التذييل:
فساد كبير عــــــالم متهتــــــك**وأكبر منه جـــــــاهل يتنسك
هما فتنة للعالمين عظـــــــيمة**لمن بهما في ديـــــنه يتمسك
إنه حقاً البلاء العظيم، من ينسب إلى العلم فيعمى عن الهدى بعد أن رزقه فيكون مثل السوء الذميم، كما روى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي قال:
إنما أخاف على هذه الأمة كل منافق عليم يتكلم بالحكمة ويعمل بالفجور.
رواه البيهقي.
أحاديث في ذم الكلام وأهله - أبو الفضل المقرىء.
أيها القارئ الكريم إن كان المنافق العليم اللسان، يتكلم بحكمة، ويعمل بالفجور فهو خطر عظيم تتخفوه الشريعة الإسلامية الغراء على الأمة، فما البال بمن يتكلم بالفجور، لا بالحكمة وإن كان على الباطل والزور.
وكل فجور فهو إجرام عظيم، وإذا كان الفجور في الدين فهو المنتهى في درجة الإجرام، كما هو معلوم بالضرورة، ولقد تظاهرت نصوص الكتاب والسنة في ذلك، وأقوال السلف الصالح.
كما يروى عن الخليفتين الراشدين الهاديين المهديين عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب ـ رضي الله عنهما :
عن الحسن أن الأحنف قدم على عمر فاحتبسه حولا كاملا ثم قال: هل تدري لم حبستك؟ إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خوفنا كل منافق عليم.
ولست منهم إن شاء الله.
الطبقات الكبرى
لمحمد بن سعد بن منيع أبو عبدالله البصري الزهري
وقال علي ـ كرم الله وجهه ـ: ولكني أخشى عليكم كل منافق عليم اللسان.
تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي
لمحمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري أبو العلا.
قلت: وهذا الأثر روي مرفوعاً وموقوفاً، كما مر، وكما يلي في معرض الذكر لا الحصر.
عن أبي عثمان النهدي قال كنت عند عمر بن الخطاب رحمه الله فسمعته يقول في خطبته سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان ( إسناده حسن )
وعنه أيضاً: قال سمعت عمر بن الخطاب رحمه الله وهو على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من عدد أصابعي هذه وهو يقول:
إن أخوف ما أخاف على هذه الأمة المنافق العليم قيل وكيف يكون المنافق العليم قال عالم اللسان جاهل القلب والعمل.
رواه الإمام أحمد في مسنده.
سئل الدارقطني عنه فقال: رواه المعلى بن زياد عن عثمان عن عمر موقوفا غير مرفوع.
وكذلك رواه حماد بن زيد عن ميمون عن أبي عثمان عن عمر قوله وخالفه ديلم بن غزوان ويكنى أبا غالب عن ميمون الكردي عن أبي عثمان عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وتابعه الحسن بن أبي جعفر الجفري عن ميمون الكردي فرفعه أيضا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
والموقوف أشبه بالصواب والله أعلم ( إسناده صحيح ).
الكتاب : الأحاديث المختارة للضياء المقدسي...
قلت: هذا ولما كان هذا التذييل، هو مدخل إلى باب التحذيرات الشديدة الأكيدة من كل منافق عليم اللسان.
لأنه يجر شدة خطره على الأمة الويلات من الضلالات، فالآن آن أن يكشف عن نفاقه لثام الظلمة، بشيء من أقوال أهل العلم، من باب قولهم:
عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه**ومن لم يعرف الشر من الخير يقع فيه
لقوة تأثر غير البسطاء من الناس به فضلاً عن عامة الناس من البسطاء وغيرهم من الجهال....
فسنتترك البيان ـ بإذن الله ـ عن خطره العظيم لنقول بعض العلماء، تحت شرح أثر: أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان ( صحيح )...عن عمر .
