الموضوع: فصول من حياتي
عرض مشاركة واحدة
قديم 01-17-2012, 10:53 AM   #48
مراقب عام القسم الأدبي


الصورة الرمزية السوقي الخرجي
السوقي الخرجي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 32
 تاريخ التسجيل :  Feb 2009
 أخر زيارة : 06-03-2016 (12:32 AM)
 المشاركات : 780 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: فصول من حياتي



الاتصال مع الشيخ محمد الحاج.
لم ينقطع اتصالي بالشيخ محمد الحاج في أي فترة حيث إنه شارك الشيخ العتيق في تدريسي جميع الكتب التي أخذتها منهما ماعدا كتب اللغة والادب فإنها أخذتها كلها عن الشيخ محمد (مهمن) بن صفوان والكتب التي اخذتها من الشيخين هي:
1- مقدمة أبي زيد القيرواني.
2- مقدمة الآجرومية.
3- وقطر الندى.
4- نظم الشيخ سعد الدين لقطر الندى المسمى (غيث الجدى في نظم قطر الندى) مع شرح الشيخ محمد بن البكاي له.
5- لامية الأفعال.
6- البهجة المرضية شرح السيوطي على الفية بن مالك.
وهذا كله بالاشتراك التام بين الشيخين كما ذكره الشيخ محمد الحاج في الرسالة الآتية بعد قليل.
ومن الذكريات الجميلة أنني تجرأت وسألت شيخي محمد الحاج في (مكة المكرمة ) أثناء حجته عام 1422هجري عن معنى قول أبي زيد في مقدمته (السميع البصير) ففسره لي تفسيرا يخالف ما في كتب الأشاعرة فقلت له ليس هذا هو التفسير الذي سمعته منك في السابق فضحك وأقر لي أنه لم يستسغ كثيرا من أقوال الأشاعرة في الصفات منذ فترة بسبب توسعه في الاطلاع على الكتب التي لم تكن متاحة في السابق ولم يكن ذلك لأجل احراج الشيخ , ولم يفهم ذلك مني لمعرفته بأنني أرتاح إلى رأيه كثيرا.
وكان الشيخ محمد الحاج رحمه الله يكره التعصب ويحب كتب الحديث وعلومه ,ويندر أن يُرى في ليل أو نهار إلا وفي يده كتاب أويكتب ويؤلف في موضوع , وكان قلمه سيالا تتسلسل منه ينابيع المعرفة , وتتفجر من خلاله أوابد الحكمة, وكان رحمه الله شيخاً جليلاً حييا كريما , جميل الطلعة لاتقتحمه العين, ولايمل منه جليسه, يرتاح أصحابه إلى قربه والأنس به, يحب أصدقاءه, ويكرم أوداءه, وكان كاتباً مجيداً ، بارع الأدب ، رايق الشعر ، سيال القريحة .
وكان يحب والدي ويذكرني دائما بما بين بيتنا وبيته من العهد والود, وكان معترفا بذلك العهد مشيدا به بين الناس, ويغار علي حين يجدني عند أي بيت غير بيت الشيخ العتيق, وأذكر أن نقاشا وديا كثيرا ما يقع بينه وبين الشيخ آمدي بن حمدا ويكون موضوعه الأولى بأن أكون عنده والسبب في ذلك أن بيت آمدي هو بيت الشباب فيجتمعون فيه ويسرحون ماشاؤا أن يسرحوا والشيخ الحاج تكسوه الهيبة, ويعلوه جلال العلم فلا يغشى مجلسه إلا من أجل الاستفادة فقط.
