حوار مفيد مع شيخنا العلامة محمد سالم ولد عدود ـ رحمه الله ـ في الحديث عن المحاضر
حوار رائع مع الشيخ محمد سالم عن المحاضر الموريتانية
_ يسّر الله الذهاب إليها _
وهو برنامج عرضته قناة الجزيرة
وقد فرغ على قناتها
المحاضر الموريتانية
محمد ولد عبدالودود
محمد كريشان
محمد كريشان:
في موريتانيا نمط من التعليم التقليدي يرفض أن يضمحل، بل هو صامد ومتجدد، يسمى هنا بالمحاضر ومفرده محضرة، عرف منذ قرون وما زال مصرا على البقاء والاستمرار، رغم وجود المدارس المدنية المعاصرة، التي يرضى أحيانا بأن يكون مكملا لها، ولكنه على كل حال يرفض أن يقدم نفسه بديلا لا غنى عنه لمدارس اليوم.
المحضرة تطرح قضية استمرار وصمود التعليم التقليدي في البلاد العربية، في وقت اندثر فيه هذا التعليم تقريبا في عدد من الدول في ظروف مختلفة ولأسباب مختلفة، ضيفنا هذا الأسبوع هو الشيخ (محمد سالم) عالم موريتاني جليل، وصاحب محضرة.
(تقرير مسجل):
- ولد عام 1929.
- تلقى تكوينا علميا تقليديا من طرف والده العالم الكبير (محمد عالي ولد عبد الودود)، الذي كان من أكبر النحاة واللغويين في موريتانيا.
- في بداية الخمسينات كان محمد سالم قد درس كل المتون في اللغة والنحو والفقه والتفسير والمنطق، وهذا ما أهله ليلتحق بسلك التعليم كأستاذ في معهد (بتلميت) للدراسات الإسلامية.
- في بداية الستينات التحق بالقضاء، وكان ضمن أول بعثة تعليمية في مجال القضاء ترسل إلى الخارج، حيث تلقى تكوينا قانونيا في تونس، ليعود عام 66 إلى موريتانيا لمزاولة مهنة القضاء التي تدرج فيها حتى عين رئيسا للمحكمة العليا عام 82.
- وفي عام 88 عين وزيرا للثقافة والتوجيه الإسلامي، وذلك حتى عام 91 ليعين رئيسا للمجلس الإسلامي الأعلى.
- وفي عام 96 أحيل إلى التقاعد.
- درس لسنوات عديدة في كل من المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية وكلية الحقوق بجامعة (نواكشوط).
- عضو في الكثير من المجامع والمنتديات العلمية العربية والإسلامية: الأكاديمية الملكية المغربية- المجمع الفقهي الإسلامي بالسعودية- مجمع آل البيت بالأردن.
- له عدة دواوين حقق بعضها، كما ألف العديد من الكتب في مجالات الفقه واللغة.
محمد كريشان:
سيد (محمد سالم) أهلا وسهلا.. في موريتانيا، هناك نوع من التعليم التقليدي الأصيل يسمى بالمحاضر، كيف نشأ هذا التعليم؟ وكيف استطاع أن يصمد عبر التاريخ؟
الشيخ محمد سالم:
كلمة المحاضر هذه نحن ننطقها بأوضاع مثلا نقول محاضر، ومحضرة (الفلانيين)، ولها أصل عربي بالضاد القاصرة، ولكن كما تعرف صوت الظاء وصوت الضاد متقاربان جدا في اللغة العربية، المحضرة هي مفعلة من الحضور حتى كانت معروفة في الجاهلية (لبيد بن ربيعة) يقول:
*وهل المياه محاضر نقية*
وهي عندنا تعليم أصلي إسلامي عربي، والكلمة موجودة حتى في فقه النوازل في نوازل (المعيار) اللي تسمع به (ابن عباس نواز الشريسي) وهو موسوعة كبيرة للفتاوى تشمل النوازل التي كانت تجري في الأندلس، وفي إفريقيا، والمغرب، اسمه بمعيار المغرب النوازل في الأندلس وإفريقيا وفي المغرب، يذكر المحضرة هذه، ويتكلم على بعض أحكامها، والمحضرة هي عبارة عن مجمع تعليمي ثقافي، يبدأ من الروضة حتى درجة التخصص.
محمد كريشان:
التخصص التي تقارن ربما بالجامعة الآن؟
الشيخ محمد سالم:
آي نعم، يقرأ فيه الأولاد القرآن، وما تيسر من علومه، مثلما المقرأ، والأداة، وخط الرسم، والضبط، ويقرؤون فيه من كل علم نحتاج إليه من علوم العربية، من لغة ونحو، ومعان، وبيان، وبديع، ومن الصرف، ومن الفقه وأصوله وقواعده، ومن الأحاديث بالرواية والدراية مصطلح الحديث ورواية الحديث، ومن علوم القرآن من تفسيره وأحكامه.. إلى آخره.
وحتى العلوم الإنسانية بحسب ما كان متوفرا من مراجع، وما كان محتاجا إليه في ذلك الوقت، من طب، ومن حساب، بما فيه الجبر والمقابلة، وسائر ما يدخل تحت اسم الرياضيات الآن، ومن هندسة ومساحة، ومن تاريخ وجغرافيا، لكن كل هذا بطابع عربي إسلامي.
(تقرير مسجل):
ارتبطت المحاضر بتاريخ (الشناقطة) ودورهم الريادي في نشر الإسلام والثقافة العربية في أصقاع الصحراء ومجاهل إفريقيا السوداء بعد الفتح الإسلامي لشمال القارة في القرن الهجري الأول، على يد (عقبة بن نافع) مؤسس القيروان التونسية.
