الموضوع: فصول من حياتي
عرض مشاركة واحدة
قديم 01-30-2012, 12:43 PM   #55
مراقب عام القسم الأدبي


الصورة الرمزية السوقي الخرجي
السوقي الخرجي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 32
 تاريخ التسجيل :  Feb 2009
 أخر زيارة : 06-03-2016 (12:32 AM)
 المشاركات : 780 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: فصول من حياتي



هل السوقيون قبوريون؟.
الصحراء الطارقية لم تنشر فيها الطرق الصوفية إلا في وقت متأخر جدا بالنسبة إلى غيرها من البلدان في الوطن العربي والإسلامي , (بل التصوف الطرقي لم يظهر فعليا إلا في حدود القرن الثاني عشر الهجري عن طريق الشيخ المختار الكنتي ), وقبل ذلك لم يكن التصوف (طرقيا) ولايتعدى أشكالا بسيطة من (النظر ) و(التأمل) أونشيد ما أنتجته قرائح الشعراء، وما تفتقت عنه مواهب الأدباء في مدح الرسول ، والإشادة بمكارم أخلاقه وروائع سيرته وحياته (1).
ولم تصل إلينا معطيات تفيد غير هذا وهناك من السوقيين قبل هذا التاريخ من أخذ عن علماء (طرق صوفية) مثل الشيخ سيدي محمود البغدادي المولود (895هـ \ 1489م وتوفي 983\1575م وله طريقة صوفية تدعى بالطريقة (السنبلية )نسبة إلى شيخه يوسف سنبل بن سنان بن يعقوب ولكننا لم نعثر على أوراد نتعرف من خلالها على الزاوية التي تنسب إليها هذه الطريقة.
وينبغي التنبيه إلى أنهم يتعاملون مع هذه الطرق بحذر شديد حيث إنه لم يسجل التاريخ اعتناقهم للطرق السائدة من شاذلية وتيجانية, وغيرهما ويستثنى من ذلك أفراد في أقصى جنوب البلاد ارتبطوا في فترة قصيرة بالطريقة التيجانية التي أنشأها أحمد بن محمد بن سالم التيجاني نزيل فاس (1150) هـ / 1230) بواسطة رجال الحركة الفلانية التي قادها الشيخ (اركي تلف) فظهرت في تلك الفترة لدى هؤلاء الأفراد بعض الأوراد التيجانية, ولم يكتب لها البقاء بينهم, بل ذهبت بذهاب من أخذوها, وكذلك الطريقة الشاذلية, لم نسمع من اعتنقها منهم, لافي القديم والحديث, ومن الدلائل على حذرهم واحتياطهم إزاء هذه الطرق الوافدة إليهم أن بعض أكابر علمائهم وهو العلامة أبو الهدى بن أبوبكر كان من تلاميذ الشيخ عبد الكريم المغيلي وهو شاذلي الطريقة, ويبدو أنه ما أخذ عنه ما يتعلق بالتصوف.
والأغرب من هذا أن الشاذلية والقادرية كانتا قائمتين في المدرسة الكنتية ومن خلالها وصلت القادرية إلى السوقيين.
ولعل ذلك يرجع إلى سهولة الأوراد القادرية مقارنة بالورد الشاذلي, إضافة إلى ما يتمتع به اسم عبد القادر الجيلاني من مكانة عند المسلمين.
