تساؤلات......حول الأدب السوقي
بسم الله
والسلامان على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه .
تساؤلات جادة....... حول الأدب السوقي:
بين رمال لصحراء وتحت قيظ الشمس وعلى حر الرمضاء تارة وبين رياض زاهية ، وحدائق غناء زاهرة أخرى ، في هذه الطبيعة وما تحمله من الحرارة والبرودة تقبع عاطفة الشاعر السوقي الجياشة ، وتكونت أحاسيسه النابضة واتقد ذهنه الثاقب ليرسل للأدباء مأدبة تغذي الوجدان وتروي المشاعر ، وأنزل لدنيا الأدب مائدة تكون عيدا لأولها وآخرها وآية الإبداعات الفنية ، وأنشأ ديوانا أدبيا هو ديوان إمبراطورية الأدب ، بيد أن الجمال الجميل قد خلع على الأدب السوقي لبوسا وغطاه بنور شديد الالتماع لم يكن بمقدور البصير إمعان النظر في أشعته المتلألئة فضلا عن الأعمى مثلي كما غلفه بألوان من الزخرفة والزركشة ،ما يجعل الناظر يكتفي بالانبهار والتلذذ بذالك المنظر البديع عن محاولة فتحه ، لا سيما لم تكن عنده مفاتيح بمقدورها أن تفتح .,
هذا والأقدار قد شاءت أن اعرض نفسي لمحاولة الكشف عن بعض أسراره ومكنوناته بمناسبة التخرج من كلية اللغة العربية والدراسات الأدبية ، وفي {شعبة الأدب } الأمر يلزم البحث في بعض الموضوعات الأدبية فاخترت موضوعا من الادب السوقي بعنوان { الخصائص الفنية للقصيدة السوقية دراسة تحليلية} لذا فمن الطبيعي أن تقابلني في تضاريس الأدب السوقي متاهات لا أطيق الخروج منها ومغاليق لا يمكن لي فتحها فلم يكن أمامي غير اللجوء إلى فنائكم الرحب و بابكم المفتوح . ثقة بأن لكم مفاتيح نقدية تنوء بالعصبة أولي القوة .
وأخص بالذكر هذا المثلث المشكور المكون من ثلاثة نجوم تضيئ عالم الأدب الأساتذة الأجلاء { السوقي الخرجي/ الأدريسي المغترب/ الشريف الجلالي } .كيف لا وهم من دوحته الفينانة ، بل من أغصانها اليانعة ، وهم من مخرجي مسلسلاته الرائعة ، وأصحاب ديكوره العجيب .
وتلك الإشكالات في النواحي الآتية :
أولا: من حيث الحدود:
لكل أدب معالمه الخاصة ، وحدوده الفاصلة بينه وبين الآداب الأخرى ، فما هي الخصائص الفنية والميزات الموضوعية والأسلوبية التي من شأنها أن تحدد لنا الأدب السوقي حتى نتيقن بأن هناك أدبا سوقيا واضح المعالم يا ترى، ؟؟؟
ثانيا: من حيث النسبة :
قد تكون هذه الإشكالية من أكبر الإشكاليات التي تعترض طريقي وأنا احفرعن كنوز الأدب السوقي ،و تتمثل هذه أولا في أنه لكي ينب الأدب إلى فئة معينة فإنه يجب تحديد هذه الفئة فإلى يتحدد بوجه صريح هل السوقيون نلحقهم بالعرب لأصالتهم العربية ، أم نلحقهم بالطوارق لاندماجهم المعقد في بوتقتهم ؟؟؟ أو هم شعب مستقل له عاداته وتقاليده ولغته الخاصة أم لا؟؟؟ وإن قلنا بالأول فإنا نسميه {الأدب العربي المعاصر } ونتحدث عن الشعراء السوقيين في السياق الذي نتحدث فيه عن ل{ احمد شوقي /سامي البارودي / المازني} ونعقد لهم مدارس فنية أو نلحقهم بعض المدارس الأخري (مدرسة المهجر / مدرسة عمود الشعر / مدرسة أبولو إلخ). وإن قلنا بالثاني نكون قد وقعنا في فخ آخر وهو هضم حقوق الطوارق عموما في عدم البحث عن تراثهم فكأن (الطوارق ) إذن محصورون قي السوقيين ليس لهم من قبيلة غيرهم .؛ وهذا لم يكن . وإن قلنا بالثالث فإنه يجب علينا أن لانتذبذب بين هؤلاء وهؤلاء ، رغم في استقلاليتا من التسامح فلغتنا (طارقية) وثقافتنا ( عربية) ، والقبيلة إنما تتحدد وتستقل باثنين : { اللغة والثقافة}.
