التعميم في الحكم
التعميم في الحكم محمد بن إبراهيم الحمد ظاهرة منتشرة تشيع في أوساط الناس، وتتغلغل في كثير من الطبقات، تلكم هي ظاهرة التعميم. ولأجل أن يتحدد الموضوع، وينحصر فإنه يحسن أن يقال: ظاهرة التعميم في الحكم. هذه الظاهرة تأخذ صوراً شتى، منها التعميم في الحكم على الأشياء؛ أو الحكم على الأشخاص، أو الحكم على الأفكار، أو الحكم على البلدان، أو حتى الحكم على الأسماء إلى غير ذلك من صور التعميم. ولا ريب أن التعميم في الحكم ليس من مسلك العقلاء الباحثين عن الحقيقة الذين يبنون أحكامهم على دراسة متأنّية، ونظرة شاملة، وعدل وإنصاف بعيداً عن العجلة، والمجازفة، وغلبة الهوى. فصحّة التفكير، والحكم على الأشياء، وجودة التصور والتصديق ليست منوطة بموهبة الذكاء، بل هي منوطة بتربية النفس منذ الصغر على حب الخير والحق، والتجرد من الشرور والأهواء، واهتمام بإدراك الأمور من جميع وجوهها، وإدراك الفروق بين المشتبهات عند التباسها. وإذا تربّى الفكر منذ الصغر على صحة التفكير نشأ صاحبه سديد الحكم، محباً للحق سواء كان له أو عليه. وإذا كانت الثانية بات الرجل وليس فيه من الرجولية إلا اسمها. قال الله جل وعلا: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ}، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ}، وقال:{وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } . قال ابن حزم -رحمه الله-: "وجدت أفضل نعم الله تعالى على المرء أن يطبعه على العدل وحبه، وعلى الحق وإيثاره. وأما من طبع على الجور واستسهاله، وعلى الظلم واستخفافه، فلييأس من أن يصلح نفسه، وأن يقوم طباعه أبداً، وليعلم أنه لا يفلح في دين ولا خلق محمود". وقال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور -رحمه الله-: "والعدل مما تواطأت على حسنه الشرائع الإلهية، والعقول الحكيمة، وتمدَّح بادعاء القيام به عظماء الأمم، وسجلوا تمدُّحهم على نقوس الهياكل من كلدانية، ومصرية، وهندية. وحسن العدل بمعزل عن هوى يغلب عليها في قضية خاصة، أو في مبدأ خاص، تنتفع فيه بما يخالف العدل بدافع إحدى القوتين: الشاهية، والغاضبة". ومن أجلى صور التعميم مما مر ذكره إجمالاً التعميم في الذم، فتجد من الناس من يغلب عليه جانب المبالغة في إطلاق الأحكام؛ فتراه يعمم الحكم في ذم قبيلة، أو أسرة، أو جماعة، أو اسم من الأسماء، أو فكرة من الأفكار دونما بحث أو تحرٍّ أو إنصاف. وهذا التعميم قد يزري به عند العقلاء، وقد يوقعه في حرج دون أن يتنبه له؛ فقد يكون من بين الحاضرين من يتناوله ذلك الذم العام الظالم؛ فلا يتنبه له المتكلم أو الكاتب إلا بعد أن تقع الفأس بالرأس. بل ربما عرَّض ذلك الذامُّ المعممُ نفسه للإساءة، فقد يسيء بصنيعه إلى شخص غضوب لا يتحمل الإساءة، فيقوده ذلك الصنيعُ إلى الإساءة أو التشفي، وردِّ الإساءة بمثلها أو أشد. ولهذا كان من الأهمية بمكان أن يتفطّن المرء لهذاالأمر، وأن يتحفظ من سقطات لسانه، وكبوات يراعه، وأن يتجنب كل ما يشعر بأدنى إساءة أو ظلم لمن لا يستحقه؛ فذلك أسلم له، وأحفظ لكرامته، وأقرب لتقواه لربه. قال ابن المقفع: "إذا كنت في جماعة قوم أبداً فلا تعُمَّنَّ جيلاً من الناس، أو أمة من الأمم بشتم ولا ذم؛ فإنك لا تدري لعلك تتناول بعض أعراض جلسائك مخطئاً؛ فلا تأمن مكافأتهم، أو متعمداً؛ فتنسب إلى السفه. ولا تذمن مع ذلك اسماً من أسماء الرجال، أو النساء بأن تقول: إن هذا لقبيح من الأسماء؛ فإنك لا تدري لعل ذلك غير موافق لبعض جلسائك، ولعله يكون بعض أسماء الأهلين، والحُرُم. ولا تستصغرن من هذا شيئاً؛ فكل ذلك يجرح في القلب، وجرح اللسان أشد من جرح اليد". وبناء على ما مضى فإن التحرّي، ولزوم العدل، والسلامة من الهوى من أوجب ما يجب على المتكلم أو الكاتب؛ فلا يليق به أن يؤسس قاعدة عامة يبني عليها حكماً كلياً بسبب خطأ، أو سوء تصرف بدر من أحد أفراد ذلك العموم. وقد يكون ذلك العموم يحمل قاسماًًَ مشتركاً من ذلك الحكم، ومع ذلك فإنه يحسن التحري إذا أريد الحكم على واحد بعينه؛ فإن الجمع المرادَ ذمُّه قد يكون فيه خطأ أو ظلم، ومع ذلك فإن الخطأ والظلم قد يتفاوت قلة وكثرة. ولعل من أسباب تلك الظاهرة قِصَر النظر؛ فبعض الناس قد يمر بموقف ما، سواء من أهل بلد أو طائفة، فيجعله ذريعة لتعميم النَّيْل من أهل ذلك البلد أو من تلك الطائفة، وغاب عنه { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} وأن {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}. منقووول |
لغة الحمقى
[---الإقتباس الأصلي بواسطة (أبوعبدالله)--- *ظاهرة منتشرة تشيع في أوساط الناس، وتتغلغل في كثير من الطبقات، تلكم هي ظاهرة التعميم. ولأجل أن يتحدد الموضوع، * نشكرك يا أبا عبد الله على هذا المقال الهادف . لقد تناول المقال ظاهرة تعتبر -في نظري-من أخطر الظواهر على المصداقية والاتزان . ولا شك أنها مستشرية في هذا العصر وبشكل مخيف , فلا تكاد تجد عادلا في تقويمه وحكمه على الآخرين , فأصبحت الأوصاف تكال جزافا . إن من أحسن ما مر علي أو مررت عليه من خلال قراءاتي من تشخيص التعميم هو وصف من وصفه بأنه لغة الحمقى . وعلى كل حال فهو يعتبر على رأس قائمة أساليب التفكير المعوج والمنطق الخاطئ المرتج . إن من ابتلوا بهذا النوع من الخطاب تجدهم دائما واعرفهم من خلال حكمهم على شخص ما فإنهم - أحياناً - لا يحكمون عليه فقط . بل إن هذا الحكم يسري إلى عائلة هذا الشخص وربما قبيلته وبلده ؛ فتراهم يحكمون عليهم من خلال هذا الشخص أو ذلك التصرف. إذا عرفوا إنساناً على خلق كريم حكموا على أسرته كلها من خلال هذا الإنسان أنها على ذلك الخلق الكريم. ولو رأوا إنساناً بدرت منه شراسة في خلق فإنهم بطريقة (لا شعورية) يحكمون ويرون أن كل عشيرة هذا الرجل على مثل هذا المنوال السيئ. ولا ننفي أن جزءا من هذا القياس قد يكون في بعض الأحيان صحيحاً في عمومه . ولكن يبقى أنه ليس قاعدة مطردة في كل الأحوال وكل الأزمان.. فكم من امرئ اتصف بأسوأ الصفات وهو من أسرة كريمة نبيلة. بل إنك تجد أخوين شقيقين: أحدهما يتمتع بأفضل السجايا وأنبلها، وشقيقه الآخر يجسد أسوأ الأخلاق وأشنعها. لكن أقصى ما يمكن أن يستفاد من هذا القياس أن مسؤولية الفرد كبيرة جداً. فهو ليس مسؤولاً عن نفسه، بل وعن كل من يمثله من عائلة أو قبيلة أو وطن. إن الناس يكونون انطباعاتهم عن أولئك من خلال فرد واحد، ويسحبون كل صفة سواء كانت مضيئة أو مظلمة من خلال ما يرونه من سلوك فردي. * تُرى كم تُظلم أسرة أو حتى وطن بسبب تصرف فردي أهوج. وكم ترتفع أسرة أو وطن من خلال سلوك فردي مضيء ورائع. هناك حقيقة يجب ألا تغيب من خلال انفعالنا بعمل رديء أو تعامل مشوه، أنه ليس كل منبت جيد ينتج نباتاً حسناً، (فليس في كل عود ريحة العود)، وكذلك الشأن في المعادلة الأخرى، فليس كل منبت سيئ يخرج نباتاً سيئاً. إن الحصيف من لا يحكم على أسرة من خلال شخص.. أو على وطن من خلال موقف واحد سواء أكان الحكم سلبياً أو إيجابياً. التعميم ببساطة كما يقول المناطقة: (هو لغة الحمقى) ( ولا يجرمنك شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ). منقوووووووول بتصرف. |
موضوع رااااااااااااااااااااااااااااااااااااااائع
