منتديات مدينة السوق

منتديات مدينة السوق (http://alsoque.com/vb/index.php)
-   المنتدى العام (http://alsoque.com/vb/forumdisplay.php?f=2)
-   -   فصول من حياتي (http://alsoque.com/vb/showthread.php?t=1762)

السوقي الخرجي 01-09-2012 09:52 PM

رد: فصول من حياتي
 
علاقتهم بإقـــدش.
العلاقة بين كل فامبلقو بقبيلة(إقدش)كانت معتنى بها بشكل لافت بين الحيين بحكم مكانة قبيلة إقدش بين السوقيين وما تتمتع به من الأهمية.
فممايذكر من هذه العلاقة الوساطة الناجحة التي قادها شيوخ إقدش بين هذا الحي وبعض زعماء( إولمدن) في تسليم خيول أصيلة كانت للعمة (الزهراء)بنت الشيخ آوا بن موسى أخي الشيخ هابا وهي أم هماهم بن أحماد الجلالي وإخوته, ورثتها من أبيها وأعطتها لأبنائها المذكورين فرفضت تسليم الخيل بحجة أنها لأولادها فرد عليها شيوخ (إقدش) بأن الأولاد لاحاجة لهم بالخيل في هذه الفترة, وإنما حاجتهم في التعلم والتحصيل المعرفي, والخيل لأهل النجدة وللجيوش المدافعة عن العباد والبلاد فأقنعوها بقبول العوض فرفضت العوض وقبلت تسليم الخيل بشرط أن يقدم أبناؤها على غيرهم في التعليم, ويقدموا في الإمامة إذا كبروا, وقد أشار العلامة الشيخ العتيق إلى طرف منها في الجوهر الثمين فانظره عند ترجمة الشيخ محمد البشير والد الشيخ (ساله) ص 464من النسخة الأخيرة.
وهناك الكثير من الرسائل التي اطلعت على بعضها بين الحيين كانت شاهدا على حميمية العلاقة بين الحيين منها مادار بين بعض أحد أبناء الشيخ سله وغالب ظني أنه خزيمة وبين الشيخ هدا بن محمد أحمد بن هابا حين أرسل في موضوع بينهم وكان رسول الشيخ خزيمة يركب فرسا أصيلة كانت لخزيمة فمازح الشيخ هدا في الرسالة قائلا له.
مطيّة الضّيف عندي تلو صاحبها ... لن تكرم الضّيف حتى تكرم الفرسا
ومن ذلك الأبيات التي خلدت هذه العلاقة بين الحيين ولم يخف فيها قائلها محمد الصالح بن الثابت جد (الصاوي) ألمه والوحشة التي أصابته بفراق الحي وانتقاله إلى (أربندا)إثر القلاقل التي كانت بعد نقض الصلح بين فرنسا وزعماء الطوارق وتعد هذه الأبيات قائمة مهمة لرجالات العلم في الحي في ذلك الوقت وهي.
مني إلى الحي الكرام ابن الكرام = أزكى سلام فائح عد السِّلام
عيبة نصحي ومناري في الخيام =أوفوا بميثاق واوفوا بالذمام
هم عدتي هم عمدتي دون الأنام =قدما وحادثا إلى يوم ازدحام
وهم اباة الضيم من أهل الوئام =وهم بناة الدين من بين اللئام
وهم معادن التقى على الدوام =وهم نباريس مصابيح الظلام
لو ريم حصر مالهم من المقام = لكلت الأقلام من قبل التمام
يافرقة قد هيجت مني الغرام = وأضرمت في القلب نارابالغرام
عليهم مني وإن شط المرام = تحية تحيي فؤاد المستهام
وبعد إنني أحن كالحمام =شوقا إلى محمد اكنن الهمام
السيد التقى الشهير الابتسام = العالم الأعلى العلي في المقام
واذكر مدا واذكر فذا في ذاالمقام = إذركبا في الفضل ذروة السنام
واذكر أخا الحياء حماي الكرام = وشاغة الأنيس مطعم الطعام
واذكر هنا أحنى وخص بالسلام = وبالثناء فاق عدة السلام
لاغرو إن أخر أحنى في النظام = فبنينا المفضل الختام
فأجابه الشيخ محمد اكنن بن محمد جد (أحمدا بن عبدُ) (أما) بقوله:
على الصديق أنور السلام عداده كعدد السِّلام
أزكى من الورة في الأكمام = أحلى من القرقف والمدام
لبينه جزعت كالحمــام =على الهديل سائر الأيام
السيد السميدع الهمام =محمد الصالح ذي المقام
وقد علت حقا على الغمام =همته جراء فعل سام
قد ورث السؤدد من أعلام =أجلة جدودة كــرام
المطعمو البائس والأيتام = وهم على ذلك بالدوام
الواسعو الصدور للّهام =من بقر وابل سوام
هم من هم هم ذوو أحلام =صافية مصابيح الظلام
وهم نجوم واصل الأرحام =وهم لنا في دهرنا كالحام
أكرم بهم من علية عظام =وفي العلوم فائقو أقوام
في غيرذا من رتب جسام = هيهات أن تحصر بالأقلام
من رام شأوهم ففي الغرام = مارام من ذلك من مرام
لازال منهم أمد الأيام = قطب يضيئ غبش الظلام
ثم صلاة الله مع سلام = على النبي سيد الأنــام
وآله وصحبه ا لأعلام =مارد حِبّ أنور السـلام
وأما علاقاتهم بالقبائل السوقية الأخرى فهي مبنية على الحب والتلاحم وهي كالتالي :
1- كل (وامي) هناك تواصل لاينقطع بين قبيلة كل وامي وقبيلة كل فامبلقو وهم أخوال الكثير من بيوتات كل فامبلقو, وللشيخ انكس أونن بن اسالس في توطيد هذه العلاقة أخبار في أسفار, وما زال الناس من الحيين يتحدثون بها ويشيدون بهاحتى اليوم.
2- كل (أضاغ) هناك بعض الرسائل التي اطلعت عليها بين الحيين وبالتحديد بين الشيخ سيدي بن أتلاغ والشيخ أحنى ابن آيا تدل على قوة الترابط بين القبيلتين.
3- كل (لام ألف) , سبق الحديث بأن بعض بيوتات كل (لام ألف) جزء من حي كل (فامبلقو), وغالب الناس لايفرق بينهم وبين أهل بيتنا خاصة, وذلك بسبب قوة الارتباط في النسب, وهناك في حينا كتاب تفسير الجلالين وهومن أقدم الكتب الموجودة في الحي وهو من إهداء بعض شيوخ قبيلة كل (لام ألف) لجدنا محمدأحمد بن هابا,وهناك من علماء الحي من أخذ من علماء كل (لام ألف) أمثال الشيخ العالم الزاهد عبد الاله.
4- كل (جنهان) تعد قبيلة كل جنهان من القبائل التي يشتركون معها في مناطق النفوذ الديني, ولهم علاقة جوار امتدت لقرون وكان الشيخ ملو بن ابي بكر لاينقطع عن مجلس الشيخ موسى بن انمد الجنهاني الزاخر بالتأصيلات العلمية, والفوائد الفقهية, كما أفاده الوالد في كتابه (سح السحاب) إضافة إلى ان الشيخ جلا بن لالا من تلاميذ الشيخ أحنى.
5- (كل أغشر) مبنية على أسس متينة تغذيها الخؤولة وعلاقات الجوار.
6- كل(أسكن ) وهي من القبائل التي يشيدون بمكانتها, وسجل ذلك علماؤهم من خلال شروحهم لكتب العلامة الشيخ محمد (انلبش) بن محمد ومن ذلك شرح الشيخ أحمد (عرفة) بن محمدُ (ممد) لأرجوزة الشيخ (إنلبش) في العقيدة وله أيضا شرح على عدة الحافظ له , ويعد هذا عندي من أهم العلاقات السوقية.
7- كل (تكرنات) الموجودين بجوارهم فهي قوية ويتابعون رعايتها من خلال الزيارات المتبادلة بينهم وكان شيوخ القبيلة من أول من لبى دعوة الشيخ المجاهد محمد أحمد بن الجنيد.
8- كل (تنقسا) ولهم علاقة متينة بفرع أبناء حكيم من كل (تنقسا) فقد كان حمطايا بن محمد بن حكيم من أعز أصدقاء جدنا عبدُ والدأحمدا.
9- كل (تنغ اكلي) لم اطلع على شيء يتعلق بعلاقة الحيين في السابق ولم أسمع أن كل فامبلقو أخذوا شيئا من العلم من كل (تنغ اكلي) ولم أنف وجود ذلك لاحتمال أن يكونوا قد أخذوا عن بعض علماء تنغ اكلي في المجالس العلمية التي يعقدونها في مسجد كل (بقو) حيث إن تنغ اكلي لهم اتصال ببيت محمد الصالح (افنفن ) وحدثني الخضر بن الشيخ عالي بأن شيخه جارو بن غمنا كثيرا مايسأله عن تفاصيل كل (فامبلقو) كما لو أنه منهم.
10- كل (جرت) لم اطلع على معطيات تفيدني فيمايخص العلاقات بين الحيين إلا أن أحمدا بن محمد الصالح (اللادي) و هو من شيوخ كل فامبلقو الذين لهم اطلاع واسع بالأنساب حدثني فاه لفي أن هناك علاقة نسب بين هذين الحيين وكان محمد أحمد بن حمنو ممن يشيد بذلك ويذكره في جميع لقاءاتي معه, وكان يزور حي فامبلقو كثيرا فترة تواجده في (مالي).
11- كل (ملحيا) لم اطلع على مكتوب أو من يفيدني بشيء عن العلاقة بين الحيين إلا أن ما يخص الفترة الحالية, والتي شهدت تناميا للعلاقات بين كل فامبلقو وفرع (ملحيا) الذي في (تن مقشا) شرق النهر, بسبب الزيجات التي تمت بين الحيين.
12- (دركوي) وقد رأيت رسالة مفعمة بمعاني الحب والود لازالت معي من شيخهم محمد بن إن توتو, وجهها إلى مشايخ كل (فامبلقو) تدل على عمق العلاقة بين الحيين.

السوقي الخرجي 01-11-2012 09:36 PM

رد: فصول من حياتي
 
المرحلة الثانية من مرحلة تعلمي.
وهنا ننتقل إلى المرحلة الثانية من مراحل طلبي للعلم والتي كانت بدايتها 1399 للهجرة ويبدو أنني أطلت في الحديث عن المرحلة الأولى,لأنها جرت أمورا وأحاديث بعضها لا يخصني شخصيا , وإنما جرها ارتباطي الذي يصعب فصله عن القبيلة التي أنتمي إليها, والاستفاضة في هذا الموضوع مهمة عندي إلى درجة أنها أهم من الموضوع الأساسي نفسه.
وعلى كل فقد اختار والدي أن يرسلني إلى حي(كل تجلالت) ليوجد قدرا من المنافسة التعليمية بيني وبين شقيقي سفيان الذي أرسله قبلي إلى حي (كل تبورق) تلميذاعند الشيخ المنير بن الشيخ حماد رحمه الله وكان الوالد كلما وجدنا مجتمعين في زياراته للحيين يقول لي أنا وسفيان, انتبها لأنفسكما وتعليمكما أنتما كفرسي رهان, فحينا في انتظار ما تعودان به من العلم في رحلتكما في طلب العلم.
فارسلني إلى الشيخ العلامة العتيق بن الشيخ سعد الدين وذلك بعد إكمالي القرآن بعضه حفظا وبعضه قراءة.
وقد ذهبت تلك الأيام بأسرارها وأخبارها, وحلوها ومرها, ولم أسجل من ذلك شيئا ولم تكن فكرة تدوين الذكريات مما يدور في أذهان الناس, وأبكي على ما ذهب ولم تسجله ذاكرتي من أحداث تلك الأيام والعتب في ذلك علي وعلى كر الليالي التي طوت غالب أحداث سني الطفولة والشباب, وطوحت بها في مجاهل الصحراء,فكنت كمن عثر على كنز ثم تركه ليعود إليه ولم يحدد معالم المكان, ولم يضع علامة تهديه السبيل,فلو قدرلي أن ارسم بقلمي ذكريات تلك الأيام والعيش غض, والعود رطب لكان ذلك آية في الروعة, وغاية في الجمال, أما الآن فهيهات, فقد تغيرت الاحوال, وتغير كل شيء, فلا ذلك الزمان مثل اليوم.
(ومن ذا الذي ياعز لايتغير).
محطات على ضفاف الذاكرة.
وبقي لي أن أقول أن هذه المرحلة لم تكن تختلف كثيرا عن المرحلة السابقة فإنها وإن كانت وفرت ما أحتاج إليه من الناحية التعليمية إلا أنها حرمتني من أشياء يحتاج إليها عالم الطفولة الذي يرقص ويطبل في داخلي ولم تُتَح لي أي فرصة للبطالة ولا الاستقلالية التي كانت تميل إليها شخصيتي بل نقلتني من سلطة (معلم القرآن) إلى صرامة (الشيخ) الذي يعتني بمراقبة السلوك والعادات إلى جانب التعليم .
ما وراء اللثام.
ويسعى الشيخ جاهدا في تنمية وتغذية الآداب التي كانت في مرحلة التخلق, إلى أن تتكون فيحمى حماها بالعمامة واللثام الذي لم يكن عند القوم مجرد عادة سائبة, بل أريد له أن يكون حاضنا لآداب وأعراف لها قيمتها وقامتها في المجتمع, وينظر إليه العلماء على أنه شعار العلم والهيبة وحبب إليهم ذكر المقولة المشهورة في ترجمة مالك (وما أفتى مالك حتى استفتاه أربعون محنكاً) ، والتحنك اللثام تحت الحنك لأنه شعار العلماء في القديم .
وصايا على درب الحياة.
فأول ما يقولون للشاب عندما يعممونه (انك صرت رجلا) أصبحت مطالبا بواجبات والتزامات الرجال, فاترك عنك حياة الطفولة وابتعد عن ضجيجها وصخبها.
بأي ذنب وئدت هذه الأحلام.
وأشعر أنني لم أجد فرصة في تحقيق بعض أحلام الطفولة, التي وئدت في نفسي وهي حية, ولم أعطَ فرصة في بناء صروح أحلامي وأوهامي ورغباتي وعواطفي, ومنعتني من الانفعالات النفسية التي كنت أحتاج إليها في فترة الطفولة والمراهقة.
وقد دفع أبنائي ثمن ذلك حيث إنني أتابعهم في كل صغيرة وكبيرة وأطالبهم بمثل ما أطالَب به وقتئذ فأتذكر حاجتهم إلى اللعب وشيء من اللهو فأكف عنهم, ومع ذلك فقد أعطتني هذه المرحلة فرصة التحليق بعيدا عن الجو العائلي, إيذانا ببناء علاقات وصداقات بنيتها بنفسي, إشباعا لرغبة يواكب تعاظمها مراحل طفولتي كلها,وأحس من خلالها أنني لبيت فيها مطلبا ملحا لفكري وطموحي وشخصيتي, إلا أنني لا أستطيع تجاهل بعض طموحاتي التي دفنت في رمال الصحراء, وأعزي فيها نفسي, كيف لا وقد عوضني الله خيرا منها.
وعلى سبيل المثال كنت كأي شاب في الصحراء يعجبه أن يشبع رغبته في اللباس ويعيش حياة الشباب كما يعيشها أقرانه وأن يختار رحلا (تَرك) وجملا من خيار المهاري, ويسابق به في تلك الصحاري, ولا فخر وأنا ولله الحمد ممن يملك القدرة على تحقيق ذلك كله ولكنه لم يتحقق, بحجج أرى أنها واهية وهي حجة أنني طالب لابد أن تختزل حياته كلها في اللوح, والكتاب والدفتر.
ولم أنس في حياتي أن الشيخ العتيق أخذني أول وصولي إلى مسجد حي (كل تجلالت) مباشرة وأمرني بالوضوء, وكان الغالب من الناس في الصحراء يتيممون بدل الوضوء, وكان الشيخ العتيق من الربانيين الذين يربون بصغار العلم قبل كبارها مع كرم النفس، وسعة الصدر ، وعظم الصبر، متمكناً في قرآنه ، راسخاً في إيمانه داعية في سلوكه،أسوة في عمله وفي منطوقه،ومما أذكره في أول ليلة قضيتها في بيت الشيخ العتيق أنني سمعته بعد أدائه (وتره) يقول (سبحان الملك القدوس) ويكررها ثلاث مرات يمد بالأخيرة صوته فحفظت ذلك منه وكنت أقول هذا الذكر في وتري حتى جئت السعودية, وفي بعض المرات سمعني أحدهم وأنا أردد هذا الذكر فطالبني بإعادته عليه فقلت له لماذا؟ قال لأنني أول مرة أسمعه وتحاشى أن يقول لي بدعة فقلت حديث صحيح في سنن النسائي, فقال لم أسمع مشايخنا يقولونه , فقلت له هل كل ماقالوه سمعته قال لا فقلت له اجعل هذا الحديث من الجزء الذي يمكن أنهم يقولونه ولكنه لم يبلغك.
جزى الله شيخي العتيق عني خيرا.
فممالا أنساه أنني وجدت الكثير من شيوخ الجلاليين موجودا في المسجد فعرفهم الشيخ العتيق بي فوجدت نفسي وكأنني بين قومي ووجدت أنهم أعرف بي من نفسي, ورأيت فيهم من الحفاوة مالا أنساه لكل تجلالت ماحييت وقد أكرمني بذلك من حيث لايدري فأنا أحب الاستطلاع , ومعرفة الجديد في كل شيء ولا أمل من كثرة المعارف ولاأخاف في صغري أو في كبري من المجالس العامة, ولاآلف الخلوات في الفلوات.
وأذكرمن هؤلاء المشايخ.
الشيخ عبد القادر بن متال وأخيه محمد, والشيخ يوسف بن محمد أحمد واخيه الشيخ البشير والشيخ إسماعيل بن محمد الأمين والشيخ الحاج بن محمدأحمد والشيخ أمدي بن الشيخ حمدا,والشيخ أحمد بن الكرماني, والشيخ البشيربن أحمد بن موسى واخيه محمد الرشيد عرف) اعيد) وإن كان لغير هؤلاء من الجلاليين دور معين في مشواري التعليمي فإن من مر ذكرهم أقرب إلي من غيرهم وأشد ارتباطا.
تسعة أعوام في تلمذة الشيخ العتيق وعناية الشيخة سُلي بنت محمد عرف مهاما التبورقية.
مااستفد في أي فترة من فترات تعليمي مااستفدته في هذه الفترة وكان الشيخ العتيق والسيدة سلي كفرسي رهان في توجيهي وإرشادي لما فيه صلاح ديني وتعلمي.
الفترة الأولى.
لم أتأخر ولا يوما واحدا في متابعة التعليم في كل تجلالت بل بدأ لي الشيخ العتيق من أول يوم دروسا في مقدمة ابن ابي زيد القيرواني والتي بدأتها في حينا ولكنه بداها من أول المقدمة إلى آخرها، ثم بدأت الأجرومية ولم أذكرأن أحدا شاركه في تدريسي في هذه الفترة غير الشيخ الحاج وغير الطلاب الذين يأمرهم بأن يسمعوا لي ما يسمى عند السوقيين (أكلم) وهي تمارين تنشيطية يتلقاها الطالب لتقوية معرفته لباب الكلام عن طريق السؤال والجواب لُقنتُها تلقينا وحُفظتها حفظا, دون استفادة تذكر بسبب صغر سني.
والشيوخ السوقيون على إدراك تام بأن الطالب في هذه المرحلة لايعي كلما يكتب له أو يحفظه, وإنما يركزون على الحفظ في هذه المرحلة لأن الطالب يكون اكثر استعدادا للحفظ فيها أكثر من غيرها.
وبقيتُ من عام 1400 إلى 1403هجري في بيت الشيخ العتيق وألازمه في جميع أسفاره ويردفني خلفه على الجمل فأسمّعُ أحيانا,وأحيانا كثيرة استمع إليه وهو يقرأ القرآن وكان من أقرإ من رأيت للقرآن,ويتم ذلك عن ظهر قلب , ولا أذكر أنني رأيته يقرأ في المصحف وكانت قراءته للقرآن هي الأصل في حياته وغيرها من الأمور إنما تأتي تبعا لها, ولا ينافسها من وقت الشيخ العتيق غير الإطلاع وجرد المطولات, ولا ينتهي من قراءة الكتاب عادة حتى يكمله, ويحافظ على الكتاب بشكل جيد, ولا يكثر من وضع الطرر على الكتب الجديدة, وإنما يكتفي بوضع خط يسميه السوقيون (بيان) ويكون هذا الخط فوق السطر عكس ما هو مشاع الآن في المشرق من تقليد الغرب في وضع الخط تحت السطر.
المرحلة الثانية.
وهذه المرحلة وجدت فيها بعض الحرية وبدأت أبني علاقات تعليمية وأخرى شبابية, وصرت آخذ كتابي إلى من أريد الأخذ عنه, وبدأت في البطالة, فيمر علي يوم من دون أخذ الدرس, فيراني شيخي العتيق ولا يزيد على أن يقول لي يامحمد( اتق الله), وتُعد هذه الكلمة على نفسي أشدّ من السياط الكاوي وكان الشيخ العتيق لايسب ولايعنف ولايضرب وله مزاح خفيف ألطف من النسيم, وأحلى من الماء الذلال وأما الشيخ محمد الحاج فإنه ينصحني دائما ويتعدى مجرد النصيحة إلى تذكيري بقصص الفاشلين في تعلمهم, والمتخلفين عن ركب زملائهم, وكانت كلماته وإشاراته لاتخلو من الإشارة إلى المستقبل وأن كلامه سوف أتذكر أهميته بعد حين فكان كما قال رحمه الله.
الطالب المدلل.
ولزوج الشيخ العتيق السيدة (سُلى) بنت محمد (مهاما) (التبورقية) دور كبير في حياتي كما أن لأمها أمامة بنت حماد رحمهما الله نفس الدور مع أخي سفيان, في حي (كل تبورق) وكانت تهتم به كما لوكان من أبنائها.
وكان اسم (سلي) لايقابله في ذهني وخيالي إلا كلمة (الأم) ويعد الحديث عنها أوذكرها في أي مناسبة أثبت في خيالي وأرسى من الجبال, فقد تجسدت في نفسي كما تتجسد الحقائق التي لاتتبدل ولاتتغير.
وكانت تتابعني وتراقبني عن كثب , وتوقد في نفسي جذوة الجدية في التعلم وكأنها تحضرني إلى شيء معين, وكنت أستغرب من شدة حرصها في ذلك, ولها بصمة خاصة في سلوكي وأخلاقي, ولا أذكر أن أحدا يفوقها في هذا الجانب, وكانت رحمها الله خير النساء, وقد اجتمع فيها ما تفرق في غيرها ويكفي بعض الرجال اليوم, أن يكون لهم بعض ماتتمتع به من سمو الأخلاق ونبل المواقف, وهي في ترق دائم في مراقي الكمال الذي انتهى بها إلى الاستشهاد في مذبحة(وادي الشرف)التي راح ضحيتها جمع غفير من علماء وخيرة رجال السوقيين بيد الجيش(المالي) سنة 1415هجري.
وأصدق بيت عليها قول الشاعر:
ولوكان النساء كمل هذي = لفضلت النساء على الرجال
فما التأنيث لاسم الشمس عيب = ولا التذكير فخر للهلال
شعاع من مشكاة (سلي).
كانت السيدة (سلي) حريصة على أن تربيني وتعلمني بأن الأدب شقيق للعلم, ودائما ما تقول لي بكل ثقة(الأدب خير من العلم) وكانت تقول دائما وتعنيني أحيانا بذلك أن الشرف يحتاج معه إلى شرف الأخلاق فهو مثل الثوب الأبيض تظهر فيه البقع السوداء أكثر من غيره فماذ أقول عنها وماذا أدع هي مثل المصباح الذي كان على الدوام يطارد الظلام في قلبي ونفسي, وكانت تمضي إلى الغايات التربوية بخطى ثابتة لاتمل ولاتكل وكأنها ترى النتائج ماثلة أمامها, وأذكر أنني غاضبت أستاذي وصديقي الشيخ البشير بن الكرماني وكان ذلك في غياب شيخي العتيق فأخذت كتبي وقررت العودة إلى بلدي وقبيلتي فسمعتها وهي تسعى خلفي وتقول يا محمد تعال لا تذهب من عندي بهذه الطريقة وخذ قرارك وأنت غير غضبان فلم يغن ذلك شيئا فأرسلت ورائي المحمود بن محمود الجلالي واثنين من خدم الشيخ العتيق فأقنعوني بالرجوع.
وكانت تبالغ في إكرامي والإحسان إلي في كل شيء فمما أذكر من ذلك أنها رأتني يوما أتململ في فراشي من شدة حر الأرض التي كنت نائما عليها فما كان منها إلا أن طلبت من بعض الإخوة وهو عبد الحي بن مالك بإحضار سرير حديدي يجلب في الغالب من بلد (النيجر) فجاء به ومنحته لي فكان الناس يتحدثون بأن(سُلي) أفسدت الطالب محمدا ودللته أكثر من اللازم فلا ترد عليهم بشيء وكانت غاية في الأناة ,لاتتكلم فيما لايعنيها ولاتقابل السيئة بمثلها, ويعيش الواحد في بيتها شهورا فلايسمع لها صوتا, ولاسبا أوشتما, وتكرم خادماتها إلى درجة أنهن يأمرن وينهين في البيت وكأنهن سيدات البيت, وصدق من قال: (عادات السادات سادات العادات).
فنعم العون على مكارم الأخلاق هي : اختطفتها المنية قبل أن أوفي ببعض حقوقها علي رحمها الرحمان.
أهكذا تنقضي دوما أمانينا = نطوي الحياة وليل الموت يطوينا
تمضي بنا سفن الأيام ماخرة = بحر الوجود ولا نلقي مراسينا
يادهر قف فحرام أن تطير بنا = من قبل أن نتملى في أمانينا
نساء في ركبها.
وهناك نساء معها في سجل الذكريات كالسيدة الجليلة سلمى بنت حماد وأحا بنت ابراهيم وتحا بنت محمد وفاطمة بنت المنير, وليلة القدر (تيا) بنت علي وذات الدين بنت حمدا وبشرى بنت ماني وبشرى بنت حمودا وأختها أيدا وبدرى بنت محمدأحمد أخت شيخي الحاج, وكوكا بنت محمد بن عبدالله بن الميمون, والختمة بنت الحسن, ولكوكا والختمة مكانة خاصة وكان احسانهما إلي ديمة كلما زرت كل تكيرتن ومدي بنت محمود.