هذا مما زاد إشكالي هنا عنوان كتاب الأستاذ المشكور وهو في نظري أهم مصدر أدبي تناول بعض القضايا النقدية للأدب ( العربي المعاصر عند السوقيين / أو الطارقي / أو السوقي) وهو : (أسرع الزوارق في المدارس الأدبية لدى الطوارق) فالعنوان رد واضح على تسمية (الأدب السوقي ) فقد أسنده للطوارق ، الأمر الذي ياتي بالسؤال : أين قبائل الطوارق الأخرى ؟؟؟؟؟ . لقد ركز الكتاب على الحلقات العلمية والكتاتيب عند قبائل السوقيين المختلفة . والعناوين يجب أن تفصح عن المضامين.
فالرجاء من فضلكم كشف النقاب عن هذه القضية . ؟؟؟؟؟؟حتى ينجلي الغبار وتتضح للأفكار .
ثالثا : غياب البيئة:
إذا كان الأدب ابن بيئته يكس وتؤثر فيه والبيئة بكل ماتعنيه من زمان ومكان فإن الأدب كذالك ياتي دوره فيها من التصوير والتأثر ، مما يعد أهم الحدود بين الآداب وأبرز السمات التي تحدد أدبا ما ، غير أنا عندما ندرس هذا الأدب لا نكاد نشعر بمنطقة السوقيين في الصحراء وأماكنهم المتعددة ولو عندما يقفون على الأطلال الدارسة إنما يذكرون الأطلال التي بكى عليها امرؤ القيس وأمثاله . وإن تجاوزنا التغزل باللواتي قلدوهم في شأنهن بأن ذالك مجرد سنة لم تكن لتقضي على عاداتهم وحيائه الذي يحول بينهم وبين تسمية (معروف )، فان عدم ذكر المناطق المعروفة في قلب الصحراء إلا نادرا لم يكن الكاتب العاجز مثلي قادرا على إدراك تفسيره وعلكم تفسرون لي ذالك بدون ذكر( التقليد البحت) الذي أفر عن النطق به تفسير ينجم عنه قول خطيرهو ( أن الأدب السوقي مجرد تقليد للجاهلي لم يقدم شيئا للمكتبة الأدبية). أما الزمان فهو أفضل حالا من المكان هنا فهو على تحدده بعض الكلمات المنثورة ثنايا القصائد فكل قارئ يقرئ النيرات السبع لا يشك في أنها مابين القرن التاسع عشر والعشرين ليس في العصر الجاهلي ولا في الأموي ولا في العباسي............وكذالك المعاني الواردة في القصيدة المشهورة للشيخ / إغلس اليماني والقصائد التي أجابت عنها. ومدح الخليجيين .........إلخ كل ذالك يحدد العصر الحالي ووقت القصيدة . فلماذا المكان أهمل في القصيد ة السوقية وحده ؟؟؟؟ بهذه الدرجة ..؟؟؟
ثالثا : من حيث الوظيفة :
لعل من نافلة القول التأكيد والحديث حول أهمية الأديب في مجتمعه والوظيفة الإصلاحية والدفاعية وفي جميع متطلبات الحياة التي يقوم بها وهو لسانه الآمر ويده المصلحة وسيفه المناضل . من العصر الجاهلي وظف ويزداد توظيفه كلما تقدم التاريخ إلي الأمام حتى تحول من شدة توظيفه في السياسة أبلغ من السياسة ، إلى أن وظف في الاقتصاد في ـروسياـ رافعا شعار الاشتراكية ويقابله أدب رأسمالي وتأتي المدارس الأدبية المادية كطفرة جديدة في مسار الأدب الإنساني ك (الواقعية والوجودية والماركسية والرمزية) . هذا كله بعد وظيفة الدين والدعوة ...... إلخ. وحين ندرس الأدب السوقي ونبحث عما قدمه لمجتمعه نفاجأ بقلة توظيفه . فغياب وظيفته سياسيا يفسر بغياب المجتمع أيضا . ولكن اجتماعيا كالإصلاح وغرس الفضيلة فنذر يسير . إلا أننا لا نبالغ وقد كانت الوظيفة الدينية متوفرة في تلك القصائد الرائعة بين التيارين السلفي والصوفي ، وهو ما نرتاح به قليلا عندما نأتي بهذا العنوان ( الوظيفة الدينية في الشعر السوقي) . فهلا تفيدونا في الموضوع ؟؟ .... جزاكم الله خيرا.