الشرح:
(أخوف) أي من أخوف (ما أخاف على أمتي) وفي رواية أحمد على هذه الأمة (كل منافق عليم اللسان).
أي: عالم للعلم منطلق اللسان به لكنه جاهل القلب فاسد العقيدة يغر الناس بشقشقة لسانه فيقع بسبب تباعه خلق كثير في الزلل...
قال الحراني: والخوف حذر النفس من أمور ظاهرة.
فيض القدير...
وقال المناوي أيضاً في شرحه:
قال الطيبي : أضاف أفعل إلى ما وهي نكرة موصوفة ليدل على أنه إذا استقصى الأشياء المخوفة لم يوجد أخوف من قول ( كل منافق عليم اللسان ) أي كثير علم اللسان جاهل القلب والعمل...
فهذا هو الذي حذر منه الشارع صلى الله عليه و سلم هنا حذرا من أن يخطفك بحلاوة لسانه ويحرقك بنار عصيانه ويقتلك بنتن باطنه وجنانه .
قال الزمخشري رحمه الله : والمنافقون أخبث الكفرة وأبغضهم إلى الله تعالى وأمقتهم عنده لأنهم خلطوا بالكفر تمويها وتدليا وبالشكر استهزاء وخداعا ولذلك أنزل فيهم {إن المنافقين في الدرك الأسفل}. فيض القدير.
فإذا كان المنافق العليم اللسان بهذه الخطورة فإنه مما يجب أن يحذره الجميع، كلما نافق في الدين كلما ظهر من يظهر منهم ببث سموم نفاقه بين الناس على أوجه عديد:
إما عن طريق أحاديثه، أو عن طريق قلمه، أو عن فعله الممزوج بالفجور.
وكل ذلك لا يخفى ظهور أثر خبثه، على من رزق طبعاً سليماً، إن هداه الله صراطاً مستقيما.
وإن حاول العليم اللسان بقدر قوة نفاقه في العلم، أن يخرج الباطل في مخرج الحق...
هذا وكم لغو وكم صخب وكم**ضحــــك بلا أدب ولا إجمـــال
ومن تأمل ضلال الفرق الضالة في الإسلام ـ الفرق الكلامية، وطوائف الصوفية المضلة في الغواية، يجد كيف انتشر ضلالها بين الناس عصراً عصراً إلاّ عن طريق نفاق أحاديثهم في أزمنتهم، وآثار أقلامهم، وما في معنى ذلك، فأصبحت الأمة الإسلامية بسبب تلك الفرق الضالة شيعاً، كل حزب بما لديهم فرحون.
وهي في واد من الضلالات، والإسلام أشد براءة من براء ذئب دم ابن يقوب من ضلالات تلك الفرق...
يا أمة لعبت بدين نبــــــيها**كتلاعب الصبيان في الأحــوال
مع ما هي فيه من الضلال المبين عن الهدى المبين، فلسلفهم الضال خلف في كل عصر ضال، بل هم أضل، كما تغني كتاباهم المعصرة الضالة المضلة، في كل زمان ومكان ـ أعاذ الله الأمة من شرهم، ومن همزاتهم الشيطانية.
تالله لو كانوا صُحـاة أبصـــروا**ما ذا دهاهم من قبيح فـــعال
فهم كما أخبر الله تعالى:
كما في قوله ـ سبحانه:{وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ}.
قال أبو حيان: أي من الله تعالى سابق ، أو على علم من هذا الضال بأن الحق هو الدين ، ويعرض عنه عناداً.
الكتاب : تفسير البحر المحيط ـ موافق للمطبوع
المؤلف : العلامة أبو حيان الأندلسى
ومن المنتسبين إلى تلك الفرق الضالة من:
أشرب حب اعتناق البدع...
ومنهم يزين العمل بها اجتهاد منه...
أو نقلا عن أربابها...
ومنهم من ينشرها...
إن لم يصنف فيها...
ومنهم من ينتصر لها...