محمد كريشان:
طبيعة المنطقة منطقة صحراوية، المحاضر عموما تكون في خيام وهل هي متنقلة أم ثابتة أم ربما كانت متنقلة ثم ثبتت؟
الشيخ محمد سالم:
الموجود في البلاد هنا أكثرها كان صحراوي، فيها مدن قديمة، مثل (شنقيط) (ودان) و(لاتا) (تيشيت) (آزار) (نعمة).. هذه مدن قديمة ومحاضرها ثابتة، وفيها البيوت والمنازل والدور، هذه الدور يسكنها طلبة العلم، أكثرهم مغتربون يقوم عليهم الشيخ ويعلمهم بالمجان..
محمد كريشان:
عفوا يعني يحتضنهم في بيته ويرعاهم وينفق عليهم؟
الشيخ محمد سالم:
نعم.
محمد كريشان:
أكثرهم مغتربون يعني من أي البلاد؟
الشيخ محمد سالم:
من مختلف جهات البلد هنا، ومن البلاد الأخرى، وفي البادية، البادية تعتمد على ما نسميه (الحلة) البيوت الكثيرة المجتمعة، وتنتقل في طلب الكلأ والماء، في البادية يكون هناك مخيم للتلاميذ، يكون هناك شبه استقرار، فهم يبنون عرشا من الثمام، وأغصان الشجر لأنفسهم، لعله يكون هناك استقرار، أو غير التاريخ الذي حصل فيه جفاف وفتك بالبيئة والطبيعة أصبحت خياما، الشيخ نفسه، أسرته، نساؤه تعملن خيام من القماش، ويشرفن على سكن التلاميذ، من الغطاء وغيره، وهؤلاء التلاميذ من مختلف الجنسيات ومختلف الجهات، نحن الآن عندنا من أمريكا ومن فرنسا ومن البلدان الإسلامية المختلفة.
محمد كريشان:
الآن؟
الشيخ محمد سالم:
الآن، عندنا الآن في البادية تلميذ من الولايات المتحدة الأمريكية، قلت له عندما أصبح لأول مرة بالبادية قلت له: الآن تفقد ناطحات السحاب.
محمد كريشان:
هو أمريكي مسلم؟
الشيخ محمد سالم:
أمريكي مسلم، ولكن أبواه لا يزالان على الكفر، قلت له: الآن تفقد ما عهدت في أمريكا من ناطحات سحاب ووسائل العيش الحضارية، قال لي: فيه علم، وفيه هواء، وفيه هدوء، هذه هي الرغبة، قال لي: فيه علم، وفيه هواء، وفيه هدوء، يأتي إلى هذه المحاضر الأوروبي، العنصر عنصر أوروبي، وديانة إسلامية، ويأتي إليها المهاجر من أصل عربي وجنسيته أوروبية، تارة يكون جزائريا أو مغربيا يحمل الجنسية الفرنسية، وتارة يكون هنديا أو باكستانيا أو كشميريا يحمل الجنسية الإنجليزية، وتارة يكون من عنصر إيطالي يسكن في بريطانيا، كان هنا (زوج) الرجل إيطالي والمرأة أسبانية، وهما مسلمان، ويعيشان في بريطانيا.
محمد كريشان:
ولكن الطريف.. ربما هؤلاء كان بإمكانهم التوجه للاطلاع على اللغة العربية والفقه في أماكن أخرى ربما أكثر قربا مما تعودوا عليه، كان بإمكانهم التوجه إلى الكلية الزيتونية في تونس أو إلى الأزهر أو إلى غيره، لماذا اختاروا هذا التعليم في جو بدوي وصحراوي؟ وربما يفتقر إلى الكثير مما تعودوا عليه الآن؟
الشيخ محمد سالم:
هذا السؤال طرحته على واحد إيطالي، ولا يزال أبوه على قيد الحياة وهو نصراني، هو مسلم منذ 6 سنوات، وتسمى باسم (عثمان) وتكنى بأبي سحنون، طلع له ولد صغير سماه (سحنون) وهو مولع بالفقه المالكي من منابعه الأصلية، وبالنحو من منابعه الأصلية، هو يبحث عن مكان يتوفر له فيه دراسة (مختصر خليل) في الفقه المالكي و(ألفية ابن مالك) في النحو والصرف، قال لي: جئت إلى شيوخ الزيتونة قلت لهم: أنا أريد أن أقرأ هذين العلمين من خلال هذين المتنين، فكلهم قالوا لي: هذا اللي تبحث عنه الآن لا يوجد، ولم يبق له وجود إلا في بادية موريتانيا.
(تقرير مسجل):
انتعشت المحاضر في عهد دولة المرابطين في نهاية القرن الخامس للهجرة، مع سعيها لنشر الإسلام في جنوب الصحراء، التي سيطرت عليها من ضفاف نهر السنغال إلى جبال البرميل في شبه الجزيرة الأيبرية.
محمد كريشان:
المحاضر من يشرف عليها؟ يعني هل أهل علم ودين؟ شيوخ.. هل هم ناس ميسوري الحال؟ وبالتالي بإمكانهم أن يرعوا وينفقوا على هذا العدد؟ كيف نشأت الفكرة؟ من الذي رعاها؟ ما هي الجهة التي تقف وراءها؟
الشيخ محمد سالم:
في الأصل كان الطالب المحضري يأتي بوسيلة عيشه من داره، إذا كان بدويا يأتي بالحلايب [النوق والنعاج الحلوب]، ويرعاها هو نفسه، وتكون رعايتها دولة بين طلبة العلم، اليوم لفلان واليوم لفلان، ومن كان من ناحية الحضر أو القرى يأتي بنفقته، بزاده معدا مجففا، يأتي بـ(كسكسي) مجفف، ومن لم يكن له شيء فأمره إلى شيخ المحضرة يعينه عليه، الحلة أو الحواء الذي هو فيه، وهذا نسميه المؤبد، عندنا نوعان من الضيوف ضيف زائر يرحل، وضيف مؤبد يعني باقي، هذا النوع من طلبة العلم ليس لهم..