محمد أغ محمد 01-11-2012 11:02 PM

رد: فصول من حياتي
 
تشكر ..... وما زلنا نعاقر راحك .... فنسكر


الدغوغي 01-13-2012 04:12 AM

رد: فصول من حياتي
 
تشكر على هذا الموضوع الشيق ، وطبعا عدم التعليق لا يدل على عدم قراءته ، والتعليق فيما لا بد منه فقط :
وللتنبه ذكرت في العلاقة بينكم وبين كل أجدش أن ( .................قائلها محمد الصالح بن الثابت جد الصاوي) الظاهر أنك قصدت " تقي بن الثابت . فهو جده الأدنى .
وإلى الأمام
وبورك في قلمك

أداس السوقي 01-13-2012 09:44 AM

رد: فصول من حياتي
 
كل (أضاغ) هناك بعض الرسائل التي اطلعت عليها بين الحيين وبالتحديد بين الشيخ سيدي بن أتلاغ والشيخ أحنى ابن آيا تدل على قوة الترابط بين القبيلتين.

لعلك تقصد : آتلاغ بن سيدي ، وهو جد الشيخ باي بن محاح بن آتلاغ بن سيدي بن آحمد بن محمد الطاهر.
وما زلنا نتابع ونستمتع فإلى الأمام.

السوقي الخرجي 01-14-2012 08:41 PM

رد: فصول من حياتي
 
أشكر الاخوة محمد أغ محمد والدغوغي, والشيخ أداس على الإثراء والتصحيح المثار من قبلكما مرحب به وسوف أراجع الرسائل التي أشير إليها وهي موجودة حتى أتأكد من الاسمين.

السوقي الخرجي 01-15-2012 09:19 PM

رد: فصول من حياتي
 
سلام الله على الأخوين الكريمين الشيخ أداس والأخ الحبيب الدغوغي وهذان الرابطان هدية لكما وهما عبارة عن رسالة الشيخين الذين جرى ذكرهما في الفصول المتقدمة ورسالة الشيخ اتلغ تدل على أنني وهمتُ وشكرا يا شيخ المنتديات كما أنني أشكر الحبيب الدغوغي وأقول له القوم من عادتهم إحياء اللقب وإماتة الاسم الأصلي كما يحتمل هنا علما بأن الوالد أحمدا بن عبد أرسل قصيدة إلى الشيخ أبي بكر (ابكلي) تعزيزا لهذه القصيدة وفي مقدمتها قوله:
مابال بالي إذ أبلى الهوى خرقا == ولم يعاهد خروق الدهر إن خرقا
وصل أخا صلة إن كنت عائده === وإن حذفت فما للوصل منك بقا
أبو مضاف إلى بكر وسيرته === بث العلوم مع العلوم مع الاحسان ماافترقا
هذا وجدي قد أهدى لجدكم === شعرا وباب بحور الشعر ما انطبقا
.
.

tp://im18.gulfup.com/2012-01-15/1326647420441.jpg

http://im14.gulfup.com/2012-01-15/1326647633271.jpg

السوقي الخرجي 01-17-2012 10:53 AM

رد: فصول من حياتي
 
الاتصال مع الشيخ محمد الحاج.
لم ينقطع اتصالي بالشيخ محمد الحاج في أي فترة حيث إنه شارك الشيخ العتيق في تدريسي جميع الكتب التي أخذتها منهما ماعدا كتب اللغة والادب فإنها أخذتها كلها عن الشيخ محمد (مهمن) بن صفوان والكتب التي اخذتها من الشيخين هي:
1- مقدمة أبي زيد القيرواني.
2- مقدمة الآجرومية.
3- وقطر الندى.
4- نظم الشيخ سعد الدين لقطر الندى المسمى (غيث الجدى في نظم قطر الندى) مع شرح الشيخ محمد بن البكاي له.
5- لامية الأفعال.
6- البهجة المرضية شرح السيوطي على الفية بن مالك.
وهذا كله بالاشتراك التام بين الشيخين كما ذكره الشيخ محمد الحاج في الرسالة الآتية بعد قليل.
ومن الذكريات الجميلة أنني تجرأت وسألت شيخي محمد الحاج في (مكة المكرمة ) أثناء حجته عام 1422هجري عن معنى قول أبي زيد في مقدمته (السميع البصير) ففسره لي تفسيرا يخالف ما في كتب الأشاعرة فقلت له ليس هذا هو التفسير الذي سمعته منك في السابق فضحك وأقر لي أنه لم يستسغ كثيرا من أقوال الأشاعرة في الصفات منذ فترة بسبب توسعه في الاطلاع على الكتب التي لم تكن متاحة في السابق ولم يكن ذلك لأجل احراج الشيخ , ولم يفهم ذلك مني لمعرفته بأنني أرتاح إلى رأيه كثيرا.
وكان الشيخ محمد الحاج رحمه الله يكره التعصب ويحب كتب الحديث وعلومه ,ويندر أن يُرى في ليل أو نهار إلا وفي يده كتاب أويكتب ويؤلف في موضوع , وكان قلمه سيالا تتسلسل منه ينابيع المعرفة , وتتفجر من خلاله أوابد الحكمة, وكان رحمه الله شيخاً جليلاً حييا كريما , جميل الطلعة لاتقتحمه العين, ولايمل منه جليسه, يرتاح أصحابه إلى قربه والأنس به, يحب أصدقاءه, ويكرم أوداءه, وكان كاتباً مجيداً ، بارع الأدب ، رايق الشعر ، سيال القريحة .
وكان يحب والدي ويذكرني دائما بما بين بيتنا وبيته من العهد والود, وكان معترفا بذلك العهد مشيدا به بين الناس, ويغار علي حين يجدني عند أي بيت غير بيت الشيخ العتيق, وأذكر أن نقاشا وديا كثيرا ما يقع بينه وبين الشيخ آمدي بن حمدا ويكون موضوعه الأولى بأن أكون عنده والسبب في ذلك أن بيت آمدي هو بيت الشباب فيجتمعون فيه ويسرحون ماشاؤا أن يسرحوا والشيخ الحاج تكسوه الهيبة, ويعلوه جلال العلم فلا يغشى مجلسه إلا من أجل الاستفادة فقط.
ولما كثرت ارتباطات الشيخ العتيق من جهة الحكومة, وتعددت أسفاره أمرني بأن أرتبط بالشيخ الحاج في فترات غيابه, فكنت على ذلك طيلة مدة تواجدي بينهم وأحسن وصف لحالتي مع الشيخين قول الشيخ الحاج نفسه في إحدى تزكياته لي وهي:
(بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله تعالى على محمد وآله وصحبه وسلم الحمد لله على نعمه التي لاتحصى , وأيادية التي لاتستقصى والصلاة والسلام على أشرف المرسلين, محمد المبعوث صفوة للعالمين, وعلى آله وصحبه أجمعين, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيقول الكاتب الآتي باسمه عند انتهاء رسمه أن الإبن محمد بن أحمدا بن عبدُ الحسني الإدريسي حفظه الله تعالى, ونسأ في أجله, في عافية ورزقنا وإياه اتباع سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم, وأكرمنا وإياه بالعلم والعمل به قد ربيته في صغره ولم يزل في تربيتي إلى كبره, وأخذ عني من العلم جملة وافرة, منها علم النحو وقد أخذ عني مقدمة الآجرومية بشرحها, وغيث الجدى نظم قطر الندى لابن هشام والنظم لشيخنا وشيخ شيوخنا سعد الدين بن عمار والد الشيخ محمد العتيق وكذلك الفية ابن مالك بشرحها البهجة المرضية للسيوطي وكذلك عقيدة أبن أبي زيد القيرواني التي جعلها مقدمة لرسالته الشهيرة كل ذلك بمشاركة تامة مع الشيخ العتيق بن الشيخ سعد الدين الحسني وربما مكث أياما في صحبة هذا وتلمذته ويمكث أياما أخر في صحبة الآخر وتلمذته وربما جمع بين ذلك في يوم واحد لأنه جاري بيت بيت وكل منا في أشد حرص على تعليمه وتنشئته على الأخلاق السنية والآداب المرضية وتمرينه على ذلك حضرا وسفرا.
وأشهد أني مارأيت منه إلا خيرا محبا للعلم وأهله حريصا على ما استفاد منه وإن قل محترما لشيوخه ومبجلالهم , بَرًّا بجميع من له عليه حق الولادة وحق التعليم, ولقد كان والده- وهومن أجلاء علماء بلده- ربما قال لي ونحن بحضرة الناس أن تلميذكم قد حسن حاله وربما زاد على ذلك في الثناء - مبالغة في بره له- أحسن الله عاقبتنا في الأمور كلها وأجارنا وإياه من خزي الدنيا وعذاب الآخرة إنه سميع قريب مجيب.
ونختم القول بأنا ماشهدنا إلا بما علمنا وأنا لانزكي على الله أحدا, وحسبنا الله ونعم الوكيل التوقيع).
محمد الحاج بن محمدأحمد الحسني بتاريخ\ 1\7\1420 هجري.
والرسالة خير شاهد على ما تقدم وهي تدل على اهتمام الشيخ محمد الحاج بهذا الأمر, والتفاصيل التي ذكرها تدل على ذلك وقد يخفى علي بعضها رحمه الله, فقد كان وضعي معهما مثل ما وصفه تماما,ونلتُ من رعايتهما وشفقتهما ماطوق جيدي وسابقى ممتنا لهما بذلك ماحييت.
وتعد هذه المرحلة التي تحدث عنها شيخي الحاج من أنبض المراحل التعليمية في حياتي وهي أغناها بالذكريات وأحفلها بالعواطف الجميلات فهي مثل الحقل فلو عاش أوألفَ عام فإن ذلك لامحالة تبع لليوم الأول الذي يُرسم فيه الأساس وتُحدد المعالم وتُبذر البذور ولو أن حفرا أجريت في قلبي لوجد فيه الكثير من الزوايا المضيئة التي شع نورها بواسطة رجال من أهل العلم جعلوا تعليمي والعناية بي ضمن أولويات شغلهم وفي مقدمة جدول أعمالهم اليومي.
السياسة التعليمية.
السياسة التعليمية في السوقيين تبنى في الأساس على إفراد العلوم وعدم تزاحمها على الطالب ويرون اخذ العلم كمثل الكأس يمتلئ حينما يصب فيه برفق وإذا صب عليه بقوة فإنه ينبو عنه الماء فلا يمتلئ أبدا.
وكان الشيخ الحاج كثيرا ما يقول لي (قليل قر خير من كثير فر).
ويعد أخذ درسين في كتابين في آن واحد من المستحيلات فلا نطمع في أن نأخذ من كتاب حتى نكمل الذي قبله.
الاهتمامات الأدبية.
لست أنسى لشيخي العتيق أنه أول من شجعني في التعلق بالأدب والشعر,وأذكر أنه سمعني وأنا أقرأ قصيدة لبعض أدباء السوقيين والتي كان يستكتبها عالم من الأزهر اسمه سمير وقد زار قرية وادي الشرف, بصحبة شيخي العتيق , وكنت معجبا بشعر بعض أدباء السوقيين مثل .
الشيخ المحمود بن الشيخ حماد.
والشيح أحمد بن موسى.
والشيخ محمود بن محمد الصالح .
والشيخ عيسى (القاضي) بن تحمد.
والشيخ إغلس بن محمد بن اليمان.
ومحمد بن تان.
وأما الطبقة التي بعدهم فيعجبني شعر.
شيخي محمد الحاج بن محمد احمد.
الأديب المصقع محمد بن يوسف.
والشيخ الأديب المرتضى بن محمد.
وجدير هنا بيان أنني لا أقلد في ذوقي أحدا وقد حدثني وهو صادق أن بعض ماجادت به قرائح ثراثير بلغائنا وشعرائنا رائع وجميل, ولكنهم على جلالتهم وشفوف مكانتهم, وعلو منزلتهم, يدونون ويؤلفون في بعض الأحيان أكثر من كونهم يشعرون, وهذه حالة كل نضو للغة حبيسها فيبني بيتا جميلا مزخرفا ولكنه يبقى بعيدا عن شواطئ الخيال, وأوابد الحكمة.
ويبدو أن الشيخ العتيق أعجبه تعلقي المبكر بالأدب والشعر فأراد أن يعرف مدى قدرتي على قول الشعر فقال لي: ائتني بأبيات من إنشائك فما ركدت رياح استمداد قريحتي في ليلتي تلك, ولكنها أبت أن ترشح بشيء فهي كما قال القائل:
وتوَخَّني بالعُذْرِ إنَّ قريحتي = كالضَّرْع جفَّ وشحَّ مما يُحْلبُ
وكلما تنحنح الشيخ أو تحرك ظننت أنه سيناديني ويسألني عن الأبيات فقررت التخلص والتملص من هذه الكوابيس والذهاب إلى بعض لداتي لألعب معهم (الكرت) حتى أنسى موضوع الأبيات والتفكيرَ فيها فقد ظللت طول الليل أجوس خلال محفوظاتي من الشعرلآخذ منها قطعة أوأختلس مصرعا أوبيتا وباءت كل محاولاتي بالفشل فقد عجزت حتى من السرقة الذين يسميها بعض الشعراء ظلما وعدوانا (توارد الخوطر) ومن اختيار الموضوع الذي يعد اختياره أصعب علي من صياغة الشعرنفسه وكنت أحفظ قطعا كثيرة من الشعر العربي ولكنها غابت كلها عن ذاكرتي وأنا في هذه الحالة إذ أتاني بعض أصدقائي الذين لهم مكانة في نفسي وهوعلي بن محمد عرف(أتو) فبمجرد رؤيتي له تغير كل شيء أمامي فكان خلاصي بلقائي به حيث أنني قلت مباشرة وأعنيه شخصيا بذلك.
ياسائلي عن وصف هذا الشريف= سألتني عنه زمان الخريف
اسمع حديثي فإني امرء= مبتدء لكن بأمر خفيف
فماكان ذاك الوقت خريفا بل كان صيفا قائظا ولكن الرغبة في إتمام البيت والتغلب على هذا التحدي خلطا الفصول ببعضها لتتحول إلى خريف تتساقط أوراقه كما تساقط عرقي تلك الليلة في تكرار المحاولة واستمطار قريحتي التي كانت شبه فارغة من قرض الشعر.
فذهبت بالبيتين إلى شيخي محمد الحاج فقرأ البيتين وأعجب بهما وأمرني بتعديل كلمة (سألتني)إلى) (تسألني) وحثني بأن أعرض عليه في المستقبل كل محاولاتي من الشعر أو النثر حتى يهذبه وكان يريدني مهذبا رحمه الله رحمة واسعة ومن شدة عنايته بذلك أنني قرأت عنده بيتين له ولبعض أحبابه المقربين منه تشاركا فيها وهي:
بيس عيشا (كتكل) = عفته كلا بكل
لاتكل لي منه إما = قلت يوما لك كل لي
فقال لي شيخي الحاج أجز البيتين فقلت:
إنه حظ جدير = بذئاب أو بأول
فكان صدر البيتين للشيخ الحاج وعجزها لأحمد بن الكرماني (مصلي) والهدف من ذلك المبالغة في محاولة ربطي بالأدب والشعر في وقت مبكر.
ولم يزل ذلك دأبه يتابع كل شيء أكتبه وينمي في نفسي الاهتمامات الشعرية والأدبية وكان من نتائج تربيته أنني قمت بخدمة الأدب والشعر الخاص بأدباء صحراء الطوارق منذ ما يزيد عن عشرين سنة وألفت في ذلك كتابين هما: (أنوار الشروق في شعر أدباء أهل السوق) و(المدارس الأدبية في صحراء الطوارق) والأ خير مطبوع طبع في الأردن بواسطة دار أسامة للدكتور نبيل ولكنه لم يف بما وعدني به فطبع المسودة التي في (السيدي) وهي مليئة بالأخطاء وترك الكتاب الذي أرسلته إليه في البريد والله المستعان
وبالجملة فإن شيخي الحاج كان يراسلني ويوجهني رغم أنه في(مالي)وأنا في السعودية ومن ذلك رسالة وجهها إلي وهي:
(بسم الله الرحمن الرحيم , صلى الله تعالى على محمد وآله وصحبه وسلم
من الكاتب الحاج بن محمد أحمد إلى الابن البار محمد بن أحمدا حفظه الله ورعاه بعينه التي لاتنام سلام لايضاها وتحايا لاتتناهى موجب الإرسال إليك بعد تجديد العهد بك بالمكاتبة وإن طال العهد بينك وبين توجيه الكتاب إلي أني مسرور غاية السرور بما بلغني من (انتهاضك لإحياء تراثنا القديم) وتلافي ما لم يفت وقت تلافيه من الآثار الموجودة أهلها في الحال وإنقاذ ما ظفرت به منها من براثن الضياع ولما بلغني ذلك فرحت بذلك إلى الغاية لأن ذلك أحسبه إذا حصل على يديك من تمام عملي لأني قد أخذت في جمع الآثار منذ ماينيف على عشرة أعوام فجمعت ولله الحمد منها كمية هائلة وقيدت من شواردها كثيرا إلا أني عاقتني العوائق عن الشروع في كتابة شيء من ذلك الموضوع -أي موضوع جمع الآثار على حدة,لكني لما لقيت واحدا من اخواننا من اهل (كيدال) وكان معه إذذاك نسخة مما كتبت في ذلك تمنيت أن تكون بالقرب مني حتى أخفف عليك بعض مافي طلب جمعها من المشاق ومع ذلك لم أزل انتظر رسالة منك تطلب المعونة فيها على ذلك وأتعلل أيضا بإمكان اللقى بيننا.
وما أنا من أن يجمع الله بيننا = على خير ماكنا عليه بآيس
فلما طال الأمد ولم أر منك كتابا في ذلك أرسلت إليك هذه المذكرة لتعلم أني مستعد لمساعدتك في تلك المهمة ولم أهد إليك شيئا من ذلك لاستعجال سفر حامل الكتاب لي قبل الاستعداد الكافي.
وأخيرا أذكرك أن الكتاب الذي أرسلت إليك في طلبه هو تهذيب التهذيب لاتقريب التهذيب والمرجو منك أن ترسله في يد الأخ(آمدي) مشكورا مأجورا إن شاء الله هذا.
وبلغ سلامي إلى أهل بيتك جميعا).
رجع إلى موضوعنا وهو الحديث عن هذه الفترة الثانية من طلبي للعلم وقد سمعت عن كثير من علماء كل تجلالت في هذه الفترة ولم يكن أخذي العلم محصورا على الشيخين بل هناك رجال من أهل العلم في الحي أخذت عنهم وفي مقدمتهم الشيخ اسماعيل بن محمد الأمين (فالينن) فقد أخذت عنه دروسا عديدة من نظم قطر الندى للشيخ سعدالدين بن عمار بشرح الشيخ محمد البكاي ولأخذي من هذا الكتاب قصة وهي أن الكتاب لاتوجد منه إلا نسخة واحدة, وهو عبارة عن مخطوطة ولايمكن أن استخدمها بدون إشراف الشيخ العتيق أوالشيخ الحاج أوالشيخ محمد الأمين خوفا عليها من التلف فينوب كل واحد عن الآخرفي حالة غيابه وكذلك الشيخ أحمد المصلي وأخوه الأستاذ البشير ابني الكرماني والأستاذ تغلفت بن محمد والأستاذ أنس بن المحمود ومحمد بن ختلوس ومفلح بن ابراهيم والشيخ آمدي بن حمدا والأخير له طريقة في تفهيم الدرس جيدة وبديعة ولا أذكر أنه درسني درسا إلا وفهمته رحمه الله.
وأما اللغة فقد أخذت مقامات الحريري عن الشيخ محمد بن صفوان وكان رحمه الله شديد الحرص على أن أتقن ما أخذته عنه من المقامات ويدرسني بواسطة الترجمة باللغة(الطارقية) وغالب الدروس التي تؤخذ في الصحراء تؤخذ بواسطة الترجمة وعندما وصلت إلى المقامة الرابعة والعشرين طلب مني أن ألقي الدرس بنفسي ليرى مدى قدرتي على الترجمة ومدى استيعابي لما مر علي من الدروس وعندهم أن من أكمل بضعا وعشرين مقامة فإنه سوف يمر عليه الغالب من المفردات الموجودة في المقامات الباقية وكانوا يعتنون أشد العناية بالمقامات وأشعار العرب ويقولون بأن الغالب من المفردات اللغوية الواردة في القرآن موجود في المقامات ماعدا ثماني كلمات كما أن أشعار العرب هي اقرب إلى لغة الحديث النبوي ولذلك فإنهم يبالغون في الاهتمام بالمقامات وأشعار الجاهلية.
وللمقامات أهمية بالغة في تعليم الأساليب العربية والتمرين على تذوقها تمهيدا للاستفادة منها في الخطابات والرسائل والأشعار ولاشك أن المقامات صيغت لأغراض تعليمية في قوالب مختلفة, ومواضيع ذات طابع فكاهي غير جدي وهي أسلوب قصصي تتخلله حيل وموافق مضحكة وأخرى محزنة وبطل القصة شخص متشرد ظريف وتحمل هذه المقامات شحنات من السخط على المجتمع وعدم الاعتزاز بالوطن وتقديم المصلحة الشخصية على المصلحة العامة ومن الأمثلة على ذلك قول الحريري في إحدى مقاماته (ومن حكم بأن أبذل وتخزن وألين وتخشن وأذوب وتجمد لاوالله بل نتوازن في المقال وزن المثقال ونتحاذى في الفعال حذو النعال حتى نامن التغابن ونكفى التضاغن) وتلك هي طبيعة المقامات التي صيغت في فترة تاريخية القت بظلالها على هذه المقامات ولاننسى أن الشاب ياخذها عند السوقيين في مرحلة المراهقة وفي وقت يحتاج معه إلى دروس تربوية تكبح جماحه وتحد من انفعالاته واندفاعاته.
والشعر الجاهلي على جاهليته يختلف عن المقامات فيربي النشأ على قيم وأخلاق تحمل غايات تربوية متعددة سواء في الشجاعة والكرم وعدم الرضى بالضيم والصبر والتحمل ومكابدة المشاق وغير ذلك من الفلسفات الأخلاقية التي خلت منها وديان المقامات التي تنضح استجداء وتربي عليه وتجمل التلون بعدة ألوان والتشكل بأشكال مختلفة إلى غير ذلك من المواقف المتناقضة التي تنمي في الشاب في مرحلة مبكرة من شبابه التلون والتشكل وتغيير المواقف والتنازل عن المبادئ بسهولة.
وأما حي (كل تبورق)فلم أذكر أنني أخذت دروسا مباشرة عن أي واحد من علمائه ولكنني نلت شرف حضور مجلس دروس الشيخ المحمود بن الشيخ حماد في التفسير والفضل في حضوري لها يعود إلى أستاذي البشير بن الشيخ الكرماني فهو الذي شجعني على الحضور, ويفسر لي بعض العبارات الطارقية التي يصعب علي فهمها, وكان هذا المجلس الذي يلقي فيه الشيخ دروسه حافلا وحاشدا يحضره جميع العلماء وطلبة العلم من الأحياء الثلاثة وهي حي (كل تجلالت) وحي ) كل تبورق( وحي)كل تكيرتن( وأذكر أن هذا الدرس مكث عدة شهور, وبدأه الشيخ المحمود من البقرة إلي قوله تعالى في سورة الأنعام) إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين).
ومن الأشياء التي سجلتها ذاكرتي في هذا الدرس الحافل بالفوائد والنقاشات المهمة أن الشيخ إذا استشكل شيئا من التفسير أوغيره فإنه يفتح حينئذ باب المشاركة للجميع فيبارى كل من عنده كتاب تفسير الجلالين الذي يعتني السوقيون بوضع الحواشي والطرر عليه والتي تضم شتيتا من المعارف والفوائد ومهمات المسائل التي يودعونها هذا السفر فيتحول إلى كنز ومنجم كبير من المسائل العلمية, وهمّ كل واحد من الحاضرين أن يعثر على استشكال الشيخ ويتكرر ذلك عدة مرات مما يطيل في مدة الدرس ووقته ومما أذكره من ذلك أن الأستاذ إما بن السعيد عثر على بعض هذه الاستشكالات في كتابه وكان في طرف المجلس فقرأ بأعلى صوته ولكن صوته بقي منحصرا حواليه لأنه ليس جهوري الصوت فوقف على أطراف قدميه رافعا صوته بقراءة ماظفر به من النقول التي تحل المشكل فحدق فيه الجميع أنظارهم فأتم القراءة دون توقف ودون لحن أوخطإ في إعراب ما قرأه ويعد ذلك مفخرة عظيمة ومنقبة جليلة لدى السوقيين.
ولا أذكر أنني أخذت عن الشيخ المحمود غير الحضور في هذا الدرس وكان معي دفتر سجلت فيه بعض الفوائد التي استفدتها من ذلك الدرس وضاع مني بعد ذلك, غير أني قرأت عليه بأمر منه - وكنت أكبس له - مقدمة(غيث الجدى نظم قطر الندى للشيخ سعد الدين) ووقع ذلك في مناسبة سفرة سافرها إلى جهة (منكا) وأنا بصحبة شيخي العتيق بن سعد الدين الذي كان معه وكنا في ذلك اليوم في ضيافة حي من (دواسحاق) يسمى(إدوكريتن) وأذكر أنني أخطأت في قول الناظم:
وإنني سميته غيث الجدى= في نظم نثر شيخنا قطر الندى
فقرأت (قطر) بالرفع وعدلها لي رحمه الله.
وأما حي (كل تكيرتن).
فقد استفدت من علمائه وشيوخي منهم.
الشيخ المحمود بن الاغ فهو من شيوخي أخذت عنه دروسا حافلة بالفوائد في (مراقي السعود) وخضرت له دروسا في التفسير أيضا والشيخ العلامة زدا بن حميد فقد حضرت له عدة مجالس علمية وكان دائما يختبرني في النحو وأهرب من مواجهته لذلك , لأن سؤاله مشكل وجوابه كذلك فيختار العيار الثقيل من أسئلة النحو ويناقشني في الجواب حتى تضيع المعلومات البسيطة التي عندي ,وزين الدين بن عبد الفتاح والأخير ماأخذت عنه مباشرة ولكنني استفدت منه من خلال نقاشات علمية دارت بينه وبين الشيخ الحاج ولا أنسى إحسان وشفقة حسان بن محمدُ بن عبد الله بن الميمون وأخويه محمد إبراهيم ومدوا فلاأذكرأنني التقيت مع أي واحد من الثلاثة إلا وذكرني بالعهد الذي بين بيتهم وبيتنا وحضرت لعثمان بن ألاغ درسا في الفقه ولم آخذ منه مباشرة ويعجبني صوته فإذاحضرمجلسا تمنيت أن أسمع نغمته الجميلة بأي ثمن ويُختار في الغالب لقراءة آي من الذكر الحكيم أثناء ختم بعض طلاب هذه الأحياء القرآن, فأحضر لسماع صوته وأترك أشغالي لأجل ذلك*.

ــــــــــــــ
*-الشيخ محمد الحاج هو والد الأستاذ أحمد محمد المشهور في المنتديات بالشريف الأدرعي).
*- الشيخ عثمان بن ألاغ هو والد نافع بن عثمان المشهور في منتديات مدينة السوق ب(اليعقوبي).
*- وأرجو من الاخوة الادرعي واليعقوبي تصحيح ما يحتاج إلى التصحيح من هذه الاسماء والتأكد منها لأنني قد أنسى بعضها.

