جر الذيول
وكل خير في اتبــــــــــــــاع من سلف***وكل شر في اتبــــــــــاع من خلف
هذا بيت من أبيات الحكمة، الذي لو كتب بمداد من الذهب لكان قليلا في حق حقيقة معانيه المؤصلة المحكمة.
وما أدراك ما السلف، هو صفوة هذه الأمة، من الصحابة ومن تبعهم بإحسان.
ولقد بلغ الشطط ببعض أقلام متصوف: صوفية صحراء الطوارق، أن أشهدت على أهلها بأنهم ليسوا من السلف، بل سمعت أحدا هنا في بلاد الحرمين من طلبة العلم ينفي عن نفسه الانتساب إلى هذا الاسم الشريف لشرف أهله الهداة المهديين أهل المآثر الحسان.
كما ينفي انتساب نفسه إلى جماعة الإخوان...
وبلغ به أمر الشطط أن يساوي عنده الانتساب إلى اسم السلف، بالانتساب إلى اسم جماعة الإخوان، وأضرابهم كجماعة التبليغ، ومن في معناهم، الجماعات الحزبية والطائفية، التي لا يمثل ما هم عليه من الأفكار، إلا حقائق معتقداتهم الظاهرة في التوجهات السياسية والدينية، المنبثقة عن آرائهم المحضة، فإن وافق ما هم عليه شيئا من هدي السلف الصالح، فهم على الهدي القويم ـ هدي الكتاب والسنة، وإن خالفت ما عليه السلف الصالح ـ وما أكثره ـ فهم على فهم خاطئ...
بخلاف هدي السلف الصالح فهم على هدى مستقيم، على ضوء الكتاب والسنة، في القديم والحديث، وليس في شيء من تلك التوجهات المذبذبة بين الحق والباطل ـ وما أكثر الباطل عند أصحابها من الحق من الحق.
إضافة إلى أن أسماء الفرق الضالة، والطوائف عصرا عصرا أسماء محدثة، نشأت منشأ بدعها المحدثة، بخلاف من كان أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ سلفه، ومن تبعهم بإحسان جيلا جيلا، على ضوء الكتاب والسنة.
هذا ولقد أخذني العجب كل العجب من أمر ذلك القائل، وأمر من صرح بمثل ذلك عن نفسه ـ نعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
لأنه إن قصد أن اسم السلف الصالح، أهله على غير هدي القويم الرضي المرضي. فإن مدعي هذه الدعوى الشنيعة من الضالين المضلين الهالكين المهلكين...
وإن قصد فصل الاسم عن المسمى فقد يلزمه أمور، منها أن الانتساب إلى اسم الشيطان جائز الانتساب إليه، فلينتسب إليه، لأنه لا يتناوله ذم ولا مدح على أصول هذا المذهب الشيطاني، حين سولت له نفسه انحصار الشر كله في ذات المسمى فقط، دون أن يشارك الاسم مسماه في معرض المدح والذم، فهذا من سفه فلسفات ضلالات أهل الأهواء...
وقال الراغب الأصفهاني ـ رحمه الله ـ في تعريف الهوى: هو ميل النفس إلى الشهوة.
وقيل سمي بذلك لأنه يهوي بصاحبه في الدنيا إلى كل داهية، وفي الآخرة إلى الهاوية.
وقال الجرجاني: هو ميل النفس إلى ما تستلذه الشهوات من غير داعية الشرع.
فإذا تأملنا على عجالة حول هذين النقلين، نجد ما الداعي إلى نفي مثل هذا الانتساب الشريف المصطلح به الذي اشتهر به الرعيل الأول من الصحابة ومن اقتفى أثرهم، وتظاهرت نصوص العلماء بتسميتهم به، حينما يقيدون النقول المتقيدة أهلها بالكتاب والسنة، وما عليه الصحابة ـ رضوان الله على الجميع.
وهذا باب له موضعه ـ بإذن الله ـ لبسط القول فيه نقلاً وعقلا، وإنما الإشارة هنا وردت مورد الذكرى: فإن الذكرى تنفع المؤمنين.
فالسلف هم أهل السنة والجماعة، فيذكرون باسم السلف الصالح تارة....
وتارة أهل السنة والجماعة، وحقيقة أرباب هذا الأسامي الشريفة أنهم المتمسكون بالكتاب، والسنة، كما سنكتفي بنقل واحد في هذه العجالة ـ بإذن الله ـ ليقرب لنا وصف السلف الصالح...
قال الشيخ صالح المقلبي اليمني، المتوفى 1108هـ :
((ثلة من الأولين، وقليل من الآخرين، أقبلوا على الكتاب والسنة، وساروا بسيرها، وسكتوا عما سكتا عنه، وأقدموا وأحجموا بهما، وتركوا تكلف ما لا يعنيهم، وكان تهمهم السلامة.