وأستطيع من خلال اجتهاد شخصي لا ألزم به أحدا ومقارنات واقعية ومشاهدات شخصية, أن أقول بملئ فمي أن السوقين في نظري ليسوا (قبوريين), بالمعنى الأدق لهذه المفردة ولا تجدهم لافي القديم والحديث يبنون على المقابر ولا يطوفون بها, وقبورهم ليست محوطة, ولا معتنى بها, ولايقدمون لها القرابين , بل غالب تصرفاتهم إنما تتعلق بالألفاظ فهم (لفظيون), بمعنى أن بعضهم يقع في أخطاء عقدية في الألفاظ من التعلق بغير الله , وأشياء يخاف معها من الإشراك بالله ويتكلمون بألفاظ ومصطلحات صوفية ,لايعرفون حقائقها, بسبب عدم تعمقهم في الفكر الصوفي, وجذوره الأساسية, وولَّد هذا عندهم التخليط والتلفيق في مواطن لا ينجي منها غير التحقيق, فلا فرق عندهم بين صوفية العجم, وصوفية العرب, ولابين عبد القادر الجيلاني, وعبد القادر الجيلي, ولا بين ابن العربي وابن عربي, ولابين الغزالي والحلاج ولابين معتدلة الفكر الصوفي وزنادقته.
ومن العجائب أن العالم منهم يظل عالما محققا, وعاقلا مدققا, حتى إذا كتب شيئا له تعلق بالصوفية, ابتعد عن التحقيق, فيجمع كل ما هب ودب من موضوعات الأحاديث والآثار وقصص وخرافات وأساطير وأخبار يزعم أنه يبني بها أساسا, ويغرس بها بين العقلاء غراسا,فإذا هي في الحقيقة منامات وطامات لايليق بالعالم أن يزج بهاأمام بصائر العقلاء وأبصارهم.
والناس يتحدثون عن تقليد الفقهاء وأصحاب الكتب الصفراء, ولكن التقليد الحقيقي هو ما وجدناه عند المتصوفة, فهم أكثر الناس تقليدا,وأشدهم بعدا عن التجديد والاستنباط.
هل يضيرني التفصيل.
ومع ما تقد م فلا بد من التفصيل في حقهم فليس كل صوفي بهذاالشكل من التخليط, ففيهم المحققون , والعلماء الربانيون , ولا تعجبني طريقة من يحاول إلصاق النقائص بهم لأن ذلك يعد هدما وتجاهلا لما قدمته المدارس الصوفية في المشرق والمغرب الاسلامي من دعوة وجهاد, ودفاع عن الدين في جميع المناسبات.
ومايقال عن تعاونهم مع المستعمر وإلغائهم للجهاد أيام الاستعمار الصليبي شكل من أشكال التهجم والإلغاء التي ينتهجها من ضاقت حوصلته العلمية والتاريخية عن استيعاب الدور الذي لعبته الحركات الصوفية في جميع الأقطار الإسلاميةولم أستطع أن أفهم حتى الآن أوأستوعب و(الاستيعاب) هنا بمعناه الحقيقي وهو معرفة جوانب الأمر كله, أن قوما يعتمدون في جل أقوالهم وبحوثهم العقدية على أقوال ابن تيمية, ثم لا ينتهجون موقف التفصيل الذي كان يتبناه دائما مع المخالف, وخاصة الصوفية فقد اضطهدوه وسجنوه وآذوه, ولكنه مع ذلك لاتجده يلغيهم بل يفصل فيهم ويعطي كل ذي حق حقه, وهذا يعرفه بجلاء من قرأ فتاويه وخاصة الجزء الحادي عشر منها.
وهذا هو نفس الأسلوب الذي انتهجه أساطين علماء مدرسة ابن تيمية كلها مع المخالف كالذهبي في سير أعلام النبلاء وابن كثير وتلميذه الملاصق به ابن القيم رحمه الله حين قال:( فإن كل طائفة معها حق وباطل، فالواجب موافقتهم فيما قالوه من الحق ورد ما قالوه من الباطل، ومن فتح الله له هذا الطريق فقد فتح له من العلم والدين كل باب، ويسَّر عليه من الأسباب).