نقرتين لعرض الصورة.
[url]http://im15.gulfup.com/2012-01-18/1326900059931.jpg[/url
[url]http://im21.gulfup.com/2012-01-18/1326895840821.jpg[/url

الشريف الأدرعي 01-18-2012 05:18 PM

رد: فصول من حياتي
 
Size="6"]وكان يحب والدي ويذكرني دائما بما بين بيتنا وبيته من العهد والود, وكان معترفا بذلك العهد مشيدا به بين الناس[/size]
[color="green"]جزاك الله أخي محمد عن شيخك محمد الحاج خير ما يجزي الابن البار عن شيخه .
ولاشك أنك في هذه العجالة وفيت بعض الحق الذي يطمع فيه المربون في تربية أبنائهم.
ولم تبالغ في كل ما وصفته به مما أشاركك معرفته .

وجزاك عن شيخنا العلامة العتيق خيرا، فقد صدقت إذ وصفته بـ(الرباني) ، وأحسنت إذ رددت بعض جميله عليك بالثناء الحسن .
وجزاك عن كل تجللت خيرا حيث لم تنس حتى العجائز اللاء لم يبخلن عليك بماء قربها البالية في اليوم القائظ ـ وإنها لغالية عند الحاجة ـ ولاثمن لها بعد إلا الشكر ، وقد شكرت ووفيت .
وجزاك عن السوقيين خير الجزاء ، فإنك من محبيهم المهتمين بهم وبتراثهم

أما الشيخان والدك ووالدنا فإن المحبة بينهما لا توصف، وعندي رسالة من والدكم بخطه إلى والدي يطلب منه مهمة ما ، من نصها (ولا يظن أن يقوم بذلك غير الشيخ الحاج الذي كان غير حسود فكان غير المحسود) وغالبا ما يوقف والدكم نشر بعض كتاباته العلمية الخاصة ليطلع عليها أخوه وصديقه شيخك الذي تتحدث عنه .
هذا ما سمح به وقتي من التعليق على هذا المبحث من فصول حياتك .
ولعلي أجد فرصة أخرى منتهزا فرصتي هذه لأقرء أحسن السلام الإخوان الأحباب أداس وأبا عبد الله وأبا العباس واليعقوبي ومحمد أغ محمد وحكيم و.....[
/color]

السوقي الخرجي 01-21-2012 07:25 PM

رد: فصول من حياتي
 
اشكر الشريف الأدرعي على كلماته الجميلة, ولا شك أن الوفاء كلمة جليلة القدر , عظيمة الأثر في قلوب المحبين, ومن هيبتها في نفسي أنني أتجنب أن أصف بها نفسي , لمقامها ومكانتها التي أرى قلبي الصغير, ونفسي الضعيفة , تتقاصر دون الوصول إلى تحقيق معناها, وبقي لي أن أشكرك على معانيك وكلماتك الجميلة.

السوقي الخرجي 01-21-2012 07:28 PM

رد: فصول من حياتي
 
مدرسة الفلاح والنجاح في وادي الشرف.
مدرسة الفلاح هي أولى محاولات الانعتاق من التعليم التقليدي إلى التعليم العصري في تلك الأحياء وكان الشباب يستبشرون بها خيرا, وأذكر أن عالما من (موريتانيا) اسمه محمد زين هو الذي جاء بطلب من الشيخ العتيق بتحديد مستويات الطلاب ؛لأنه يشرف على مدرسة في قرية(انسنقو) ولكنه استعمل معنا أسلوبا في تحديد المستوى غريبا حيث أنه عقد جلسة وفاجئنا بالاختبار وهو عبارة عن أبيات من شواهد ابن عقيل فأصبنا في إعراب بعض وأخطأنا بعضا فرسَّبنا جميعا ولم ينجح منا غير العتيق بن سميلا وكنا أحسن منه في الإعراب قبل ذلك بكثير فعقدنا العزم على الذهاب إليه لاستكشاف حقيقة تفوقه المفاجئ وأمطرناه بكل غريبة وألجأناه إلى أضيق من سم الخياط وأكثرنا عليه من التهديد والهياط والمياط حتى اعترف بأنه أخذ إعراب البيت خلسة من نسخة من كتاب ابن عقيل كانت معه فقرر الشيوخ إعادة اختبار الجميع مرة ثانية وتولى ذلك الشيخ محمد الرشيد بن موسى فنجحنا ولله الحمد وفرقونا في الأقسام بناء على مستوياتنا وكنا ندفع رسوما رمزية لاتزيد على 3000 فرنك سيفا كل شهر وقد استفدنا من المدرسة الكثير وأذكر أن إدارتها كلفتنا بإنشاء رسائل لمعرفة قدرتنا على التعبير فاخترت اللغة العربية واختار زملائي ماشاؤا من المواضيع فقرأت رسائلنا في مجلس الشيخ المنيربن الشيخ حماد ورجعت إلي رسالتي وقد كتبت في آخرها العبارات الآتية(ولغة القرآن والحديث عربية وكلام أهل الجنة عربي لافض فوك ولاشفي من يجفوك) ولا أعرف كاتب هذه الكلمات ولكنها من قول الشيخ المنير بن الشيخ حماد.
لداتي من كل تجلالت
مظدا بن محمد والعارف بن محمد وأما بن يوسف ومحمد بن توحه ومحمد بن عبد القادروأحمد بن يوسف والبارق بن محمدُ ومحمد بن القاضي وكبيره لوط والشاهي بن زيد ومسعود بن مهمن وأخو محمد إبراهيم وبعض من مر ذكره في سني وبعضهم في طبقة فوق طبقتي ولكن الحب والوداد بيننا هو الرابط وليس السن هذا عن الأحرار.
أما الخدم فأولهم أيا واقو بن هسا والضو بن هسا واغلسانغ اما الخادمات فأذكر خادمات سلي وهي وارنلها بنت ارقويش وايهيدا ونغلسانغ.
لداتي من كل تكيرتن.
منير بن محمد بن حميد وأحمد بن آمدي ومنير بن تسن وتقي الدين بن محمدُ والبشير بن ظلع وأخوه أنارا والمحمود بن أحنى.
لداتي من كل تبورق.
محمدُ بن المنير وهوأحب إلي وإخوانه محمود والحاكم وإدريس وأحمدٍ بن البشير ولكن الاتصال بالأربعة قبله أكثر ومحمد ابراهيم بن الشيخ المحمود وقد اختطفته المنية بيننا قبل أن تتوطد العلاقة بيننا وعلي بن محمد ( أتو ) والبشيربن محمد والحاشر بن حماحما ومحمود بن محمد وصح بن علي وغيرهم.
وقد فارقت الجميع ولله الحمد وكلهم يشتكي مما أشتكي منه من لوعة الفراق, وألم البعد عن الأحباب وقلت في بكاء تلك الأيام:
طال ليلي بين الجوى والنحيب ليت دمعي يطفي أوار اللهيب
قال لي لائمي وكم من ملوم غير مصغ ولائم ذي شغوب
كفكف الدمع لاتري الدهر عجزا واقتحم في فضا الحياة الرحيب
واترك النجم يسهر الليل وترا وذر الحزن للشجي الغريب
ظن كوني بين الأهالي سيطفي لوعة الشوق أوفراق الضريب
غير ناس من قلبه عند ناس دنف من فراق أرض الحبيب
ويح نفسي فكيف أنسى ليال وسط صحبي في غفلة من رقيب
قد هصرنا فيها عناقد لهو وقطفنا من كل غصن رطيب
وحفظنا صحاح ود متين وانتشقنا من عهدها كل طيب
آن وجه الشباب غض طري ليس يشكو تقطبات الشحوب
من يعل هم أمرنا سيجدنا بين داع إلى الهوى ومجيب
قد عصينا عزالنا حين لجوا وفعلنا في الأنس كل عجيب
وا ليال مضت ولا هي تخلو من وديد مؤانس وتريب
قد بثثنا فيها كتائب أنس هي هم الفتى وشغل الأديب
مسك الختام.
وقد شرفني الله تعالى بأخذ الإجازة من شيخي العتيق بن الشيخ سعد الدين وكنت ممن يرى أن الاكثار من الإجازات لافائدة فيه في هذا العصر, إلا من الشيوخ المباشرين لأن الإجازات وسيلة وليست غاية, ولأن الأوائل يكثرون منها لغرض الحصول على الأسانيد العالية.
وقد لقيت شيخي العتيق في مكة المكرمة في 18 ذي الحجة عام 1418 هجرية فأجازتي بمانصه: (بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على محمد سيد المرسلين, وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد:
فيقول كاتب الحروف محمد العتيق بن الشيخ سعد الدين السوقي الإدريسي من جمهورية مالي قد أجزت (تلميذي) وابن أخي محمد بن أحمدا بن عبد بما أجازني به والدي الشيخ سعد الدين بن عمار من رواية صحيح البخاري وغيره من كتب الحديث الموجودة عندنا كالصحيحين والموطأ والسنن الأربعة والشيخ الوالد أجازه شيخه محمد الصالح بن محمد (بفتح الميم الأولى)ابن ميد (بكسر الميم والدال) وهو أجازه مهدي بن الصالح بما أجازه به محمد ألاغ بن أحمد بن هماهم عن شيخه الصالح والد مهدي عن الشيخ مَحمد (بفتح الميم) ابن هماهم عن شيخه أحمد بن الشيخ بن أحماد بلا واسطة وبواسطة ابنه حم وهؤلاء السبعة كلهم من حي أهل تجلالت السوقيين.
وأما الشيخ أحمد بن الشيخ فأخذ عن محمد بغيغ بن محمد جورد عن أبيه عن جده إلى آخر السند.
وأجزته أيضا بما أجازني به الشيخ عيسى القاضي بن تحمد بصيغة مضارع أحمد عن الشريف مولاي عبد الرحمن بن أحمد عن الشيخ الكنتي باي بن سيدعمر عن شيخه حمزة الفلاني التواتي إلى آخر السند.
وأجزته أيضا بما أجازني به الشيخ إسماعيل الأنصاري وهو أوسع من جهة المأخوذ عنهم ومن كثرة المأخوذ.
وأوصيه بتقوى الله والجد في طلب العلم والعمل به وأن يكثر لي من الدعاء الصالح.
وكتبت هذه الإجازة يوم الاربعاء18 من ذي الحجة عام 1418 هجري في دار عبد الله موسى التمبكتي في مكة المكرمة.
العتيق بن الشيخ سعد الدين )

رابط صورة الاجازة.

http://im21.gulfup.com/2012-01-22/132721287841.jpg


اليعقوبي 01-23-2012 01:03 AM

رد: فصول من حياتي
 
بارك الله فيك أخي أبا عبد الرحمن فقد استمتعت بهذه الفصول كغيري من المشاهدين الكرام..
وقد أزيد على بعضهم أن بعض الصور التي شاهدتها في جزيرتكم رأيتها ماثلة في خلدي حقائق.. أحسبني حينها أنني في حلم.. وأن الزمن رجع إلى الوراء..

أخي الكريم لقد بدأتُ من حين بدأتَ الحديث عن أحيائنا ـ أشد النظر لعلي أجد ما يحل لي لغز عدم شعوري بكم رغم أن ذكركم مدو في أوساط الحي (طبعا بعد ما بدأت أسمع).. فلم أتفاجأ بكم إلا في موريتانيا ..

ومما زادني استغرابا أني من الزوارين لشيخكم العتيق صحبة جدتي أم عمي الشيخ إسماعيل بن ظلع: ربيعة بنت متال..
ومع ذلك ما شعرت بكم ولم أجد لكم حسا.. رغم أني عرفت الأخ سفيان من طريق خالي..

وقد أبنت عن اللغز حين ذكرت لداتك .. فبان لي أنكم غادرتم الحي وما زلت في حضانة اللوح.

السوقي الخرجي 01-28-2012 12:15 PM

رد: فصول من حياتي
 
اشكر الأستاذين الكريمين الأدرعي واليعقوبي على إثرائهما ومشاعرهما الطيبة, و واصلا في المتابعة والاثراء ففي الجعبة مزيد .

السوقي الخرجي 01-29-2012 11:44 AM

رد: فصول من حياتي
 

المرحلة السعودية.
كنت في جلسة هادئة مع الأخ العزيز مظدا بن محمد جمعني الله وإياه في مستقر رحمته نحتسي معتق الشاهي الأخضر الذي مازلت مدمنا لشربه حتى الآن وقدقلت فيه:
هز الهوى عطفي كغصن الآس = فتصعدت لنزوله أنفــاسي
بث الرسائل في الحشا متواريا = في دجن ليل ذي هموم عاس
إني أعيذك من تسلط مابنـا = منه ومن شيطانه الوسـواس
فإذا أذان الهم صرخ داعيـا = وأتى وخيم عنوة في الرا س
فأزل قناع الهم عنك بأخضر = فهو السبيل لخطف هـــم راس
فهو الذي عهدي به أرمي به = خدع الزمان الضاحك العباس
فمتى ترقرق في الكؤوس تسلسلت=شوقا إليه أحادث الجـلاس
عن نكهة يروون عن بــراده = عن طعمه عن شربه عـن كاس
عن أول عن ثان أو عن ثالث = ما دام يحلو في مذاق الحــاس
فهو الغبوق هو الصبوح بمالنا = نَشريه عن جدة وفي إفـلاس
و إذا تقدم قبل حسو (طنجة ) = وافقت فعل السادة الأكياس
****
ومعنا مجموعة من شباب كل (تجلالت) ننشد الأشعار, ونتغنى بسينية البحتري, وكنت طروبا أرتاح إلى الصوت الجميل, وتطربني نغمات السوقيين بالشعر, ولا أجد في نفسي نفس الميل للغناء الحرام, وقد تربينا على أن الغناء ينبت النفاق في القلب, وادركنا أن شيوخنا لايسمحون بآلات اللهو, ولايقبلونها بحال, ومن الذكريات التي طبعت في ذاكرتي حتى اليوم أن معلمي محمد الأمين بن محمد, جاءه وفد حاشد من المغنين وفي مقدمتهم زعيمهم في البلد (إخن) و كان برفقة والده سيدي فأكرمهم وأحسن وفادتهم وأجازهم بمبلغ من المال يحمي به عرضه, لأن بعض العلماء لم يجر حديث (احثوا في وجوه المداحين التراب ) على ظاهره وتأولوا (التراب) على أنه كناية عن المال قال الشاعر:
وكل الذي فوق التراب تراب
والمال حقير في مقابلة العرض , فمعلمي ممن يرى قطع لسانهم بما يحمي عرضه , ويبعد عنه أذى هجائهم .
فحصل لهم نوع من الفرح بذلك, فأخذ (إخنِ) العود وبدأ يعزف ويغني فقال له الشيخ ما ذا تفعل فقال عادتنا أننا إذا أكرمنا في مكان غنينا وأظهرنا الفرح بذلك, ونوهنا بمحاسن من أحسن إلينا.
فقال لهم الشيخ ونحن أيضا من عادتنا أن مساجدنا وبيوتنا لايسمح فيها بالغناء فلكم عادتكم ولنا عادتنا.
فخرجوا من الحي غاضبين, وهذه قصة معروفة ومشهورة لدى الناس.
وأنا في تلك الحال مع أصحابي إذ جاءتني رسالة من ابن خالتي الأخ مسوسي بن محمد عام 1407 هجري / 1987م يطلب مني الذهاب إلى الجزائر لأخذ الوالدة منها ومما أذكره من طرائف هذه الرحلة أننا انطلقنا من قرية (تنظواتن) الجزائرية في رحلة شاقة وفي شاحنة يصم ضجيج محركها الآذان, وكنت أنا ومجموعة في الصندوق وفيه عدة براميل بنزين, فاعترض سبيلنا قطيع من الغزلان فتحركت نهمة السائق إلى الصيد فأدار المقود وانطلق وراءها في ميادين صحراوية تصلح للمطاردة والسباق ولكن المشكلة في البراميل الرابضة بجوارنا فكلما أدار السائق المقود تحركت البراميل واتجهت إلينا فنهرب منها في زوايا الشاحنة وهكذا دواليك إلى أن ند أحد الغزلان عن القطيع فأخذنا مافي السيارة من الحطب وجعلنا نرميه به إلى أن انتهى الحطب وتم ذلك بدون علم السائق وبعد جهد وخروج من الطريق الصحراوي العام صدنا الغزال , وبحث السائق عن شجرة مناسبة للمقيل وهيهات فالصحراء الجزائية شبيهة بالربع الخالي أغلا شيء فيها الشجر فكانت الشاحنة هي ظلنا ومقيلنا وذهب السائق ليشب النار ويأخذ الحطب الذي رميناه في احشاء الصحراء فلم يجد له أثرا في الصندوق وسأل عن السبب فأخبرناه فسب وشتم وتضجر وزمجر, وهدد وتوعد فتدخل بعض المسافرين وحل المشكلة وتم المراد ولله الحمد.
وكنت على (نية) العودة إلى (كل تجلالت) ولكن الوالدة أصرت على الذهاب إلى مكة لأداء فريضة الحج معها وطوي عند ذلك ملف طلبي للعلم هناك.
ومن هنا يتضح السر في أن الخالق لا يوصف بأنه (ناو) أو (عازم) لأنه لا يعجزه شيء بخلاف العبد فإنه يحيط به سور العجز والإقدام والإحجام.
والحديث عن هذه الذكريات الغاليات ترتاح إليه النفس وأحلى الأحاديث عندي حديث يحلق بي في أجواء زمن الشباب وفاء لتلك الأيام الخاليات فالوفاء أخ شقيق للشرف فعندما نكون للوفاء يكون لنا وحين نكون لتك الأخلاق حصنا منيعا تكون لنا جنودا طا ئعين فلولا خشية الملل وخوف تخطي رقاب المألوف وتسور محراب العادات لاستفضت في هذا الحديث ممتشطا ناصية فلوات تلك الذكريات ورافعا القناع عن كل شاردة وواردة في هذا الموضوع مما لي أوعلي.
وبعد ستة شهور من قدومي من الجزائر اتجهت إلى السعودية لأداء العمرة ووصلنا إلى مطار الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن في جدة عام 1989م وهالني مارأيت من الجمال الباهر والوجوه النيرة والمكان النظيف والترتيب الرائع وأجمل من هذا كله أن الجميع عرب فقد كانت الأشهر التي قضيتها في عاصمة النيجر (نيامي) وكنت فيها غريب الوجه واللسان ووجدت نفسي بين أعداد أعرف ما يقولون ولا أجد نفسي بينهم تشتكي من نفس ما تشتكي منه من الغربة في بلدي (مالي) وقد يستغرب المرء مني هذا ولكنني في حالة بيان وضع نفسي انطبع في ذهني ذاك الوقت وتكلم به لساني بعد عشرين سنة فكان دينا علي أن أبوح بما اعتلج في النفس وتلجلج في الصدر في تلك المناسبة فلله الحمد لست عنصريا ولا أبيض أنا أميل إلى السمارة والبويا عندي أصلي ولكنه حرام أن يموت هذا الانطباع ويوأد في جدران الذاكرة دون البوح به.
بين الصوفية والوهابية.
ثم انطلقنا إلى مكة لأداء العمرة وكان السائق يرد علينا كلما كاسرناه في سعر أجرة سيارته بقوله: صل على محمد صلى الله عليه وسلم وهذا انطباع ثان ليس أقل من الأول حيث أنني في بلد يموج بالتصوف وبنقد مايسمونه(الوهابية) ويقولون عنهم بأنهم لايصلون على النبي وأشهد أن شيخي العتيق لايقبل هذه الأقوال على من صدرت منه كائنا ماكان ولكن عامة الناس يلوكون هذه الفرية فقلت بيني وبين نفسي إذا كان الرجل الحليق - وكان حلق اللحية في القبائل السوقية لايقبل بحال - يقول هذا الكلام ويأمر بالصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم فكيف بالعلماء الكبار ورغم أن ذاكرتي ضعيفة وقد عانيت من أثر ذلك في هذه اللمحة إلا أنها أبقت على كلمة هذا السائق لتضاف إليها عن قريب مثيلات لها آذنت بإيجاد شروخ في جدار التقليد الذي حولني وحول غيري إلى جهاز يشتغل عن طريق(الريموت كنترول) ولايملك أن يمارس مهام تفكيره بصفة ذاتية وفردية وصار العقل منزوع القدرة والصلاحية في أن يفكر بل هو مجرد مستقبل فقط وإذا تجاوز الطالب ذلك فالويل له والثكل لأمه عند زعماء التقليد وسلاطين الخرافة وملاك السلب وخزان القبض والبسط.
ولم أقرأ شيئا من كتب الصوفية سوى كتاب (شواهد الحق, في الاستغاثة إلى سيد الخلق) ليوسف النبهاني, ولم يكن الهدف من القراءة من أجل الاطلاع على فكرة الكتاب, كلا, بل كان السبب أنني رأيت فيه قصيدة جميلة فأخذت الكتاب من أجل القصيدة, وأذكر منها قوله:
وصلنا السرى وهجرنا الديارا ... وجئناك نطوي إليك القفارا
أتيناك نحدو البكا والركابا ... ونبعث إثر القطار القطارا
إذا أخذت هذه في الربى ... صعودا أبى ذلك إلا انحدارا
وإن فاض ماء لفرط الحنين ... ورجع حادي السرى عاد نارا
كأنا به وهو يجري دما ... وقوفا على الخيف نرمي الجمارا
أتيناك سعيا ننادي البدارا ... إلى سيد المرسلين البدارا
إلى أشرف الخلق في محتد ... وأحمي جوارا وأعلى نجارا
إلى من به لله أسرى إليه ... وما زاغ ناظره حين زارا
ولما نزعنا شعار الرقاد ... لبسنا الدجى وادرعنا النهارا
نميل من الشوق فوق الرحال ... كأنا سكارى ولسنا سكارى
نجافي عن الطيف أجفاننا ... فلا نطعم النوم الاغرارا
ونسري مع الشوق أنى سرى ... ونتبع حادي السرى حيث سارا
ونسئل والدار تدنو بنا ... عن القرب في كل يوم مرارا
وما ذاك أنا سئمنا السرى ... ولكن دنونا فزدنا انتظارا
إذا البرق عارضنا موهنا ... حسبنا سنى طيبة قد أنارا
فنفري بأدرع تلك النياق ... أديم الفلا غدوة وابتكارا
ونرمي بهن صدور الفجاج ... كانا نشن عليها مغـــــارا
ثم امتدت بي القراءة إلى معرفة سبب تأليفه وهو التشنيع في الرد على ابن تيمية والتركيز على ما يرى أنه أخطأ فيه وكذلك الرد على قصائده, وغير ذلك.
ولا ننسى أن النبهاني عالم فلسطيني متأخر جدا توفي عام 1350هـ = 1849 – وكان صاحب دعوى عريضة رحمه الله يأتي بأشياء من دماغه, ولايحترم القارئ حيث أنه يأتي بقول المخالف على أنه باطل محض, وبرأيه على أنه هو الحق.
ومن العجائب أنني قرأت قبل ذلك كتابا عن سيرة الخميني وكتبا للشيعة فيها الكثير من القصص المكذوب على الصحابة ووجدت فيها شحنة سخطية على أهل السنة بشكل غير عادي وأنتهيت من قراءة هذه الكتب وأحس بأن مؤلفه يكاد يحمّل أي سني في المعمورة دم الحسين رضي الله عنهما, وكانت هذه الكتب سببت لي صحوة تبين لي من خلالها خطأ الكثير من العبارات التي مررت بها في كتب الأدب وهي عبارة عن شرح لما أجمل فيها والله المستعان.
وكتاب فضائح الصوفية للشيخ عبد الرحمن بن عبد الخالق .
وفي الجانب الآخر اطلعت على كتاب (مفاهيم يجب أن تصحح) لعلوي مالكي , وقد اطلعت أيضا على القصائد التي دارت بين الشيخ الداعية عبد الله بن المحمود المدني والشيخ محمود بن محمد الصالح الجلالي , وكان الدفتر الذي جمع فيه الشيخ العتيق جميع مادار بين الشيخين , لايسمح لنا بقراءته ولا بالاطلاع عليه , لأن نقاشهما اتسم في آخر مراحله بالخشونة والحدة , ولذلك امتنع شيخي العتيق من انتشار الكتاب بين الناس .
ولم أتلق في فترة دراستي تلك أي دروس في الفكر الصوفي إطلاقا, وكنت أعجب من ذلك اليوم حيث أن قومنا يدافعون عن المتصوفة, وعن الفكر الصوفي , ولكنهم لا يعقدون له دروسا, ولا يبنون على هذه القناعات التي يريدون الناس أن يعر فوعها أسا وهذا من العجائب.