محمد كريشان:
مؤبد كالحكم أو كالسجن يعني.
محمد سالم:
هو حكم مؤبد، هو يبقى ضيفا، والحلة تتعاون على إيوائه وإعاشته، والآن أصبح هذا النوع المجيء بالزاد و(الحلايب) أصبح مختفيا الآن، وإنما شيخ المحضرة في الغالب هو الذي ينفق عليهم يساعده ويأخذه لبيته خاصة، ثم من تربطه به رابطة قرابة أو جوار، وبعض المحسنين الذين يرغبون في الخير يساعدون، ولكن الشيخ لا يطلب منهم مساعدة، لأنه لا يريد إلا أن يكون تعليمه ونفقته لوجه الله -سبحانه وتعالى-، لا يريد من الآخرين عونا، ولا يريد من طلبة العلم جزاء ولا شكورا.
محمد كريشان:
يعني مثلا الذين يأتون من أوروبا على سبيل المثال، إذن تبدؤون معهم منذ البداية، يعني تعلم اللغة العربية، وكأنهم في الروضة.
الشيخ محمد سالم:
نعم طبعا، يتعلمون في الروضة، وأنا لم أتعلم اللغات الأجنبية، ولا أعرفها، لكن بحكم العمل أفهم قليلا من اللغة الفرنسية، فإذا كانوا هم من فرنسا أستعين ببعض الكلمات الفنية الفرنسية، وهم يرتاحون لذلك، وإذا أردت أن أعلمهم قاعدة نحوية، قاعدة الفاعل والمفعول، ومتعلقات الفعل، الفعل المتعدي أو اللازم، أقول هذا Verb Le وهذا الفاعل نسميه باللغة الفرنسية Le sujet، وهذا المفعول اللي نسميه Le Complement، وهذا الذي كان يتعدى إليه الفعل مباشرة دون واسطة حرف كل هذا يقابل في اللغة الفرنسية كذا، وهذا الذي يتعدى إليه الفعل بواسطة حرف نسميه كذا، وهكذا يفهمون بسرعة.
محمد كريشان:
في بداية الحوار أشرت إلى المحاضر، ومشاركة الأولاد.. هل هناك محاضر للأولاد، ومحاضر للبنات؟
الشيخ محمد سالم:
غالبا المحضرة إذا كانت في البيوت لأهل البيوت يشترك فيها الأولاد والبنات، لأنهن في حضانة آبائهن وأمهاتهن، أما إذا تطلب الحال الانتقال من الوضع الأصلي فإن المحضرة في الغالب إنما هي للذكور.
محمد كريشان:
عفوا يعني إذا كانت المحضرة في مكان الإقامة يذهب إليها الأولاد والبنات.. إذن هو تعليم مختلط؟
الشيخ محمد سالم:
مختلط، لكن الأولاد في الغالب يدرسون بالنهار، والبنات يدرسن في الليل.
محمد كريشان:
لا يدرسون مع بعض؟
الشيخ محمد سالم:
وجها لوجه.. لا، إنما يكون بينهم بين الجميع ستار، يجلس البنات خلف الستار مع زوجة المعلم وبناته، ويجلس الأولاد مع أولاده ومع الشيخ نفسه، والجميع يدرس، أو يكون هناك وقت مخصص لدراسة البنات ويكون يالليل، وهذه سنة الدرس، القاضي والمفتي والمدرس مأمور بأن يخصص يوما أو وقتا للنساء، وهذا منصوص عليه في (المختصر) لخليل بن إسحاق في باب القضاء.
محمد كريشان:
سيد محمد، يعني ربما هذا النوع من التعليم -للذي لا يعرف موريتانيا أو لا يعرف المنطقة عن قرب- ربما يفهم هذا النوع من التعليم بفترات تاريخية قديمة، وبهذا الشكل البسيط، الآن ربما أصبحت هناك مدارس عصرية وبنايات ثابتة، ومناهج حكومية في التعليم تدرس، هل هذا أثر على المحاضر؟ هل ما زال الموريتاني يفضل أن يذهب ابنه أو ابنته إلى المحاضر عوض المدرسة الحكومية؟ هل أصبح هناك تنافس بين المدرستين؟
الشيخ محمد سالم:
أصبح هناك تنافس، هناك الناس الذين يريدون أن يعلموا أولادهم في المدارس النظامية ليؤمنوا لهم شهادات تخولهم للتوظف، وتأمين مستقبلهم من ناحية العيش، وهناك الناس الذين يريدون العلم للعلم، فيفضلون المحاضر، لأن المحاضر فيها علم وعمل وحفظ واستعداد ذهني وفطري وصفاء ذهني، لأنها في الجو، في الهواء الطلق، ويصعب على الإنسان الذي هو في الحضر وبين الجدران في المدرسة النظامية وينتظر حصة معينة بين يدي أستاذ معين يصعب عليه أن يستوعبها ويحفظها، أما التلميذ أو طالب العلم الذي يأخذه في الهواء الطلق وعلى حريته وهو الذي يعين باختياره المتن الذي سيدرس، فإن حريته هذه تيسر له من العلم ويكون جاهزا، حتى لو حاورته بالليل أو في بعد من مكتبته. نحن كنا نقول: إن علماءنا إذا جاءوا إلى المشرق، إذا جاءوا إلى مصر ولاقوا فطاحلة العلماء مثل (علي الهويري) في مصر، نقول: إن (علي الهويري) عالم بالنهار والشيخ الموريتاني الزائر عالم بالليل.