وحياة السنة آثر عندهم من حياة نفوسهم، وقرة أحدهم تلاوة كتاب الله تعالى، وفهم معانيه على السليقة العربية، والتفسيرات المروية، ومعرفة ثبوت حديث نبوي لفظاً وحكما.
فهؤلاء هم السنية حقا وهم الفرقة الناجية)).
العلم الشامخ في إيثار الحق على الآباء والمشايخ:
فالسلف الصالح، اسم تواثر الهدى القويم، هدى المصطفى النبي الكريم، حبل الله المتين، إن هو إلاّ حي أوحي إليه نزل به الروح الأمين...
فلذا تجد السلف الصالح في كل عصر، لا ينسبون في أصول الدين أنفسهم إلاّ إلى هذا الاسم الكريم، أو ما في معناه، كأهل السنة والجماعة....
فلا يقولون: الحنفية ـ المالكية ـ الشافعية ـ الحنبلية ـ التيمية ـ الوهابية....
وإن كان الإمام أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، وابن تيمية، وابن عبد الوهاب، من أهل السنة والجماعة، ومن السلف الصالح كغيرهم ممن سبقهم، أو لحقهم...
فبقي الانتساب في الفروع بين علماء السلف الصالح معمولا به، حسب نشأة المذاهب الأربعة، لأنها مذاهب اجتهد أئمتها غاية الاجتهاد في معرفة الكتاب والسنة، والعمل بمقتضاهما، وما عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان...
وأما في أصول الدين فهم فيه سواء، توحيدا وعقيدة على الهدى القويم...
فكل من أتى بعدهم، إما أن يتبع آثارهم جليلا جيلا، فيكون من المهتدين، أو يحيد عنها جهلا أو على علم فيكون من الضالين.
والضالون في كل عصر، تجدهم يرمون المتبعين سبيل السلف الصالح بالزور والبهتان، والألقاب التي لم يلقب به أتباع السلف أنفسهم بها...
كالوهابيين ـ والوهابية.
وهناك بين أهل الأهواء والبدع من صوفية صحراء الطوارق، من يسمون من شاءوا: الهَبَنْكِيِّين، والمفرد: الهنبنكي، وهما مما لا مشاحة في تنكير لفظهما عندهم من تعريف لفظهما...
وهذه النسبة تساوي عندهم ما يساوي نسبة: الحشوية عند سلفهم على سلف الأمة الصالح.
التي أطلقها عمرو بن عبيد على الصاحبي الجليل عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما.
قال ابن عماد في ترجمة عمرو بن عبيد المتعزلي: وكانت له جرأة فإنه قال عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما هو حشوي.فانظر هذه الجرأة والافتراء ـ عامله بعدله.
كتاب: شذرات الذهب.
ثم استعمله المبتدعة على السلف الصالح، على نهج سلفهم ـ سلف الإحداث والبدع والضلال.
وليتضح المعنى اللغوي لهذا اللفظ، نتعرج إلى قول اليافعي الصوفي، في حق الإمام الذهبي، لما أشار إلى بعض ضلالات أبي الحسن الشاذلي الصوفي الهالك..
فقال اليافعي عن الذهبي: وإنه يرفع الأوصاف في حق الأئمة الحشوية ـ السلف ـ الجامدين على الظواهر.
كتاب: مرآة الجنان.
قلت: كما قال السلف الصالح، لا يلحق السلف الصالح من هذه الألقاب شيء، لأنها ألقاب زور محدثة، فأهل الأهواء هم أحرى بكل ضلال، حين اختاروا العمى على الهدى.
إلاّ أن اسم الهبنكي، ومشتقاته، إن كان نسبة إلى ما عليه الإمام محمد بن عبد الوهاب من متابعة السلف الصالح في الهدى القويم، فنقول فيه كما قال الشيخ مُلاّ عمر ـ رحمه الله:
إن كان تابع أحمد مـــــــــــتوهبا***فأنا المـــــقر بأنني وهابي
أنفي الشريك عن الإله فليس لي***رب سوى المتفرد الوهاب
وكما قال الشيخ العلامة السلفي عال بن محمد بن اليمان الإدريسي السوقي المرسي ـ رحمه الله:
فإن كان التوهب ذا فيـــــــــــائي***كيــــــائهم مشددة انتــــــــباهي
علما أنه لم يكن معمولا من بين علماء السلف ممن أتى بعده، ممن اشتهر أن يكتب الانتساب إليه، إلى علماء السلف الصالح الذين أدركناهم في بلاد الحرمين، كالإمام ابن باز، والعثيمين، وأضرابهما، من ينسب نفسه إليه، وإن كان على حق كغيره من علماء السلف الصالح...
بل هذه الدولة المباركة، دولة التوحيد، المملكة العربية السعودية، لم تنسب نفسها إليها، وهو من أجل رجالاتها علما وديانة، على الهدى القويم، بل نسبت نفسها إلى السلف الصالح، المملكة العربية السعودية ـ السلفية.