السوقي الخرجي 01-30-2012 12:43 PM

رد: فصول من حياتي
 
هل السوقيون قبوريون؟.
الصحراء الطارقية لم تنشر فيها الطرق الصوفية إلا في وقت متأخر جدا بالنسبة إلى غيرها من البلدان في الوطن العربي والإسلامي , (بل التصوف الطرقي لم يظهر فعليا إلا في حدود القرن الثاني عشر الهجري عن طريق الشيخ المختار الكنتي ), وقبل ذلك لم يكن التصوف (طرقيا) ولايتعدى أشكالا بسيطة من (النظر ) و(التأمل) أونشيد ما أنتجته قرائح الشعراء، وما تفتقت عنه مواهب الأدباء في مدح الرسول ، والإشادة بمكارم أخلاقه وروائع سيرته وحياته (1).
ولم تصل إلينا معطيات تفيد غير هذا وهناك من السوقيين قبل هذا التاريخ من أخذ عن علماء (طرق صوفية) مثل الشيخ سيدي محمود البغدادي المولود (895هـ \ 1489م وتوفي 983\1575م وله طريقة صوفية تدعى بالطريقة (السنبلية )نسبة إلى شيخه يوسف سنبل بن سنان بن يعقوب ولكننا لم نعثر على أوراد نتعرف من خلالها على الزاوية التي تنسب إليها هذه الطريقة.
وينبغي التنبيه إلى أنهم يتعاملون مع هذه الطرق بحذر شديد حيث إنه لم يسجل التاريخ اعتناقهم للطرق السائدة من شاذلية وتيجانية, وغيرهما ويستثنى من ذلك أفراد في أقصى جنوب البلاد ارتبطوا في فترة قصيرة بالطريقة التيجانية التي أنشأها أحمد بن محمد بن سالم التيجاني نزيل فاس (1150) هـ / 1230) بواسطة رجال الحركة الفلانية التي قادها الشيخ (اركي تلف) فظهرت في تلك الفترة لدى هؤلاء الأفراد بعض الأوراد التيجانية, ولم يكتب لها البقاء بينهم, بل ذهبت بذهاب من أخذوها, وكذلك الطريقة الشاذلية, لم نسمع من اعتنقها منهم, لافي القديم والحديث, ومن الدلائل على حذرهم واحتياطهم إزاء هذه الطرق الوافدة إليهم أن بعض أكابر علمائهم وهو العلامة أبو الهدى بن أبوبكر كان من تلاميذ الشيخ عبد الكريم المغيلي وهو شاذلي الطريقة, ويبدو أنه ما أخذ عنه ما يتعلق بالتصوف.
والأغرب من هذا أن الشاذلية والقادرية كانتا قائمتين في المدرسة الكنتية ومن خلالها وصلت القادرية إلى السوقيين.
ولعل ذلك يرجع إلى سهولة الأوراد القادرية مقارنة بالورد الشاذلي, إضافة إلى ما يتمتع به اسم عبد القادر الجيلاني من مكانة عند المسلمين.
وأستطيع من خلال اجتهاد شخصي لا ألزم به أحدا ومقارنات واقعية ومشاهدات شخصية, أن أقول بملئ فمي أن السوقين في نظري ليسوا (قبوريين), بالمعنى الأدق لهذه المفردة ولا تجدهم لافي القديم والحديث يبنون على المقابر ولا يطوفون بها, وقبورهم ليست محوطة, ولا معتنى بها, ولايقدمون لها القرابين , بل غالب تصرفاتهم إنما تتعلق بالألفاظ فهم (لفظيون), بمعنى أن بعضهم يقع في أخطاء عقدية في الألفاظ من التعلق بغير الله , وأشياء يخاف معها من الإشراك بالله ويتكلمون بألفاظ ومصطلحات صوفية ,لايعرفون حقائقها, بسبب عدم تعمقهم في الفكر الصوفي, وجذوره الأساسية, وولَّد هذا عندهم التخليط والتلفيق في مواطن لا ينجي منها غير التحقيق, فلا فرق عندهم بين صوفية العجم, وصوفية العرب, ولابين عبد القادر الجيلاني, وعبد القادر الجيلي, ولا بين ابن العربي وابن عربي, ولابين الغزالي والحلاج ولابين معتدلة الفكر الصوفي وزنادقته.
ومن العجائب أن العالم منهم يظل عالما محققا, وعاقلا مدققا, حتى إذا كتب شيئا له تعلق بالصوفية, ابتعد عن التحقيق, فيجمع كل ما هب ودب من موضوعات الأحاديث والآثار وقصص وخرافات وأساطير وأخبار يزعم أنه يبني بها أساسا, ويغرس بها بين العقلاء غراسا,فإذا هي في الحقيقة منامات وطامات لايليق بالعالم أن يزج بهاأمام بصائر العقلاء وأبصارهم.
والناس يتحدثون عن تقليد الفقهاء وأصحاب الكتب الصفراء, ولكن التقليد الحقيقي هو ما وجدناه عند المتصوفة, فهم أكثر الناس تقليدا,وأشدهم بعدا عن التجديد والاستنباط.
هل يضيرني التفصيل.
ومع ما تقد م فلا بد من التفصيل في حقهم فليس كل صوفي بهذاالشكل من التخليط, ففيهم المحققون , والعلماء الربانيون , ولا تعجبني طريقة من يحاول إلصاق النقائص بهم لأن ذلك يعد هدما وتجاهلا لما قدمته المدارس الصوفية في المشرق والمغرب الاسلامي من دعوة وجهاد, ودفاع عن الدين في جميع المناسبات.
ومايقال عن تعاونهم مع المستعمر وإلغائهم للجهاد أيام الاستعمار الصليبي شكل من أشكال التهجم والإلغاء التي ينتهجها من ضاقت حوصلته العلمية والتاريخية عن استيعاب الدور الذي لعبته الحركات الصوفية في جميع الأقطار الإسلاميةولم أستطع أن أفهم حتى الآن أوأستوعب و(الاستيعاب) هنا بمعناه الحقيقي وهو معرفة جوانب الأمر كله, أن قوما يعتمدون في جل أقوالهم وبحوثهم العقدية على أقوال ابن تيمية, ثم لا ينتهجون موقف التفصيل الذي كان يتبناه دائما مع المخالف, وخاصة الصوفية فقد اضطهدوه وسجنوه وآذوه, ولكنه مع ذلك لاتجده يلغيهم بل يفصل فيهم ويعطي كل ذي حق حقه, وهذا يعرفه بجلاء من قرأ فتاويه وخاصة الجزء الحادي عشر منها.
وهذا هو نفس الأسلوب الذي انتهجه أساطين علماء مدرسة ابن تيمية كلها مع المخالف كالذهبي في سير أعلام النبلاء وابن كثير وتلميذه الملاصق به ابن القيم رحمه الله حين قال:( فإن كل طائفة معها حق وباطل، فالواجب موافقتهم فيما قالوه من الحق ورد ما قالوه من الباطل، ومن فتح الله له هذا الطريق فقد فتح له من العلم والدين كل باب، ويسَّر عليه من الأسباب).
وطريق التفصيل وعدم إلغاء الآخر هو الذي أرتاح إليه وأتبناه في جميع أموري, ولايقبل مني بعض إخوتي هذا الموقف, ولا يرضيهم مني إلا أن أتبخر تحت شمس آراء الناس في بعضهم وتصنيفاتهم لهم , وأكون جليدا يذوب فيهم وفي آرائهم واختياراتهم, أو أكون سيقة لاستنباطاتهم وتأويلاتهم, وكنت بالأمس القريب قد تركت تقليد أجدادي وشيوخي في أشياء كانوا يرونها ثم تبين لي أنهم لم يصيبوا في اجتهادهم ذاك فأخذت قراري انطلاقا من قوله تعالى (الحق من ربك) وهروبا من واقع (هذا ما وجدنا عليه آباءنا) إلى أمان قوله صلى الله عليه وسلم (من أحدث في أمرنا ماليس منه فهو رد) فلست بالذي ينقض غزله من بعد قوة فأعود إلى التقليد بعد أن نجاني الله وحده من ربقته.
عقيدتي .
وأنا ولله الحمد في مجال الصفات أومن بكل ما جاء في كتاب الله على مراد الله , وما وردت به السنة الصحيحة على مراد رسول الله, ولاأرتضي في ذلك إلا ماعليه سلف الأمة, ولاأرتضي إلا منهجهم في العقيدة والعمل وعقيدتي في توحيد العبادة الذي هو مفتتح دعوة الرسل والأنبياء والذي ضل فيه الكثير من الناس إفراده تعالى بالعبادة والخضوع له بالطاعة المطلقة، وأن لا يشرك به أحد كائنا من كان، ولا يصرف شيء من العبادة لغيره وأغرد مع الشيخ إغلس حين قال :
عقدي الذي ألقى الإله عقيدتي تسليم ما جا في كتاب خبير
ولما يفسره الثقاة مفسر كمجاهد حسبي به وجرير
فعليه يعتمد الإئمة كلهم كالشافعي ومالك وكثير
وأعرف في نفسي الجهل والقصور, مع حبها للظهور, فأحصنها بالسكوت وعدم الخوض فيما لاأحسنه حتى لايهزم الحق من قلبي , اللهم إلا ما يخص مقام البيان فإنني أقول ما أعتقده فقط ولا أزيد عليه لقلة علمي وصغر سني, وعدم إحاطتي بكل جوانب المواضيع.
ولا أتناول الصوفية بنفَسٍ هجومي انتقامي يتجاهل ماقدمه القوم للحضارة الإسلامية والعربية منذ القرون الأولى إلى اليوم, وبيني وبين هؤلاء الإخوة درجة من درجات الإجماع المركب وهو الاتفاق في الحكم مع الاختلاف في المأخذ , حيث إنني أتفق معهم في ضرورة عدم قبول البدعة ممن صدرت منه , وأختلف معهم في الاقصاء والإلغاء والخطاب الفوقي والتهجم المباشر الذي لايفرق منظروه ودعاته بين مقام البيان والتبليغ وبين مقام (النكتة) و(الطرفة).
ولا أعتقد أن أحدا يجهل أن ماكتب وألف من تلك القرون إلى عصرنا هذا من الكتب في الفقه والحديث والتاريخ والأدب واللغة إنماكتب بأيد علماء ينتمي معظمهم إلى المدارس الصوفية, ولا أظن أن مثل هذه الخدمة للدين لو صدرت من كافر معلوم الكفر, فإن أقلام المنصفين سيشيدون بجهده وينوهون بماقدمه .
وأرى أن الراضي بهذا الشكل من التقليد هو واقع لامحالة في نفس التقليد الذي ننعاه على الصوفية الذين لايرون الخروج عن أقوال مشايخهم وأفعالهم, وخواطرهم وإلهامهم, فمتى اتخذنا هذا النهج مع المخالف وقعنا في ورطة التقليد المذموم, والتقليد هو التقليد في أي عصر ومصر.
ما بين السطور.
و قد رأيت الكتب التي تناولت الصوفية وغالبها تناولها في ظروف استثنائية, كانوا معها في حرب مفتوحة اختلطت فيها السياسة بالتصنيف الديني بشكل يعرفه من قرأ هذه الكتب.
وعذيري بعد هذا ممن يريد أن أقدس أقوال الأشخاص في مخالفيهم إنما التقديس فقط للنص وليس للشخص, والتعويل على دليله لاعلى تأويله ورأيه فهذا هو منهجي الذي أرتضيه (وما أنا من المتكلفين )ومن لا يرضيه ذلك مني فعذري ما تقدم.
أربع سنوات في مكة.
فوصلنا إلى مكة وأدينا العمرة وكانت متيسرة ولله الحمد وضيعت الوالدة بعد انتهاء العمرة فذرعت الحرم جيئة وذهابا بحثا عنها وانتابني قلق كبير بسبب ذلك وتجولت في كل الأروقة وكانت فرصة لي لمعاينة أرجاء الحرم ومداخله ومكثت مايقارب ثلاث ساعات في بحث بلا توقف ولم اشعر بتعب أوارهاق من ذلك وعثرت عليها بعد الاياس وذهبت إلى( الرصيفة)لأن رفقتي من سكان حي الرصيفة فنزلت عند بيت المحمود بن سهل وقلت له: أن اهم الضيافة عندي أن يوصلني إلى بيت خالي عبد الله بن موسى (تُنَّا) وكانت جدتي مريم بنت عيسى التي ربتني وتقدم ذكرها قد هاجرت إلى الحرمين قبلنا بما يزيد على عشر سنوات فركبنا مع المحمود في سيارته وهي من نوع ) بيجو) إلى بيت عبد الله موسى وبقيت في هذه الفترة بدون إقامة في مكة المكرمة لمدة أربع سنوات وتنقسم هذه الفترة إلى ثلاث مراحل هي كالآتي:
1- مرحلة التلقي والتعديل والتوجيه المستمر وكان أهل مكة من طلبة العلم وغيرهم يتسابقون إلى القادم من إفريقيا ليقوموا بتعديل سلوكه وعقيدته معا ويقوم بعض جهالهم بأساليب استفزازية تجاه هذا القادم ولم يكن فقه الدعوة سائدا في تعاملهم مع الشرائح التي يستهدفونها فالحق مايرونه حقا ولايمكن النظر في النص إلا من خلال فهمهم هم وفهم من يتبعونه من علماء السعودية والمضحك المبكي أن الغالب منهم لم يطلع على أقوال العلماء في هذا البلد وإنما سمعوا الوعاظ والقصاص يقولون فقالوا مثل قولهم ولا شك أن العلم لايؤخذ بهذا الشكل وخاصة علم العقائد فما يرتبط بالخالق تعرفه الفطر السليمة , والعقول المستقيمة, وما يتعلق بالخلق لابد فيه من المعرفة المبنية على العلم وحده لا على أقاويل الوعاظ والقصاص وكان غالب هؤلاء العامة يتأبط كتابا, ويطلق من لسانه حرابا, من النقد والتجهيل والتكفير دون أن يكون له حظ من العلم.
وقد دفعت الدعوة ثمنا باهظا جراء هذه الممارسات حيث أن المناوئين للدعوة يستغلون هذه الأساليب للنيل من الدعوة ودعاتها واتخاذ ذلك وسيلة لتشويه الدعوة السلفية التي يطلقون عليها لقب (الوهابية) وتسميم الأجواء بين الدعاة والناس.
وللشيخ عبد الله بن موسى الفضل علي في هذه الفترة حيث إنه نبهني على كثير من الأخطاء وبين لي الكثير من منهج السلف في العقيدة والعمل ويربط ذلك بالأخطاء التي تسود في الأوساط العلمية في القبائل السوقيية ولم أتفق معه في كثير مما يطرحه ولكنني أعترف بأن له بصمة حقيقية في التغير الحاصل لي في تلك الفترة.
_______________
(1) - انظر تاريخ بلاد شنقيط .

السوقي الخرجي 02-18-2012 12:11 PM

رد: فصول من حياتي
 
وفي هذه الفترة استفدت من عدد مهم من العلماء الذين يدرسون في الحرم منهم.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز بواسطة (الأشرطة) وقد أدركت 13 عاما في حياة الشيخ ابن باز وكانت هذه الفترة من أزهر فترات الدعوة السلفية في السعودية, وكنت أجلس لعدة ساعات أتنقل بين أشرطة المشايخ والدعاة, وكانت دولة الشريط قائمة, وسلطانه في قوته, وقد استفدت من هذه الأشرطة بلا شك, ولكنني خرجت بتجربة وهي أن الشريط لايبني العلم وإنما هومساعد في مراجعة المعلومة, والتذكير بها, ولايمكن أن يستغنى به عن مثافنة العلماء والأخذ منهم مباشرة, وقد ظننت حينها أنني أستطيع أن أتعلم من خلال الشريط وهيهات.
مراحل كنت شاهدا عليها.
وشهدت هذه المرحلة تحولات كنت شاهدا على كثير منها,لا يمكنني التفصيل فيه لأمور عديدة لا حاجة الى تسويد الشاشات بها الان ولكن ذاكرتي احتفظت ببعض التفاصيل التي مرت بها الدعوة والصحوة المباركة في السعودية ونسيت بعضا, ويمكنني تقسيم ما بقي في الذاكرة إلى مايلي:
1- عاصرت أزهر أيام الدعوة السلفية والصحوة الدينية في السعودية, وكنت على صلة بكثير من طلبة العلم, وكانت أشرطة الشيخ ابن باز, والشيخ العثيمين, وكتاباتهم في العقيدة والفتاوى والردود في ذروة قوتها لدى الغالب من الناس في المملكة,وكان الشيخان بحق وبكل جدارة مرجعية كتب لها القبول في المجتمع بشكل يملأ العين, ويقذي أعداء الدين, وقد تأثرت أكثر بكتب الشيخ محمد الأمين الشنقيطي بسبب أسلوبه القوي, وحوصلته العلمية الواسعة.
2- وبجانب هذا الدور هناك حركة نشطة تحاول الجمع بين الفكر السلفي عقيدة ومنهجا, وبين فكر الاخوان المسلمون وأسلوبهم في التنظير والدعوة وكانت كتب وأشرطة الشيخ سفر الحوالي تكتسح الساحة في تلك الفترة, وكذلك أشرطة عائض القرني وأحمد القطان , وسلمان العودة وسعيد بن مسفر القحطاني وسعد البريك وغيرهم ولاننسى دور الشيخ محمد قطب الأخ الشقيق لسيد قطب في هذا الجانب فهو العقل الذي يوجه بوصلة الفكرالإخواني في الحجازفي تلك الفترة, ومما أذكره أنني حضرت له محاضرة في جامعة أم القرى , وتحدث فيها بأشياء ما فهمت القصد منها إلا بعد مضي أكثر من خمسة عشر عاما, وجزاني الله خيرا حيث إنني لم يفتني ساعتها أن أبين له خلال سؤال وجهته إليه, أنه ينقصني فهم كثير من عباراته وإحاءاته فقال لي بالحرف الواحد باللهجة المصرية (ماعنديش مفتاح إضافي) فضجت القاعة بالضحك وسرني أن الحضور لايعرفون صاحب السؤال فنجوت بسبب ذلك من الاحراج, ولكن سؤالي مازال في محله.
3- مرحلة ما بعد أحداث 11 سبتمبر وما أعقبها من تحولات, ومالحق الدعوة من أضراربسببها, وماطرأ على الخطاب الديني بعد ذلك.

السوقي الخرجي 03-25-2012 08:11 PM

رد: فصول من حياتي
 
[SIZE="5"][SIZE="5"][SIZE="5"]
- الهجرة في قلوب المؤمنين .
هناك نصوص من السنة النبوية تغذي في نفوس المؤمنين حب الهجرة , وتعد وقودا لا ينضب ومحركا قويا لهمم المشتاقين إلى المدينة المنورة ومكة المكرمة, ويمكن أن أجمل منها ما يخصنا نحن (السوقيين), ولا يخفى أن الكثير من الماليين السوقيين وغيرهم قد هاجر إلى الحرمين قبل تأسيس الدولة السعودية الحديثة, ولازالوا يتقاطرون إلى الأراضي المقدسة ويظلمهم من زعم أن هذه الهجرات كان سببها البحث عن المال, هيهات فقد كانوا في الحرمين في وقت لا يوجد فيهما مال ولا نفط بل كانت الهجرة مستمرة من الصحراء الطارقية منذ عهود سحيقة, وكم من صكوك شاهدة على ذلك أوقفت بموجبها أوقاف لا زالت موجودة حتى اليوم للمسوفيين التمبكتيين الطوارق في المدينة المنورة دونت سنة (899هـ) مما يشي بوجود مهاجرين ومجاورين في هاتين البقعتين الطاهرتين منذ أمد بعيد .
تحديد الفترة الزمنية لهذه الهجرات.
ويمكن أن أجمل منها ما يخصنا نحن (السوقيين), ولا يخفى أن الكثير من الماليين السوقيين وغيرهم قد هاجر إلى الحرمين قبل تأسيس الدولة السعودية الحديثة, ولازالوا يتقاطرون إلى الأراضي المقدسة ويظلمهم من زعم أن هذه الهجرات كان سببها البحث عن المال, هيهات فقد كانوا في الحرمين في وقت لا يوجد فيهما مال ولا نفط .
ولايستطيع أحد تحديد زمن لهجرة أبناء الصحراء الطارقية إلى الأراضي المقدسة فهي قديمة بقدم ارتباطهم الديني بهاتين البقعتين المباركتين وقد عاصرت هجرتهم العهود الثلاثة وهي العهد العثماني والعهد الهاشمي ( الأشراف ) والعهد السعودي المعاصر.
- ولم تتوقف هذه الهجرات على مدار التاريخ , وقد ازدادت بعد حملات الاستعمار الفرنسي على البلاد مما اضطر الكثير من علماء المنطقة إلى مغادرة البلاد وذلك بعد تراجع المقاومة الطارقية أمام جحافل الغزو الفرنسي عام (1916)م .
وكان غالب هؤلاء, قد آمنت نفوسهم بالهجرة عقيدة وسلوكا فهجروا الديار, وامتشطوا نواصي القفار إلى الأراضي المقدسة طلبا لما في ذلك من الأجر وقد رأينا بعضا منهم قد قطع جميع العلائق بينه وبين بلده حتى لاتتعلق نفسه بغير مهاجره.
وكذلك فإنهم لم يشتغلوا بكسب المال ولا بالتجارة ولا بغيرها ولم يتصلوا بأي سبب غير التعليم والتعلم والصلاة في المسجد الحرام ولم يعرفوا طريقا إلى الرفاهية, بل بعضهم لزم بيته حتى أتاه اليقين.
الهجرة في ذاكرة (جوجل).
وقد حزنت أثناء إعداد هذه الورقات وآلمني أنني في بعض المرات فتحت جهازي وذهبت إلى محرك البحث العجيب (جوجل) لأجد بعض القصص التي تتحدث عن الهجرة إلى مكة والمدينة, وكانت النتيجة غير مبشرة بخير, حيث إن (جوجل) لم يبخل كعادته بتزيدي بعناوين لمواضيع الجهرة إلى كندا وأمريكا وايطاليا, وأوربا, ولم أجد إلا سطرين بعنوانين يتحدثان عن الهجرة الأولى والثانية فصدق في ذلك قول الشاعر.
ولم تتوقف هذه الهجرات على مدار التاريخ , وقد ازدادت بعد حملات الاستعمار الفرنسي على البلاد مما اضطر الكثير من علماء المنطقة إلى مغادرة البلاد وذلك بعد تراجع المقاومة الطارقية أمام جحافل الغزو الفرنسي عام (1916)م .
وسؤالي هل كان ذلك نتيجة سياسة متعمدة, أم نتيجة لعزوف الناس عن الهجرة وما فيها من معاني وغايات دينية مهمة, أم كان ذلك بسبب القوانين والنظم الدولية الحديثة التي تحاول أن تنظم عبثا سير حركة الكائن البشري في كل بقعة في هذا الكوكب الذي نعيش فيه.
- ولهجرتهم غايتان.
1- اغتنام ما ورد في الهجرة وفضلها من الأجرومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه النسائي عن كثير بن مرة أن ابا فاطمة حدثه , أنه قال يارسول الله صلى الله عليه وسلم حدثني بعمل استقيم عليه وأعمله قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم عليك بالهجرة فإنه لامثل لها) .
2- الانتقال من أرضهم التي استبيحت من قبل المستعمر الفرنسي, وطبقت فيها القوانين المخالفة للشريعة, إلى أرض سمعوا أنها تطبق الشريعة, ولايظلم فيها أحد وهي المملكة العربية السعودية.
وليس هذا هو رأي الكافة من علماء البلد حيث بقي كثير منهم تحت الحكم الفرنسي يقيمون ما يقدرون عليه من معالم الدين والسنن.
معنى الهجرة عندهم.
لم أدرك كبار المهاجرين السوقيين في الحرمين ولكنني أدركت ثلة من الطبقة الثانية منهم , وكانت معاني الهجرة حية في نفوسهم لدرجة تفوق وصف الواصف, فهي متنوعة شملت طائفة من مفردات التدين والتأدب بآداب الهجرة, والتخلق بأخلاق المجاورين,والعباد الزاهدين, إضافة إلى خدمة الحجاج القادمين من الصحراء وإيوائهم في بيوتهم, وتقديم النصيحة لهم, وإرشادهم إلى ما يتمم حجهم على الوجه الأكمل ولهم في ذلك أخبار وأسرار.
- نماذج مشرقة.
التعليم.
لعلماء السوقيين دور كبير في إثراء الحركة العلمية في المملكة العربية السعودية, ولا ينكر ذلك إلا من جهل حقيقة هذا الدور أوتغافل عنه ونذكر منهم.
1- الأديب المفكر عبد القدوس الأنصاري هو صاحب أول عمل روائي في السعودية وله جهود كبيرة تذكر فتشكر, وتذاع وتنشر, وكانت مجلة (المنهل) التي أسسها خير دليل على هذا.
2- الشيخ محمد الطيب الأنصاري شيخ علماء المدينة, وإمام المسجد النبوي ألف غالب مؤلفاته المهمة وهو في السعودية, وكان رائد حركة التأليف في الحجاز في تلك الفترة.
3- الشيخ أبوبكر بن انفا أحد أئمة الحرم المدني وعلمائه.
4- الشيخ حماد بن محمد الأنصاري, محدث المدينة وعالمها,وكان يهتم أكثر بالتعليم والتدريس في المعاهد والجامعات السعودية وعاصر فترة تأسيسها الأولى وله في ذلك جهد مشهور ومشكور, إضافة إلى توفيره أهم المراجع العلمية التي لاتوجد إلا على مستوى الجامعات, وفتح مكتبته أمام طلاب العلم في المملكة العربية السعودية.
5- الشيخ عبد الله بن المحمود المدني أحد أيمة المسجد النبوي وسوف يمر بنا الحديث عن جهوده الدعوية والاصلاحية في (مالي).
6- الشيخ محمدالصالح الحبيب وهو من علماء الحرم المكي وله دور في تعليم النحو واللغة لفترة طويلة في دروس منتظمة في المسجد الحرام.
7- الشيخ محمد الحسن الهاشمي من رجال الحسبة ومن أهم الشخصيات السوقية المهاجرة إلى البلد الحرام..
8- الشيخ محمد بن نوح أحد الزهاد والعباد المشهورين.
9- الشيخ عمار بن الحسن من رجال الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في مكة.
10- الشيخ محمد بن أحمد أشرف على مكتبة مكة لفترة طويلة.
11- الشيخ مرداس
12 الشيخ نجي بن محمد
الدعوة.
مافتئت هذه الثلة تقوم بدور التوجيه الديني للمهاجرين (الماليين) على كافة شرائحهم, وكانت بيوتهم عبارة عن مجالس وديوانيات يناقشون فيها الكثير من المسائل العقدية وغيرها, وتبصير الناس بدينهم وبعقيدتهم.

