العودة   منتديات مدينة السوق > قسم اللغة والدروس العلمية > منتدى المكتبات والدروس

منتدى المكتبات والدروس أغنى المكتبات على النت ,وجديد دور النشر وتعريف ببعض الكتب , ودروس في علوم الآلة

Untitled Document
إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 07-17-2011, 01:51 PM
مراقب عام
السوقي غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 17
 تاريخ التسجيل : Dec 2008
 فترة الأقامة : 5810 يوم
 أخر زيارة : 09-26-2024 (03:00 PM)
 المشاركات : 165 [ + ]
 التقييم : 10
 معدل التقييم : السوقي is on a distinguished road
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي كتاب الشفا في الصحراء المغربية



كتاب الشفا في الصحراء المغربية
للأستاذ: محمد الكبير العلوي
يعرف عن علماء الصحراء و شيوخها و أئمة الهدي المحمدي فيها تعلق متين بكتاب الشفا، فقد دأبوا على تدريسه و قراءته و ختمه في المواسم الدينية، و حرصوا على أخذ الإجازة به، و اتصال السند بمؤلفه، و خصصوا له مجالس عامرة تعرف بمجالس الشفا، و اتخذوه مصدرا و مرجعا يعودون إليه في مؤلفاتهم و بحوثهم.
و يرجع هذا التعلق إلى الأسباب التالية :
1- إعجابهم بمؤلفه الذي كرس حياته لخدمة الحديث النبوي، و للدفاع عن المذهب المالكي و الصدع بترجيحه على سائر المذاهب.
2- وصول بعض تلاميذ القاضي عياض إلى الصحراء مثل الشريف عبد المومن و مثل الحاج عثمان الذين قامت على أيديهما حركة علمية واسعة.
و قد وصل هذان العالمان في فترة كان المذهب المالكي فيها يعاني اضطهادا، و يواجه تحديا خطيرا من طرف الدولة الموحدية، و كان حملة هذا الذهب و على رأسهم القاضي عياض يعيشون ظروفا قاسية و يتعرضون لامتحان عسير.
و لا شك أن النضال الذي خاضه القاضي عياض و المجهود الموفق الذي صرفه لخدمة المذهب، و وصول عالمين جليلين من تلاميذه يتقدمان مسيرة المذهب المالكي في الصحراء، و يرفعان علمها و يتحملان مسؤولية الدعوة فيها، كل ذلك قد جعل منه عند زوايا الصحراء و علمائها الزعيم الروحي الذي يجب التعلق به، و التلقي لكل ما يصدر عنه بقبول و إقبال.
3- حاجتهم إلى كتاب مثل الشفا، يشفي غلتهم و يروي ظمأهم بالحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، الذي فطروا على حبه، و غذوا بالشوق إليه، و بعدت دارهم و شط مزارهم، فهم في أقصى المغرب لا يصل إلى البلاد المقدسة منهم إلا الركب الذي يتجه للحج و الزيارة، فلا يصل إلى غاية قصده إلا بعد سنة كاملة كلها معاناة و جزع و شوق و أمل.
و قد وجدوا في هذا الكتاب من دلائل نبوة النبي صلى الله عليه وسلم وباهر آياته و خصائصه و ما يتصل بمعجزاته الخالدة، و سيرته العطرة إلى غير ذلك من فضائل محبته، و حكم الصلاة عليه، و وجوب تعظيمه ما جعلهم يقبلون عليه بلهف، و يتدارسونه بشغف.
يضاف إلى ذلك الطابع المالكي الذي يطبعه في المسائل الفقهية التي يتعرض لها ، و الطابع الأشعري الذي يتجلى بالخصوص في ذكر أقطاب الأشاعرة و الاحتجاج بآرائهم و أقوالهم، و في تأويل آيات الصفات و أحاديثها، و صرفها عن ظاهرها.
دعوة الحق، س.22، ع3/مايو 1981 ص 50
4- ما تناقله الرواة و تحدث به السلف و الخلف من البشائر المتعلقة بقراءة كتاب الشفا و سماعه، حتى قيل أن من قرأه أو سمعه آمن من العمى، و حتى قيل بضرورة وجوده في كل خزانة إلى غير ذلك مما أشار إليه الزموري صاحب الشرح المعروف.