فهذا عندما لا تكون مكتبته بين يديه، ولا يكون هناك إنارة ولا كذا، يبقى تلميذا بين يدي من جاء من موريتانيا، لأنه جاهز، ومعلوماته حاضرة، والآخر عنده مكتبته إذا كان بالنهار، رفوف مكتبته تضمن له معلوماته، المسألة الفلانية هي في الكتاب الفلاني الموجود رقم كذا في الرف رقم كذا.
(تقرير مسجل):
يستمر الدرس في المحضرة ساعات الصباح الأولى ويتواصل طيلة النهار، تتخلله أوقات الصلاة لينتهي مع غروب الشمس، وفي المساء وتحت نور المصابيح تتواصل مراجعة الطلاب لألواحهم ومتونهم، وتنظم سهرات شعرية.
محمد كريشان:
هل أصبح بالتالي المحاضر هي لأهل البادية والصحراء والريف والمناطق البعيدة، وأصبحت المدارس العصرية أو الحكومية هي التي توجد في التجمعات الحضرية والمدن؟
الشيخ محمد سالم:
فيه في التجمعات الحضرية محاضر.
محمد كريشان:
هناك أيضا محاضر؟
الشيخ محمد سالم:
هنا محاضر تابعة للمساجد، وهناك طالب المدرسة الحكومية قد يسأم ويختار بحريته أن يذهب إلى المحضرة، وقد يخاف عليه أبوه من فساد الأخلاق وكذا في المدينة، فيقطع دراسته النظامية ويذهب به إلى المحضرة، والذين يأتون من الخارج هم في الغالب ناس لهم رغبة في الإسلام أو لتطلع للعلوم الإسلامية واللسانية، هؤلاء يتركون التعليم النظامي وراءهم ظهريا، ويصرفون عنه الذكر... يضربون عنه الذكر صفحا، ويأتون للمحاضر بنهم وشغف.
محمد كريشان:
هل هناك من يجمع بين التعليمين؟ هل هذا ممكن؟
الشيخ محمد سالم:
طبعا ممكن.. في فترات العطل الدراسية أولاد المدارس النظامية يذهبون إلى هنا في المحاضر، ويتعلمون فيها خلال هذه الفترة، ويتقوون بذلك في دراستهم النظامية.
محمد كريشان:
ربما خلال فترة الصيف، ولكن أشرت إلى موضوع العلم للعلم، يعني بالنسبة لرجل موريتاني يبعث ابنه للمحاضر، قد يصبح متضلعا في اللغة العربية، فقيها في الفقه، ولكن في النهاية لا بد له من شهادة حتى يستطيع أن يعمل، حتى يستطيع أن يتدرج في العلم، حتى يستطيع أن يكمل تعليمه سواء في موريتانيا أو خارج موريتانيا.. هل يخشى من أن تصبح المحاضر تعليم ولكن تعليم غير معترف به في النهاية؟
الشيخ محمد سالم:
قد يحصل بعضهم على شهادات من شيوخ المحاضر، وتعترف الدولة بهذه الشهادات، وقد لا يرغب أحدهم في أن يكون له مستقبل دنيوي، فيبقى دائما عالما يعمل بعلمه، وهو يؤهل نفسه لأن يكون مدرسا محضريا في المستقبل، أن يكون مفتيا للحي، أو حتى على مستوى القطر. أن يكون قاضيا تقليديا يتراضى الناس بحكمه، والدولة نفسها تشجع هذه المحاضر، وتحتاج إلى هؤلاء الناس، لأن أكثر الناجحين في التعليم النظامي مروا بالمحاضر، حضرتهم وهيأتهم، والفترة التي يحصل فيها الإنسان على حصيلة دراسة ست سنوات أو سبع من التعليم النظامي، الطالب المحضري يدرسها في سنة واحدة.
محمد كريشان:
المدرسين.. إذن المدرسون هم إجمالا من أبناء المحاضر وتدرجوا ثم أصبحوا....؟
الشيخ محمد سالم:
أصبحوا شيوخا.
محمد كريشان:
يعني لا توجد مشكلة في هذا التواصل، يعني ليست لديكم مشكلة في وجود الكادر التدريسي باستمرار؟
الشيخ محمد سالم:
لا، لا، الدولة ترغب في أن تكون هناك محاضر نموذجية، تدخل في مقرراتها بعض العلوم الإنسانية، ليتخرج طالب العلم وعنده وسيلة للعيش بالمفهوم العصري، هذا تفضله الدولة، ولكن الغالب أن السمة العامة للمحاضر هي السمة الأصلية والتعليم الأصلي، والمواد هي المواد التي كانت كما قلت مواد...
محمد كريشان:
إذا أردنا أن نأخذ فكرة مثلا عن طبيعة البرامج -مثلا في اللغة العربية- ما هو البرنامج؟ في الفقه ماذا تدرسون؟
الشيخ محمد سالم:
هناك حرية أولا، حرية مكفولة لطالب العلم، حسب ذوقه وحسب استعداده، الشيخ إذا جاءه الطالب يسأله: ماذا يدرس؟ والشيخ يقوم بالنصح حسب سن الطالب وحسب ما فهم بذكائه الفطري وحسب ما فهم من حاجته إلى سرعة عودته إليه أو عدم حاجته إليه، فينصحه على أساس من ذلك، إذا كان البرنامج المقرر في اللغة العربية، في اللغة العربية علمها يشمل اثني عشر بندا، يشمل مثلا اللغة العربية كلغة وهذه يدرس فيها المتون التي هي ديوان الشعراء الستة، (شرح الأعلم الشنتمري)، القصائد السبع الطوال أو العشر الطوال بشروحها إما للنحاس وإما لابن الأنباري وإما للتبريزي، حتى للزوزني، ومعلقات القصائد السبع الطوال، وإما مقصورة ابن دريد مقصورة غيره، وإما نظم ابن مالك في نظم الإعلام في تدريج الكلام، وإما من نظم مالك بن مرحب السبتي لفصيح ثعلب، هذا كله في اللغة العربية في المحضر..