السوقي الخرجي 04-01-2012 08:42 PM

رد: فصول من حياتي
 
القافلة الأولى من الدعاة.
وهناك ثلة من هؤلاء المهاجرين قررت الرجوع الى الصحراء الطارقية لغرض الدعوة وتبليغ دينهم ومناهضة البدع والتخريف بين قبائل الصحراء ولا يليق بنا أن نغفل دورهم ولا أن نتجاهل تضحياتهم ومنهم:
الشيخ سيدي محمد بن محمد أحمد بن الثاني.
الشيخ الداعية والداعية الشيخ عبد الله بن المحمود.
والشيخ محمد بن نوح .
والشيخ أحمد محمد بن حمنو.
وغيرهم ولكن الأخيرين لم يبقيا طويلا في صحراء (الطوارق) بل رجعا إلى السعودية أما الشيخ عبد الله فلم يذهب ليعود بل ذهب ليبذر في حقول الدعوة ويتعاهد مابذره بالرعاية والسقاية حتى أتاه أجله وظل يدعو إلى الله وينشر العقيدة بين قومه وعشيرته, لفترة ليست بالقصيرة, وزار الكثير من القبائل السوقية وانتظم عقد مجالس علمية بينه وبين علمائهم وأعيانهم, وكان رجلا مهيبا جليل القدر, عظيم النفع, ترك إمامة المسجد الحرام, وكان صاحب همة في الدعوة لاتلين له قناة ولاينثني أمام قول الحق, وأصدق وصف له قول العلامة الشيخ إغلس بم محمد بن اليمان, وهو من أشد المتأثرين به من علماء السوقيين :
لوصادفته سنوالانصاف وسطه = أولوا الابانة بين الكمـل الأول
إني لأشكره لله من نعم = أجلها وكفى التنبيه عــن زلل
تاالله لولاه دامت في مداحضها= سوقي إلى أن يفوت الميل عن ملل
وقال فيه أيضا في قضيدة يبين فيها انتشار البدع.
بينا تفاقمها وثورة بطشها عنا إذا (بمحمد) النحرير
بمسيطر يسطو بصارم سنة ومدافع عنها أشد عسير
وقال ردا على من يتهمه بأنه خارجي.
ما كانه هيهات ليس (بخارج) لكنه متتبــــــع المأثور
كلف بحفظ الشرع يجمع شمله ما هاب لوما في جناب كبير
في فالق الحب الحبيب مشدد عمن يجاهر بالخنا لنكيــــــر
خط سيرهم .
كان محمد بن المحمود ويقال له أيضا عبد الله كما مر قبل قليل داعية من الطراز الأول سليل أسرة علمية تربى بين أحضان والده الشيخ
المحمود الذي اشتهر بين القاصي والداني بالدعوة إلى التوحيد وجهاد الفرنسيين , وكان قائما بأمر الدعوة في بلاد (تنبكتو) قبل هجرته إلى الحرمين , وقاد طائفة من طلابه ومحبيه في معركة (تهتست) فانكسرت جماعته أمام ترسانة أسلحة الفرنسيين فقرر الهجرة بعد ذلك .
وقد تربى الشيخ عبد الله في هذا الجو وتمرس على الصدع بالحق وصار هم الدعوة يسري في وريده, منذ الطفولة, ويدب حب الاحتساب في قلبه كدبيب الأنوار في غسق الليالي الدياجي .
فقرر العودة إلى الصحراء الطارقية, ليتخلص من خواطر مزعجة يستمع إلى نجواها وهي تحدثه بأن يدا من التبدع عبثت في الصحراء بالعقيدة فشتت شملها, ومزقت أديمها, وفرقت جمعها.
ولاشك أنه قام بقياس حاجة الناس في الصحراء إلى الدعوة ونشر التوحيد الخالص بينهم مما هون عنده ما سيلقاه ويعترض سبيله من المتاعب والمشاق , فلم يعقه كونه من المهاجرين من ترك أرض طيبة الطيبة كما فعله أسلافه من المهاجرين والأنصار وامتشاط نواصي الفلوات , وركوب عباب البحر ليدعو إلى الله خلف البحار ووراء الرمال , فكما أن هناك مقاييس لرصد الزلازل , وأخرى لهبوب الأمطار ودرجات الحرارة فكذلك لأمثاله من الدعاة إلى الله مقاييس دقيقة يقيسون بها حاجة الأمة وهموم الدعوة فينسون ذواتهم وجاحاتهم في سبيل إيصال الخير إلى الناس فقد ترك الشيخ المدينة التي تربى بين بطاحها وسهولها وتنسم نسيم هوائها وكانت مرابعها مرتع صباه, واتخذ الدعوة وطنا, والعقيدة قائدا يقوده طائعا من مدينة المصطفى صلى الله عليه وسله إلى بحار رمال الصحراء الطارقية , وكانت نفسيته في هذه القصيدة التي رسم فيها خارطة رحلته تدل على ارتياح كبير, وعلى أن هناك أملا دعويا ينتظره ليتحقق على يديه.
ولاشك أنه يعرف أنه خرج لمهمة صعبة, فإخراج الناس من قناعاتهم, التي غطت على العقول فلا تطلع عليها الشمس, من أصعب ما يواجه الدعوة والدعاة.
وسوف ترى أن هذه القصيدة هي أحسن وصف لخط سير المهاجرين السوقيين في عودتهم ولكنني لم أتمكن حتى هذه اللحظة من العثور على منظوم أومنثور لهم في هذا الموضوع غيرها وقد جسد فيها رحلته من مكة المكرمة إلى دولة(مالي) التي كانت موطن أجداده وأسلافه والتي اتخذها مركز دعوته حتى توفى عام 1371 للهجرة النبوية وقد انطلقت هذه الرحلة من (أجياد) ومخرت عباب البحر نحوالسودان التي سجلت الرحلة أهم موانئها ومدنها الرئيسية وهي:
المع برق سرى من علو (أجياد) = فبت ما بين تذكار وتسهاد
أنى اهتديت في فياف لامنا ربها = يضل فيها القطا الكدري والهادي
جازت ببحر خضم لاقرار له = لازال يقذف أزبادا بأزباد
عهدي بها غادة هيفاء خرعبة = لاتستطيع الخطا إلا بإسعاد
جازت (سواكن) فالسلوم عن كثب= فقطرعطبرة من دون إرشاد(1).
واستمر قائلا:
فأم درمان فالخرطوم ودمرتي = منار تُندلتي ماوى كل رواد(2)
ثم الأبيض من قبل النهود إلى = جبال حلة دون أم كداد
فكبكبية بعد الفاشر اشتبكت = فيها أفانبن أزهاروأوراد
ثم الجنية مأوى كل فاكهة = دار المساليت أمجاد وأنجاد (3)
فأرض كسرى فيروى ثم أرض = من بعدها كشنا جبيا بتعداد(4)
فادخل مرادي فماداوى من أرض = نمي فسرإلى (آيرو) سيرابإجهاد(5)

فادخل (لسينا) لذات النور تتبعها = (تن فاضمات)لتيسي أرض إمغاد
سقى مرابعها غر السحائب لا = تنفك تهمى بها من دون إفساد (6)
ثم ختم قصيدته بالإشادة بدور الشيخين إغلس بن محمد بن اليمان واشقيقه الشيخ أعالي وفي القصيدة إشارة إلى أنهما رحبا به شعرا وكانا من المتأثرين بدعوة الشيخ ومن المدافعين عنه وعن دعوته في الصحراء الطارقية فكان رده على ترحيبهما بقوله:
أتت قصيدتك الغراء منبئة عن الوداد بلا ريب وترداد
لاذكر للغوث في الذكر الحكيم ولا للقطب كلا ولن يروى بإسناد
فقل لمن يدعي الإثبات من سفه هاتوا أدلتكم وأتوا بأشهاد
بل ذلكم سَنن الماضين من أمم التابعين لآباء وأجداد
يا(عاليا) فوق أضداد وأنداد لازلت في (أربند) ركن إنشاد
وشد أزرك (اغلس) من معارفه دكت قوى كل إضلال وإلحاد
وقل (لأحمد) لايكتم نصائحه وينشر السنة الغراء في النادي
واحد الركائب نحو العلم مجتهدا تظفر بما شئت من إرشاد شراد
إني استعذت برب العرش خالقنا فلا معاذ بأغواث وأوتاد
وقد يعوذ رجال لاخلاق لهم بالإنس والجن قد باؤا بإبعاد
آل اليمان لازلتم جهابذة موضحين لخافي العلم والبادي
أحييتم سنة الهادي على زمن يعز والله محيو سنة الهادي
وكانت أحاديث دعوته ملئ السمع والبصر, نستمع إلى الناس ونحن صغار يتحدثون عن دعوته, وصدق لهجته, وقوة خطابته, وجزالة شعره,وحضور بديهته, وشدة تمسكه بمبدئه في عقيدته.
إهداء الكتب.
واتخذ دعمهم للدعوة في بلادهم أشكالا والوانا مختلفة, ومن أهمها إهداء الكتب, وخاصة كتب الحديث وكتب العقيدة, حتى صار ذلك عادة وديدنا لهم رحمهم الله رحمة واسعة, وأجزل لهم الأجر والمثوبة, وتقبل منهم.
الاطعام.
واتخذوا الإطعام والإنفاق ديدنا وطريقة,ويتكلفون في ذلك أشياء من الديون ومكابدة مشاق كثيرة في سبيل ذلك وكانت بيوتهم مفتوحة, وعطاؤهم ممنوح, ونوالهم يغدو ويروح, على كل وارد وصادر من المقيمين, والحجاج والمعتمرين, واتفق لهم من الفضائل ما لم يتفق إلا لقلة من الناس, وكان الغالب من هؤلاء المهاجرين من أعيان البلد وساداته, وخيرة رجاله وقادته وكانوا في الحجاز كذلك, وكان خروجهم من البلد نزل على الناس مثل الصاعقة فبكاهم الشعراء, ونعتتهم أندية المجد في الصحراء الطارقية يقول أحد الشعراء البارزين شاكيا الم فراقهم:
لابدع إن الشمس مطلعها السما وسموهم جدا فجدا ظاهر
هم مطلع الأنوار منذ وجودهم علم تراثي وصيت سائر
درس وتدريس وسر فيهم سار سواء صاغر أوكابر
رشد وإرشاد صدور وسعت مشروحة للمعلوات مصادر
كرم وإكرام قرى كم عجلت للمستضيف فذابح أو ناحر
شهدت بذاك عدول كل قبيلة فلهم على رغم الجهول مفاخر
ويمكن أن نقسم هجرات السوقيين إلى الآتي:
1- الهجرة الأولى : وكانت قبل الاستعمار الفرنسي , وقبل قيام الدولة السعودية وليست مرتبطة بأية مؤثرات خارجية ونذكر من هؤلاء المهاجرين الأوائل.
1- الشيخ أمية بن اساي قتل في طريقة إلى الحرمين عام 1332هجري.
2- محمدأحمد بن محمد الأمين من قبيلة (إقدش) توفي في مكة .
3- محمد بن عيسى القنششي توفي في المدينة المنورة وهو خال الوالد.
2- الهجرة الثانية: ولهذه الهجرة ارتباط بتأثيرات الاستعمار الفرنسي الذي أدى إلى قتل ونفي الكثير من علماء البلد ووجهائه , وتغييب دور العلماء , وتقويض أركان السلطنات الطارقية في البلد بصفة عامة ومن هنا بدأت قصّة هجرتهم إلى بلاد الحرمين الشريفين وكان ذلك في عام 1323 الهجرية، وكان علماء السوقيين هم الطليعة لهذه الهجرة وفي مقدمتهم.
1- الشيخ يحيى بن سهل.
2- الشيخ محمد بن حسن الهاشمي.
3- الشيخ محمد بن أحمد.
4- الشيخ عبدالله الحاج.
5 عبدالرحمن الانصاري.
6- محمد أحمد بن مَحمد (أبوخن).
7- الشيخ عمار بن الحسن.
8- الشيخ محمد الصالح بن الحبيب.
9- الشيخ عبد الله الحاج.
10- الشيخ ابوسالم بن الحبيب.
11- الشيخ صالح بن الحبيب.
12- الشيخ محمد يحيى بن تلت القنششي.
13- الشيخ موسى بن الحسن.
14-الشيخ سيدي محمد بن ذوالقرنين.
15- عمر بن محمد الطارقي.
16-الشيخ اسماعيل بن الطيب.
17-الشيخ محمد الصالح محمود
18-الشيخ عبد القدوس محمود
19-الشيخ محمد بن الهدى
20-الشيخ احمد تيجان
21- القاسم الطارقي
------------
1-سواكن ميناء على البحر الأحمر للسودان بجنوب برتسودان (والسلوم) مدينة سودانية و(عطبرة) مدينة بين الخرطوم وبرتسودان.
2-ام درمان معروفة والخرطوم كذلك و(دمرتي) من مدن السودان و(تندلتي) منطقة في تشاد.
3-فآدري ثم وداي فآتيــة فبيكرو ثم فرلامي بلد تشاد هذه مدن تشادية.
4-هذه مدن من مدن الكامرون ويروى من مدن نجيريا.
5-وهذين المكانين في أرض النيجر.
6- مضارب قومه في تيسي

السوقي الخرجي 04-09-2012 08:17 PM

رد: فصول من حياتي
 
وكل اولئك انطلقوا من ارضهم يحدوهم الشوق إلى مجاورة بيت الله الحرام لقضاء بقيّة حياتهم في العبادة بعد قصّة معاناة طويلة
وصولهم إلى بلاد الحرمين الشريفين
وصل أوائلهم إلى بلاد الحرمين الشريفين تقريباً مابين عام ( 1368 ) الموافق (1948) م هـ إلى ( 1370 ) هـ الموافق (1950 م ) في عهد الملك عبد العزيز آل سعود – رحمه الله – .
3- والهجرة الثالثة: ولهذه الهجرة ارتباط بسياسة الرئيس الأول لجمهورية مالي بعد إعلان الاستقلال عام (1960م) والذي قاد البلاد إلى شيوعية مهلكة, وحاول التنظيرلها والتطبيق الحرفي لنظرياتها ومبادئها, مما سبب استياء بعض علماء (مالي) السوقيين ورفضوا المقام في الوطن واختاروا التوجه إلى أماكن بديلة يعبدون الله فيها بعيدا عن الشيوعية وأتباعها وكانت هذه الرحلات قد صبغها العناء والبؤس بكل ألوانه وتتم أحيانا مشياً على الأقدام مسيرة عام كامل، حيث كانت الأسرة تخرج وعددها ( 12 ) فرداً، فلا يصل منهم إلاّ قليل وأما البقية فهم ضحايا جوع أو مرض أو قطاع طريق أو تيه في الصحراء أو خطف أوسرقة – والله المستعان –وهؤلاء غالبهم دخلوا عن طريق السودان كانت ما بين عام ( 1375 ) هـ -((1955م إلى ( 1380 ) هـ،(1960 )م و غالبهم دخلوا بجوازات سفر فرنسية.. وبعضهم استلموا الجنسية السعودية.
5- والهجرة الرابعة والأخيرة: وهي التي تعرف بالهجرة الجماعية، وكانت نتيجة لسنوات الجدب والجفاف التي مرت بالمنطقة والتي أبادت الحرث وقضت على الأخضر واليابس وكانت ما بين عام ( 1973 ) هـ وعام ( 1985 ) هـ، وحصل بعضهم خلالها على الإقامة بجوازات سفر (مالية).
ولاأشغل نفسي بتعدادهم, لكثرتهم ولعدم توفر الشرط الأول من عدم ارتباط هجرتهم بمعناها الديني , عكس الهجرات السابقة, ومع ذلك فلا تحجير لواسع نية المؤمن في أي وقت وفي أي زمان أو مكان, والهجرة كما قال الصادق المصدوق في الحديث الصحيح فيما رواه أبو داود عن أبي هند عن معاوية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لاتنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة, ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها).
هذا ما أردت أن أشارك به في هذا الموضوع المهم الذي لم يعط ما يستحقه من الاهتمام, ورغم أنه ليس ذاصلة مباشرة بحياتي فإنه ينضاف الى السياقات المتقدمة التي تحدثنا فيها عن حنين السوقيين الى الحرمين موطن أجدادهم الأصلي, وارتباط اسلافهم بالهجرة منذ عهد سحيق.

السوقي الخرجي 05-22-2012 08:26 PM

رد: فصول من حياتي
 
رجع إلى موضوعنا وقد سبقت الإشارة إلى أن سبب تناول موضوع الهجرة إهمال الكتاب (الأزواديين) لهذا الجانب من كتاباتهم, مع أنه من أهم المراحل التي مرت بالحركة العلمية في صحراء الطوارق, وفترة زاهرة بالنسبة لاتصال علماء السوقيين بغيرهم من العلماء في شبه الجزيرة العربية.
وكنت قبل أن أصل الى الرياض عام 1413هجري تسري في نفسي رغبة جامحة وشوق إلى لقاء الشيخ ابن باز, ولا يشبع هذه الرغبة في نظري إلا رؤيته والجلوس معه ولكن هذا لم يحصل بسبب إهمالي والله المستعان, وبعدي عن الرياض وقد قلت فيه ابياتا سببها كتاب نسيت اسمه لواحد من الرافضة نال فيه من الشيخ رحمه الله فقلت :
يانسيم الصبا متى أنت ماض .. نحو(نجد) فعرجن بالرياض
لاتني إن وصلتها وسط ليل ..أوإذا افتر صبحه عن بياض
واقربن من وصيد دار مرب ..واكرعن من نمير تلك الحياض
ثم بلغ تحيتي وسلامي .. لابن باز ثم اقض ما أنت قاض
هو شيخ لسنة وإمام .. باتفاق من الثقاة المحاض
هو نور عم البلاد بصحو .. في السعود أوفي البلاد العراض
يدحض الشبهات بالوحي حتى .. يستكن إلى النصوص القواض
هد من كل ذي ابتداع بناء .. كان للجهم تابعا أو إباضي
وفتاواه ربما ذكرتنا .. في صفاها تلك القرون المواض
وقعها في أهل (التشيع) أنكى .. وأشد من السيوف المواض
رب متع بعلمه وتقاه ... وارض عنه فجهده عنه راض
وما أخذت من الشيخ مباشرة كما أشرت إليه في السابق إلا من خلال أشرطته المبثوثة في كل مكان رحمه الله, وقد أحسست بأسى وحزن شديدين عندما سمعت نبأ وفاته, ولوفاته وقع عند كثير من المسلمين وقد قلت يوم وفاته:
نبأ فجا ودهى جميع بلادي ومصيبة حكمت بطول سهاد
أفرشتها لحمي دمي ومفاصلي فأبت وأثوت في صميم فؤادي
والقصيدة تصل الى عشريت بيتا وسوف اضيفها متى وجدتها.
وممن أخذت عنه مباشرة عبد الرحمن العجلان, والشيخ يحيى الهندي, والشيخ عبد الله البسام, والشيخ حمزة الفعر, والشيح محمد صالح الحبيب, - وهو من علمائنا الذين سبقت الاشارة بانهم هاجروا الى الحرمين - والشيخ محمد بن صالح العثيمين, ومن المواقف التي يستحسن ذكرها هنا أن ابن العثيمين عرفته من خلال صوته الجهوري في الأشرطة قبل أن أراه فاتفق أن إمام مسجدنا محمد بن عابد القرشي وهو من طلاب الشيخ جاء إلينا في المسجد بالشيخ ابن العثيمين وكثير منا لا يعرفه وألقى كلمة بعد الصلاة وكانت عصرا, فقلت الصوت صوت الشيخ ابن العثيمين ولكن الهندام والهيئة والجسم دون ما هو موجود في ذهني, فاستفدنا من الكلمة وسلمنا عليه وهذا هو أول لقاء لي بابن العثيمين رحمه الله تعالى:
وفي المحاضرات العامة استفدت من الشيخ سفر الحوالي , والشيخ سعيد بن مسفر,والشيخ صالح بن حميد.
ومن المشايخ الذين استفدت منهم الشيخ العلامة حماد بن محمد الأنصاري رحمه الله واستفدت منه في تصحيح اسم بعض رجال مسلم , وأكثر استفادتي منه من خلال الأشرطة, وخاصة تفسير سورة الفاتحة وله في تفسيرها نفس علمي زاخر بالفوائد ولم أذكر أنه جاء إلى مكة في الفترة التي قضيتها فيها, وهي مابين 1411هجري إلى 1415, وكان في ذلك الوقت في المدينة لايغادرها , وكان الشيخ حماد شيخا مهيبا يكسوه جلال العلم , ومجلسه مجلس علم جم الفوائد , كثير العوائد, ويزين ذلك عقل سائس وحزم حارس ودين متين وهدي قويم.

السوقي الخرجي 05-29-2012 11:31 AM

رد: فصول من حياتي
 
وكذلك الشيخ محمد بن حسن الهاشمي, استفدت منه في جانب العقيدة وكان يدنيني ويقربني رغم صغر سني رحمه الله.
6- المرحلة الثانية مرحلة البحث عن العمل والبحث عن الأوراق الرسمية وقد استغرقت فترة تواجدي (بمكة) بدون (إقامة) أربع سنوات كما سبق فحصلت على (الفيزا) عن طريق أحد الإخوة من الجماعة في الرياض وكنت أظن جهلا مني أن الحائل بيني وبين الدراسة في الجامعة عدم وجود الإقامة فكنت شديد الحرص على الحصول عليها حتى رفعت يوما عقيرتي ليعرف الناس أنني جاد فقلت :
يارب خفف حفف = من وطأة التخلف
فقد دهاني شومه = وعيشه ذو الطفف
إني رأيت منه ما = يدعو إلى التأفف
قد قلت يوما زاجرا = للنفس صبرا واكفف
عن التشكي إنه =يزري بأهل الشرف
لو علموا بأنني =رب القوافي اللطف
وطالب ماهمه =غير انتخاب النتف
وغير صيد حكمة = من عالم ملقف
لساءهم وضعي الذي = يدمي فؤاد المنصف
ومنحوني منحة = من المقام الأشرف
وذهبت إلى الرياض بحثا عن (كفيلي ) أولا وعن العمل ثانيا ففوجئت بأن الكفيل غير موجود وإنما صدرت الوكالة باسمه لشخص آخر غير جلده بعدما جئته , وأنكر الاتفاق الأول بيننا وكان الاتفاق على أن أدفع سبعة آلاف سعودي مقابل الإقامة وليس له أن يطالبني بشيء غير هذا المبلغ المذكور,ويسمح لي بنقل الكفالة متى أردت ذلك ولكنه أنكر ذلك كله ورفض التفاهم والمقابلة معنا أنا ويحيى بن إبراهيم الكريم ودفعنا له المبلغ الذي حدده مضطرين وأخذت أوراقي وذهبت إلى مدينة (الخرج), وأخبرني بعض الإخوة السوقيين أن هناك حلقة تحفيظ القرآن الكريم,في قرية من قرى الخرج اسمها(حي القطار),فأخذني الأخ المذكور إليهم وهو قاسم بن نقا,وأخبرهم بأنني من طلبة العلم فاختبروا قراءتي ويبدو أنها لم تعجبهم ولكنهم قبلوني على مضض مدرسا عندهم بسبب عدم وجود البديل, وأكرمني الله برجل هو أكرم من التقيت به في السعودية,ولاشك أن في البلد كرماء كثر لكنني أتحدث هنا عن معرفتي لاعن الواقع المفترض, ومن يكون هذا الرجل إلا عائض بن غائب الحارثي مسئول مكتب هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حي القطار, وكانت هذه الوظيفة هي وظيفته قبل أن يكون موظفا رسميا,وكان حفظه الله من المصلحين ويعجبه الإصلاح, ويكره الفساد,وكان آية وغاية في ذلك,و يشرف على الحلقة التي كنت أدرسها, وتوثقت عرى الحب والود بيني وبينه,وأعتبره مثل والدي أستشيره في كل صغيرة وكبيرة, وهو الذي اخترت أن يكون كفيلي بعد (المخلوق) الذي مر ذكره, ويعجبك من السعودية أن الإساءة ليست سيمة فيهم على كل حال, وإن حصلت على سبيل الندور فإن هناك حسنات الكرماء والمحسنين تغطي ذلك وتغمره فقد لقيت من الشيخ عائض بن غائب من الإحسان ماغمر كل ماصدر من الكفيل الأول, وقلت أبياتا أثناء إجراءات نقل الكفالة منه إلى الشيخ عائض وهي:
طول التسهاد عندي= زمنا نقل الكفاله
تارة أطلب (بروة) = عجلا والحال حالة
وكفيلي جعظري = بعض لومي قد سما له
فهو دوما يتمطى= في تعال وجهاله
قلت يوما في هدوء = ورقي في مقالة
سيدي أين جوازي = لايك الاهمال غاله
أوما كنا اتفقنا= أين عقدي ماجرى له
قال لا لا (جب) فلوسي= لاكلام لاإقاله
لا جواز لااتفاق = كل هذا لن تناله
بعد دفع فليسلني = أي شخص مابدا له
إن همي جمع (قرش) = بين أفراد العماله
فعنى أمري شيخ= أقلق الموضوع باله
وجرى نقلي إليه= ثم اسرى لي نواله
بداية ارتباطي بالشيخ عائض بن غائب الحارثي.
ثم ارتبطت بالشيخ عائض بن غائب الحارثي بعد ذلك وصار أبا وكفيلا, وناصحا أمينا لا يبخل علي برأي أو مشورة, أو نصيحة, وصار في نفسي بمنزلة الأب, ومن فضل الله علي أنني ما فقدت في حياتي من يوجهني ويقودني إلى الخير, بداية من جدتي مريم بنت عيسى, إلى معلمي محمد الأمين بن محمدُ, إلى الشيخين الفاضلين الشيخ العتيق بن الشيخ سعد الدين, والشيخ محمد الحاح بن محمد أحمد,إلى الشيخ عائض بن غائب,ولم تشهد حياتي نتوءات أوتعثرات في دهاليز مظلمة, وما خلت يوما من مراقب وموجه,وناصح أمين ولله الحمد على ذلك لأن ذلك من نعم الله علي التي أمر بالتحدث عنها حين قال لنبيه ومصطفاه من خلقه: (وأما بنعمة ربك فحدث).
وكان الشيخ عائض يحب أن يصطحبني في أسفاره, وقد قلت في رحلتنا إلى أبها والباحة:
ياسائلا عن رحلة الجنوب= اسمع وقيت شرر الكروب
قد انطلقنا من بزوغ الشمس= تقلنا في سيرنا هيلكس
وما أتانا بعد ذا يوم الخميس= إلا ونحن في ندى أهل (الخميس)
فاستقبلونا بوجوه مسفرة = ضاحكة طيبة مستبشرة
لاسيما أخو الوفا منصور= وهو في إحسانه مشهور
ثم انطلقنا نحوصوب الضلع كم نشتكي من خفضه ورفع
فتارة ننزل في اصل الجبل= وتارة كأننا إلى زحل
وهكذا حتى وصلنا الوادي= وكلنا من تعب ينادي
ألاانزلوا فقد دنى التعريس= في بطن واد كله طعوس
ثم حثثنا السير نحو (امحائل)= ولست في قولي ذا بالهازل
من أنها ارض تسر الناظرين= وتبعث الراحة في القلب الحزين
وبعدهاوقت ارتفاع الشارق لاحت لنا بالقرب ارض بارق
وكان من اطرف مارأينا= جنب الطريق حين قد مررنا
بجمل مربط ملثم= مكمم يعصر حب السمسم
وبعدها ابتسم ثغر الفطن= سواقنا وقال ذا بالقرن
وهي أرض شيخنا القرني= أكرم به من عالم مرضي
ثم انطلقنا نحو صوب الباحة= وطرقها ضيقة المساحة
تخفضنا تارا وتارا ترفع= وكم مررنا بجبال تفزع
وقد دُعينا نحو دار مزهر= وهو في علومه كالمزهر
وكان من خيرة أهل الباحة=إني امرؤ تعجبه الصراحة
3- وفي هذه المرحلة توسعت في العلاقات مع المشايخ وطلاب العلم بمدينة (الخرج), وفيها تزوجت, وبدأت الحياة تأخذ منحى جديدا يختلف عن المراحل السابقة والتي كنت فيها حرا طليقا أذهب متى أشاء, وأحضر الدروس والمحاضرات في المساجد إلى مقيد الحركة, بسبب ارتباط العمل, وحاجات البيت ومتطلبات العيش, فجمعت بين الحلقة وبين العمل في (البقالة), ولم تكن نفسي ترتاح إلى العمل في البقالة, بسبب عدم التفرغ للقراءة ولا للاستفادة ولأسباب اكتشف أحد أصحابي بعضها حين زارني ووجدني في البقالة فقال:
حياتكم في مجال العلم والكتب= أولى من المكث بين (الكوس) والعلب
فقلت رادا عليه ومدافعا عن نفسي:
يا وديدي قم وقرب لي الصحاح سترى أن ليس في الشغل جناح
لايلام المرء مهما جد في = طرق الكسب ليهنا بالمباح
أو يكافح ليصون العرض من = ذلة تعرو الذي قد مد راح
إنما اللوم أخيي للذي= ظل في مسي وفي ضوء الصباح
يطرق الأبواب بحثا عن جدى= من أناس ألفوا البخل الصراح
فاسع للعلم حثيثا واشتغل= وتصبر واطلب الرزق المتاح
واعتلي ظهر بحابيح الثرى =واسع للمجد وبالغ في امتياح
وبعد تركي للعمل في البقالة بحث لي الشيخ عائض عن مسجد أصلي فيه لأستفيد من المكافئة التي تعطيها الدولة للإمام بشرط أن يكون سعوديا وأنا لست سعوديا, فوافق بعض الشباب على أن يتقدم لوظيفة الإمام على أن أكون وكيلا له, وكل هذا بجهد من الشيخ عائض, وبارك الله في مسعاه هذا,وبقيت في هذا المسجد ثلاثة عشر عاما,وكلما استقال إمام بحث الشيخ عن إمام آخر إلى أن نصحني الشيخ نفسه بترك المسجد بسبب تغير الزمن والناس, فقبلت رأيه وعوضني الله خيرا.
وهناك من لايقل أهمية من الشيخ في إحسانه إلي وهو ابن عمه وأخوه من الرضاعة الشيخ سفر بن عالي الحارثي فهما كفرسي رهان في هذا الاحسان منذ وصولي الخرج إلى يوم الناس هذا بارك الله فيهم وفي ذريتهم.
وجماعة هذا المسجد رأيت فيهم من التعاون الشيء الذي لايمكن غض الطرف عنه, فقد صبروا علي طيلة هذه الفترة, ولم أذكر أن أحدا منهم لحقني منه سوء أو تفوه علي بما لايليق, فجزاهم الله عني خيرا, وكنت أسافر إلى البلاد لأجل الدعوة وزيارة والدي وأهلي فيخلُفونني في أهلي خيرا, وينتبهوا لأولادي إلى حين رجوعي فنعم الجيران هم.
وبيني وبين هذا الحي ذكريات طيبة فهو مسقط رأس أولادي ما عدا بنتي مها, وأولادي الذكور أربعة, وهم عبد الرحمن وعبد الودود, والعتيق, وأسامة, وعندي اربع بنات, مها , وفاطمة, وسلي, وميمونة, ومن الذكريات الجميلة, أن بعض أصحابي سمع بولادة ابني عبد الرحمن وهو الأخ منير بن محمد بن حميدي الأنصاري, فأرسل إلي قصيدة تهنئة جميلة خففت عني من آلام الغربة, وذكرتني بليالي تلك الصحبة وهي:
غن بلاعود ولا مزهر تهانئا لي بابني الأزهر
سعد سعود نوّر الأرض من = أقصى بلاد(الخرج) للأزهر
واستبشر الدين وسُرّ به = كل من القاموس والجوهر
وهنأ التاج أساس اللغى = وبشر المصباح للجوهر
قيل وقد بان علي الكرى = شوقا إليه. نم ولا تسهر
فقلت هل يرقد من هام في = حب غزال أدعج أحور
فقيل لا لكن نأت داره = فحاولن سلوانه واصبر
فقلت هل يصبر من قلبه = في (الخرج) والجسم لدى المحجر
ياقرة العين وإنسانها = يا أيها النجل الكريم السري
عمرت كوفيت وقيت أذى = من ساحر أو من عدو جري
ومن حسود شانئ عائن = ومن حقود كا ئد أغدر
ومن. ومن يتم ولطم ومن = ومن. ومن ميل إلى منكر
وذلة أو علة أو أسى =أو عيلة أو قلة تعتري
وأسال الله علا أن تُرى =مقتديا بالمصطفى الأطهر
قالون إن حبر حبرا إذا = فسر جعفيا متى يُخبر
وأصمعيا في اللغى ما هرا= في النحو سَحبان على المنبر
ومنشئا ما شاء إنشاءه = إن شاء ينظم أو يشا ينثر
وقارئا أوقاريا إن أتى = لبابه السائل لم ينهر
هش المحيا دائما بشه = لايخلف الوعد ولا يفتر
ولايبيع الحمد والمجد والـ= ـإحسان بل هو اليشتري
آمين آمين إلى الألف بل = إلى ألوف بل إلى (ملير)