ومنهم أرباب الشهوات....
كل يرد دين الإسلام ـ الشريعة الغراء المحكمة ـ أصولاً وفروعاً بمعاول الهدم، القديمة والحديثة الشبهات...
وإن كان كل واحد، ومن هو على شاكلته على علم أن ضلالات أهل الأهوى ليست من الهدى، بل هي ضلال جيئ به لتضليل الأمة عن الهدي المشروع، بل من الأمر المردود، كما هو معروف نقلا وعقلا:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ولا تتبعوا خطوات الشيطان.
وقال الإمام القرطبي: والمعنى قراءة الجمهور: ولا تقفوا أثر الشيطان وعمله، وما لم يرد به الشرع فهو منسوب إلى الشيطان...
ثم ختم الإمام القرطبي ما أورده من أقوال العلماء بقوله: والصحيح أن اللفظ عام في كل ما عدا السن والشرائع من البدعوالمعاصي.
الجامع لأحكام القرآن.
ومنهم من تصل به تعاليم الزندقة سواءً عن طريق كلامه أو عن طريق مداد قلمه الثعبان اللسان، أن يقول ما لا يجوز شرعاً، من إضافة الذم إلى ما مدحه الله، أو إضافة المدح إلى ما ذمه الله، أو ما في معنى ذلك.
فليحذر الجميع كل الحذر مثل هذه الأقلام ـ حالاً ومستقبلا ـ المتفننة في التلاعب برسالة الإسلام العظيمة، دين الله رب العالمين، الشريعة الغراء المحكمة الحكيمة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا...
قال الإمام القرطبي: فأمر المؤمنين أن يتخيروا من الألفاظ أحسنها ومن المعاني أرقها.
قال ابن عباس كان المسلمون يقولون للنبي ـ صلى الله عليه وسلم: راعنا على جهة الطلب والرغبة ـ من المراعاة ـ أي: التفت إلينا، وكان هذا بلسان اليهود سبا...
فنزلت الآية، ونهوا عنها لئلا تقتدى بها اليهود في اللفظ وتقصد المعنى الفاسد فيه.
الثانية ـ في هذه الآية دليلان: أحدها على تجنب الأفاظ المحتملة التي فيها التعريض للتنقيص والغض...
الجامع لأحكام القرآن.
قلت: أرأيت كيف نهى الشرع عن اللفظ المحتمل معنيين، أحدهما جائز، والثاني ممنوع إطلاقه في حق ما جاء الشرع بتعظيمه.
كيف نهي عنه، فما بالكم بلفظ يشتمل على الذم، إذا وصف به الموصوف المعظم شرعاً.
أو ليس ديننا الإسلام الحنيف يأمرنا أن: تجنب الأفاظ المحتملة التي فيها التعريض للتنقيص...
كما قاله الإمام القرطبي، مما هو ظاهر الآية أصلاً.
هذا فليحذر الجميع أيضاً كل من يأتي بما لم يشرع فعلاً، كان أو قولاً، أو كتابة، وإن جادل بتأويلات باطلة آثمة، أوهى من بيت العنكبوت.
فهم الكثيرون سابقاً وما أكثرهم الآن ـ لا كثرهم الله ـ وقد زاد الطين بلة ما عم وطم من كثرة وسائل النشر الحديثة من الشبكة العنكبوتية، والقنوات الفضائية الضالة عامتها المضلة، لمن لم يتبع سبيل المؤمنين، واتبع سبيل أهل الأهوى، وإن تفاوتوا في اتباع أهوائهم.
كما يجب على الجميع الحذر من أن يكون ممن يتبع سنن الذين ضلوا عن الهدى، بعد إذ جاءهم، فاتبعوا أهواءهم...
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم.
قال الإمام القرطبي: أضله على علم منه به.
أي: أضله عالما بأنه من أهل الضلال في سابق علمه.
الجامع لأحكام القرآن.