فكل من صنف من على نهج السلف الصالح بالوهابية، فذلك من تلقاء نفسه لا غير، أو على نهج من يطلقه عليهم، ممن سواهم، سواء أطلقه عليهم، وهو ذو مقصد صحيح سليم، أو ذو مقصد سيء فاسد ذميم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا.
فريق على نهج السلف الصالح على سنن واحد رضي الهدى، أو فريق على نهج أهل الأهواء من الصوفية وغيرهم، على نهج أبي حامد الغزالي، الممثل به في معنى قول ابن رشد ـ رحمه الله ـ عنه في كتابه ـ إحياء علوم دينه: وكثيرا ما يختلف كلامه في القضية الواحدة، يوافق هذه الفرقة في موضع، ويخالفها في آخر...
يوما يمـــــــــان إذا لاقيت ذا يمن***وإن لقــــيت معديا فعدنــاني
كتاب: العلم الشامخ...
فختاما بهذه النكتة اللطيفة، أن الفرق بين الانتساب إلى اسم السلف الصالح، وما في معناه من أهل السنة والجماعة، دون الانتساب إلى أحد رجالات السلف الأبرارـ في كل عصر، أن البدع التي حدثت، في عصره، فضلا عما بعده ـ إذ لا يعلم الغيب إلا الله ـ ولم يوجد له القول فيها، سيبقى من قصر به الاجتهاد في معرفة الصواب منها عن طريق ذلك العلم السلفي....
لذا لما كان السلف الصالح أهل دين وهدى، كان من هديهم أن من قال بالحق وبينه ونفى ما أحدث في عصره من البدع...
أخذ به من بعده من رجال السلف الصالح، وهكذا على ضوء قول أحد النحاة: إذ كل نحوي له زيادة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ((واضرب لهم مثلا))
قلت: إن من نظر في نشأة بدع الفرق، يعلم أنه ما تكلم في بيان بدعيتها إلا علماء السلف الذين في عصر كل بدعة، أومن أتى بعدهم.
لذا فالمتعصبون لأصحاب المذاهب الذين كثير ما يضل أحدهم في ضلال مبين، حين يقول في معرض الجدل، ما ذا قال الإمام مالك في الأشعرية، في بدعة المولد، في بدعة التوسل بالأنبياء والرسل والأولياء، بدعة السفر إلى أي مسجد لشهود ختم القرآن في رمضان....
وهذه البدع اشتهرت بعد وفاة الإمام ملك بأزمنة متفاوتة القرون، وهو في هذه كغيره من أقرانه، فمن أين تكلم الإمام مالك، وأبو حنيفة والشافعي وأحمد، وغيرهم من الأئمة في شيء وقع بعد أزمنتهم.
ومثل ذلك من يطلب أقوال المغاربة، في بدع وقعت في المشرق، ولم تصل المغرب بعد، وبدع وقعت في المغرب، ولم تصل المشرق؟؟؟؟
ومثل ذلك أيضاً من يطلب أقوال المالكية فقط في بدعة ما، فإن قالوا ببدعيتها قال بها، وإلا رد القول بها، وعكسا استعمل تجده سهلا؟؟؟؟
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ((أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمْ مَنْ لَا يَهِدِّي))
فإن كان قائل مثل هذا يعبد أحدهم، فإن كل واحد ممن مات، مات... على ضوء قول أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ من كان يعبد محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإن محمد مات، ومن يعبد رب محمد فإنه حي لا يموت... أو كما جاء في الأثر.
فالمطلع في التاريخ يعلم أزمنة حدوث بعض أصول البدع كبدعة المعتزلة ـ المرجئة ـ الجهمية ـ الأشعرية...
ولقد حقق غير واحد من العلماء رجوع الأشعري إلى مذهب السلف الصالح، فيما تفرد به من بدع التأويل ....
وللتعرج إلى بدعة التوسل بالنبي ـ صلى الله عليه ولسم ـ بعد موته، لم يتكلم فيها من كان قبلها من السلف، بل الذي تكلم فيها من أتى بعدهم من علماء السلف الصالح، بعدم الجواز...
وهذه المسألة أم الباب التي سنتناول جملا منها في هذه العجالة ـ بإذن الله تعالى.
إلا أن المراد هنا تسليط الضوء أن من المحال أن يتكلم أحد في شيء من أمور الغيب، بعد الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ حين يوحى إليهم ما أخبروا به...
فإن تعجب فعجب الصوفية وأولياؤها القائل أحدهم: أعرف تلامذتي من يوم: ((ألست بربكم)).
وأعرف من كان في الموقف عن يميني، ومن كان عن شمالي، ولم أزل من ذلك اليوم أربي تلامذتي، وهم في الأصلاب، لم يحجبوا عني إلى قوتي هذا...