بسم الله الرحمن الرحيم شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية . أشكر الأخوان في المنتدى على هذا الموضوع الهام, و هو موضوع أرجو أن تكثفوا الضوء عليه وتعطوه مزيدا من العناية وقدرا من الاهتمام والبيان, وشكرا لأبي عبد الله على تطرقه للموضوع. وللإدريسي المغترب على إثرائه المعتاد وقدرأيت من قبل بعض من ينتسب إلى السنة والسلف الصالح البعد عن مشكاة هذه الآية حيث صار الحق عندهم عبارة عن وقف على شخص معين وفئة بعينها أو بلد بعينه وصرنا بين مطرقة التدجين وسندان الاستنساخ فأنت حين تبحث عن مسألة معينه فأنت خائف قلق لأنك لاتدري هل هي موافقة لماأفتى به فلان أو قاله علان وتحبث حين تبحث وكأنك تمشي على حقل من الألغام تخاف أن يتفجر عليك ويذهب بك وببحثك وهذا لعمر الله خطر على العلم وعلى الاجتهاد فيه وليس هذا الكلام دعوة مني إلى تسور المحراب على النصوص الشرعية ومنهج السلف الصالح, ولاهي جراءة المبتدعة على النص ولكن ليعلم طلبة العلم أن التقديس للنصوص وليس للأشخاص فمادام الإنسان مسبوق بعدم مسبوق بجهل ونسيان ولايستطيع أن يتغلب على هذا التحدي فلتكن *معاملة من يخالفوننا في الرأي على أن رأينا صواب يحتمل الخطأ، وأن رأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، فإن المعاملة بهذه الصورة من شأنها أن تستل الأحقاد من الصدور، وأن تقضي على المراء أو الجدل ومن أعجب مارأيت من ذلك شريط جاءني به أحد الإخوان وقصد في ذلك أن يستل من قلبي حب لعالم من العلماء وهو يعرف سلفا أنني أحبه بسبب علمه لالشيء آخر فجاءني بهذا الشريط الذي استفدت منه ولكنني مع ذلك عتبت على صاحبه فرحه بتصيد خطإ من يرد عليه والنيل منه وبمكانته العلمية بشكل ليس من أخلاق العلماء الربانيين وأعجب من ذلك أن صاحب الشريط حمد الله على أنه تبين له أنه مبتدع وأنه ليس سنيا أتدرون لماذا؟ " لأنه ليس من البلد الفلاني وكل من ليس في هذا البلد من العلماء في نظره فالأصل فيه استصحاب أنه مبتدع وقعد على ذلك قواعد وجعل عليه ضوابط لاتمت إلى المنهج العلمي بصلة نسأل الله العافية |
هامش على الهامش
بوركت أبا عبد الله في هذا الاختيار..ثم الطرح..ثم المعالجة... وإذا كان اليهود الملعونون على لسان داود وعيسى وابن مريم .. والذين تلفظوا بكلمات تكاد السماوات والجبال والنجم والشجر والدواب تندك منها.. رغم ما أنعم الله عليهم ــ مع كل ذلك:لم يعممهم القرآن: قال تعالى: (ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة...) الآية. وقال تعالى: (ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك..) الآية. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في المشركين يوم بدر كما في السيرة (كتاريخ): "إن يكن فيهم خير ففي صاحب الجمل الأصفر" يعني عتبة لما فيه من الأناة وكراهية القتال..وموقفه من تبنيه فكرة ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم وشأنه... فالمهم أنه يذكر بالجانب الخيّر في أعدائه وقت الزحف.... ولا عجب فقد كان خلقه القرآن صلى الله عليه وسلم |
نعم أخي السوقي الخرجي سلمت يداك ولا فض فوك , وللأسف بعض المجمعات الإسلامية تحصر العلم وتعاليم الشريعة في فتاوى وآراء وجهادات بني جلدتهم ويخطأون المخالف لا لشئ إلا العصبية والجهل المركب وأصبح الدين عندهم المذهب ومن خالفه فهو مبتدع ضال يشهر به ويحذر منه ونلمس هذا الصرف في كثير من العوام.وبعض المتسلقين من طلبة العلم (أسأل الله أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه) |
انفحمت بهذه المشاركات العطرة فلم أدر ما أقول واستفدت من هذه الموضوعات الجيدة
فلا يسعني إلا أن أزف إلى ساحات الإخوة الأعزاء أطيب التسليمات وأعطر التحيات وأجزل الشكر وإن من أهم وأفيد الموضوعات التي كتبت في هذا المنتدى هذا الموضوع فإن الناس اليوم قد ابتلاهم الله بالوقوع في أعراض البعض بدون مبرر وأصبح الأبرياء يوخذون بذنوب الآخرين كذي العر يكوى غيره وهو راتع نسأل الله السلامة والعافية من انتهاك حرماته |
اقتباس:
|
الساعة الآن 03:08 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir