المقدمة الممهدة الثالثة:
فتح الرسالة بأن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة
كذبتك نفســـــك ليـــــــــس ذا***سَــــــــنن الطـــــريق الملحـقة
إنه حقاً ليست مخالفة الشريعة الغراء بالطريق الموصلة إلى مرضاة الله ـ تعالى عن ذلك علوا كبيرا ـ نقلا وعقلا.
بل أمر مخالفة الشرع حقيقته إلى غضب الله وسخطه ملحقة.
ومهما اختلفت درجات أمر مخالفة الشرع فإن تلك المخالفة لا تشرع بحال من الأحوال قولا كانت أو فعلا.
اللهم إلاّ في معرض: ما اضطررتم إليه.
كمخالفة الشرع بأكل الميتة للمضطر إلى أكلها حقا...
لذا فإن مخالفة الشرع على أربعة أمور على وجه الإيجاز والتقريب:
· مخالفة الشرع بكفر.
· مخالفة الشرع بشرك.
· مخالفة الشرع ببدعة.
· مخالفة الشرع بمعصية.
قلت: وبين هذه الأمور الأربعة الأقسام عموم وخصوص مطلق.
فكل كفر معصية، وليست كل معصية كفرا.
وكذلك يقال في المعصية مع قسمي البدعة والشرك.
كذلك كل كفر بدعة، وليست كل بدعة كفرا.
وكذلك يقال في البدعة مع قسمي المعصية والشرك.
وكل شرك معصية، وليست كل معصية شركا.
أقول: وعلى هذه الأقسام تنقسم أيضاً إلى أقسام:
· الكفر ينقسم إلى قسمين: الكفر المخرج من الملة.
والكفر المصطلح عليه بـ:الكفر دون كفر.
· الشرك ينقم أيضا إلى قسمين: الشكر الأكبر والشرك الأصغر.
· المعصية تنقسم أيضاً إلى قسمين: ما يتعلق بالكبائر والصغائر.
· البدعة أعم الأقسام، وتنفرد عنها ـ حسب ضوابط مصطلح تعارفها لدى المحققين من علماء المسلمين.
فإذا تقرر ما تلخص من خلاصة التقاسيم، فإننا لسنا بصدد الكلام في الأقسام جميعها، بل الكلام في قسم البدعة، من بين هذه الأقسام لأن البدعة هي أم الباب.
ونتخلص إلى توطئة بقول من لا ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى:
وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.
فهنا إشارة لطيفة، وهي أن:
· شر الأمور محدثاتها.
· كل بدعة ضلالة.
على أن جنس المحدثات هي شر الأمور، كما شهد الشرع بذلك.
كذلك: كل بدعة ضلالة.
سواء كانت البدعة في أصول الدين، أو في فروعه.
وسواء كانت في الفروع كبيرة أو صغيرة.
كل أنواع البدعة شر، وكلها ضلالة قولا واحدا.
هذا شيء من لطائف المعقول، ومن المنقول قول: ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى: فلما ظهر قبح البدع في الإسلام، وأنها أظلم من:
· الزنا.
· والسرقة.
· وشرب الخمر.
وأنهم مبتدعون بدعا منكرة، فيكون حالهم أسوأ من:
· حال الزاني.
· والسارق.
· وشارب الخمر.
والزنا معصية، والبدعة شر من المعصية.
وفي صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه: أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يقول في خطبته:
وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.
وفي السنن من حديث العرباض ـ رضي الله عنه:
إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
وفي رواية:
وكل ضلالة في النار.
والزنا معصية، والبدعة شر من المعصية.
كما قال سفيان الثوري: البدعة أحب إلى إبليس من المعصية.
فإن المعصية يتاب منها، والبدعة لا يتاب منها.
كتاب: فتاوى ابن تيمية.
وقد لخصت الخلاصة من منقوله النفيس، مع التقديم والتأخير، فقط.
وليس لي في موضوعات النقل إلا نظم منقولها النبوي، والموقوف المأثوري.
ونظم معقول ابن تيمية نظم النظم الكريم في معرض الأشباه والنظائر.