محمد كريشان:
عليه أن يحفظها عن ظهر قلب؟
الشيخ محمد سالم:
يحفظها عن ظهر قلب، ويكون له مادة موسوعية في اللغة العربية. في النحو يدرس أولا: مقدمة (ابن آجروم) أو بعض المنظومات التي عقدتها، ثم يتدرج بحسب برنامج ابن مالك وبحسب برنامج ابن هشام، ابن مالك عنده (عمدة الحافظ في شرح عدة اللافظ) نثر، وعنده (الخلاصة) نظم، وعنده الكافية الشافية وهي أصل الخلاصة، وعنده (التسهيل).. هذا كله في النحو. والمعتنق لابن هشام يبدأ بدراسة القطر (قطر الندى وبل الصدى)، ثم (شذور الذهب لمعرفة كلام العرب)، ثم كتابه الذي سماه (الإعراب عن قواعد الإعراب)...
محمد كريشان:
أيضا حفظ، كله حفظ؟
الشيخ محمد سالم:
كله حفظ!
محمد كريشان:
ويمتحن حفظا؟
الشيخ محمد سالم:
هو يمتحن نفسه.
محمد كريشان:
كيف يمتحن نفسه؟ يعني ما هي الدرجات مثلا؟ الصف الأول عليه أن يحفظ كذا، الصف الثاني عليه كذا، أم ليس لديكم هذا التصنيف؟
الشيخ محمد سالم:
ليس لدينا هذا التصفيف في التصنيف أو التصنيف في التصفيف، كل واحد يدرس الفن الذي يروق له، والمقرر الذي يروق له إذا لم يستشر، أما إذا استشير الأستاذ فالأستاذ ينصح الطالب بما يلائم.
محمد كريشان:
بإمكانه ألا يستشير ويختار ما يريد ويحفظ ما يريد؟
الشيخ محمد سالم:
بحريته، في علم البلاغة مثلا، عندنا مؤلفات في علم البلاغة محلية، منها لشيخ (سيدي عبد الله الحاج إبراهيم العلوي) وهو نظم، يسمى (نور الأقاح) وعليه شرح سماه (رياض الفتاح)، وعندنا نظم للشيخ (محمد وهبة بن عبيد الديماني) في نفس العلم، وهذا النظم أوسع وأكبر للشيخ (مختار الجاكاني)، وعندنا (عقود الجمان) للسيوطي، وهو ألف بيت عقد بها كتاب (القزويني).
محمد كريشان:
ألف بيت على الطالب أن يحفظها جميعا؟
الشيخ محمد سالم:
طبعا، بالضبط، وهي جميلة وتعده إعدادا كاملا لاستيعاب المادة.
محمد كريشان:
هل لنا أن نسمع بعض بيوتها مثلا؟
الشيخ محمد سالم:
من بعض بيوتها في آخر الكتاب يقول:
وسور القرآن في ابتدائها
وفي خلوصها وفي انتهائها
واردة أكمل وجه وأدل
وكيف لا وهو كلام الله جل
ومن لها أمعن بالتأملِ
بان له كل خفي وجلي
.... [كلام غير مفهوم]
في علم أصول الفقه عندك ورقات إمام الحرمين (الجويني) أو بعض الأراجيز التي عقدتها، في الغالب أنها من عمل الموريتانيين أنفسهم، وشروحه تتوسع وتدرس إما أحد المتنين والمنظومين اللذين هما (لأبي بكر بن عاصم) الفقيه القاضي الغرناطي، وإما لبعض مشايخنا نحن كـ(مراقي الصعود) للشيخ (عبد الله بن إبراهيم العلوي) وإما للشيخ (محمد بن عبيد) وغيرهم.
محمد كريشان:
هل تذكر لنا بعض مما ورد فيها؟
الشيخ محمد سالم:
كتاب السيوطي هو كما قلت لك الذي سماه (الكوكب الساطع) عقد به كتاب (جمع الجوامع) لابن السبكي، والمتن المنظور مهم جدا عندنا، كانت الأمهات يقلن لأولادهن: اللي ما يحفظ ابن السبكي يقعد عند أمه ويظل يبكي. متن ابن السبكي هذا...
محمد كريشان (ضاحكا):
ونحن من بينهم أكيد.
الشيخ محمد سالم:
متن ابن السبكي في مقدمته يقول:
"نحمدك اللهم على نعم يزيد الحمد بازديادها، ونسلم على نبيك محمد هادي الأمة لرشادها، وعلى آله وأصحابه ما قامت التروس والسطور لعيون الألفاظ مقام بياضها وسوادها، ونرغب إليك في منع الموانع عن إكمال جمع الجوامع، الآتي من فن الأصول بالقواعد القواطع، البالغ من الإحاطة بالأصلين مبلغ ذوي الجد والتشمير الوارد من زهاء مائة مصنف منهج يروى وينير، المحيط بزبدة ما بشرحي على (المختصر) و(المنهاج) مع مزيد كثير".
ويأتي الواحد يعقده، السيوطي عقده في ألف بيت أعدها يقينا أربعمائة مع خمسين
بحيث إنني جازم بأنه لا
يمكنني الاختصار منه أصلا
..... [كلام غير مفهوم]
شيوخ المواد الثانية لهم منظومات في الأصول ويركزون أكثر على الأصول التي تختص بالمذهب المالكي، لأن الأصول التي ألف فيها علماء الشافعية ظهرت عليها المسحة المذهبية السيوطي شافعي، وعبد الوهاب بن السبكي شافعي، وابن الجويني شافعي.