ولما كثرت ارتباطات الشيخ العتيق من جهة الحكومة, وتعددت أسفاره أمرني بأن أرتبط بالشيخ الحاج في فترات غيابه, فكنت على ذلك طيلة مدة تواجدي بينهم وأحسن وصف لحالتي مع الشيخين قول الشيخ الحاج نفسه في إحدى تزكياته لي وهي:
(بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله تعالى على محمد وآله وصحبه وسلم الحمد لله على نعمه التي لاتحصى , وأيادية التي لاتستقصى والصلاة والسلام على أشرف المرسلين, محمد المبعوث صفوة للعالمين, وعلى آله وصحبه أجمعين, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيقول الكاتب الآتي باسمه عند انتهاء رسمه أن الإبن محمد بن أحمدا بن عبدُ الحسني الإدريسي حفظه الله تعالى, ونسأ في أجله, في عافية ورزقنا وإياه اتباع سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم, وأكرمنا وإياه بالعلم والعمل به قد ربيته في صغره ولم يزل في تربيتي إلى كبره, وأخذ عني من العلم جملة وافرة, منها علم النحو وقد أخذ عني مقدمة الآجرومية بشرحها, وغيث الجدى نظم قطر الندى لابن هشام والنظم لشيخنا وشيخ شيوخنا سعد الدين بن عمار والد الشيخ محمد العتيق وكذلك الفية ابن مالك بشرحها البهجة المرضية للسيوطي وكذلك عقيدة أبن أبي زيد القيرواني التي جعلها مقدمة لرسالته الشهيرة كل ذلك بمشاركة تامة مع الشيخ العتيق بن الشيخ سعد الدين الحسني وربما مكث أياما في صحبة هذا وتلمذته ويمكث أياما أخر في صحبة الآخر وتلمذته وربما جمع بين ذلك في يوم واحد لأنه جاري بيت بيت وكل منا في أشد حرص على تعليمه وتنشئته على الأخلاق السنية والآداب المرضية وتمرينه على ذلك حضرا وسفرا.
وأشهد أني مارأيت منه إلا خيرا محبا للعلم وأهله حريصا على ما استفاد منه وإن قل محترما لشيوخه ومبجلالهم , بَرًّا بجميع من له عليه حق الولادة وحق التعليم, ولقد كان والده- وهومن أجلاء علماء بلده- ربما قال لي ونحن بحضرة الناس أن تلميذكم قد حسن حاله وربما زاد على ذلك في الثناء - مبالغة في بره له- أحسن الله عاقبتنا في الأمور كلها وأجارنا وإياه من خزي الدنيا وعذاب الآخرة إنه سميع قريب مجيب.
ونختم القول بأنا ماشهدنا إلا بما علمنا وأنا لانزكي على الله أحدا, وحسبنا الله ونعم الوكيل التوقيع).
محمد الحاج بن محمدأحمد الحسني بتاريخ\ 1\7\1420 هجري.
والرسالة خير شاهد على ما تقدم وهي تدل على اهتمام الشيخ محمد الحاج بهذا الأمر, والتفاصيل التي ذكرها تدل على ذلك وقد يخفى علي بعضها رحمه الله, فقد كان وضعي معهما مثل ما وصفه تماما,ونلتُ من رعايتهما وشفقتهما ماطوق جيدي وسابقى ممتنا لهما بذلك ماحييت.
وتعد هذه المرحلة التي تحدث عنها شيخي الحاج من أنبض المراحل التعليمية في حياتي وهي أغناها بالذكريات وأحفلها بالعواطف الجميلات فهي مثل الحقل فلو عاش أوألفَ عام فإن ذلك لامحالة تبع لليوم الأول الذي يُرسم فيه الأساس وتُحدد المعالم وتُبذر البذور ولو أن حفرا أجريت في قلبي لوجد فيه الكثير من الزوايا المضيئة التي شع نورها بواسطة رجال من أهل العلم جعلوا تعليمي والعناية بي ضمن أولويات شغلهم وفي مقدمة جدول أعمالهم اليومي.
السياسة التعليمية.
السياسة التعليمية في السوقيين تبنى في الأساس على إفراد العلوم وعدم تزاحمها على الطالب ويرون اخذ العلم كمثل الكأس يمتلئ حينما يصب فيه برفق وإذا صب عليه بقوة فإنه ينبو عنه الماء فلا يمتلئ أبدا.
وكان الشيخ الحاج كثيرا ما يقول لي (قليل قر خير من كثير فر).
ويعد أخذ درسين في كتابين في آن واحد من المستحيلات فلا نطمع في أن نأخذ من كتاب حتى نكمل الذي قبله.
الاهتمامات الأدبية.
لست أنسى لشيخي العتيق أنه أول من شجعني في التعلق بالأدب والشعر,وأذكر أنه سمعني وأنا أقرأ قصيدة لبعض أدباء السوقيين والتي كان يستكتبها عالم من الأزهر اسمه سمير وقد زار قرية وادي الشرف, بصحبة شيخي العتيق , وكنت معجبا بشعر بعض أدباء السوقيين مثل .
الشيخ المحمود بن الشيخ حماد.
والشيح أحمد بن موسى.
والشيخ محمود بن محمد الصالح .
والشيخ عيسى (القاضي) بن تحمد.
والشيخ إغلس بن محمد بن اليمان.
ومحمد بن تان.
وأما الطبقة التي بعدهم فيعجبني شعر.
شيخي محمد الحاج بن محمد احمد.
الأديب المصقع محمد بن يوسف.
والشيخ الأديب المرتضى بن محمد.
وجدير هنا بيان أنني لا أقلد في ذوقي أحدا وقد حدثني وهو صادق أن بعض ماجادت به قرائح ثراثير بلغائنا وشعرائنا رائع وجميل, ولكنهم على جلالتهم وشفوف مكانتهم, وعلو منزلتهم, يدونون ويؤلفون في بعض الأحيان أكثر من كونهم يشعرون, وهذه حالة كل نضو للغة حبيسها فيبني بيتا جميلا مزخرفا ولكنه يبقى بعيدا عن شواطئ الخيال, وأوابد الحكمة.
ويبدو أن الشيخ العتيق أعجبه تعلقي المبكر بالأدب والشعر فأراد أن يعرف مدى قدرتي على قول الشعر فقال لي: ائتني بأبيات من إنشائك فما ركدت رياح استمداد قريحتي في ليلتي تلك, ولكنها أبت أن ترشح بشيء فهي كما قال القائل:
وتوَخَّني بالعُذْرِ إنَّ قريحتي = كالضَّرْع جفَّ وشحَّ مما يُحْلبُ
وكلما تنحنح الشيخ أو تحرك ظننت أنه سيناديني ويسألني عن الأبيات فقررت التخلص والتملص من هذه الكوابيس والذهاب إلى بعض لداتي لألعب معهم (الكرت) حتى أنسى موضوع الأبيات والتفكيرَ فيها فقد ظللت طول الليل أجوس خلال محفوظاتي من الشعرلآخذ منها قطعة أوأختلس مصرعا أوبيتا وباءت كل محاولاتي بالفشل فقد عجزت حتى من السرقة الذين يسميها بعض الشعراء ظلما وعدوانا (توارد الخوطر) ومن اختيار الموضوع الذي يعد اختياره أصعب علي من صياغة الشعرنفسه وكنت أحفظ قطعا كثيرة من الشعر العربي ولكنها غابت كلها عن ذاكرتي وأنا في هذه الحالة إذ أتاني بعض أصدقائي الذين لهم مكانة في نفسي وهوعلي بن محمد عرف(أتو) فبمجرد رؤيتي له تغير كل شيء أمامي فكان خلاصي بلقائي به حيث أنني قلت مباشرة وأعنيه شخصيا بذلك.
ياسائلي عن وصف هذا الشريف= سألتني عنه زمان الخريف
اسمع حديثي فإني امرء= مبتدء لكن بأمر خفيف
فماكان ذاك الوقت خريفا بل كان صيفا قائظا ولكن الرغبة في إتمام البيت والتغلب على هذا التحدي خلطا الفصول ببعضها لتتحول إلى خريف تتساقط أوراقه كما تساقط عرقي تلك الليلة في تكرار المحاولة واستمطار قريحتي التي كانت شبه فارغة من قرض الشعر.
فذهبت بالبيتين إلى شيخي محمد الحاج فقرأ البيتين وأعجب بهما وأمرني بتعديل كلمة (سألتني)إلى) (تسألني) وحثني بأن أعرض عليه في المستقبل كل محاولاتي من الشعر أو النثر حتى يهذبه وكان يريدني مهذبا رحمه الله رحمة واسعة ومن شدة عنايته بذلك أنني قرأت عنده بيتين له ولبعض أحبابه المقربين منه تشاركا فيها وهي:
بيس عيشا (كتكل) = عفته كلا بكل
لاتكل لي منه إما = قلت يوما لك كل لي
فقال لي شيخي الحاج أجز البيتين فقلت:
إنه حظ جدير = بذئاب أو بأول
فكان صدر البيتين للشيخ الحاج وعجزها لأحمد بن الكرماني (مصلي) والهدف من ذلك المبالغة في محاولة ربطي بالأدب والشعر في وقت مبكر.
ولم يزل ذلك دأبه يتابع كل شيء أكتبه وينمي في نفسي الاهتمامات الشعرية والأدبية وكان من نتائج تربيته أنني قمت بخدمة الأدب والشعر الخاص بأدباء صحراء الطوارق منذ ما يزيد عن عشرين سنة وألفت في ذلك كتابين هما: (أنوار الشروق في شعر أدباء أهل السوق) و(المدارس الأدبية في صحراء الطوارق) والأ خير مطبوع طبع في الأردن بواسطة دار أسامة للدكتور نبيل ولكنه لم يف بما وعدني به فطبع المسودة التي في (السيدي) وهي مليئة بالأخطاء وترك الكتاب الذي أرسلته إليه في البريد والله المستعان
وبالجملة فإن شيخي الحاج كان يراسلني ويوجهني رغم أنه في(مالي)وأنا في السعودية ومن ذلك رسالة وجهها إلي وهي:
(بسم الله الرحمن الرحيم , صلى الله تعالى على محمد وآله وصحبه وسلم
من الكاتب الحاج بن محمد أحمد إلى الابن البار محمد بن أحمدا حفظه الله ورعاه بعينه التي لاتنام سلام لايضاها وتحايا لاتتناهى موجب الإرسال إليك بعد تجديد العهد بك بالمكاتبة وإن طال العهد بينك وبين توجيه الكتاب إلي أني مسرور غاية السرور بما بلغني من (انتهاضك لإحياء تراثنا القديم) وتلافي ما لم يفت وقت تلافيه من الآثار الموجودة أهلها في الحال وإنقاذ ما ظفرت به منها من براثن الضياع ولما بلغني ذلك فرحت بذلك إلى الغاية لأن ذلك أحسبه إذا حصل على يديك من تمام عملي لأني قد أخذت في جمع الآثار منذ ماينيف على عشرة أعوام فجمعت ولله الحمد منها كمية هائلة وقيدت من شواردها كثيرا إلا أني عاقتني العوائق عن الشروع في كتابة شيء من ذلك الموضوع -أي موضوع جمع الآثار على حدة,لكني لما لقيت واحدا من اخواننا من اهل (كيدال) وكان معه إذذاك نسخة مما كتبت في ذلك تمنيت أن تكون بالقرب مني حتى أخفف عليك بعض مافي طلب جمعها من المشاق ومع ذلك لم أزل انتظر رسالة منك تطلب المعونة فيها على ذلك وأتعلل أيضا بإمكان اللقى بيننا.
وما أنا من أن يجمع الله بيننا = على خير ماكنا عليه بآيس
فلما طال الأمد ولم أر منك كتابا في ذلك أرسلت إليك هذه المذكرة لتعلم أني مستعد لمساعدتك في تلك المهمة ولم أهد إليك شيئا من ذلك لاستعجال سفر حامل الكتاب لي قبل الاستعداد الكافي.
وأخيرا أذكرك أن الكتاب الذي أرسلت إليك في طلبه هو تهذيب التهذيب لاتقريب التهذيب والمرجو منك أن ترسله في يد الأخ(آمدي) مشكورا مأجورا إن شاء الله هذا.
وبلغ سلامي إلى أهل بيتك جميعا).
رجع إلى موضوعنا وهو الحديث عن هذه الفترة الثانية من طلبي للعلم وقد سمعت عن كثير من علماء كل تجلالت في هذه الفترة ولم يكن أخذي العلم محصورا على الشيخين بل هناك رجال من أهل العلم في الحي أخذت عنهم وفي مقدمتهم الشيخ اسماعيل بن محمد الأمين (فالينن) فقد أخذت عنه دروسا عديدة من نظم قطر الندى للشيخ سعدالدين بن عمار بشرح الشيخ محمد البكاي ولأخذي من هذا الكتاب قصة وهي أن الكتاب لاتوجد منه إلا نسخة واحدة, وهو عبارة عن مخطوطة ولايمكن أن استخدمها بدون إشراف الشيخ العتيق أوالشيخ الحاج أوالشيخ محمد الأمين خوفا عليها من التلف فينوب كل واحد عن الآخرفي حالة غيابه وكذلك الشيخ أحمد المصلي وأخوه الأستاذ البشير ابني الكرماني والأستاذ تغلفت بن محمد والأستاذ أنس بن المحمود ومحمد بن ختلوس ومفلح بن ابراهيم والشيخ آمدي بن حمدا والأخير له طريقة في تفهيم الدرس جيدة وبديعة ولا أذكر أنه درسني درسا إلا وفهمته رحمه الله.
وأما اللغة فقد أخذت مقامات الحريري عن الشيخ محمد بن صفوان وكان رحمه الله شديد الحرص على أن أتقن ما أخذته عنه من المقامات ويدرسني بواسطة الترجمة باللغة(الطارقية) وغالب الدروس التي تؤخذ في الصحراء تؤخذ بواسطة الترجمة وعندما وصلت إلى المقامة الرابعة والعشرين طلب مني أن ألقي الدرس بنفسي ليرى مدى قدرتي على الترجمة ومدى استيعابي لما مر علي من الدروس وعندهم أن من أكمل بضعا وعشرين مقامة فإنه سوف يمر عليه الغالب من المفردات الموجودة في المقامات الباقية وكانوا يعتنون أشد العناية بالمقامات وأشعار العرب ويقولون بأن الغالب من المفردات اللغوية الواردة في القرآن موجود في المقامات ماعدا ثماني كلمات كما أن أشعار العرب هي اقرب إلى لغة الحديث النبوي ولذلك فإنهم يبالغون في الاهتمام بالمقامات وأشعار الجاهلية.
وللمقامات أهمية بالغة في تعليم الأساليب العربية والتمرين على تذوقها تمهيدا للاستفادة منها في الخطابات والرسائل والأشعار ولاشك أن المقامات صيغت لأغراض تعليمية في قوالب مختلفة, ومواضيع ذات طابع فكاهي غير جدي وهي أسلوب قصصي تتخلله حيل وموافق مضحكة وأخرى محزنة وبطل القصة شخص متشرد ظريف وتحمل هذه المقامات شحنات من السخط على المجتمع وعدم الاعتزاز بالوطن وتقديم المصلحة الشخصية على المصلحة العامة ومن الأمثلة على ذلك قول الحريري في إحدى مقاماته (ومن حكم بأن أبذل وتخزن وألين وتخشن وأذوب وتجمد لاوالله بل نتوازن في المقال وزن المثقال ونتحاذى في الفعال حذو النعال حتى نامن التغابن ونكفى التضاغن) وتلك هي طبيعة المقامات التي صيغت في فترة تاريخية القت بظلالها على هذه المقامات ولاننسى أن الشاب ياخذها عند السوقيين في مرحلة المراهقة وفي وقت يحتاج معه إلى دروس تربوية تكبح جماحه وتحد من انفعالاته واندفاعاته.
والشعر الجاهلي على جاهليته يختلف عن المقامات فيربي النشأ على قيم وأخلاق تحمل غايات تربوية متعددة سواء في الشجاعة والكرم وعدم الرضى بالضيم والصبر والتحمل ومكابدة المشاق وغير ذلك من الفلسفات الأخلاقية التي خلت منها وديان المقامات التي تنضح استجداء وتربي عليه وتجمل التلون بعدة ألوان والتشكل بأشكال مختلفة إلى غير ذلك من المواقف المتناقضة التي تنمي في الشاب في مرحلة مبكرة من شبابه التلون والتشكل وتغيير المواقف والتنازل عن المبادئ بسهولة.
وأما حي (كل تبورق)فلم أذكر أنني أخذت دروسا مباشرة عن أي واحد من علمائه ولكنني نلت شرف حضور مجلس دروس الشيخ المحمود بن الشيخ حماد في التفسير والفضل في حضوري لها يعود إلى أستاذي البشير بن الشيخ الكرماني فهو الذي شجعني على الحضور, ويفسر لي بعض العبارات الطارقية التي يصعب علي فهمها, وكان هذا المجلس الذي يلقي فيه الشيخ دروسه حافلا وحاشدا يحضره جميع العلماء وطلبة العلم من الأحياء الثلاثة وهي حي (كل تجلالت) وحي ) كل تبورق( وحي)كل تكيرتن( وأذكر أن هذا الدرس مكث عدة شهور, وبدأه الشيخ المحمود من البقرة إلي قوله تعالى في سورة الأنعام) إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين).
ومن الأشياء التي سجلتها ذاكرتي في هذا الدرس الحافل بالفوائد والنقاشات المهمة أن الشيخ إذا استشكل شيئا من التفسير أوغيره فإنه يفتح حينئذ باب المشاركة للجميع فيبارى كل من عنده كتاب تفسير الجلالين الذي يعتني السوقيون بوضع الحواشي والطرر عليه والتي تضم شتيتا من المعارف والفوائد ومهمات المسائل التي يودعونها هذا السفر فيتحول إلى كنز ومنجم كبير من المسائل العلمية, وهمّ كل واحد من الحاضرين أن يعثر على استشكال الشيخ ويتكرر ذلك عدة مرات مما يطيل في مدة الدرس ووقته ومما أذكره من ذلك أن الأستاذ إما بن السعيد عثر على بعض هذه الاستشكالات في كتابه وكان في طرف المجلس فقرأ بأعلى صوته ولكن صوته بقي منحصرا حواليه لأنه ليس جهوري الصوت فوقف على أطراف قدميه رافعا صوته بقراءة ماظفر به من النقول التي تحل المشكل فحدق فيه الجميع أنظارهم فأتم القراءة دون توقف ودون لحن أوخطإ في إعراب ما قرأه ويعد ذلك مفخرة عظيمة ومنقبة جليلة لدى السوقيين.
ولا أذكر أنني أخذت عن الشيخ المحمود غير الحضور في هذا الدرس وكان معي دفتر سجلت فيه بعض الفوائد التي استفدتها من ذلك الدرس وضاع مني بعد ذلك, غير أني قرأت عليه بأمر منه - وكنت أكبس له - مقدمة(غيث الجدى نظم قطر الندى للشيخ سعد الدين) ووقع ذلك في مناسبة سفرة سافرها إلى جهة (منكا) وأنا بصحبة شيخي العتيق بن سعد الدين الذي كان معه وكنا في ذلك اليوم في ضيافة حي من (دواسحاق) يسمى(إدوكريتن) وأذكر أنني أخطأت في قول الناظم:
وإنني سميته غيث الجدى= في نظم نثر شيخنا قطر الندى
فقرأت (قطر) بالرفع وعدلها لي رحمه الله.
وأما حي (كل تكيرتن).
فقد استفدت من علمائه وشيوخي منهم.
الشيخ المحمود بن الاغ فهو من شيوخي أخذت عنه دروسا حافلة بالفوائد في (مراقي السعود) وخضرت له دروسا في التفسير أيضا والشيخ العلامة زدا بن حميد فقد حضرت له عدة مجالس علمية وكان دائما يختبرني في النحو وأهرب من مواجهته لذلك , لأن سؤاله مشكل وجوابه كذلك فيختار العيار الثقيل من أسئلة النحو ويناقشني في الجواب حتى تضيع المعلومات البسيطة التي عندي ,وزين الدين بن عبد الفتاح والأخير ماأخذت عنه مباشرة ولكنني استفدت منه من خلال نقاشات علمية دارت بينه وبين الشيخ الحاج ولا أنسى إحسان وشفقة حسان بن محمدُ بن عبد الله بن الميمون وأخويه محمد إبراهيم ومدوا فلاأذكرأنني التقيت مع أي واحد من الثلاثة إلا وذكرني بالعهد الذي بين بيتهم وبيتنا وحضرت لعثمان بن ألاغ درسا في الفقه ولم آخذ منه مباشرة ويعجبني صوته فإذاحضرمجلسا تمنيت أن أسمع نغمته الجميلة بأي ثمن ويُختار في الغالب لقراءة آي من الذكر الحكيم أثناء ختم بعض طلاب هذه الأحياء القرآن, فأحضر لسماع صوته وأترك أشغالي لأجل ذلك*.

ــــــــــــــ
*-الشيخ محمد الحاج هو والد الأستاذ أحمد محمد المشهور في المنتديات بالشريف الأدرعي).
*- الشيخ عثمان بن ألاغ هو والد نافع بن عثمان المشهور في منتديات مدينة السوق ب(اليعقوبي).
*- وأرجو من الاخوة الادرعي واليعقوبي تصحيح ما يحتاج إلى التصحيح من هذه الاسماء والتأكد منها لأنني قد أنسى بعضها.

نقرتين لعرض الصورة.
[url]http://im15.gulfup.com/2012-01-18/1326900059931.jpg[/url
[url]http://im21.gulfup.com/2012-01-18/1326895840821.jpg[/url


 
 توقيع : السوقي الخرجي

غــدا أحلـــــــى .. لاياس ... لاحزن.. لا قنوط من رحمة الله.نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

التعديل الأخير تم بواسطة السوقي الخرجي ; 01-31-2012 الساعة 12:18 PM

رد مع اقتباس