رابعا : من حيث النثر الفني:
سؤال تردد علي كثيرا في هذا الأدب هو: من المعلوم أن الأدب يحلق بجناحيه {المنظوم والمنثور}فانطلاقا من هذا فإننا مفارقة كبيرة بين الشعر والنثر في الأدب السوقي علما بأن النثر كاد يقضي على الشعر تماما في الآونة الأخيرة واهتم العالم به أكثر فتوسعت أغراضه من الخطابة والرسالة والمقامة والمناظرة إلى القصة القصيرة والرواية والمسرحية والترجمةالذاتية.......إلخ ولانجد في الأدب السوقي غير {فن الرسالة }مع قلته وعد تسجيله على وجه كاف ومع كونه مقصورا في {الرسائل الإخوانية}فليس هناك ( الديواينة) ـــ بطبيعة الحال ــ و لا (الأدبية ) .
والسؤال هنا ماهو تفسير هذا التراجع وهذه المفارقة ؟؟؟ وإن فسرنا غياب ( المسرحية والرواية والقصة القصيرة .......) بغياب السوقيين قديما عن الإعلام والعولمة الأدبية وأن هذه فنون دخيلة على الساحة لا يتمكن منها غير المثقف بالثقافة الأجنبية . يقول المتسائل : أين فن المقامة ، والرسالة الأدبية ، والمناظرة الخيالية اتي انتشرت في الأندلس، و( فن بابات خيال الظل ) معها .....؟؟؟ ليست هذه قديمة قد اطلعوا عليها ؟؟؟ .
رجــــــــــــاء:
من هنا أناشد السوقيين الموهوبين أن يتسابقوا في فن النثر وإني على يقين بإنهم إن فعلوا فسيبدعون كما أبدعوا في الشعر، واضعين أمامهم أهدافا نبيلة موجهين أدبهم نحو المجتمع ، وأقترح على الأقل لهم ثلاثة فنون وجدوا رواجا كبيرا عالميا ليكتبوا لنا فيها وهي :{ الرواية / القصة القصيرة / الترجمة الذاتية}.
خامسا: أزمة القد :
الأدب ليس معناه النصوص فقط بل هي والدراسة والتحليل ، فهو تعمل فيه الثلاثة الآتية كل بدوره { المبدع /المتلقي / الرسالة (النص)}.
ودور المبدع تصوير مشاعره وأحاسيسه في لغة عالية المستوى ، بينما دور المتلقي : النظر في رسالة المبدع ومحاولة استكشاف بعض الأسرار التي أودعها نصه وهذا يتطلب عملا جادا عمل يتحول أيضا إلى مايسمى (الإبداع الثاني ) فالمتلقي قد يتوصل إلى أفكار لم يكن المبدع الأول يفكر فيها أصلا ، كما أن من حقه إبدلء رأيه مستحسنا أومستهجنا .
ودور الرسالة (النص) حفظ أهم ما يرمي إليه المبدع ولكنه قد تخالفه مخالفة تامة فالمرسل قد يريد معنى ويحدث ما يسمى < خيانة اللغة >.
ماأريده من كل هذا إثبات أن الأدب ليس مجرد نصوص تتلى بل ( نصوص وتحليل ) والفرق بين التحلي والشرح المعجمي فالتحليل هو النقد تلك الكلمة التي لا نجرأ على النطق بها ونحن ننظر إلى الأدب السوقي . الأمر جعل الكثير يحجم عن الإقدام لتحليل ولو قصيدة واحدة { تعليلات مقارنات موازنة إصداررأي}. فنرى مؤلف (أسرع الزوارق) كلما تعرض لقضية نقدية بحتة بكلمة واحدة، يردفها بألف كلمة تحمل كل معاني الاعتذار . وتارة تراه كأنه يمشي على الأشواك بل على الأسلاك الكهربائية ، وتحولت قرآتنا النقدية للنصوص مجرد تلاوة محشاة بفنون المجاملات ، وألوان الاعتذارات .لهذا نلاحظ أن الشاعر السوقي قد أعطي حقه ومارس عمله بحرية مطلقة بدون مقارنة بينه وبين الناقد السوقي مما جعل إنتاجات الأول أكثر بكثير وكثير من الثاني .
والسؤال: إلى متى نتجاوز هذا الوضع ؟؟ وكيف ؟؟ ؟؟ أننتظر حتى يأتي <شوقي ضيف> ويشرحها لنا؟؟
أسئلة استوقفتني كثيرا حين تتبعت هذا الأدب.ولقد وجدته بالنسبة إلي لؤلؤة مكنونة ودرة مصونة وأزهارا محاطة برياض وأنهار حالت بيني وبينها وثمارا يانعة يسيل لعاب مثلي من أجلها لولا بعدها له ويتمنى أن لو دنت . ولكن يكفيني تتبع مواطن وطأتها أقدام من زرعوها . لأقبض قبضة من آثارهم علني أكتسب بذالك ما يقربني من تلك اليوانع وأشم عبير هذه الورود ولو على قدر ما اكتسبه عجل السامري من التنفس والروح.
مع تحيات محمد الحسني وإلى لقاء آخر.
|