رحلات صاحب الترجمة ـ رحمه الله:
إنه ـ رحمه الله ـ من العلماء الذين سجل لهم التاريخ أجل أنواع الرحلات، وهي الرحلة إلى البيت العتيق، لأداء فريضة الحج.
فأنشأ رحلته تلك في زمن ولاية مُودِبُّ كيت، أول رئيس لجمهورية مالي، بعد استقلالها من الاستعمار الفرنسي الغاشم، إلى الحج.
وكان ذلك في زمن ولاية مودباكيتا. ففرخ لمجتمعات جمهورية مالي رئيساً ظلوماً غشوماً، ليقضي على ما تبقى من تعاليم الإسلام بعد الاستعمار الظالم في تلك المجتمعات المسلمة، خاصة مضارب الطوارق.
قلت: ففي سنة انقلاب الحكم على هذا الرئيس الطالم ولد صاحب هذه الأسطر ـ عفا الله عنه.
ولقد مضى بنا شيخنا إسماعيل المؤرخ بما ملخصه ـ حفظه الله: ففي هذه الولاية الجائرة، حج المترجم له، وكان مع أخيه هُمدي ـ رحمهما الله رحمة واسعة.
هذا ولصاحب الترجمة رحلات إلى بعض قبائل السوقيين الشقيقة، فكان منها: التجمع الثلاثي:
قبيلة: كَلْ تَبُوراقْ.
وقبيلة: كَلْ تَجَلالَتْ.
وقبيلة: كَلْ تَكِرَتِنْ.
وقبيلة: كَلْ أَسَكَنْ.
جلالة مكانته العلمية:
إنه ـ رحمه الله تعالى ـ تأتيه رسائل فقهية من بعض العلماء الأعلام في أفقه، منهم:
· الشيخ العلامة الحبر النحرير الشيخ الخضر بن حماد الإدريسي السوقي التبورقي ـ رحمه الله.
· الشيخ العلامة محمد، الملقب وَاشَقَّغَنْ ـ الأحمر ابن خَدَوْ السوقي الإدريسي السَّكَني ـ رحمه الله.
· الشيخ العلامة مَهاما الإدريسي السوقي التبورقي ـ رحمه الله.
· الشيخ العلامة العتيق بن سعد الدين الإدريسي السوقي الجلالي ـ جعله الله ممن طال عمره وحسن عمله.
وكان المترجم له موفقاً في تلك المباحثات الفقهية، وهو كذلك يراسلهم في مثل تلك المباحثات الفقهية ـ رحم الله الجميع رحمة واسعة.
وفاته ـ رحمه الله:
توفي 1987م
وقد عزاه جمع من أعيان عصره، خاصة من يأتي نص تعزيتهم منقولة من أصل مخطوط التعزية، المبدوءة بـ:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والسلامان على رسول الله وآله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فمن الجماعة المباركة:
الشيخ الخضر، والشيخ المنير، والشيخ البشير، أبناء حماد ـ حفظهم الله ورعاهم.
والشيخ العتيق بن سعد الدين إلى الإخوة الكرام:
حَبُو، وإسماعيل، وجماعتهم التسليمات الرائعة، والتحيات الفائقة.
ثم بعد السلام عليكم جميعاً نعزيكم في أخينا آحمد ـ رحمة الله عليه.
ووصل إلينا خبر وفاته، ونحن في أشغال كثيرة تمنعنا من زيارتكم الآن، ونرجو أن نعجل الزيارة متى أمكنت الفرصة.
قال الشاعر:
لقد رزئت حزماً وتقوى وسؤددا***تميم بن مر يوم مات وكيع
وصبراً تميم إنما الموت منهل***يصير إليه صابر وجــــزوع
واقرؤوا الآية الكريمة: بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا نص التعزية حسب مخطوطها، وقرأتها مقابلة بعد كتابها
الفوائد الموطئات: للصحيح من ممنوع البركات:
قال الأستاذ المشارك بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة أبو عاصم عبد العزيز بن عبد الفتاح القارئ.
فائدة القاعدة الثانية: والفقه في المصطلح النبوي إذا أطلق لا يراد به الفقه المتعارف بين المتعلمين الذي هو فقه الشريعة...