وطريق التفصيل وعدم إلغاء الآخر هو الذي أرتاح إليه وأتبناه في جميع أموري, ولايقبل مني بعض إخوتي هذا الموقف, ولا يرضيهم مني إلا أن أتبخر تحت شمس آراء الناس في بعضهم وتصنيفاتهم لهم , وأكون جليدا يذوب فيهم وفي آرائهم واختياراتهم, أو أكون سيقة لاستنباطاتهم وتأويلاتهم, وكنت بالأمس القريب قد تركت تقليد أجدادي وشيوخي في أشياء كانوا يرونها ثم تبين لي أنهم لم يصيبوا في اجتهادهم ذاك فأخذت قراري انطلاقا من قوله تعالى (الحق من ربك) وهروبا من واقع (هذا ما وجدنا عليه آباءنا) إلى أمان قوله صلى الله عليه وسلم (من أحدث في أمرنا ماليس منه فهو رد) فلست بالذي ينقض غزله من بعد قوة فأعود إلى التقليد بعد أن نجاني الله وحده من ربقته.
عقيدتي .
وأنا ولله الحمد في مجال الصفات أومن بكل ما جاء في كتاب الله على مراد الله , وما وردت به السنة الصحيحة على مراد رسول الله, ولاأرتضي في ذلك إلا ماعليه سلف الأمة, ولاأرتضي إلا منهجهم في العقيدة والعمل وعقيدتي في توحيد العبادة الذي هو مفتتح دعوة الرسل والأنبياء والذي ضل فيه الكثير من الناس إفراده تعالى بالعبادة والخضوع له بالطاعة المطلقة، وأن لا يشرك به أحد كائنا من كان، ولا يصرف شيء من العبادة لغيره وأغرد مع الشيخ إغلس حين قال :
عقدي الذي ألقى الإله عقيدتي تسليم ما جا في كتاب خبير
ولما يفسره الثقاة مفسر كمجاهد حسبي به وجرير
فعليه يعتمد الإئمة كلهم كالشافعي ومالك وكثير
وأعرف في نفسي الجهل والقصور, مع حبها للظهور, فأحصنها بالسكوت وعدم الخوض فيما لاأحسنه حتى لايهزم الحق من قلبي , اللهم إلا ما يخص مقام البيان فإنني أقول ما أعتقده فقط ولا أزيد عليه لقلة علمي وصغر سني, وعدم إحاطتي بكل جوانب المواضيع.
ولا أتناول الصوفية بنفَسٍ هجومي انتقامي يتجاهل ماقدمه القوم للحضارة الإسلامية والعربية منذ القرون الأولى إلى اليوم, وبيني وبين هؤلاء الإخوة درجة من درجات الإجماع المركب وهو الاتفاق في الحكم مع الاختلاف في المأخذ , حيث إنني أتفق معهم في ضرورة عدم قبول البدعة ممن صدرت منه , وأختلف معهم في الاقصاء والإلغاء والخطاب الفوقي والتهجم المباشر الذي لايفرق منظروه ودعاته بين مقام البيان والتبليغ وبين مقام (النكتة) و(الطرفة).
ولا أعتقد أن أحدا يجهل أن ماكتب وألف من تلك القرون إلى عصرنا هذا من الكتب في الفقه والحديث والتاريخ والأدب واللغة إنماكتب بأيد علماء ينتمي معظمهم إلى المدارس الصوفية, ولا أظن أن مثل هذه الخدمة للدين لو صدرت من كافر معلوم الكفر, فإن أقلام المنصفين سيشيدون بجهده وينوهون بماقدمه .
وأرى أن الراضي بهذا الشكل من التقليد هو واقع لامحالة في نفس التقليد الذي ننعاه على الصوفية الذين لايرون الخروج عن أقوال مشايخهم وأفعالهم, وخواطرهم وإلهامهم, فمتى اتخذنا هذا النهج مع المخالف وقعنا في ورطة التقليد المذموم, والتقليد هو التقليد في أي عصر ومصر.
ما بين السطور.
و قد رأيت الكتب التي تناولت الصوفية وغالبها تناولها في ظروف استثنائية, كانوا معها في حرب مفتوحة اختلطت فيها السياسة بالتصنيف الديني بشكل يعرفه من قرأ هذه الكتب.