(تقرير مسجل):
رغم الطابع الفردي للتعليم في المحضرة فإنها لا تهمل العمل الجماعي عبر حلقات دراسية مفتوحة واشتراك مجموعة من الطلبة في درس متن واحد.
محمد كريشان:
هل هذا مختصر فقط على الفقه واللغة العربية، أم حتى بالنسبة للقانون أو بالنسبة للقانون الإداري أو القانون غيره هناك أيضا قصائد على الطالب أن يحفظها حتى يتيسر له معرفة البنود القانونية أو الـ....
الشيخ محمد سالم:
لم تكن القوانين عندنا لأننا هنا في بلد إسلامي، ولا نعرف القوانين الوضعية، ولا نبالي بها، ولكن عندما حصل التداول وأصبح الناس يحتاجون إلى أن تكون ثقافة مزدوجة بين الفقه والقانون، كنت وقتها في تونس أزاول دراسة قانونية...
محمد كريشان:
القانونية المدنية يعني؟
الشيخ محمد سالم:
قانونية يعني قانون بشري، مدني جنائي دستوري وغيره، وهناك ازدواجية ذهنية، ونلاحظ أن القانون المدني الفرنسي أكثره مأخوذ من الفقه الإسلامي، وهناك من عملوا مقارنات، وطلعت لهم نتيجة أن أكثر مواد القانون المدني الفرنسي وحتى الجنائي موافقة ومأخوذة من الفقه الإسلامي، وكتب لي أبي -يرحمه الله- يسألني ماذا أدرس هناك؟ فكتبت له: أدرس الفقه المالكي في ثوب القانون الفرنسي، وتمثلت له بقول الشاعر واصفا نفسه وهو صعلوك من صعاليك العرب:
له نسب الإنسي يعرف نسبه
وللجن منه شكله وشمائله
في الفترة هذه احتجت إلى أن أتطلع أكثر إلى العلوم القانونية مما هو مقرر علينا بالكلية، فنظرت في القانون الدولي العام وعقدت به ألفية.
محمد كريشان:
عقدتم ألفية في القانون العام؟
الشيخ محمد سالم:
ونظرت القانون الإداري وهو أحدثها وأقربها بالنسبة إلي، فعقدت فيه قريب من ألفية، يزيد على سبعمائة بيت.
محمد كريشان:
بالتأكيد تذكر بعض الأبيات في هذا الموضوع مثلا؟
الشيخ محمد سالم:
أذكر الآن مثلا:
حقيقة الدولة مجموع بشر
يقطن إقليما بوجه استمر
تحكمه طبقة ممتازة
ذات سيادة له منحازة
وأكرر العناصر التي تتكون منها الدولة من المجموعة البشرية، ومن هيئة الحكم ومن الإقليم وشروط الإقليم، وليس يشترط في الإقليم كذا أو أنه:
وهو لا يشترط فيه مساحة
قدر معين من الفساحة
وبلد ترى واضحة المعالم
غير محل لنزاع قائم
وأتكلم على الدولة الكاملة السيادة، والدولة الناقصة السيادة والدولة المحمية، والدولة الـ...
محمد كريشان:
سيد محمد، هل ربما ما يعرف عن موريتانيا والموريتانيين من قوة ذاكرة -ما شاء الله- شجع على استمرار هذا النوع من التعليم، لأنه ربما الشباب العربي الحالي لم تعد له نفس القدرة على التحمل التي كانت للشباب في بداية القرن أو في القرون الماضية من قدرة على الحفظ، يعني ربما الآن إذا سألت شابا في أي بلد عربي عن قدرته على حفظ مائة بيت -لا نقول ألف بيت- لاستغاث يعني طلبا للنجدة.. هل الذاكرة القوية للموريتانيين هي الداعم الرئيسي لهذا النوع من التعليم؟
الشيخ محمد سالم:
بطبيعة الحال الموريتانيون هم من العرب، ليست لهم خاصية غير موجودة في البلاد العربية، الذاكرة، سرعة الاستيعاب، سرعة البديهة.. هذه كلها كانت موجودة في العالم العربي، في جاهليتهم وإسلامهم، لكنا نحن احتفظنا بطابعنا البدوي، والبداوة تشحذ الذهن لأن الإنسان يبيت في الصحراء تحت نجوم السماء وفي بطن الأودية، ما فيه خرير المياه، ما فيه أزيز طائرات، ما فيه دواخن المصانع، الجو صافي كما كان، والتضاريس عندنا هي تضاريس الوطن العربي في أصل الجزيرة العربية أو في أرض العرب الأصلية، الواحد يسهل عليه الاستيعاب، أنتم عندما تفقدون شريطا من أشرطة الأجهزة طبعا تختلط المعلومات، لكن لما الواحد عندنا عندما يكون شريط ذاكرته نقيا، يسجل عليه، أنا أقول للناس: أنا جئت دون أبي في العلم وفي الذكر وفي الحفظ لماذا؟ لأني أنا أعرف أسماء عواصم دول إسكندنافية ونظم دول، هذه ملكية وتلك جمهورية وغيرها، وهو لم يكن يعرف هذا، فالمكان الذي كان بإمكاني أنا أن أختزن فيه بعض المعلومات شغلته بمعلومات أخرى، فمعروف عن الموريتانيين أنهم أصحاب ذاكرة قوية، لكن هذه الذاكرة القوية وليدة البداوة، كان عندنا رجل وحده مؤلف الوسيط، رجل من أدباء الشنقيط اسمه (أحمد بن الأمين) هو كل ما أودعه من الشعر والقصص والأنساب من حفظه، لم يكن يلجأ إلى كتب، فيه عندنا واحد يلقب.. جاء إليه المصريون، وأرادوا أن يمتحنوه، قالوا: إن جاء اتركوه للتعارف قال: أنا أعد لكم عشرة من آبائي، وأنتم كل واحد يعطيني عشرة من آبائه وبعدين نلتقي، فلما التقوا من الغد قال السلام عليك يا فلان بن فلان بن فلان حتى العاشر، وفعل كذلك بالثاني إلى العاشر، فحفظ مائة أب في مجتمع غريب عليه، ونظر بعض القوم إلى بعض فإذا بهم لا يحفظون اسم أبيه الذي يليه.
