساتير الفيدرالية والكونفدرالية حيث أن أحكامها تجد أصولها في معاهدات و مواثيق دولية 0وقد ساهمت قواعد القانون الدولي في إقامة دستور النمسا الاتحادي عام 1920 ووضع الدستور اليوغسلافي عام 1946 وفي تكوين قواعد الدستور السوفيتي الصادر عام 1924 كما تأثرت دساتير دول أمريكا اللاتينية في تكوين قواعدها بالمعاهدات الدولية التي عقدت بين الدول المكونة لها ومن أمثلة ذلك الدستور الأرجنتيني لعام 1853 والدستور المكسيكي لعام 1850 والدستور البرازيلي لعام 1889 و كذلك دستور عام 1946

ومن أمثلة الدساتير العربية التي تأسست بمقتضى اتفاق دولي الدستور المؤقت للجمهورية العربية المتحدة لعام 1958 و الذي صدر بموجب اتفاق المعقود بين سوريا و مصر بعد إجراء استفتاء عام عليه لقد امتد دور القانون الدولي في إقامة الدساتير الوطنية من خلال عهد العصبة و ميثاق الأمم المتحدة في ضوء نظامي الانتداب و الوصاية واستغلال ذلك في إقامة دساتير الدول التي وضعت تحت نظام الحماية أو الانتداب بما يحفظ مصالح الدول الكبرى القائمة على أمرها و من ذلك الدستور الأردني عام 1928 الذي وضع بناء على قرار دولي تمثل في صك الانتداب و كذلك إقامة الدستور الليبي الاتحادي الصادر عام 1956 تحت تأثير الأمم المتحدة و إقامة دستور الحبشة عام 1952 بمقتضى قرار الأمم المتحدة الصادر عام 1950 ونجد الأصل ألاتفاقي : أيضاً في الدستور العراقي لعام 1925 إذ كان للمعاهدة المعقودة بين بريطانيا والعراق عام 1922 دورا رئيسيا و مباشرا في تكوين القواعد الأساسية التي حددت سمات الدستور العراقي وذلك بما وضعته هذه المعاهدة في مادتها الثالثة من التزامات فرضت على العراق تنفيذها من خلال صياغتها في قواعد دستورية فلقد جاء في هذه المادة ، أن يوافق فيصل الأول ملك العراق على وضع مشروع ((قانون أساسي)) لعرضه على المجلس التأسيسي العراقي كما يوافق على تنفيذ هذا الدستور بشرط أن لا يتضمن شيئا مناقضا لأحكام معاهدة 1922 واشترطت هذه المادة أيضاً أن يأخذ الدستور في الاعتبار حقوق جميع السكان في العراق و رغباتهم و مصالحهم وأن يضمن للجميع حرية الرأي و حرية القيام بمختلف الشعائر الدينية بشرط أن لايضر ذلك بالنظام و الآداب العامة كما اقتضت المادة المذكورة بأن لا يفرق الدستور بين سكان العراق و لا يقيم أي تميز بينهم بسبب اللغة أو الجنس أو الدين وبأن تحتفظ كل طائفة بمدارسها الخاصة في تعليم أفرادها بلغتها الخاصة على أن يكون ذلك متفقا ومقتضيات التعليم العامة التي تتطلبها الحكومة وأخيراً نصت هذه المادة على أن يعين الدستور الأصول الدستورية تشريعية كانت أو تنفيذية التي ستتبع في اتخاذ القرارات في جميع الشؤون المهمة بما فيها المرتبطة بالمسائل المالية والنقدية و العسكرية وقد جسدت نصوص الدستور العراقي الصادر في (21) آذار 1925 مضمون هذه المادة تجسيدا كاملا ويتضح هذا بجلاء في النصوص الخاصة بالحقوق والحريات العامة وأخيراً يجدر التذكر أن دستور قبرص الصادر عام 1960 كان ثمرة معاهدة الضمان التي عقدت بين اليونان و تركيا و بريطانيا عام 1960وهو جزء منها0وهكذا قامت الطريقة على أساس نشأة الدستور نتيجة اتفاق أو معاهدة دولية معقودة بين دولتين أو أكثر و الأخذ بهذا الأسلوب يعني أن المعاهدة الدولية تكون واجبة النفاذ من تلقاء نفسها أي لا يتوقف هذا النفاذ على إقرارها من قبل السلطات المختصة داخل الدولة غير أن هذا الاتجاه لم يلق تأييداً من جانب آخر من الفقه حيث لا يقر بالمعاهدة كأسلوب مستقل من أساليب نشأة الدستور ذلك لأن مضمون المعاهدة يرمي إلى تنظيم العلاقات بين الدول على عكس مضمون الدستور الذي يهدف إلى تنظيم سلطات الدولة و العلاقات بينها وبين الأفراد ومن ثم فأن الدستور يجب أن يكون صادرا عن سلطة تأسيسية داخل الدولة فإذا تم وضع الدستور عن طريق معاهدة دولية فأن إقرار هذه المعاهدة ونفاذها يعود إلى السلطة الحاكمة وهذا يعني أن صدوره يبقى من صلاحيات السلطة الداخلية وصفوة القول أنه في الحالات التي يثبت فيها أن وثيقة الدستور قد نشأت نتيجة معاهدة دولية ينبغي – لكي يمكن تحديد الأسلوب الذي نشأت به – أن نبحث عن السلطة التي تملك داخل الدولة إقرار تلك المعاهدة وأن نعتبر وثيقة الدستور صادره عنها 0

أساليب نشأة الدستور ليست جامعة مانعة لقد اشرنا إلى الأساليب العامة التقليدية في نشأة الدساتير وبينا تقسيمات الفقه الدستوري لتلك الأساليب ديمقراطية أو غير ديمقراطية والتساؤل الذي يثار بهذا الشأن : هل أن أساليب نشأة الدساتير جامعة مانعة ؟ أن الأساليب التي ذكرناها ليست أساليب جامعة أو مانعة بمعنى أن هذه الأساليب قد تتنوع فيلحق بها طرق أخرى لا يمكن إدراجها ضمن الأساليب الأربعة التقليدية 0ومن أمثلة ذلك الدستور المصري لعام 1953 والدستور العراقي لعام 1958 وكذلك الدستور العراقي لعام 1964 فهذه الدساتير لا يمكن اعتباراها منحة أو عقدا كما لا يمكن اعتبارها صادرة عن جمعية تأسيسية أو نتيجة استفتاء شعبي فهي في حقيقتها قد نشأت بأساليب أخرى مغايرة و مختلفة ومن ثم لا يمكن أن تنضوي تحت أي من التقسيمات التقليدية 0


 
 توقيع : عبادي السوقي

أبحث عن الحقيقة شارك في صنع حياه مثاليه أمتلك المعرفة فإن هناك من يحاول إخفائها عنك حتى تظل أسيرا له


رد مع اقتباس