السوقي الخرجي 06-18-2012 12:39 PM

رد: فصول من حياتي
 
ومن المواقف التي مرت بنا في هذا الحي أن ولدي العتيق أصيب بألم شديد في أنفه, فلم نترك مستوصفا في الخرج إلا ومررنا به لنعرف أسباب الألم, ونسبر حقيقته, ومرت جميع محاولاتنا بدون فائدة, غيرأن الأطباء لم يدخروا جهدا في إصدار الأوامر إلى عُمالهم الصيادلة, لينظفوا الجيوب, ويملؤوا الأكياس من الحبوب, وكانوا ينظرون إلى المريض كما ينظر (السمكري) إلى أصحاب (المركبات) فنصيبه منها المصدومة والمكسرة.
بذا قضت الأيام ما بين أهلها ... مصائب قوم عند قوم فوائد
وبالمناسبة فإني عانيت كثيرا من الصيادلة والسماكرة, وكانت الوطأة أشد علي (سماكرة) الخرج حين قلت:
وإن أعجب فما عجبي بشيء = كهذي (الورش) أو تلك الشريحة
من (البنغال) أو(هندي) دار = بلا فهم ولا لغة فصيحــــة
بسياراتنا علموا وهم مع = جهالتهم بلا مهن صحيحة
وإنا معشر الملاك صرنا = فرائس في شباكهم مريحة
فكم سيارة أضحت لديهم = معطلة بفتكتهم جريحــة
فويل الجاهل المسكين منهم = ومن كانت دراهمه شحيحة
فبقينا على تلك الحالة شهرين كاملين, فمنهم من يقول لابد من إجراء العملية,والعملية مكلفة في بلد مثل السعودية فاتورة العلاج فيها في طغيان مستمر,ومنهم من يوصي بالذهاب للرياض ومستشفياتها وهكذا حتى مللنا من رؤية وجوههم, وفوضنا أمرنا إلى الله, وأنا في هذه الحالة وإذا بأخ من المقيمين الماليين في الخرج وله معرفة وبصر بأمور الطب الشعبي, فألقى نظرة في أنف العتيق وأخبرني بأن الأمر سهل, وأمرنا بأن نضع في أنفه قطرات من الزيت كل يوم مرتين فلبينا الطلب, وأحسسنا بأن الفرج قريب, وبعد أسبوع ونحن في هذه الحالة وإذا بالولد يعطس عطسة قوية,ثم تتابع عليه العطاس, حتى سقطت من أنفه قطعة كبيرة من (الإسفنج) مما كان يعبث به من أغراض البيت فحمدنا الباري سبحانه وشكرنا الأخ على ما فعل فقلت:
ارفع يديك إلى المولى بإكبار = فليس يرجى لدى البلوى سوى الباري
دع الخلائق واطرق باب مقتدر = والجأ إليه بآصال وأسحـــــــار
هو الغني الذي تنهلُّ رحمته = على العباد بلا منّ وإقتـــــــار
حسبي به وكفى ربا سما وعلا = عن كل ند ولا تغتر بغــــــرار
سل الخليل وكم لله من منن = من الذي قد حماك من أذى النار
وسل رسول الهدى من صدّعنك الأولى = جاؤوك بغيا ومن نجاك في الغار
وإن تشا فاسألن موسى الكليم الذي = رباه فرعون وهو المفسد الضاري
ويونس سله من نجاه حين غدا = في بطن حوت وفي هوات أخطار
وسل (عتيقا) قضى شهرين من ألم = وكان يشكو أذى في وسط منخار
فلم ندع من طبيب حسب طاقتنا = لكنّ ذا لم يفدنا عشر معشار
فظل في ألم وبت في قلق = حتى قضى الله أن يُشفى من أوضار
قالوا جميعا وقلناوالورى هتفوا = من ذا يُرجّى لدى البلوى سوى الباري
شيوخي في مدينة الخرج.
الشيخ عبد الرحمن الصغير مدير مكتب الدعوة والإرشاد بالنيابة وقد حضرت له دروسا عديدة في صحيح مسلم بشرح النووي وفي العقيدة استفدت منه شيئا كثيرا, وكان ورعا تقيا, وزاهدا متواضعا, جم المناقب , ذاكرالله تعلو وجهه بسمة غير متكلفة, ولا مصطنعة, يحب الفقراء, ولا يفري أحد فريه في الدعوة إلى التوحيد.
الشيخ محمد إبراهيم الحارثي أخذت عنه العقيدة الواسطية, وكان يتقنها, ودروسا عديدة في زاد المعاد لابن القيم, وكذلك الممتع لابن العثيمين, وشرح مسلم للنووي ولازال هذا الدرس قائما منذ فترة لاتقل عن عشر سنوات وكان الشيخ محمد الحارثي ومن معه من إخوانه وغيرهم من الأسباب في بقائي في الخرج طيلة هذه المدة, بسبب ما بيني وبينهم من الحب والوداد الذي توثقت عراه, وتعمقت جذوره, وتوسعت فصوله وأبوابه, وتعددت أسبابه,وفي سجل الذاكرة منهم أسماء هي:
محمد بن إبراهيم الحارثي.
عبد العزيز بن عبدالله الجهني.
سعود بن عبد العزيز اليحياالتميمي
عمر عبد الله الخليفة.
أحمد بن عبد الله الراشدي.
عز الدين احمد الصياحين من (الاردن).
مطلق بن عبد الهادي الجعيدي.
حمدان بن إبراهيم الحارثي.
محمد بن مرزوق الشلوي.
دخيل الله جزا الشلوي.
هذال ابراهيم الدوسري.
سعد بن إبراهيم الحارثي.
عبد الله بن عبد العزيز السعيس التميمي.
محمد عبد الله السرحان.
ومن المشايخ الذين نلت الشرف في الأخذ عنهم في الخرج.
الشيخ سعد الغنام, وكان نعم العون في الدعوة وحمل همها.
والشيخ القاضي فهد بن ناصر السليمان أخذت عنه دروسا عديدة في الجامع الكبير بالخرج وأغلب هذه الدروس في الفقه الحنبلي.
والشيخ خالد الهويسين
والشيخ عبد الله صالح العبيد وأخذت منه قراءة كامل كتاب الشمائل المحمدية وأخذت منه إجازة بذلك ولله الحمدوغيرهم.
ومن الأصدقاء الذين يلزمني الوفاء بذكرهم الأخ علي يحيى القيسي, وهو نعم الأخ لبيب نجيب,وكريم حليم, اشتركت معه في تجارة الغنم فكان يذبح منها وكنت أناكذلك, حتى بارت التجارة, وتحققت الخسارة, فقلت:
البيع في التيوس= مع فتى القيوس
أولى من الجلوس= في زمن عبوس
والمال وسط الكيس= أحلى لدى النفوس
تجارتي طروسي = ومربحي جليسي
أكرمه من كيسي = لا الجمع للفلوس

السوقي الخرجي 07-02-2012 12:28 PM

رد: فصول من حياتي
 
الحديقة الوديقة, في مواقف مختلفة وعلائق وثيقة.

زيارتي للأمير.
وفي هذه الفترة قمت بزيارة الأمير الشيخ والشيخ الأمير عبد الله الفيصل الفرحان آل سعود, ومعي جمع من طلبة العلم بالخرج في بيته في حي (المشيرفة) فأكرمنا وأحسن وفادتنا واستفدت منه كثيرا في تاريخ الدولة السعودية, وتاريخ الإمام محمد بن سعود, وكان الأمير عبدالله يحب طلبة العلم جدا ويواسيهم, ويسمع منهم,فلا يخرجون من بيته إلا وهم يشيدون به وبأخلاقه, وقد كنت جهزت أبياتا في ورقة كانت معي في الثناء عليه, وشكر جهوده وهي:
أقدم على ماجد من آل فرحانا = تلقى من العلم والإحسان ألوانا
فذاك دأب الألى جد الزمان بهم = كانوا لدين إله الكون أركانا
لله سيرتهم لله غيرتهم = عن سنة المصطفى ودين مولانا
لله مابذلوا لله ماحملوا = لله ما عملوا في الله أحيانا
قد جددوا سننا هدت قواعدها = وعم نفعهم برا وخلجانا
ما قلت ماقلت تزويرا ولاملقا = كلا ولا كان تمويها وبهتانا
فأسرة من سعود طاب مغرسها = فاستغلظ الزرع رقراقا وقد بانا
وافوا الجزيرة تشكو من مصائبها = وما رأته من التخريف أزمانا
فطهروها من الإشراك في زمن = لم يلق فيه الهدى دعما وسلطانا
فانجر ذيل الهدى في الكون متسعا= واندس ما كان للإبداع قد بانا
ياآل فرحان هذا طرق مغترب = لبابكم فاسمعوا بالجد شكوانا
وخففوا ثقلا أضحى بكاهلنا = لازلتم لبني الاسلام أعوانا
فسألني عن حاجتي فقلت زيارتكم والسلام عليكم, وإن كان ولابد (ففيزا) منكم لزوجتي ووالدتي فأمر مدير مكتبه مباشرة بتلبية هذا الطلب جزاه الله عني خيرا, وكنت أزوره للسلام عليه وآخر زياتي له كانت بسبب حضور الشيخ ابن العثيمين عنده, وإلقائه درسا في مجلسه في تفسير سورة (ق) رحمهما الله رحمة واسعة.
التقديم للجامعة.
دعاني فضولي الى الذهاب إلى جامعة الإمام محمد بن سعود لمواصلة دراستي ,وكان ذلك برفقة الشاب الطيب مشعل بن مقبل الحارثي لتقديم أوراق طلب التسجيل, وكان الأخ يود أن أكون معه رغبة في أن أحول له ماسماه (أوعر المهالك) إلى اسمه الحقيقي (أوضح المسالك) لابن هشام, وكان يجد صعوبة في فهم الكتاب, فذهبت معه, وطلبوني بتزكية المشايخ, فأخذت تزكية من غالب مشايخ الخرج وشفاعة من الأمير عبدالله الفيصل آل فرحان آل سعود فذهبنا بها إلى إدارة القبول والتسجيل بالجامعة فنظروا إلى التزكيات والشفاعة فقال لي المسئول بالحرف الواحد: (جيب واسطة قوية قوية قوية).
فذهبت إلى الخرج ومعي هذه (القاءات الثلاث), ولا زلت أبحث عنها في مفردات وقواميس المعارف فلم يغن ذلك شيئا.
وللوفاء والكرم أهل ورجال.
عشت في السعودية عشرين سنة, حتى الآن وكانت هذه السنوات حافلة بالمواقف الجميلة, التي سجلت بعضها ذاكرتي وسوف أسجل هنا المواقف المشرفة التي رأيتها في هذا البلد الكريم بكرم أهله وذويه,وأود التنبيه إلى أنني لا أمدح نفسي بالوفاء, ولا أذمها بعدمه, ولكنني أستطيع أن أقول أنني أكره التنازل بسهولة عن أصحابي ومعارفي, وأستغرب ممن يُفصّل الأصدقاء والأحباب, كما يفصل الثياب, ويبقى طول حياته على هذه الحالة يغير, ويستبدل,ويختار, فيحتار, كما أنني أعجب من أُناسٍ يدفنون مثل هذه المواقف وهي حية وكيف يسوغ لهم أن يعيدونا إلى سير الوأد وكأنهم لايعرفون أن دفن بنيات الأفكار, قريب من دفن البنات الأبكار, فتلك في البراري والوديان, وهذه في مجاهل النسيان , وهناك من يفضل أن يصون مثل هذه المواقف في صدره ويبقي اللثام على وجهه وأرى أن ذلك أشد أنواع البخل حينما تُكرم وتسكت, وتُمطَر بغمام مكارم الأخلاق فلاتُمسك ولاتنبت, ولست أدري الى أي نوع من أنواع الصخور أنسب هذا القلب , ولاأي شكل من أشكال الأحجار قدت منها عيونه التي ترى المواقف النبيلة, والخلال الأصيلة فتتعامى عنها, في حين أنه يتكلف ويتعقر, ويتشدق عندما يتعلق الأمر بحاضر أمامه , وأمل يرجوه , وجاه يطلبه.
والعجب أن الناس ينظرون إلى الناس والدنيا من خلال أنفسهم كمن يستعمل نظارة سوداء فلا يرى أمامه غير السواد,ويعرف هذا من يقرأ كتب الأدب والشعر العربي, فتجد شاعرا متشائما, وتجد الزمن في شعره باكيا بائسا, وآخر في نفس الزمن أو في ذات المكان يرسم عبر أسلات شعره وقلمه لوحة عن الدنيا وعن الزمن الضاحك, والدنيا هي هي.
ولا أنكر اختلاف المواقف, التي تضطر المرء أحيانا إلى أن يتذمر, ويتألم من تقلبات الدنيا وأهلها, كما أنني لا أنكر وجود ناس مجدودين وآخرين محرومين وهذه سنة جارية, لامهرب منها, وقد صور ذلك الامام الشافعي أحسن تصوير حين قال:
الجد يدني كل شيء شاسع ... والجد يفتح كل باب مغلق
فإذا سمعت بأن مجدوداً حوى ...عوداً فأورق في يديه فصدق
وإذا سمعت بأن محروماً أتى ... ماء ليشربه فجف فحقق
وأحق خلق الله بالهم امرؤ ... ذو همة يبلى برزق ضيق
ولربما عرضت لنفسي فكرة ... فأود منها أنني لم أخلق

السوقي الخرجي 07-09-2012 12:13 PM

رد: فصول من حياتي
 
أنا في الخرج.
ولم أكن في تواجدي بالخرج منعزلا عن الناس, أو بعيدا عن المجتمع وقضاياه بل أرى وأسمع, وأقرأ وأكتب وشاركت في كثير من الفعاليات التي فتح فيها المجال أمامي , سواء في المراكز الصيفية,أو في العيد الوطني وقد ألقيت في الأخير قصيدة نوهت فيها بحملة الملك فهد بن عبد العزيز, في دعم شعب (البوسنة والهرسك).
فمن هذه المواقف الرائعة التي ينبغي أن تسجل في سجل التشريفات الأدبية, ما يلي :

1- سافرت إلى مكة في إحدى المرات ومعي زوجتي وأولادي , وتعطلت سيارتي في قرية (ظلم)بفتخ الظاء وهي بين حلبان والطائف, وكنت قريبا من ورشة تصليح سيارات وتبين أن العطل في الكهرباء فذهبت إلى محل كهربائي ففكك (الدينمو) قطعة قطعة, ثم دخل غرفته ونام,وكنت أظن أنه ذهب لبعض شغله وسيعود, فتبين أنه ذهب لينام, فذهبت إلى غرفته أضرب الباب بكل قواي والأولاد يبكون, والزوجة في حالة خوف وذعر شديدين, فأبى أن يفتح الباب, وقال من وراء حجاب (صديق بكرة) فنظرت يمينا ويسارا فلم أر غير الظلام الدامس الذي نصب على قرية (ظلم) خيمة من الهدوء, فإذا باثنين من الشباب السعودي وأظن أنهم من الجيش فأوقفتهما, وقصصت عليهما قصتي, وشرحت لهما أمري, وبينت لهما حاجتي إلى مساعدتهما فماكان منهما إلا أن أوقفا سيارتهما, وتقدما نحو باب غرفة الأخ (الباكستاني) فأوسعاها ركلا بأرجلهما حتى فتح الباب, فمسكا بتلابيبه وهدداه,وأمراه بإصلاح السيارة على جناح السرعة ففعل مكرها في أقل من ربع ساعة, وقلت لهما سوف تشتغل السيارة الآن فرفضا الذهاب قبل التأكد من الأمر وجلسا في سيارتهما ينتظران مايؤول إليه أمر السيارة حتى اشتغلت فحمدت الله وشكرت الشابين فردا علي باللهجة السعودية (ماسوينا شيء) وهي كلمة في غاية من الرقي في مراقي الاخلاق يستخدمها السعوديون لإعادة الاعتبار للمثني وللمادح أثناء ذكره لإحسانهم له, وهي تعني أن هذا المعروف يستحق من قدم إليه أكثر منه, أو أنه قليل من كثير فعلات الأجواد.
2- وفي أحدى المرات ذهبت إلى الرياض معزوما عند أحد الإخوة ومعي أهلي أيضا فانقطع (سير) المكينة,وكان عندي سير احتياطي, فأخذته ولم أعرف تركيبه فجاءني رجلين (أسمرين) فأشرت إليهما فأوقفا سيارتهما , ونزلا وعرفا سبب العطل فسألاني هل يوجد عنك (سير) قلت نعم, فأحضر الصغير منهما (العدة) وهي عبارة عن أدوات فك وتركيب لا ينبغي أن يستغني عنها السائق, فركّبا السير , وكان ذلك بملابسهما النظيفة التي شوهت زيوت سيارتي بياضها وحولتها إلى بقع سوداء كما انتظمت نجوم الأفق في فحمة الدجى.
3- ومن هذه المواقف أنني بحثت عن (كفيلي) عائضا فلم أجده وأنابحاجة إلى السفر, والإقامة قد انتهت في نفس اليوم, وذهبت إلى الجوازات لتجديدها فقدمت أوراقي إلى العسكري, فقال لي أين الكفيل,(روح جيب كفيلك),فذهبت كما أتيت,وعند مدخل باب مبنى الجوازات رأيت واحدا يبدو أنه معقب, فسألته عن اسمه فقال: اسمي (سهل) فقلت : الحمد لله تسهلت أموري, والعجب أنني قلت هذا الكلام بكل ثقة, قبل أن أعرف رد الرجل على طلبي, فقال لي (إيش عندك) فقلت له أحتاج إلى تجديد, إقامة فذهب وأخذ صوري ورجع إلي بعد ساعة, والإقامة مجددة, ورفض أن يأخذ مني ريالا واحدا, جزاه الله عني خيرا.
4- ومن هذه المواقف أنني في أحدى المرات كنت في رفقة الشيخ عائض بن غائب الحارثي فنفد وقود السيارة ونحن في الطريق السريع بين (بلجرشي) و(رنية) فأمرني بأن أقف جانب الطريق لعل مارا يراني فيقف لي ويحملني لأقرب محطة (وقود) فأشّرت, ووقفت, بلا جدوى فرجعت إلى الشيخ وقلت له اذهب أنت برفقة ولديك لأن ذلك أكثر استعطافا من عيناي الحمراوين, وبشرتي السمراء, ولغتي التي كانت خليطا بين الفصحى واللهجة السعودية, وكان أصحابي يسألون عن السبب في عدم إتقاني للهجة السعودية, وأرى أن السبب في ذلك راجع إلى أمرين:
1- عدم قدرتي على التقليد ولو كلفت بتمثيل أي موضوع أو قصة لأتى دوري ناقصا غير كامل, ولعل هذا هو السر في عدم نجاحي في تقليد أي قارئ.
كما أن عدم إتقاني للهجة السعودية, راجع أيضا إلى ما سبق, وإلى عدم وجود لهجة عربية نتكلم بها في صحراء الطوارق غير الفصحاء فهي التي تعلمناها, وننطق بهاحرفيا كما هي.
2- أنني جربت شؤم (التقليد) في أشياء, قلدت فيها غيري فتبين لي بعد حين أنهم كانوا ممثلين مهرة أدوا دورهم في (الفيلم) ثم ذهبوا وتركوني فريدا وحيدا لاأنيس لي غير بساطتي وسذاجتي فتعقدت نفسي من التقليد لأنني بكل صراحة (أكلت منه مقالب) كما يقول المثل الشعبي.
قبِل الشيخ نصيحتي وذهب إلى جانب الطريق واقفا بين ولديه ابراهيم وعبد الرحمن يؤشرحتى مرت به سيارة وقص عليهم القصص, ووافقوا على أن يأخذوني إلى أقرب (محطة) شرط أن لايُرجعوني فركبت معهم ووصلت إلى المحطة فأخذت الوقود وبقيت ساعة أطلب من كل صادر ووارد أن يوصلني إلى الشيخ وأولاده, ولا ننسى أن المكان بعيد يحتاج إلى نصف ساعة للمسرع المجد فكل من عرف المكان يكون جوابه الرفض, حتى وقف عندي رجل خمسيني نجيب, لبيب , خراجة ولاجة, تقرأ في وجهه النجابة, ليس من المنعمين, ولا من البداة الجافين, فبادرته وقلت له من أنت ؟ فنظر إلى نظرة استغراب ولكن أدبه وخلقه اقتضيا أن يرد الرد السريع, ويقول إنني من قبيلة (سبيع) فشرحت له قصتي, واعتذر بأنه مشغول وعنده مدارس وبنات يوصلهن , فقلت له أعرف أنك مشغول ولكن العربي الأصيل لايمكن أن تعرض عليه خلال ثلاث من خصال الخير إلا وقبلها أويقبل بعضها فإني أعرض عليك خلالا ثلاثا قال: هاتها: قلت:
1- إماأن تأخذني ووقودي معي فهي أنبل وأخير .
2- وإما أن تأخذ(الوقود) وأجرتك من النقود, وتوصلها إلى الشيخ وألاده, وتتركني هنا إن كنت خائفا مني وهي دون الأولى.
3- أولا تأخذني ولا تأخذ وقودي, ولا أجرة فتذهب بعارها, ولا أعدم من الدنيا رجلا فيه خير يوصلني إلي غايتي.
فقال اركب وخذ معك وقودك, فانطلق بي مسرعا يمتشط تلك الفلوات, ويذرع هاتيك البيد, حتى وصلنا إلى الشيخ وأولاده, وقد اسبدت بهم مشقة الانتظار, في تلك القفار, فعبينا الوقود واشتغلت السيارة, فأخذت الأخ السبيعي على جنب وقلت له هذه قيمة أجرة السيارة,فرفض وانتفض, ورد الأجرة والعوض, وقال أما قلتَ لي إن الخصلة الأولى أنبل وأفضل, وأخير وأمثل, قلت كلا, فسلم علينا وولى, وتولى من نبل وشرف هذا الموقف ماتولى.
4- ومن المواقف التي لم تكن من قبيل ما سبق أن ولدي عبد الرحمن جاءني من المدرسة ضائق الصدر, سيء الحال وقد خنقته العبرة, فسبقتني إليه أمه وقالت له مالك, وماجرى لك, قال أستاذ, قلت ماشأنه قال كان يعرف أنني متفوق وهناك مسابقة من إدارة التعليم لجميع طلاب فصلي, فحسدني ورفض أن أشارك معهم بحجة أنني غير سعودي, فقلت له لابأس هون عليك سأراجعهم السبت وأتحقق من الأمر بنفسي, فذهبت إلى المدير واستفسرت من الأمر فأنكر ذلك أشد الإنكار.
ويكون الخطب سهلا, والمصاب محتملا إذا صدر هذا الموقف من رجل لاعلاقة له بالتعليم, ولكن البلية أن تصدر هذه الأساليب ممن تصدر لوظيفة التعليم وسلم له الناس فلذات أكبادهم, ليقوم بواجب تعليمهم, لاتسميمهم, وتثقيفهم, لاتسخيفهم, ومنابر التعليم, ينبغي أن تبقى للعلم والمعرفة, وتظل مُصانة من أن تتحول إلى منصات لإطلاق شحنات التفرقة بين الناس.
وقد تعقد الولد من المدرسة من ذلك الوقت, فنقوده إليها ويجمح كما يجمح المهر الأرن, وكان قبل ذلك لايعرف الفرق بين الناس وينظر إلى زملائه في الفصل وفي المدرسة وكأنهم من عشيرته, أوأبناء عمومته, ويظن المسكين أنه (سعودي) وأتحاشى أن أفند في نفسه هذا الظن لا لشيء سوى الخوف مما حصل له من التعقيد بسبب فعل هذا المدرس أما الآن فيسألني دائما متى نذهب إلى (مالي).
ومن هذه المواقف أنني قبل أن تكسر أشغالي أذهب من (الخرج) كل خميس وجمعة إلى الرياض لزيارة الأقارب وكانت معي سيارة (داتسون) من نوع (مأتين إل) قديمة أدت كثرة تردادي على هذه النقطة إلى معرفتهم بي وبهذه السيارة فلم تفدني هذه المعرفة بل كانت جزءا من مشكلتي حيث إنهم اعطوني عدة (قسائم) فقلت في إحدى المرات:
سئمت من طول عسج = بين الرياض وخرج
أرى القسائم تترى = علي من كل فج
[/size][/font]