وهذه مثل ما امتحن علماء بغداد "البخاري" عندما قدم عليهم، يسمعون عن جودة دينه وسعة حفظه، فقالوا: نمتحنه، وجردوا له عشرة من رجال الحديث، كلهم عندهم عشرة أحاديث مقلوبة يركب متن هذا الحديث على سند هذا، وسند هذا على متن هذا، وعقدوا له مجلسا للامتحان والمناظرة، فكل شيخ جاء بالأحاديث كلها، حتى تنتهي أحاديث ذلك الشيخ العشرة، ويأتي الآخر فيقول لا أعرفه، حتى انتهوا كلهم ينظر بعضهم إلى بعض ويقولون: هذا الذي نسمع من حفظه كذب مبالغ فيه، وبعضهم يقول هذا فطن للحيلة وسنعرف، فلما فرغوا من عند آخرهم، التفت (البخاري) إلى الأول قال: أما الحديث الأول الذي سألت عنه فهو سنده كذا وكذا، ومتنه كذا وكذا، فرد كل متن إلى سنده، وهذا ما أشار إليه العراقي في ألفيته مصطلح الحديث في مبحث الحديث المقلوب
ومنه قلب سند لمتن
نحو امتحانهم إمام الفن في مئة
لما أتى بغداد..... [كلام غير مفهوم]
هذا النوع كان موجود، موجود في العالم الإسلامي، لكن نحن بقينا على بداوتنا.
(تقرير مسجل):
قال شاعر موريتاني مفتخرا بالمحاضر:
نحن ركب من الأشراف منتظم
أجل ذا العصر قدرا دون أدنانا
قد اتخذنا ظهور العيس مدرسة
بها نبين دين الله تبيانا
محمد كريشان:
رغم عراقة هذه التجربة، تجربة المحاضر، ورغم أصالتها وطرافتها أحيانا ربما تؤدي في النهاية إلى إفراز مجموعة من المتضلعين في اللغة وفي الفقه، ولكنهم علماء محليين إذا صح التعبير، هم جيدين في هذا الاختصاص فقط، يعني لا يمكن لهم التدرج في ركاب العصر أو ما يوصف الآن بالعلوم المعاصرة، هو عالم، ولكن عالم سيظل عالم محلي في بيئته الصحراوية.
الشيخ محمد سالم:
علوم العولمة.. ما أحوج علوم العولمة إلى هذه العلوم، الشيوخ الشناقطة الآن في الكليات، في الجامعات، في السعودية، في الإمارات، في قطر وغيرها، هم من هذا النمط، ولولا نبوغهم هنا لما احتيج إليهم هناك، فلا أخاف عليهم من كساد بضاعتهم ما دام الناس يحتاجون للعلوم والإسلامية والإنسانية.
محمد كريشان:
هل هناك بعض التراخي من الأجيال الموريتانية الشابة؟ هل شعرتم بأن الطالب القديم ربما أكثر صلابة من الطالب الجديد؟ هناك الآن التلفزيون، الأطباق الفضائية، أصبحت هناك مجالات للمتابعة وللترفيه لم تكن متوفرة في السابق في المجتمع الموريتاني..
الشيخ محمد سالم:
هذا صحيح، وهناك مغريات ومغويات، وهناك الذين يرغبون في الدنيا أكثر مما يرغبون في الآخرة، هناك الذين لا تمكنهم حتى فطرهم لمتابعة هذا النوع من التعليم المحضري. ولكن هناك مجموعات صالحة طيبة الآن تجد في المحضرة أبناء شرق البلاد وغربها يدرسون جنبا لجنب مع أبناء الولايات المتحدة الأمريكية، وأبناء أوروبا، وأبناء شبه القارة الهندية، اليوم لو اتسع الوقت كي أزيرك إلى المحضرة التي أشرف عليها والتي يشرف عليها آل بيتي لأريتك وجوه طلبة من مختلف الجنسيات ومختلف القارات.
محمد كريشان:
ومن مختلف الألوان أيضا؟
الشيخ محمد سالم:
ومن مختلف الألوان طبعا.. أنا أقول لهم دائما: هذه تمثل الأخوة الإسلامية في أرقى صورها، هذا السنغالي، هذا الغيني، هذا المالي.. يدرس جنبا إلى جنب مع المغربي، الجزائري، التونسي، حتى المصري، حتى المصريون يأتون إلى هنا للدراسة والليبي حتى الليبي، وأما الهنود المسلمون من الهنود ومن باكستان ومن كشمير ومن مختلف الأقطار الغربية، الولايات المتحدة الأمريكية، وكما قلت سابقا، من فرنسا، من بريطانيا، من إيطاليا، كله موجود.
محمد كريشان:
يعني كم معدل إقامة هؤلاء عندما يأتي؟ هل يأتي لسنة لسنتين أم لكل واحد..؟
الشيخ محمد سالم:
يختلف بحسب ذوقه وحاجته، اللي عنده المتون يقررها بنفسه، يبقى حتى يستوعبها، واللي تنتهي صلاحية جوازه يحتاج إلى أن يعود إلى بلده ليجدد ويعود، واللي تشغله ظروف بلده الخاصة عن العودة هذا يختلف...