وعذيري بعد هذا ممن يريد أن أقدس أقوال الأشخاص في مخالفيهم إنما التقديس فقط للنص وليس للشخص, والتعويل على دليله لاعلى تأويله ورأيه فهذا هو منهجي الذي أرتضيه (وما أنا من المتكلفين )ومن لا يرضيه ذلك مني فعذري ما تقدم.
أربع سنوات في مكة.
فوصلنا إلى مكة وأدينا العمرة وكانت متيسرة ولله الحمد وضيعت الوالدة بعد انتهاء العمرة فذرعت الحرم جيئة وذهابا بحثا عنها وانتابني قلق كبير بسبب ذلك وتجولت في كل الأروقة وكانت فرصة لي لمعاينة أرجاء الحرم ومداخله ومكثت مايقارب ثلاث ساعات في بحث بلا توقف ولم اشعر بتعب أوارهاق من ذلك وعثرت عليها بعد الاياس وذهبت إلى( الرصيفة)لأن رفقتي من سكان حي الرصيفة فنزلت عند بيت المحمود بن سهل وقلت له: أن اهم الضيافة عندي أن يوصلني إلى بيت خالي عبد الله بن موسى (تُنَّا) وكانت جدتي مريم بنت عيسى التي ربتني وتقدم ذكرها قد هاجرت إلى الحرمين قبلنا بما يزيد على عشر سنوات فركبنا مع المحمود في سيارته وهي من نوع ) بيجو) إلى بيت عبد الله موسى وبقيت في هذه الفترة بدون إقامة في مكة المكرمة لمدة أربع سنوات وتنقسم هذه الفترة إلى ثلاث مراحل هي كالآتي:
1- مرحلة التلقي والتعديل والتوجيه المستمر وكان أهل مكة من طلبة العلم وغيرهم يتسابقون إلى القادم من إفريقيا ليقوموا بتعديل سلوكه وعقيدته معا ويقوم بعض جهالهم بأساليب استفزازية تجاه هذا القادم ولم يكن فقه الدعوة سائدا في تعاملهم مع الشرائح التي يستهدفونها فالحق مايرونه حقا ولايمكن النظر في النص إلا من خلال فهمهم هم وفهم من يتبعونه من علماء السعودية والمضحك المبكي أن الغالب منهم لم يطلع على أقوال العلماء في هذا البلد وإنما سمعوا الوعاظ والقصاص يقولون فقالوا مثل قولهم ولا شك أن العلم لايؤخذ بهذا الشكل وخاصة علم العقائد فما يرتبط بالخالق تعرفه الفطر السليمة , والعقول المستقيمة, وما يتعلق بالخلق لابد فيه من المعرفة المبنية على العلم وحده لا على أقاويل الوعاظ والقصاص وكان غالب هؤلاء العامة يتأبط كتابا, ويطلق من لسانه حرابا, من النقد والتجهيل والتكفير دون أن يكون له حظ من العلم.
وقد دفعت الدعوة ثمنا باهظا جراء هذه الممارسات حيث أن المناوئين للدعوة يستغلون هذه الأساليب للنيل من الدعوة ودعاتها واتخاذ ذلك وسيلة لتشويه الدعوة السلفية التي يطلقون عليها لقب (الوهابية) وتسميم الأجواء بين الدعاة والناس.
وللشيخ عبد الله بن موسى الفضل علي في هذه الفترة حيث إنه نبهني على كثير من الأخطاء وبين لي الكثير من منهج السلف في العقيدة والعمل ويربط ذلك بالأخطاء التي تسود في الأوساط العلمية في القبائل السوقيية ولم أتفق معه في كثير مما يطرحه ولكنني أعترف بأن له بصمة حقيقية في التغير الحاصل لي في تلك الفترة.
_______________
(1) - انظر تاريخ بلاد شنقيط .


 
 توقيع : السوقي الخرجي

غــدا أحلـــــــى .. لاياس ... لاحزن.. لا قنوط من رحمة الله.نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

التعديل الأخير تم بواسطة السوقي الخرجي ; 07-15-2012 الساعة 12:02 PM

رد مع اقتباس