بل يراد معناه المطلق الذي يشمل الفقهين معاً:
فقه الإيمان.
وفقه الأحكام.
يشمل: التوحيد، والفقه.
وأفاد في القاعدة الثالثة، قوله: إذا تعلمت (فقه الإيمان) فتعلمه على منهج (السلف).
ونعني بالسلف أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا أطلق وصف (السلف) فالمراد بهم...
ثم التابعون وتابعوهم، وبعدهم الأئمة المرضيون الذين ساروا على منهج الصحابة، كالأئمة الأربعة: أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، وكأئمة الحديث، أمثال: البخاري، ومسلم، وأبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه...
هؤلاء وأمثالهم ممن مشوا على منهج الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ هم أئمة السلف، وهم المعنيون بمصطلح السلف...
قلت: لما سلط على هذه القاعدة الجليلة الضوء النير، تعرج إلى محترزاتها، قائلاً: هناك ثلاث مسالك لفهم كتاب الله والسنة على غير مسلك ((السلف)) أذكرها لك يا متفقه لتنتبه إليها وتحذر منها:
1- المسلك الفلسفي الكلامي الذي يتميز بالجدل...
هذا المسلك فرخ فرقاً شتى في داخل الأمة الإسلامية، فرخ: الجهمية، والمعتزلة، والأشعرية الكلابية، وفرخ لنا الماترودية، كل هذه الفرق، شوشت علينا في فقه الأيمان، لأنها أبت أن تسك مسلك الصحابة ـ رضي الله عنهم.
2- المسك الذوقي الصوفي:
هذا المسلك فرّخ فرقاً لا تعد ولا تحصى، فالفرق الصوفية أكثر من تعد أو تحصى، وبعضها أبعد من بعض عن الإسلام...
3- المسك الوثني الباطني: وهذا أيضاً فرخ في أمتنا أدياناً شتى، ومللاً كثيرة لا صلة لها بالإسلام، أديان وثنية: إسماعلية، ونصرية، وباطنية، وروافضة، لا أدري ما صلتها بالإسلام...
رسالة: برامج عملي للمتفقهين ـ ثمان قواعد ضرورية لكل من يشتغل بطلب العلم والتفقه في دين الله.
الطبعة الأولى 1410هـ
مكتبة الصديق للنشر والتوزيع...
الشاهد من هذا النقل: المسلك التصوفي، وإنما ذيلت بالذيل لنفاسة كلام صاحب هذه القواعد...
رجاء أن أفيد القارئ بدرر منها، لقلة مثل هذه المصنفات المتينة في يد القراء الكرام ـ نسأل الله أن يتقبل منا ومنه صالح الأعمال، يوم الجزاء الأوفاء.
فرجوعاً إلى ما نحن بصدده، وهو خطر التصوف في العالم الإسلام، الساعية في هدمه بجرافات تحت لواء اسم الإسلام، والإسلام منها براء.
ومن تلك الجرافات المحدثة الضالة المضللة، التي لا تبقي ولا تذر: جرافة بدع: البركة.
منها: أن ميت الصوفية المبارَك كحيهم المبارِك ـ سبحان ربك رب العزة عما يصفون...
وفي علماء المغرب ومقاومتهم للبدع والتصوف.....ص105-106: نقل عن العلامة المكي الناصري ـ رحمه الله ـ: حيث قال في إظهار الحقيقة وعلاج الخليقة: فمنهم الذين اتخذوا القبور حرمات ومعابد....
وسوق الذبائح إليها، وإراقة الدماء على جدرانها، والتمسح بها، وحمل ترابها تبركاً، والسجود لها...
نعوذ بالله من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن.
حقيقة البركة
السؤال
فضيلة الشيخ! ما هي البركة؟ وكيف تكون؟
الجواب
البركة هي: الزيادة والنماء والخير، فإنه ربما يكون الشيء عندك وهو قليل، فيضع الله فيه البركة، فتجد منه ما تجد من الكثير...
وربما تجد نسلاً مباركاً يخرج منه العلماء والصلحاء والأخيار، كما قال تعالى: { رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ } [هود:73].
فإذا بارك الله في الشيء نفع، وتكون البركة في علم الإنسان وعمله: تكون في علمه فيكون علماً مباركاً مبنياً على الكتاب والسنة والاهتداء بسلف الأمة، فهذا العلم المبارك.
والعمل المبارك هو عمل الصالحين، فتجده ما حل في مكان إلا فعل خيراً أو قال خيراً، كما قال تعالى: { وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ } [مريم:31] قالوا: أي داعيةً للخير.
ومن بركة الإنسان أين ما كان، أن لا يجلس في مجلس إلا ذكر الله، أو قال خيراً، أو دل على خير، أو فعل شيئاً من الخير، ولو بكلمة طيبة، هذه من بركات العبد؛ أي: مما وضع الله فيه من البركة، فالبركة في الطاعة والاستقامة والسير على نهج الله.
وأساس البركة كتاب الله، كما قال تعالى: { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ } [ص:29] فالقرآن مبارك، وكلما كملت بركته بالاتباع والتأسي كان الإنسان كثير البركة.
والبركة تكون في الأوقات، وتكون في الأموال، وتكون في الأولاد، وتكون في الصحة، وتكون في أشياء كثيرة، تكون في الأموال فربما أن الإنسان يستلم راتباً ألف ريال كأنها عشرة ريال في الجيب تمحق بركتها والعياذ بالله، فما يمكث اليوم واليومين إلا وهو مديون، وربما تجد الرجل راتبه العشرة ألف والعشرين ألفاً لا بركة فيها نسأل الله السلامة والعافية، فما ينتصف الشهر إلا وهو يتدين، والسبب في ذلك المعصية، فالمعاصي والحدود والكبائر تمحق البركة من الأموال، ولذلك كلما أطاع العبد بورك له في ماله والخير { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ } [الأعراف:96].
فأخبر أنه إذا حصلت التقوى فتحت أبواب البركات، فتسلب البركة بمعصية الله في الأموال، وأيضاً البركة تكون في الأعمار، ولذلك تقرأ عن بعض العلماء رحمة الله عليهم من الصالحين أن أعمارهم قليلة، ولكن العلوم والكتب التي كتبوها لا تستطيع أن تزنها بأعمارهم مما وضع لهم من البركة والخير، فالبركة تكون في الأعمار، انظر إلى يومك، فإن استفتحته بهدي النبي صلى الله عليه وسلم بورك لك فيه...
وكما تكون البركة في الزمان، كذلك تكون في المال والولد، فبعض الناس عنده عشرة من الولد، وإذا به يتألم ويتأوه، وكل يوم أحدهم يأتيه بمشكلة وبمعضلة وبفتنة، وبأشياء يشيب منها الرأس والعياذ بالله، حتى يتمنى والعياذ بالله أنهم هلكوا، وهذا موجود نسأل الله السلامة والعافية، وقد يؤذونه بألسنتهم، وقد ينتقصونه فتمحق بركة أبنائه.
وبعض الناس تجد عنده ولداً واحداً، وتجد فيه الصلاح والخير والبركة، وهذا الابن سعادة لأبيه، فلا يقوم أبوه ولا يقعد إلا وهو يذكر ابنه، إما بدعوة صالحة أو بخير، مما وضع الله من البركة في هذا الابن، فالبركات تكون في الأبناء وتكون في الأوقات وتكون في الأعمار، حتى في الزوجات، بعض الزوجات مبارك، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: ( إن يكن الشؤم ففي المرأة والدابة والبيت ) فبعض النساء مبارك، فإذا تزوجها الإنسان فتحت عليه الدنيا، وبسط له في الرزق وبورك له في الوقت، كما قال صلى الله عليه وسلم: ( إن يكن الشؤم ففي ثلاثة ) وقالت أم المؤمنين عائشة : [تزوجوا النساء يأتينكم بالأموال] يعني: ففي النساء من هي مباركة وتكون خيراً على زوجها، وهذا لاشك أنه مقرون بالصلاح والخير، وكلما كانت المرأة صالحة كان الخير منها أكثر.
الكتاب : دروس للشيخ محمد المختار الشنقيطي
المؤلف : ء محمد بن محمد المختار الشنقيطي
مصدر الكتاب : دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية
قلت: هذا شي من درر تفسيرات السلف الصالح، لحقيقة البركة على الوجه المشروع نقلا وعقلا.