محمد كريشان:
هؤلاء عندما يعودون هل يسعون مثلا إلى ابتكار هذا النوع من التعليم؟
الشيخ محمد سالم:
بطبيعة الحال، يذهبون إلى قومهم هم أنفسهم لينشروا هذا النوع من العلم وهذا النمط من التعلم، وتعليمه في بلادهم، لأنهم يريدون لبلادهم أن تبقى مسلمة وألا تجف منابع الخير فيها.
محمد كريشان:
حسب معلوماتك، هل يوفقون في أغلب الحالات على استنساخ -إذا صح التعبير- نوع هذه التجربة الموريتانية في دول إسلامية أخرى؟
الشيخ محمد سالم:
هذا ما أتمنى أن يكون، ولكن لا يمكن أن تكون لي معلومات دقيقة ومحددة حتى أجيبك جوابا دقيقا ومحددا.
محمد كريشان:
نعم، موضوع التمويل أشرنا إليه قبل قليل، ولكن هل هناك صعوبات الآن مع صعوبة الوضع الاقتصادي وصعوبة متطلبات الحياة العصرية أن تجد دائما من هو مستعد لاستضافة عدد من الناس والإنفاق عليهم، وبعضهم ضيوف من الضيوف المؤبدين؟
الشيخ محمد سالم:
بطبيعة الحال هؤلاء الناس كما نقول نحن إذا نزل ضيف نزل برزقه، يأتون إلى شيخ محدود الإمكانيات محدود ذات اليد ولكن تنزل البركة، تنزل البركة ولا تعدم محسنا يساعدك، وأكثر الشيوخ يرفضون المساعدات الخارجية المشبوهة، وأكثرهم لا يتعرضوا لها أصلا..
محمد كريشان:
مثلا.. ما هي نوعية هذه المساعدات المشبوهة؟
الشيخ محمد سالم:
المساعدات المشبوهة التي ربما تكون جاية من جهات خيرية غير إسلامية، ومن جهات خيرية إسلامية تتعامل مع جهات خيرية غير إسلامية، هذا هو على ما أظن، نحن كنا في ذات مرة وقع وباء الكوليرا في البلاد فالناس أصبحوا يلجؤون إلى الهلال الأحمر، والهلال الأحمر الموريتاني له تعاون مع معظم المؤسسات الأخرى، أنا قلت في ذلك:
كنا إذا نزل الوباء بأرضنا
فزع الشيوخ وإلى الدعاء فيصرف
واليوم يفزع للهلال وبعده
يأتي الصليب وثم ما لا يعرف
هذه الخلفيات المظلمة شيوخ المحاضر يرفضون التعامل معها.
(تقرير مسجل):
شكلت المحضرة حصن دفاع عن قيم الشعب الموريتاني وكرامته وتقاليده في مواجهة الاستعمار الذي اصطدم بمقاومة شعبية قادها علماء البلاد ومشائخها.
محمد كريشان:
هل هذه المهنة، مهنة التدريس في المحاضر، هل يتم توارثها أب عن جد؟
الشيخ محمد سالم:
كثيرا ما تتوارث، وقد يكون الإنسان من غير بيت علم ويكون عصاميا، ويصبح صاحب محضرة، ولهذا يقول الشاعر:
كم من حسيب أخي عي وطمطمة
فادم لدي القول معروف إذا نسبا
من بيت مكرمة آباؤهم نجب
كانوا رؤوسا وأصبح بعدهم ذنبا
وخامل مقرف الآباء ذي أدب
نال المعالي به والمال والحسب
وجد بعض الشباب الذين معكم الآن في هذه القاعة يحض ولد أخيه على مواصلة دربه في العلم وعلى حفظ مكتبته الثمينة فيقول:
إذا الفتى مات عن علم وعن كتب
وكان ذا ولد فليحفظ الكتب
إن ضاعت الكتب فالإنساب تتبعها
فليس لها ولد وليس لها أب
والابن إن حاز ما قد كان حائزه
من المعالي يبوء قد حقق النسب
محمد كريشان:
هل المدرسون في المحاضر لديهم بعض الوجاهة الاجتماعية؟ هل هم ينظر إليهم في المجتمع الموريتاني نظرة فيها الكثير من التبجيل والاحترام؟ وبالتالي هل يلعبون ربما دورا اجتماعيا أو سياسيا يتجاوز هذه المحافل التعليمية الصرفة؟
الشيخ محمد سالم:
هذا يرجع إلى سلوكهم.. الذي يصون نفسه يصبح محل إجلال وتقدير في المجتمع، يصبح إذا الناس اشتدت بهم الفتن والنوائب.. ويصبح محل ثقة من الدولة ومن موظفيها السامين ومن الولاة والحكام وغيرهم، والذي يمتهن نفسه يذل نفسه، وهذا كما قال الشاعر:
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم
ولو عظموه في النفوس لعظما
ولكنه أهانوه فهان وجههمو
محياه بالأطماع حتى تجهما
محمد كريشان:
سيد محمد سالم شكرا جزيلا.
الشيخ محمد سالم:
العفو
وهذا هو الرابط
http://www.aljazeera.net/programs/gu...12/12-12-3.htm
[marq="3;right;3;scroll"]
شعارنا اعتزاز بالجميع وحب في الجميع اورسالتنا الإحسان إلى الماضي بخدمة صوره المشرقة وإلى الحاضربتتويجه بكرم الأخلاق وإلى المستقبل بالإسهام في إشراقته وفي احترام قناعات الآخرين ما يشغلنا عن الاختلاف وفي حلاوة الائتلاف سلوة عن مرارة الاختلاف ،فإن أصبنا فمن الرحمن وإن أخطأنا فمن الشيطان، ومن الله التأييد ومنه التسديد
[/marq]
آخر تعديل السوقي يوم
07-04-2011 في 10:42 PM.
|