السوقي الخرجي 07-11-2012 08:50 PM

رد: فصول من حياتي
 
عشر سنوات في مجال الدعوة.
قبل الحديث عن الدعوة أود أن أنوه هنا بالدور الذي لعبته المدارس السوقية في صحراء الطوارق, وما كان الحديث عن السوقيين إلا حديث عن كوكبة مضيئة من أعلام الإسلام في صحراء الطوارق كرسواحياتهم في خدمة الدين, والذود عن حمى اللغة العربية في هذا الجزء البعيد عن كبريات مراكز التحضر ومحاضن الفكر في الوطن العربي, فماوهنت منهم العزائم وما ضعف فيهم الانتماء , وما ركدت ريح اتصالهم بمنابع العلوم الإسلامية والعربية في هذا الجزء من جنوب الصحراء, هذا حالهم .
وحالنا معهم أننا ثوريون عليهم سواء في العقائد أو في السلوك وحتى في طرق المعيشة وعادة الثوري أنه ينفي الآخر, ويقصيه, ويبعده ويلغيه, وهذا ما فعلناه بهم, والحقيقة أنهم وإن أخطؤوا في بعض الأمور فصوابهم وجهادهم لايمكن لذوي العقول السليمة, والفطر المستقيمة, أن يجحده, فعلى مدار ستة قرون أو أكثر لم يسجل لهم غياب عن الصدع بالحق حسب قدرتهم, والقيام بالوظائف الدينية المناطة بهم في البلد, وممارسة الإصلاح بشقيه الإرشادي , والسلوكي , وكانت الحروب التي عصفت أعاصيرها بالمنطقة قبل الاستعمار الفرنسي وأثناءه وبعده لم يغب فيها زئير علمائهم وثرثرة أقلامهم عن ساحات هذه الأحداث, بالإضافة إلى ذلك هم الوعي الديني المتيقظ, والصوت المجلجل.
ومشكلتنا نحن الشباب أننا نعرف ذلك ولكننا نتجاهله من أجل حب التغيير الذي نعشقه عشقا, ولكننا لانبذل من أسبابه إلا نذرا يسيرا فليس منا من جلس لتعليم الناس وتبصيرهم في دينهم والصبر على ذلك كما كانوا يفعلون.
وغالب الشباب الذين يأتون إلى الصحراء يأتون من السعودية في الإجازة الصيفية وهم مرتبطون بأعمالهم, فيبذلون جهدا يشكرون عليه, ولكنه لا يرقى إلى مستوى أن يكون بديلا عن علماء السوقيين ولاغيرهم من العلماء في المنطقة, بل كنا نستخدم طريقة (اضرب واهرب) أو مايشبه اللافتة التي تذكّر مادامت منصوبة, فإذا ذهبت أو سقطت ذهب معها ما عليها, وكنا ننسخ الأساليب التي رأينا الدعاة يستعملونها في مجتمعات كبيرة فنحاول أن نلصقها في عشائر بدوية مثل السوقيين .
وكانت العشر السنوات الماضية شهدت تحولات كبيرة في مجال العمل الدعوي عندنا ومورست خلالها كل الوسائل الممكنة في ايصال الدعوة إلى مجتمعنا حسب الوسائل المتاحة, ولم تشهد هذه الفترة طرح أي مواضيع غير ذلك بمعنى أن المواضيع الاجتماعية والاقتصادية وغيرهما ليست ضمن أوليات الطرح في تلك الفترة بل كانت الدعوة هي السمط الحاوي لجميع تلك الجهود.
وكان غالب الدعاة هم من فئة الشباب أبناء الثلاثين والخمس والعشرين سنة ويستثني من ذلك أشخاص يعدون بالأصابع ولم تخل هذه الفترة من اشتهادات شبابية شابتها بعض الأخطاء ولكن الحق يقال فإن أغلب الدعاة أعني السوقيين منهم ضربوا أروع الأمثال في الهدوء وفي حسن تعاملهم مع كافة الشرائح التي كانت(محل) هذه الدعوة ولاأبرئ الشباب من بعض الاجتهادات الخاطئة ولوكان هناك من ينصف لأشاد بهذا الجهد الذي بذل في تلك الفترة ولكننا إذا قمنا بتحليل أوضاع مجتمعناالنفسية وجدنا أن أشد مايعيق عملنا الدعوي في هذه الفترة هو:
[/size][/SIZE][/FONT]

أبوعبدالله 07-14-2012 07:02 PM

رد: فصول من حياتي
 
سيرة ذاتية ممتعة نستشف من خلالها مدى ما يتمتع به أديبنا الخرجي من رباطة جأش وقوة تحمل مع أمانة نقل الوقائع كما هي- مازلنا ننتظر ونتابع شيخنا وأديبنا الفاضل

السوقي الخرجي 07-15-2012 11:45 AM

رد: فصول من حياتي
 
عقدة الكمال حيث أننا أمة مغرمة بحب الكمال ، والتشدق به ، وتكلفه ، والتلبس بزيه أحيانا ولا ينجو من ذلك الداعية ولاالمدعو ولا المناوئ.
فالناقدون للدعاة يرون فيهم قدرا من الكمال وبالتالي فكل ما يصدر منهم فلابد أن يكون كاملا وإلا فالويل لهم من التجهيل والنعت بعدم الحكمة, والتشبع بمالم يعطوا وأنهم طلاب دنيا وأصحاب مشاريع وغير ذلك .
وكذلك فإن هذه النظرة الكمالية وجدت عند كثير من الشباب ونتج عنها عدم مراجعة طرحنا الدعوي وإصلاح الخلل إن كان فيه وحصل هناك خلل في فكرنا بين قدسية وكمال ما ندعو إليه وبين طينية وآدمية ما نمارسه من أعمال وأفعال ولم يتم النظر إلى فرضية نقص يعتري أوعيب يكتنف وصرنا نركن في عملنا إلى التقليد الذي نعيناه على غيرنا وتحولت بل استحالت ممارساتنا الدعوية تعاني من استنساخ مستمر!!..
وصار بعضنا يسير وهو لايدري في نفس الخط البياني الذي رسمه اعداء أهل السنة من أهل الاعتزال الذين حاولوا فرض عقائدهم على الناس بالقوة, وتحول فهم الشيخ أو رأيه في النص عند هؤلاء إلى الوجه الوحيد الممكن لفهم النصوص, حتى صُور عند البعض أن أقوال شيوخهم هي الصورة المثلى لعطاء الاسلام ومعالجته للأحداث والمشكلات.
والطامة الكبرى أن بعضا ممن ينتسب إلى العلم من هؤلاء المقلدة لايرضون أن يشاركهم غيرهم صفاء التوجه ونقاء العقيدة خاصة إذا كانت أصوله غير (نجدية) فقد قال الشيخ الريس بالحرف الواحد أنه يحمده الله على توصله إلى نتيجة لاتقبل الشك في رده على الشيح الحسن الددو وهي أن من كان (صوفيا) في الأصل والمنشإ يبقى على صوفيته وبدعته وإن تظاهر بمظهر أهل السنة, ولا أدري لماذ تنفق الأموال وتسير قوافل الدعاة, وتبث منح الدراسة في أنحاء المعمورة, وما الفائدة وراء هذا كله إذا كان الأمل مفقودا في أن يتحول هؤلاء الطلاب إلى سنيين وسلفيين.
وأشد من هذا كله من انشغل عن عيوبه بعيوب الناس وادعى جورا وزورا أنه يخدم العقيدة والدين , فأنفق وقته في تصنيف الناس وأعجبني قول العلامة بكر أبو في وصفه البليغ لهؤلاء:
( وإذا علمت فُشُوَّ ظاهرة التصنيف الغلابة ,وإن إطفاءها واجب , فاعلم أن المحترفين لها سلكوا لتنفيذها طرقا منها :
* أنك ترى الجراح القصاب , كلما مر على ملأ من الدعاة اختار منهم ((ذبيحا)) فرماه بقذيفة من هذه الألقاب المرة,تمرق من فمه مروق السهم من الرمية,ثم يرميه في الطريق, ويقول: أميطوا الأذى عن الطريق,فإن ذلك من شعب الأيمان؟؟؟
* وترى دأبه التربص,والترصد:عين للترقب وأذن للتجسس,كل هذا للتحريش,وإشعال نار الفتن بالصالحين وغيرهم .
* وترى هذا ((الرمز البغيض)) مهموما بمحاصرة الدعاة بسلسلة طويل ذرعها,رديء متنها, تجر أثقالا من الألقاب المنفرة, والتهم الفاجرة ,ليسلكهم في قطار أهل الأهواء، وضلال أهل القبلة, وجعلهم وقود بلبلة , وحطب اضطراب وبالجملة فهذا (( القطيع )) هم أسوأ (( غزاة الأعراض
بالأمراض )) والعض بالباطل في غوارب العباد , والتفكه بها , فهم مقرنون بأصفاد : الغل , والبغضاء , والحسد , والغيبة , والنميمة , والكذب , والبهت , والإفك , والهمز , واللمز , جميعها في نفاذ واحد .
إنهم بحق : (( رمز الإرادة السيئة )) يرتعون فيها بشهوة جامحة .
نعوذ بالله من حالهم , لا رعوا).
ومن حبنا للكمال والتفاني في سبيل الوصول إليه أننا نخبويون لانعرف التعامل إلا مع النخب والدليل على ذلك أننا توجهنا مباشرة إلى دعوة العلماء وطلبة العلم ومحاسبتهم على أخطائهم العقدية والسلوكية وكان نقد التصوف والصوفية هو الحاضر الذي لايغيب وقد جرت محاولات جادة لضغط المراحل الدعوية واختصار مسافاتها من خلال هؤلاء المشايخ الذين نظن أننا نستطيع إقناعهم بما جئنا به وبالتالي فلا حاجة في تجشم المعاناة التي لاقاها الأنبياء في سبيل إيصال رسالتهم إلى الناس كل الناس وإلى الأرض كل الأرض وغضضنا الطرف عن دعوة العامة والدهماء ولم نستطع خلال هذه السنوات العشر إيجاد منابر ثابتة في القبائل المجاورة لنا مما أدى إلى دوران دعوتنا في أطر ضيقة وعاشت في قوقعة صلبة ظاهرها لايسمح بمرور من ليس من السوقيين وباطنها يصفي وينتقي ولا يتعامل إلا مع النخب من السوقيين فقط وكأن عقدة حب الكمال قدرنا الذي يلاحقنا أنا اتجهنا.
وأخشى ماأخشاه أن تتخذ بعض العراقل التي تمر بها الدعوة عندنا أوأخطاء من أخطأ فيها ذريعة للتملص من واجب الدعوة علينا فيصدق علينا قول القائل:
ألقى الصحيفة كي يخفف رحله والزاد حتى نعله ألقاها
فلا ينبغي أن نعطي الفرصة بان يصرع الحق الذي ندعو إليه من قبلنا, فللباطل جولة , وللحق جولات, كيف لا يكون ذلك ونحن نعلم أن الحق وجود, والباطل عدم, فالداعية ينبغي أن يكون مثل الطبيب, الذي لايمنعه صراخ المريض أو سبه من إنجاز مهمته.
2- عقدة المال, حيث أن بعض الدعاة يرى أن كل شيء من أمر الدعوة لابد أن يكون بالمال وفي اعتقادي الذي لا ألزم به أحدا أن هذا أخطر شيء تواجهه الدعوة في مجتمعنا حيث أننا ربطنا أنشطتنا وأعمالنا بالمال وهذا ليس جيدا أ ن يتعود عليه المجتمع وهو مساعدة لهم بلون آخر من الممارسة التي كانت سائدة عندهم, ولاتنمى فيهم مواهب العطاء في مجالات الدعوة ولنضرب مثالا بإفطار الصائم وغيره من أعمال الخير فلا يوجد مجتمع في نظري إلا ويستطيع أن يكتفي ذاتيا في مثل هذه الأعمال إذا وجه ودرب على ذلك.

السوقي الخرجي 07-25-2012 03:50 PM

رد: فصول من حياتي
 
موقف شيوخنا من الدعوة.
والاعتراف بالحق فضيلة فإن الكثير من علماء السوقيين كانوا على قدر كبير من لين الجانب وخفض الجناح أمام الدعاة الشباب عكس الزعامات الصوفية الأخرى في الساحة, وسار قطار الدعوة عندنا على هذا النحو بدون أي تصادم فترة من الزمن لابأس بها,ثم حصل جفاء محدود في الآونة الأخيرة يصعب تصنيفه تحت أي عنوان فهوأقرب إلى(الشخصنة) منه إلى شيء آخر.
ويلاحظ أن مشايخنا حاولوا أن يهندسوا طريقة خاصة ويمسكوا العصا من الوسط بحيث يحافظون على الموروث الصوفي مع غض الطرف عن الشباب وفتح الباب أمامهم للاتحاق بالمدارس التي تصنف على أنها سنية وسلفية.
وهذا جانب مهم غفل عنه الكثير ممن يتناولون هذا الموضوع, وينسى أن ذلك فتح الباب أمام شبابنا لرفع مستوى الفهم عندهم، وكذلك نسبة المعرفة، وعمق التفكير؛.
واقع الدعوة وغياب المرجعية.
الدعوة في صحرائنا ومدننا وقرانا لاينقصها غير الرجال, ومن فضل الله علينا وعلى الدعوة أن الشباب مع الدعوة ولا ينقصهم غير المحاضن التربوية التي تربي وتنمي فيهم فكرة الدعوة وتلهب فيهم مشاعل الإيمان .
وشبابنا اليوم احوج الى الشيخ الداعية والداعية الشيخ الذي يربي بصغار العلم قبل كبارها مع كرم النفس، وسعة الصدر، وعظم الصبر، متمكناً في قرآنه ، راسخاً في إيمانه داعية في سلوكه، أسوة في عمله وفي منطوقه، يحمل هموم مهمته، ويفهم واقع أمته حتى تتفتق الأذهان بين يديه وتنطلق الألسنة على مسمعيه وتكتب الحروف بين ناظريه.
والدعوة اليوم هي أحوج ماتكون إلى من يقود سفينتها بأفعاله وسلوكه قبل خطابه ومقاله ولو تأملنا في كتاب الله تعالى لوجدنا فيه إناطة النصر للمؤمنين بما يتصفون به في ذواتهم وما يفعلونه لا بمجرد ما يقولونه للناس.
ويمكن القول أيضا أن وعد الله بالاستخلاف للمؤمنين لن يكون إلا لمن تحلى بالإخلاص الخالص لله تعالى حيث يتخلى المؤمنون حملة الدعوة عن حظ نفوسهم لمصلحة الدعوة، و يقدمون ما يحبه الله على ما تحبه قلوبهم وتهواه، ويقدمون أمر الله تعالى على أمرهم. قال تعالى: { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئا(
وهذا تمكين مشروط بشرط الأعمال السابقة.
وأما التمكين الثاني فإنه منة من الباري سبحانه (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ).
ونحن في هذه الفترة في أمس الحاجة إلى الأمور التالية قبل أن ندعو بهاغيرنا:
1- أن نحقق في أنفسنا ما نريد أن نحققه في الآخرين، فنتعهدها بالرعاية ونؤطرها على السلوك الطيب، وتحري الصدق في المواقف، والإخلاص في النية، ونحاكم أنفسنا إلى القيم والمبادئ التي ندعو إليها اولا قبل أن نطالب المدعوين بها وأعجبني قول أحدهم ( إذا كانت الأفكار هي الماء الذي يروي ويحيي، فإن حاملها هو الإناء الذي يحوي، لذلك يجب أن يحافظ عليه نظيفًا حتى يبقى ما في داخله نقيًا صافيًا).
2- أن نلزم أنفسنا و أن نقترب ما أمكن من منطق الشاطبي في موافقاته مع اقتباس من جرأة ابن حزم في محلاه متجنبًين غرائبه وغاراته على مخالفيه... ونستنير من احتياطات ابن حجر في فتحه، ومن ترددات النووي بين التهيب وإحداث قول جديد في مجموعه، مثلما نساير ونماشي توسيعات ابن تيمية في فتاواه, وحكمة ابن باز مع مخالفيه.
3- كما قال ابن القيم رحمه الله: "..فإن كل طائفة معها حق وباطل، فالواجب موافقتهم فيما قالوه من الحق ورد ما قالوه من الباطل، ومن فتح الله له هذا الطريق فقد فتح له من العلم والدين كل باب، ويسَّر عليه من الأسباب.
4- توفر مناخ تربوي يفسح المجال لنمو شخصية أفراد العمل الدعوي فأفكار دعاتنا لاتنمو فتطرح نفس التي طرحت من قبل ولا يوجد تجديد في الخطاب ولا تحديث لأسلوب العمل بل يجري إعادة تكرار ما سبق طرحه وصار مألوفا معروفا.

أبوعبدالله 07-26-2012 02:01 AM

رد: فصول من حياتي
 
اقتباس:

ونحن في هذه الفترة في أمس الحاجة إلى الأمور التالية قبل أن ندعو بهاغيرنا:
1- أن نحقق في أنفسنا ما نريد أن نحققه في الآخرين، فنتعهدها بالرعاية ونؤطرها على السلوك الطيب، وتحري الصدق في المواقف، والإخلاص في النية، ونحاكم أنفسنا إلى القيم والمبادئ التي ندعو إليها اولا قبل أن نطالب المدعوين بها وأعجبني قول أحدهم ( إذا كانت الأفكار هي الماء الذي يروي ويحيي، فإن حاملها هو الإناء الذي يحوي، لذلك يجب أن يحافظ عليه نظيفًا حتى يبقى ما في داخله نقيًا صافيًا).
2- أن نلزم أنفسنا و أن نقترب ما أمكن من منطق الشاطبي في موافقاته مع اقتباس من جرأة ابن حزم في محلاه متجنبًين غرائبه وغاراته على مخالفيه... ونستنير من احتياطات ابن حجر في فتحه، ومن ترددات النووي بين التهيب وإحداث قول جديد في مجموعه، مثلما نساير ونماشي توسيعات ابن تيمية في فتاواه, وحكمة ابن باز مع مخالفيه.
3- كما قال ابن القيم رحمه الله: "..فإن كل طائفة معها حق وباطل، فالواجب موافقتهم فيما قالوه من الحق ورد ما قالوه من الباطل، ومن فتح الله له هذا الطريق فقد فتح له من العلم والدين كل باب، ويسَّر عليه من الأسباب.
4- توفر مناخ تربوي يفسح المجال لنمو شخصية أفراد العمل الدعوي فأفكار دعاتنا لاتنمو فتطرح نفس التي طرحت من قبل ولا يوجد تجديد في الخطاب ولا تحديث لأسلوب العمل بل يجري إعادة تكرار ما سبق طرحه وصار مألوفا معروفا.

بارك الله فيك شيخنا وبارك لنا في لطف جنابك ولين نصحك ودعوتك

السوقي الخرجي 07-31-2012 11:20 PM

رد: فصول من حياتي
 
أشكر ك يا ابا عبد الله على جلدك في المتابعة ومرورك يهمني.

السوقي الخرجي 07-31-2012 11:27 PM

رد: فصول من حياتي
 
مواقف في الدعوة.
كنت أتحاشى دائما الحديث عن الأمور التي قمت بها في الدعوة خشية وخوفا من حظوظ النفس, ومكايد إبليس, ورغبة في نيل ما يترتب على العمل الخفي, كما في الحديث الصحيح عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي )رواه مسلم .
وكنت أرى أيضا عدم الخوض في الحديث عن الأخطاء السابقة التي يقع فيها الماضون, إلافيما يخص مقام البيان, ولاأحبذ أن يكون البكاء على أطلال هذه الممارسات حديث المجالس, لأن ذلك يوغر الصدور, ولايربي على ترك هذه الممارسات,فأقول في مقام البلاغ سواء في الدروس العادية, أو في الدورات التي نقوم بها, ما يخطر ببالي فإذا اتنهى المجلس سكت, ولا أتكلم في المجالس العامة إلا في ذكر أمجاد هذه القبائل السوقية, وماقدمته من خدمة للدين وللغة العربية ,و يعجبني قول الأول.
لاتلتمس من عيوب الناس ما ستروا=== فيهتك الله سترا من مساويكا
واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا === ولا تعب أحدا منهم بما فيكا
وكنت في إحدى المرات مع أحد الإخوة المهتمين بهذه الجوانب المضيئة من تاريخ القوم وهو الحبيب الاديب حمزة بن عثمان فتطرقنا في الحديث عن فتوى تدل على دقتهم , وفهمهم لواقعهم, وبصرهم,بخفايا زواياه, وتفيد الفتوى بضرورة التفرقة بين (أحباس) الطوارق, وأحباس السوقيين, وأن أحباس الطوارق عبارة عن صدقة يرثها من جعلت لهم, لعدم معرفتهم بمدلولات هذه الألفاظ بخلاف أحباس السوقيين فإنها باقية على أصلها, وغيرذلك من الأمور التي لايجهلها من يعرف السوقيين ودقتهم في الأمور الدينية.
ومن هذه المواقف أنني كنت في بعض سفراتي ضيفا عند بعض رجال العلم السوقيين, فجاءني في هدأة من الليل, وأنا ما بين النائم واليقظان, فتنحنح وسلم, فعرفت أنه يريد أن يجلس ويتحدث معي فرددت عليه السلام, فجلس وقال لي بالحرف الواحد, بدأت نيراننا تتراآى وهو مثل يضرب ويراد به نوع من التقارب في وجهات النظر, فقال أصدقني ما رأيك في (النداء), بغض النظر عن أقوال علمائنا وعلمائكم - يقصد علماء السعودية-, فسكت هنية فقلت لاأعرف من ذلك إلا ما تعرفه ومافي هذه الآية الكريمة وهي قوله تعالى(وقال ربكم أدعوني استجب لكم..) الآية فقلت له هذا سؤال تولى الله الإجابة عنه بهذه الآية التي صُدرت بقوله (وقال ربكم..إلخ),وقلت له وكأن الآية جواب عن سؤالك, قال: ليس في الآية دليل صريح على ماقلت قلتُ له :ألا تتفق معي أن فيها تربية المهابة في قلوب المؤمنين, وإرشادهم إلى ما يفعلونه عندما يريدون الإجابة قال: بلى قلت لا أعرف غير هذا فذهب من عندي وأخذ معه النعاس من عيوني تلك الليلة وقد ظللت أفكر في الموضوع حتى أذن الفجر.
ومن هذه المواقف أنني سافرت ومعي أحد الإخوة وهو أحمد بن آمدي فجرى بيننا حوار ونقاش هادئ مع بعض مشايخ الصوفية, في مسألة تقسيم التوحيد, وذكر أن هذا التقسيم لاأصل له, وإنما أتى ابن تيمية من كيسه, وقال إن الرب هو الإله واستدل على ذلك بآيات منها قوله تعالى: (الست بربكم) ولم يقل ألست بإلهكم,وقوله تعالى : عن فرعون (أنا ربكم الأعلى), واستدل بحديث مسلم في سؤال القبر(فَيُقَالُ لَهُ : مَنْ رَبُّكَ ؟ فَيَقُولُ : رَبِى اللهُ وَنَبِىِّ مُحَمَّد ( صلى الله عليه وسلم ..) الحديث.
وقد فند أحمد استدلالاته, وحولها ضده وكان مناظرا جيدا له حوصلة علمية واسعة, وأذكر أن مشاركتي لم تتجاوز أن قلت له: عند رجوعنا إلى مقامات هذه الآيات ومناسباتها لن نجد ما يقوي مدعاك,فقوله تعالى (ألست بربكم )قيلت في مقام الامتحان, خاطب الله بها الذر في الميثاق الأول وليس في مناسبة العمل فهؤلاء ليسوا في مجال العمل والتكليف حتى يبتلوا بمقتضيات الألوهية, وأما قوله (أنا ربكم الأعلى) فيكفي في الرد عليها قول اللعين نفسه (لئن اتخذت إلها غيري..) الآية.
وأماالحديث فيقال فيه مثل ما سبق بيانه في الآية لأنه كان في مقام ابتلاء وليس مجال عمل, ومازلت بعد ذلك أبحث عن عاضد لهذا القول في مظانه ولكنني لم أجده ولعدم وجودي من سبق إليه من العلماء فإنني لم أشر إليه في كتابي (الإعلان والإعلام, بأقوال من قسم التوحيد قبل ابن تيمية من الأعلام), ولعل من عثر عليه يفيدني به مشكورا.
ويضاف إلى ما تقدم أن أحد أصدقائي وهو بدر بن حامد الحربي جاءني, وأخبرني عن أخ (مصري) صوفي فقال لي تعال معي لمناقشته, فقلت له أنا لست عالما أنا مجرد طالب إذهب إلى مشايخ (الخرج)فهم أحق بهذه المهمة مني ومنك, فلم يسمع نصيحتي وحلف علي بضرورة الذهاب معه, فذهبنا إلى المصري, فوجدته شابا عمره ما بين الثلاث والعشرين إلى الخمس والعشرين, فأخبره الأخ بدر بأنني إفريقي ومن (مالي) فرحب بنا وجاءنا بالشاهي المصري (الثقيل) ولم استطع شربه لثقله, فذهب بنا الحديث في أحوال المسلمين وما يعانونه من التفرق والتشرذم, فبادر المصري وقال: لوكانوا (صوفية) كلهم ما حصل هذا التفرق ولكانوا أمة واحدة كما كانوا في السابق, فقلت له يبدو أنك ملم بالصوفية والتصوف, وأصول مذاهبهم, فاشرح لنا مذهبك الصوفي,قال مذهبنا ماوقر في القلب وصدقه اتباع الشيوخ,فعرفت أنه ليس من النوع الذي ينفع النقاش معه.
ورأيت من هذا الشاب تعصبا,وغلوا من وحدة الوجود وغيرها من الحماقات التي كنت أتوقع أنها لم تعد موجودة بهذا القدر بين شباب اليوم, ولكنني فوجئت بمالم يكن في الحسبان,والله المستعان, وحمدت الله أن هذا النوع لم يكن موجودا في القبائل السوقية, أو على الأقل لم أطلع فيهم على هذا النوع من الغلو, وأنا أسميها اجتهادا مني صوفية(العجم),ولم أنف أن تكون الوثنية قديمة في العرب, ولكنهم أخذوها بتقليد العجم, وأول تغيير حصل لدين إبراهيم كان بسبب عمرو بن لحي سيد خزاعة, والذي رأى أهل الشام من الصابئة (العجم) وغيرهم يعبدون الأصنام, فأعجبه فعلهم وجاء بالوثنية إلى العرب.

