أشكر السوقي الأسدي كثيرا على إسهابه، الدال على اهتمامه الكبير بتعليقي الموجز.
وأبشره بمناقشة جادة بعدما أستخلص ما في مقاماته من "أفكار" إن صحت تسميتها بالأفكار، وهي التي ساحاور حولها الكاتب الأسدي بعيدا عن شخصيته المحترمة إن شاء الله.
لكن بعد قراءة هذا المقال المشهور لكاتبة سعودية، يبدو أنها عاشت الوضع المرير فعبرت بقلبها، ولسانها، وعنوان المقال:
"في السودية هذه انشغالاتنا"
{فتحت الجهاز لأكتب عن الحدث الكبير. أخيراً، سمح للسعوديات بالمشاركة فى الأولمبياد. القصة أن اللجنة الأولمبية هددت السعودية باستبعاد اسمها من أولمبياد لندن القادم ٢٠١٢ إن لم تسمح للنساء بالمشاركة، فما كان من السعوديين إلا الإسراع بإعلان مشاركة السيدات وأرفقوا الإعلان بعبارة (وفق الضوابط الشرعية)، وهى عبارة يرفقها المسؤول السعودى مع كل انفتاح يقره لى، إكراماً لغيرة رجال الدين الذين يقطنون هناك. فى البعيد، أبعد مما تتصورون.
عندى مجموعة من ردود الغضب المناهضة، لكنى لست بمزاج يسمح بالكتابة عنها أو التفكير فيها، ليس حزنا أو يأساً. ربما خجلاً من تحريم الرياضة النسوية ومنعها، وخلو مدارس البنات من حصص التربية البدنية، ومن بعض الشيوخ الذين ركبوا موجة الانفتاح فتخلوا عن التحريم وأقروا جوازها شرط انحصارها بين النساء. أما العضو بأعلى سلطة دينية (هيئة كبار العلماء) الشيخ عبدالله المنيع فقال: ممارسة الفتاة للرياضة ليست محظورة شرط ألا تكون ذات بكارة، فإن كانت بكراً، فقد ذكر أهل العلم فى كتب الفقه أن غشاء البكارة قد يزول بقفزة أو نحوها! آخر نصح أن تمارس الرياضة بسروال أفغانى. وثالث تخوف من أن تصارع الرجال حين تقوى بنيتها، ورابع رآها عارية بمخيلته ورأى الفساد انتشر وهلكنا جميعنا.. هذه مخاوف انشغل بإخراجها أهم رموزنا الدينية، وأشغلوا الوطن بها عشرات السنين، وحين صدر القرار قال أحدهم للأمير نواف، رئيس اللجنة السعودية: «أتحداك أن ترسل زوجتك أو ابنتك». وانشغل البلد بأكمله بسفر السيدات للأولمبياد. ماذا سيفعلن وماذا سيرتدين؟, مخجلة الكتابة اليوم. ومخجل الاحتفال بالإعلان الأوليمبى، ومزاجى يشدنى نحو اللامبالاة. ما الذى يشغلنى بتلك السقطات؟
بالكتابة عن وطن تتنازع عليه قيود الرجعية. صحراؤه التى صمدت آلاف السنين أمام القحط ولهيب الشمس تكاد تهلك اليوم من عطشها للحرية.
منذ زمن، وأنا أقسم كل مرة: لن أكتب عنه. سأبتعد وأكتب عن أمور أخرى فى الحياة.. عن الفضاء.. عن الأسفار التى أحبها.. عن الرجال.. عن أى شىء.. كيف أنشغل بإعلان أوليمبى متأخر جاء نتيجة ضغط دولى وإن كان يدرج ضمن الإصلاح؟ الرأى العام كعادته عقب كل قرار، انقسمت ساحته نصفين: من جهة كانت الأقلام الصحفية المنافقة التى أشاد أصحابها بالقرار، وهم لا يعيرون أهمية لمضمونه، وقد يرفض أحدهم حد الموت رؤية قريبته تمارس الرياضة أمام الرجال. وفى جهة النفاق ذاتها تقف أيضاً آراء شيوخ بفتاوى متلونة، تتغير خلال إعلان أى قرار حكومى من النقيض للنقيض.. فى ثوان تنتقل من التحريم إلى الجواز وربما مستقبلاً للوجوب.
أما الجزء الآخر من الساحة فهو الذى أخذ عهداً قديماً بتسيير أمور الوطن وفق هواه.. كان ذلك شرطه لضمان استتباب الاستقرار. نستشيره حين نأكل ونشرب وننام ونعمل ونمارس الحب والرياضة ونختار الشريك ونسبح ونسجد.. كل التفاصيل اليومية بعهدته.. هذا القسم لا يعجبه الخروج الذى يمارسه المسؤولون أحياناً، والذين اضطروا أمام الرأى العام العالمى للتغيير وإن ببطء، لأن الوضع لم يعد يحتمل.. أبسط أنواع التغيير وأقدرهم عليه هو قضية المرأة.. تلك الواجهة التجميلية الوحيدة. هذا القسم لا يعجبه خروج الأمور عن سيطرته، حتى تجرأ الشيخ صالح اللحيدان وصرح بأن الملك لم يستشره عندما قرر إدخال المرأة مجلس الشورى، إذ كان عليه ألا يفعل.
وطنى ينحنى منهكاً لفتاوى رجال لم يصدقوا حتى سنوات قريبة أن الأرض كروية، وأن الإنسان وصل للقمر.
عدت لأكتب عنه من جديد. كل مرة أعود لأفعلها قد تكون مشكلتى أنى ربطت بين حياتى وبينه، ويبدو أن الوقت تأخر جداً لتصحيح أى مسار.. هل كان حبى له نزوة أشقتنى، أم هناك وقت للبحث عن حبيب بديل؟
مشكلتى أيضاً أنى كلما أحببت رجلاً أقارنه به. يخسر الرجل، ويبقى هو لا أحد مثله. جبار عنيد قوى ملىء بالتناقضات. يمارس معى كل عقد السادية. يحبنى ويظلمنى. أهواه لأنى ابنة تناقضاته. ويعجبنى وأراه فارسا مهما، صار عجوزاً أراه الآن بوضوح ذلك المكان المتناقض بكل شىء. بأفكاره. بصحاريه وبحاره. حبه ليس بنزوة.. حبه رعشة أبدية.. هل يمكن أن يلازمنى ذات الشعور مع رجل مدى الحياة؟مزاجى يؤرقنى. هذه المرة أحبه من جديد، وأكتب عنه من جديد. بلا خجل. وقد أكتب كثيراً حتى تنتهى الرجعية ولو على الورق. فأملى كبير، وأجمل ما بالتطرف الدينى أنه يبقى غاطساً منغمساً بين النسوان وحكايا النسوان وعذرية النسوان... وفى الصحراء، هناك مساحات واسعة شاسعة لبناء صروح سرية للحرية لا يعرفونها. هناك عوالم خفية لكل المستحيلات.}