عرض مشاركة واحدة
قديم 11-13-2011, 10:10 PM   #14
مشرف منتدى الحوار الهادف


الصورة الرمزية أبوعبدالله
أبوعبدالله غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 8
 تاريخ التسجيل :  Dec 2008
 أخر زيارة : 05-30-2024 (09:02 AM)
 المشاركات : 1,679 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي خطبة برقليس



(خطبة برقليس )
429 ق.م.) من خطباء أثينا وأحد رجالاتها المعدودين المحبوبين – كان برقليس ( 495
عند جمهور السكان. وهذه الخطبة ألقاها في السنة الأولى من الحرب البلوبونيزية
رثاء للجنود الذين ماتوا في هذه الحرب سنة 431 ق.م.
إننا سعداء بنظام حكومي لسنا نحتاج به إلى أن نحسد جيراننا لما عندهم
من القوانين لأنه نموذج يحتذي به الآخرون بينما هو أصيل في أثينا. وهذا
النظام الموكل تنفيذه إلى جميع الأمة وليس إلى عدد قليل منها يسمى
الديمقراطية. فمهما اختلف كل فرد منا عن الآخر في شؤونه الخاصة
فنحن سواءٌ في التمتع بمزايا قوانيننا ونزداد مزايا بمقدار تفوقنا. وشرف
الإعجاب ليس مقصورا على أسرة واحدة بل للجميع أن يحصلوا عليه
باستحقاقهم الشخصي. ولا يقعد الفقر بأحد يبغي خدمة بلاده ويستطيع
هذه الخدمة فينال الشهرة بعد الخمول. فلكل منا الحق في دخول وظائف
الحكومة دون أن تعترضه عقبة. ولنا أن نعيش حياتنا الشخصية في
تبادل الحب دون أن تنالنا شبهة. ولسنا نغضب من جارنا إذا اتبع ميوله
ولسنا نستاءُ منه ذلك الاستياء الذي وإن لم ينزل به عقابًا فأنه يحدث له
ألمًا. فنحن أحرار في حياتنا الشخصية ولكننا لا نجرأ مهما كانت البواعث
على مغاضبة الجمهور لا نحمل في صدورنا من احترام الحكام والقوانين.
وبخاصة تلك القوانين المدونة التي يقصد منها التفريج عن المظلوم وتلك
التي لم تدون والتي تعود مخالفتها بالعار والفضيحة على من يخالفها.
وقد هيأت لنا قوانيننا أوقات فراغ نمتع فيها عقولنا برؤية الملاهي
العمومية ومشاهد التضحية طول العام وهي تؤدى بأبهة ورشاقة لا تبقيان
في قلوب الناظرين محلا للهم أو الغم. وقد صارت عظمة أثينا مدينتنا
هذه سببًا في جلب جميع حاصلات الأرض بأجمعها إليها فنحن نتمتع
بأطايب بلادنا كما نتمتع بأطايب سائر بلاد العالم.
ولسنا في حاجة إلى شواهد تثبت إننا نستحق هذه المكانة. فإن لنا
حججًا قوية واضحة على ذلك وهي موضع إعجاب العصور الحاضرة
والمستقبلة. فلسنا في حاجة إلى شاعر مثل هوميروس لكي يتغنى بمديحنا
كما أننا لسنا في حاجة إلى شاعر آخر لكي يزين تاريخنا بعقود القريض
لأن الرأي في مآثرنا لا يكون عندئذ رأيًا صحيحًا نزيهًا. فقد فتحت أساطيلنا
كافة البحار وقد اخترقت جيوشنا جميع الأرضين وتركت وراءها آثارًا أبدية
لعداوتنا أو صداقتنا.
هذه هي الدولة التي دافع عنها هؤلاء الجنود الذين قضت عليهم
بسالتهم والذين استهانوا بحياتهم فقاتلوا قتال الشجعان وماتوا موت
البسالة. وإني مقتنع بأن الذين لم يقتلوا على قدم الاستعداد متأهبون
لأن يبذلوا نفوسهم في هذا السبيل. ولهذا السبب تبسطت في بيان المزايا
الوطنية لكي أبرهن لكم بأوضح ما يمكن إننا في حربنا الراهنة نخاطر
بأكثر مما تخاطر به أمة ليس لها هذه المزايا الوطنية الثمينة ولكي أبين
لكم مقدار ما يستحقه هؤلاء الجنود من الشكر والحمد اللذين قدمناهما
لهم. وهذا الاحتفال الذي تحتفل به الدولة وتعلن فيه ثناءها وحمدها إنما
مرجعه إلى بسالة هؤلاء الجنود ومن يماثلهم من الرجال. وهذا الثناء قد
يمكن أن نعده مبالغًا فيه إذا نحن أغدقناه على غير هؤلاء الجنود من
الأثينيين. فهذا الموت الذي قد انتهوا إليه أكبر شاهد على جدارتهم. وعلينا
دين يجب أن نوفيه بتكريم الرجال الذين أرصدوا حياتهم للقتال عن
أوطانهم مهما كانوا أحط من غيرهم في مضمار الفضائل ما داموا قد
حصلوا على فضيلة البسالة فإن مآثرتهم الأخيرة تمحو جميع مساوئهم
السالفة لأنها تشمل جمهور الأمة بينما المساوئ لا تعدو العدد القليل.
ولسنا نجهل أنه لم يحجم أحد من هؤلاء عن الخطر مؤثرًا الملاذ التي
تجتنى من عيشة السلام الوفيرة. كما أنه لم يضن أحد بحياته غرورًا
بالأمل بأن الفاقة الراهنة قد تزول ويأتي مكانها الرخاء والسعة. كلا. إنما
كانت تستعر في قلوبهم شهوة واحدة. ألا وهي الانتقام من أعدائهم. لقد
فروا من لومة الجبن وتصدروا لصدمة المعركة ثم حملوا وهم لا يروعهم
روع وقد عقدت آمالهم النصر لهم فوقعوا وهكذا أدوا الواجب الذي يدين
به كل شجاع لبلاده.
وأما أنتم الذين لم تقتلوا فشأنكم أن تصلوا إلى الآلهة لكي يكون
حظكم خيرًا من حظ هؤلاء. ولكن عليكم أن تحتفظوا بهذه الروح وتلك
الحماسة اللتين تقاتلون بهما عدوكم. ولست أحتاج إلى بيان فائدة هذا في
خطبة مثل هذه فإن أي إنسان يتلهى بالألفاظ يستطيع أن يقول لكم
ما تعرفونه انتم من قواعد مجاهدة العدو. ولكني أدعوكم إلى أن تجعلوا
عظمة أمتكم قبلة أفكاركم. فإذا أدركتم هذه العظمة فاذكروا أنها نيلت
بالأبطال الشجعان — برجال عرفوا واجبهم واستحوا من العار وكانوا إذا
ما أخفقت جهودهم خافوا الفضيحة على بلادهم فلم يضنوا بشيءٍ من
شجاعتهم. إنهم أهدوا حياتهم إلى الجمهور ونالوا منه الحمد الذي لا يبلى.
ولكل منهم ضريح عظيم — ولا أعني ذلك الضريح الذي يضم رفاتهم
الرميمة — وإنما أعني ذلك الذي يضم شهرتهم وذكرهم. وهو ضريح
يذكر كلما ذكر الشرف. فهذه الأرض بأجمعها ضريح عظماء الرجال.


 
 توقيع : أبوعبدالله


العقول العظيمه تناقش الافكار , والعقول المتوسطه تناقش الاحداث , والعقول الصغيره تناقش الاشخاص



رد مع اقتباس