أداس السوقي 08-02-2012 07:34 AM

رد: فصول من حياتي
 
أخي الأستاذ السوقي الخرجي ، تقبل الله منا ومنك صالح الأعمال ، ما زلنا نتابع ونستفيد ، وقد اخترت ضمير المتكلم ومعه غيره ليقيني بمتابعة غيري واستمتاعه مثلي بهذه المواقف والمقامات التي ما زالت تردنا منك في هذه الفصول من حياتك الطيبة المباركة.

السوقي الخرجي 08-05-2012 02:24 PM

رد: فصول من حياتي
 
أشكر الشيخ أداس على مروره الطيب الكريم وجزاك الله خير الجزاء.

السوقي الخرجي 08-05-2012 02:46 PM

رد: فصول من حياتي
 
معاناتي:
ومن المعاناة التي اعترضت سبيلي في هذه السنوات مسألة السفر والتذاكر, وكانت معاناتي فيها ذات وجوه كثيرة فعلى الرغم من أن أغلب هذه التذاكر كان من نفقتي الخاصة إلا أن أشد ماعانيته وقاسيته كان بسبب الخطوط حيث أنني أبحث عن الرخيص, وآكل (المقالب) في كل سفرة ولكنني بقيت فترة على هذه الحالة, وكنت في كثير من المرات آخذ التذكرة من مكاتب سياحية ليست من الوكالات الرسمية.
ولكنني صحوت أخيرا بعد ما فات الأوان, وفي إحدى هذه المرات قال لي بعض الإخوة إن الخطوط السودانية أرخص وأكثر اهتماما بالركاب, فقطعت التذكرة منها, ومرت رحلة الذهاب بسهولة ويسر, وقبل مغادرتي إلى البادية جئت مكتب الخطوط السودانية في عاصمة النيجر (نيامي) لأوكد الحجز, فقالوا لي الأمر سهل واصل رحلة البادية وإذارجعت فسوف نقوم بتأكيد الحجز الأمر في غاية البساطة, فصدقتهم, ولم أدرأنهم ينوون غير ما يبدون لي فذهبت إلى البادية ورجعت بعد شهر وظللت أسبوعين وأنا أتردد إليهم لأوكد الحجز وباءت محاولاتي كلها بالفشل.
فقررت تركهم وقطع تذكرة أخرى من الخطوط (الليبية) بسبب أولادي في السعودية, وموضوع دراستهم, ولكن المشكلة هذه المرة كانت أشد حيث أنني أخذت التذكرة من إحدى الوكالات في العاصمة عن طريق رجل أعرفه, ولا أتوقع إطلاقاأنه ينوي غدرا واباقا,فأخذت تذكرتي, وانتظرت رحلتي, فجاء موعد الرحلة وانطلقنا إلى طرابلس,ووصلنا في حدود الساعة التاسعة صباحا, وقالوا رحلة جدة في المساء فانتظرنا في المطار, حتى جاء موعد الرحلة, ونادوا زملائي,واحدا واحدا,إلا أنا ومجموعة معي فقلت لعلهم نسونا فذهبت إلى موظف الخطوط لأذكّره, فنظرإلى تذكرتي وقال لي بالحرف الواحد,أنت وجماعتك عندكم مشكلة في تذاكركم انتظروا(نشوف لكم حل) قالها باللهجة الليبية,فانتظرنا ماشاء الله أن ننتظرثم قررنا الذهاب إلى أي مسئول في المطار لإبلاغه بهذه الورطة, وأثناء البحث لقيت رجلا عسكريا عليه (نجمة وتاج) فاستوقفته وقصصت عليه القصة ورأيت فيه تجاوبا كبيرا, وقال: (لازم الخطوط يدبروكم)فأخذنا إلى الخطوط وتكلم عليهم وقال لهم دبروهم هذه مسئوليتكم, فجاء الفرج وأخذونا إلى فندق قريب من فندق (المهاري) في طرابلس,وجلسنا فيه على نفقة الخطوط أسبوعا كاملا ولم أخلد إلى الحزن واليأس بل قمت باستغلال هذه الفرصة لزيارة بعض الجماعة الساكنين في العاصمة طرابلس, وذهبت إلى البحر وإلى الأماكن السياحية فيها, وزرت بعض مساجد طرابلس, وصليت في أحد المساجد الكبيرة فيها.
ومما سجلته ذاكرتي أنني رأيت مايخالف ما كنت أسمعه أو أتوقعه, حيث أنني أسمع كثيرا حكايات عن القذافي وأنه يغير القرآن ولا يحب الدين وغيرذلك , ولكنني وجدت في البلد إقبالا على حلقات تحفيظ القرآن يملأ العين, ويبطل هذا الكلام وخرجت من طرابلس بانطباع مختلف .
وبعد أسبوع أخذونا إلى المطار, ورجعنا ادراجنا إلى النيجر, وكانت المشكلة تكمن في خط سيرنا والذي ينطلق من نيامي إلى طرابلس, ومن طرابلس إلى عمان ومنها إلى جدة, فتبين لناعدم وجود (الأوكي) ما بين (عمان) و(جدة) في التذكرة, وهذا سبب كل ما حصل لنا, ورجعنا إلى (نيامي) واتفقت أنا وزملائي إلى الذهاب إلى الوكالة التي أصدرت التذكرة ,ومحاسبة المسئول عن ما حصل ولكنه جاءني في البيت ودفع لي المبلغ كاملا, ولا أدري عن رفاقي ماذا فعل الله بهم.
وقلت في نفسي أرتاح ليوم أويومين ثم أذهب إلى الخطوط المغربية لأنها أضمن وأقطع منها التذكرة, إذجاءني بعض الإخوة الذين يقلقهم وضعي, وأخبرني بأنني إذا ذهبت إلى مدينة (كانو) في (نيجريا) فسوف أستفيد من تذكرتي السودانية التي سببت لي كل هذه المشاكل والمتاعب, فقلت له هل يمكن أن أتعامل مع الخطوط السودانية مرة أخرى, فقال اترك عنك هذا الكلام, وابحث عن مصلحتك, فلاتجمع بين التأخر عن المدارس, وخسارة التذكرة, فقبلت رأيه على مضض, لأن المسافة بعيدة وتزيد عن الف وخمس مأئة كيلو وقلت في نفسي (مكره أخاك لابطل) أحبابنا النحاة يستدلون بهذا المثل وغيره على أن قصر أب وأخ وحم على الألف مطلقا أشهر من استعمالها منقوصة أي محذوفة اللامات معربة على الأحرف الصحيحة بالحركات الظاهرة وهنا يهمني ما يهم أهل اللغة من هذا المثل لا النحاة, حيث إن رحلتي إلى (نيجريا) ليست خياري المفضل وإنما أكرهت عليها إكراها, فقررت الذهاب إلى (كانو) في رحلة متعبة,للنفس وللجيب تمتد ليومين,ولم أر في حياتي رحلة أصعب علي منها, فلا أعرف كلامهم, ولايعرفون ما أقول, ووجدت نفسي وكأنني طفل صغير, لايثق بأحد ,ويتوقع الأذى من أي شيء,وقد كتبت بعض الكلمات باللغة (الهوساوية) لأستفيد منها عند الضرورة, فضاعت الورقة مني, وأكثر المعاناة مع الباعة حيث أنني أحتاج إلى وسيلة تفاهم بيني وبينهم, ولا يوجد معي مترجم,فأطلب حاجتي بالإشارة إليها, وأعطيهم ما عندي من النقود بالعملة النيجيرية(نيرا) فيأخذون ما يشاؤون ويرجعون لي الباقي, وهكذا إلى أن وصلت إلى (كانو) في الساعة الثانية ليلا, فاستجرت دراجة نارية بسواق, وذهبت إلى المكان الذي أريده فوصلت إليه بعد الإياس, والتعب الشديد, وكانت أشد رحلة مرت علي في حياتي كما مر.
وفي الصباح الباكر ذهبت إلى الخطوط السودانية, وأكدوا لي الحجز, وبعد يومين وصلنا إلى جدة, وكنت قد كتبت أبياتا من الرجزسجلت فيها عاطفتي السخطية تجاه الخطوط السودانية, وهي:
خطوط سودان غدت منهارة = شن عليها البؤس كل غارة
فقد أقامت عندها سوق الكذب= متاعها الفوضى وكثرة اللعب
أظنها من بعد عام قد مضى = قد ذهب التخليط فيها وانقضى
وإذ بها على نطاق واسع = تقول أشيا لم تكن في الواقع
وكان لابد من النصيحة = بلغة واضحة صريحة
غايتها أن يعلنوا الإفلاسا = لخطهم لكي يريحوا الناسا
ويذهبوا للبحر أو سيارة = وإن غلت نادوا على حمارة
أماخطوط الجو منهم لاتليق = تنظيمها أعز من بيض الأنوق
فالجو ليس مثل مضغ الفول = أو كثرة النوم لدى المقيل
وقد ظننت في ليال سابقة = أنكم أولى من الأفارقة
في الاحترام وكذا حفظ العهود = وإذ بوضعكم جميعا ما يفيد
فأعلنوا بيع الخطوط في المزاد هنئتموا ولو بكف من رماد

السوقي الخرجي 08-29-2012 09:32 PM

رد: فصول من حياتي
 
ومن هذه المعاناة: أنني في إحدى رحلاتي إلى الدعوة وزيارة الوالد,وتقديم بعض المساعدات التي أرسلها معي بعض الإخوة في السعودية إلى إحدى القبائل السوقية التي لجئت إلى دولة (النيجر) عام 1416هجري بعد المجزرة التي ارتكبها الجيش (المالي) برجال ونساء هذه القبيلة وغيرها من القبائل الطارقية في كل من (غاوا) و(تنبكتو), فقد رأيت من هذه الرحلة عدة معاناة,علقت بذهني وأتذكر تفاصيلها بدقة, لأنها كلفتني جهدا بدنيا وماليا كبيرا, فقد انطلقت من عاصمة (النيجر) ومعي كمية كبيرة من الأدوية, ومبلغ من المال في رحلة شاقة كان آخر عهدنا فيها بالسيارات قرية (آيروا) وهي قرية من قرى شمال (النيجر) تقع في الساحل الشرقي للنهر, ومنها انطلقنا أنا ورفاقي , وهم الشيخ عثمان بن ألاغ , ومحمد بن ذو الكفل , وظملولي بن محمد ومحمد بن انادبال في رحلة برية بدائية بكل معاني هذه المفردة عن طريق المراكب الصحراوية وقد آثرني فيها الأخ الفاضل محمدُ بن ذو الكفل, بجمله, وكانت معنا في الرحلة قافلة من حمير عليها أحمال ثقال من حبوب الأرز, والدخن, ومقصدنا واحد, وفي أثناء الانطلاقة الأولى قبل أن نبعد كثيرا عن المدن, استقبلتنا سحابة صادقة بدأت بسنا برق يذهب بالأبصار, وثنت بماء يجري كالأنهار, فتذكرت قول الشاعر:
هطلتنا السماء هطلاً دراكا ... عارض المرزمان فيه السماكا
قلت للبرق إذ توقد فيها ... يا زناد السماء من أوراكا
أحبيباً نأيته فجفاً كا ... فهوذا العارض الذي أبكاكا
فلم تمهلنا للملمة أغراضنا, ولايوجد مكان أوبيوت بقرب منا نأوي إليها حتى تنجلي هذه السحابة ويغيض ماؤها, فلم نجد غير الهواء الطلق,ملاذا من الماء الذي طغى واستمر لفترة ليست بالقصيرة, فلم يبق لنا شيء لم يتضرر جراء هذا المطر, وأصبحنا في نهر من الماء يجري عن أيماننا وشمائلنا, ومن تحتنا أيضا, فننام على الماء ونمشي عليها فصدق علينا قول الشاعر:
قالت ودمع أخي العشاق يتبعها أنا الغريق فما خوفي من البلل
واستمرت هاته الحال بنا لمدة يومين, إلى أن انجلت الغمة, وزال الضرر, وأصبت أثناء السفر بحمى شديدة وحالة غثيان وترجيع جراء هذه الظروف الصعبة, فأتحسن يوما, وتزيد علي الحمى يوما, ولكننا مع ذلك غذينا السير, وواصلنا الرحلة رغم هذه المتاعب, ووصلنا إلى الحي الذي قصدناه, بعد أسبوع من خوض غمار تلك الأودية, فأدينا الأمانة, وزرت بعض الأقارب سواء في النيجر أو في مالي, وبعد أشهر رجعت إلى (نيامي) عاصمة النيجر, وفي أثناء الطريق فقدت (جواز سفري) ولا يخفى ما يعنيه جواز السفر, للمقيم في السعودية, لأن فيه التأشيرة, وبيانات مهمة, تتعلق بالإقامة, فأعلنت عن فقدانه, في (مخفر الشرطة) القريب من مكان فقدانه, وجئت بالإعلان إلى السفارة السعودية في النيجر, فرفضوا إعطاء التأشيرة لي, وجلست على تلك الحالة شهرا كاملا إلى أن يسر الله الأمر وحده, ثم انطلقنا في الخطوط المغربية إلى (جدة) ومررنا بالقاهرة, وجلسنا في المطار لمدة أربع ساعات, ثم واصلنا الرحلة إلى (جدة) وأثناء إقلاع الطائرة شبت نار في إحدى محركات الطائرة, وصارت الدنيا كلها دخان ونار, وبدأت الفوضى تدب في الركاب, وانتشر الخوف والهلع في النفوس, وبلغت القلوب الحناجر, وارتفع صوت النحيب والبكاء بين النساء والأطفال, وكان موقفا صعبا, ولحظات مرت بسرعة البرق, لكنها مخيفة ومهولة, وبعد أقل من ربع ساعة هبطت الطيارة في مدرج المطار بسلام, وكاد البعض من الركاب أن يقفز من متن الطائرة إلى الأرض, من شدة الخوف والهلع ونشرهذا الحادث في الجرائد وتداوله الناس, وقد صورت هذه الرحلة في أبيات هي:
حين جاء الموت لايغني الحذر... هل رأيت المرء ينجو من قدر
كم ثبيت قد تخلى ذي الدنا ... راحلا عنها ولم يقض الوطر
وفجاه الموت في ريعانه ...... حين لايجديه كر لا وفر
سائلي اسمع قضايا رحلتي... فهي حفت بالدواهي والعبر
وتذكر واعتبر من شأنها ... إنها تنسي الملاهي والسمر
قدذهبنا من مطار (جدة) ... آخر الليل وفي وقت السحر
فوصلنا بعد جهد وعنى ... أرض قومي بعدما طال السفر
لا تسل عما دهاني من هنى .. عندما عاينت في تلك الصور
صور الأحباب والأعمام مع ......إخوة عهدي بهم وقت الصغر
تارة نسبح في لج الهنا ..... فنفض الختم فيها عن درر
لاترى جهمي قول بيننا ... لاولا من قد رموهم بالقدر
كهذا الشغل وهذا قومنا ... هم هداة الغرب من عهد غبر
ثم عدنا (لنيامي) رافلا ... في ملا شوق وحب يستتر
فقدنا (شنطة) مصحوبة .... (بجوازي) ووثائق أخر
لاتسل عما دهاني وقتها ... من هموم وغموم وسهر
والسفير ازور عني هازئا ... عندما بلغته كنه الخبر
فاستعنت الله في تسخيره ... فدعاني سامحا لي بالسفر
فركبنا بعدذا طائرة ..... صوتها يرتج ثقلا من بشر
فلحظنا وهي في جو السما... هزة قد أنذرتنا بالخطر
لاترى غير نحيب وبكا ..... فرقا من هول نار تستعر
ولهيب قد تسامى في الهوى .. وضرام قد تمادى واستمر
تجد الناس وقوفا خضعا ... خيفة من هول قد حضر
وهبطنا بعد هذا بسلام ..... قد وقانا الله منها كل شر
[/size][/FONT]

إبن المدينه 08-30-2012 04:57 PM

رد: فصول من حياتي
 
مذكرات جميله ورائعه حقا قلما تجد من هو يدونها وخاصة في مجمتعنا بكل صراحه وامانة الله يحفظك ويرعاك مازلنا من المتابعين لباقي الفصول او المذكرات استمعت كثيرا والله خاصة عندما وصلت قصة المخ تحيتي اخي الاديب الكبير السوقي الخرجي

السوقي الخرجي 09-02-2012 06:54 PM

رد: فصول من حياتي
 

شكرا لك على مرورك الكريم.

السوقي الخرجي 09-02-2012 08:19 PM

رد: فصول من حياتي
 
ومن هذه المواقف: الدعوية التي مرت علي في طريق الدعوة, أنني جئت إلى حينا في إحدى المرات, وجمعت عددا من الشباب لنقيم دورة في الحي وصادف ذلك أن وفدا من (جماعة التبليغ) قد سبقنا إلى الحي, ونزلوا في المسجد الجامع الذي من المنتظر أن يكون محل دورتنا, فذهبت إليهم, وطلبت منهم أن يكون برنامجنا واحدا بحيث تكون دورتنا في النهار, ويكون برنامجهم, الوعظي بعد المغرب إلى العشاء, فوافقوا, ولاحظت,أنهم لم يعتادوا على هذه التوأمة بينهم وبين بعض دعاتنا, وقد احتد النقاش بيني وبينهم في موضوع الضيافة, والتي رفضوها في البداية, وذكرت لهم أن ذلك مخالف للسنة, والعرف العام, وأنتم من تسعون دائما إلى تجنب ما يخالف أعراف الناس, والناس هنا يرون عدم قبول الضيافة نوع من أنواع الأذى,وسبيل إلى ظن السوء ودليلهم على ذلك أن الملائكة عندما امتنعوا عن أكل ضيافة إبراهيم عليه السلام, (أوجس منهم خيفة) فطمئنوه وقالوا له (لاتخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط).
فوافقوا على جميع ما طلبنا منهم, فكانت فعلا دورة استفاد منها الناس, ومن الأشياء التي نقدتها عليهم في أثناء الدورة التركيز على الأمور الآتية:
1- نقد علماء البلد في عدم الذهاب إلى الناس ليعلموهم.
2- عدم تعليم النساء.
3- التركيز على أن علماء البلد تركوا واجبهم الديني إلى غير ذلك من الأمور التي نسيت بعضها.
وهذه الأمور تخالف منهجهم حسب ما سمعت منهم , وأرى أن السبب في ذلك يرجع إلى كونهم من أهل البلد وليس من بينهم أحد من الخارج, وفيهم من (السنغاي) و(قابروا) والعرب الماليين عدد, وهذا ما جعلهم يركزون على العلماء السوقيين لمعرفتهم بهم.
وبعد انتهاء الدروة المشتركة, استأذنت الضيوف بكلمة أعتذر فيها عن علماء البلد في عدم تمكنهم من القيام بجميع مهام التعليم في البلاد, ومما ذكرت حينها أن جميع البلدان تضع رواتب أو أعطيات أو سموها ماشئتم, تحفظ كرامة العلماء وترتب أمر الوظائف الدينية فيهم غير دولة (مالي), فإنها لم تخصص شيئا وليست فيها جهة تشرف على ذلك, فبقي أن الدور الذي يقوم به العلماء السوقيون من القضاء والإفتاء إنما هو بسبب اهتمامهم بهذا الأمر لاعلى أن هناك من يهتم بهم ,أو يتابع أمور الدين في قراهم , وكان حالهم في السابق أيام السلطنات الطارقية, أفضل بكثير من حالهم الراهنة, حيث أنهم في السابق هم المرجعية الدينية في طول البلاد وعرضها, والآن القانون المدني ومرافعاته هوالذي يجري التحاكم إليه.
وذكرت لهم أن التعليم العربي مهمش وغير مخدوم, ويستوي في ذلك الرجال والنساء.
وأما موضوع تقاعس العلماء عن تعليم الناس أمر دينهم فذكرت لهم أني معكم في ضرورة طرح الموضوع لكنني أختلف معكم في التمثيل حيث إنهم مثلوا العالم بـ(البئر), وأن العالم لايليق به أن يكون مثل البئر لايستفاد منه إلا بواسطة دلو وحبل وجهد, فالعالم ينبغي أن يكون مثل القمر يضيء لمن يسري ومن كان لايسري.
فذكرت لهم قول ابن عباس لزيد بن ثابت أن العلم يؤتى ولاياتي, وكذلك قال مالك للخليفة هارون الرشيد لما طلب منه أن يأتيه مالك ليسمع منه الحديث وضربت لهم أمثلة كقصة موسى عليه السلام وذهابه إلى الخضر وهو أفضل منه ليأخذ عنه وغيرذلك, ولا أدعي أنهم كانوا معي في كل ماقلته ولكنهم كانوا مستمعين جيدين على قدر كبير من الخلق والأدب.
ومن هذه المعاناة رحلتي في الصحراء للتحضير لدورة (ابنغ املان) التي كانت في 1/6/ 1423هجرية, وقد عانيت فيها الكثير بسبب التنقل بين المدن والصحراء لجمع الشريحة المستهدفة لإقامة الدورة, ولاننسى أن الوقت صادف موسم هطول الأمطار, وقد تحدثت في أبيات من الرجز عن كل هذه الرحلات وتفاصيلها, بشكل غير ممل, ولامخل إن شاء الله, وهذا ماقلته:
يامعتنى برحلتي (لمالي) = وما تحقق من الآمال
اسمع هديت الرشد في المآل= وفزت في مستقبل والحال
قول أخ يركب متن الرجز = إن قال وفاك بوعد منجز
فهاك قصتي وتبدا بالمطار= وفي الرياض انطلقت بدأ النهار
يصحبني إلى المطار المهتدي = أكرم به في الغيب أو في المشهد
وثنين (ببكر) الشهم النبيل = أكرم بنت نبعه فهو أصيل
والحال أنني قصدت الطائرة = في ساعة بوبل هم ماطرة
يقال إنها (خطوط) الحبشة = ورحلتي في البدإ كانت منعشة
عكرها الهبوط والنزول = بكثرة والشرح قد يطول
وفي مطار بلدي البئيس = قابلتي فور وصولي (سيسي)
وقادني لبيته غير بعيد = من المطار وهو عين ما أريد
وقد رسمت عنده اللوحات = وذاك من أهم واجباتي
ثم حثثت السير نحو (نيجر) = وهي أرض فيه بعض معشر
وبعد اسبوع تركت أرضها = وجوها وبرها وبحرها
في رحلة إلى بلاد (تيسي) = وصحبة من الأخ الأنيس
أعني به شقيقنا سفيانا = من همه الدعوة حيث كانا
نؤم حي والدي المكرم = فلا تسل عن فرحة المتيم
وقد تجاذبنا معا نقاشا = قد جلب الفرحة وانتعاشا
منها مشاركته في (الدورة) = قال (موافق) ولو من ساعتي
بعد وصول غايتي رجعت = إلى (نيامي) عاجلا فقلتُ

رحلة (نيامي).
ياإخوتي ياقوم هل من مبلغ = مني إلى من في ربا (تن أغغ)
من أننا وصلنا في أمان = دون زيادة ولا نفصان
وأننا قصدنا ذات (الحطب) = وكم قضينا عندها من أرب
وقد تنا قشنا بها (تكوسا) = هزت لها جماعتي الرؤوسا
فجاءنا الأخ الأنيس (أجديد) =بجفرة وافق فيها ما نريد
وقد تولى شأنها الأمير = وهو بكل ثقة جدير
لم أنس فضل الود أعني أجديد= وكان في أعماله أي مجيد
ثم اذكرن من بعده سفيانا = يعرف بالإرشاد حيث كانا
وهو الذي قد حث في نصب الأمير= لكنه شاغب في طول المسير
ونقض البيعة مستبدا = برأيه وكم نفى وردا
فنزلت عقوبة مريرة = فانكسرت اصبعه الصغيرة
ولم يزل بين اعتلال وأنين =لأنه خالف ما قال المكين
ليس له في الصحب من مشارك= في رأيه سوى الفتى المبارك
فإنه ساعده وسانده = ولم يطع أميرنا بل عانده
وإن أردت أصدق الرجال = في طاعة الأمير وامتثال
فابدأ منوها بعبد القادر = وكان للأمير أي ناصر
وسجلت على الأمير هفوات = جمعها سفيان عنه من شتات
أهمها تجاوز المال الذلال = بأمره والحق ياقومي يقال
رحلة بنكلاري
ياقوم هاكم موجز الأخبار = يبدي لكم رحلة بنكلاري
قد انطلقنا بعد حل النافلة = مع نجوم لم تكن بالآفلة
في وسطهم أخو الوفا سعود = أكرم به من قائد يقود
فهو الذي سبق كل الناس = ودعم المكتب من أساس
ونشر الدعوة في جل البلاد =في مالي أو في نيجر أو في تشاد
وأسس الشيخ لنا نظاما = أما علي فاختاره إماما
والخال عبد الله نجل موسى = فقد نصبناه لنا رئيسا
فهو الذي قام لنا بالترجمة = لأننا صرنا صخورا معجمة
لا تنس عبد الله أعني بابكر = أحبه لأجل عهد قد غبر
تراه دوما جاثيا يناقش = وسهمه في العلم سهم رائش
نقاشه اتسم بالمرونه =ولم تكن في طبعه الخشونه
لكنه اصر في عزل الأمير = وكان ذا رجاؤه طول المسير
خرّجت ذا بأحسن المخارج = كي لايرى في صف كل خارجي
رحلتي مع أبي عادل.
واذكر أبا عادل لاتنساه = وقاه من أذى العدا مولاه
وإن تشا عرّفه بالخلق الأتم = وكرم لست أعده بكم
وإن ترد مزيد ما أولاه = من نعم فبسمة تغشاه
وقد حثثنا السير بعد الفجر =موقعنا في الباص وسط الصدر
وهي كما قيل طراز باني =وبطئها لذمها أغراني
وبعدذا انطلقنا نحو الحبشة = لنرشفن ريا ليال منعشه
لكنهم قد أخرونا في المطار = وسوفوا وعطلوا طول النهار
وأدخلونا وسط بهو الباص =وما لنا في السمع من مناص
وأنزلونا بعد ذا في الفندق =لم يك بالراقي ولا بالضيق
ثم سألت عن مكان المطعم = وقد نبست بكلام مبهم
وقالوا حدثنا بغير العرب = وفتشن لفهمنا كل خبيئ
فقلت لابد من الإشارة =فابتسمت طلائع البشارة
وإن أردت الفصل عن تلك الخطوط =وما رأيت عندها من الضغوط
راحتها قد مزجت بالعلقم = وسمها يكمن وسط الدسم
وهي في رحلتها مثل القطار = فكم هبوط وصعود ومطار
وبعد ذا أهم ما في الحبش =فقط أخي زيادة في العفش

محمد أغ محمد 09-27-2012 01:02 AM

رد: فصول من حياتي
 
ما زالت سيرتك عطرة، تفوح حكما، وعبرا.
وأسلوبك الدعوي عظيم، أعجبني...
بارك الله فيك، وحفظك.

السوقي الخرجي 09-30-2012 08:55 PM

رد: فصول من حياتي
 
شكرا على مرورك الكريم يا محمد


الساعة الآن 02:20 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

HêĽм √ 3.2 OPS BY: ! ωαнαм ! © 2010