و إذا عرفنا أن الزموري هذا قد وصل إلى ولاته في أواخر القرن التاسع الهجري، و أقرأ العلماء كما يقول سيدي أحمد بابا التمبكتي، و أجاز المختار النحوي كما يقول صاحب فتح الشكور، لم يبعد عندنا أن يكون له دور خاص في نشر هذا الكتاب و انتشاره و تعلق الناس به هناك.
روايات الشفا في الصحراء
و قبل أن أقدم للقارئ الكريم بعض روايات الشفا في الصحراء، أشير إلى أن هنالك حلقة مفقودة من تاريخ الفكر فيها.
و تقع هذه الفترة ما بين القرن السادس الهجري الذي دخل فيه تلاميذ القاضي عياض إلى القرن التاسع الهجري الذي دخل فيه الزموري إلى ولاته.
و لا نكاد نعرف أن هذه الفترة إلا ما يرد في كتب التراجم و الكناشات من تراجم مختصرة لبعض العلماء، و الا ما يشير إليه المؤرخون من أنها كانت فترة ازدهار علمي حتى كان الغلام في بعض القبائل يحفظ المدونة قبل بلوغه، و حتى كانت في بعض القبائل ثلاثمائة فتاة تحفظ الموطأ فضلا عن غيره من الكتب.
و قد ذكر سيدي أحمد بابا التمبكتي في نيل الابتهاج زيارة الزموري إلى ولاته، فقال : و لقي هناك فقهاءها فأثنى عليهم في العلم.
و لا نعرف من الآخذين عن الزموري فيها غير المختار النحوي المتوفى سنة 922 هـ.
و يعتبر القرن العاشر الهجري بداية تدوين إجازات الشفا في الصحراء حيث انتشرت رواياته التالية :
1- رواية سيدي أحمد المسك والد سيدي أحمد بابا عن الشيخ محمد بن عبد الرحمان الحطاب. عن شيخه الخطيب. عن أبي العباس أحمد بن محمد. الحسن علي بن هبة الله اللخمي المعروف بابن بنت الحميري. عن أبي الطاهر السلفي. عن القاضي عياض رحمه الله تعالى.
و ممن أشاع هذا السند من بعد الحاج أحمد المسك، شيخ الشيوخ العلامة سيدي محمد بن الأعمش العلوي (1)، الذي أخذ الإجازة بكتاب الشفا. عن العلامة سيدي عبد الله بن الفقيه. عن شيخه الفقيه العلامة أحمد أيد القاسم الوداني. عن شيخه الفقيه أحمد بن محمد الفزاز. عن الفقيه الحاج أحمد المسك إلى بقية رجال السند المتقدم.
2- رواية محمد بن أبي بكر الدلائي. عن والد الإمام محمد بن قاسم بن محمد بن علي القيسي الغرناطي الشهير بالقصار. عن الغزي. عن شيخ الإسلام زكرياء الأنصاري. عن ابن الفرات. عن الدلاصي. عن ابن تامتيت. عن ابن الصائغ. عن القاضي عياض رحمه الله تعالى.
و قد تلقى هذا السند أيضا شيخ الشيوخ بن الأعمش العلوي عن العلامة عبد الله بن محمد ابن احمد بن عيسى، عن الدلائي إلى بقية السند.
و هكذا انتشرت هاتان الروايتان على يد العلامة ابن الأعمش العلوي حيث أخذ عنه جمهور غفير من العلماء و المحدثين، فكان منهم :
1- عثمان بن عمر الولي الذي أجازه ابن الأعمش بكتاب الشفا، و بسنده المتصل بأحمد المسك .
2- محمد بن الحاج عثمان بن الطالب صديق الجماني المتوفى سنة 1117 هـ، و الذي أجازه ابن الأعمش أيضا بكتاب الشفا بحق إجازته عن العلامة عبد الله بن محمد بن أحمد بن عيسى عن الإمام الدلائي إلى بقية السند المتصل بابن الصائغ عن القاضي عياض.
دعوة الحق، س.22، ع3/مايو 1981 ص 51
3- خليفة بن الحاج أحمد العلوي الذي أجازه ابن الأعمش بالسندين المتقدمين و عن خليفة ابن الحاج العلوي، أخذ ابنه العلامة المحدث الحاج أحمد (2)، الذي انتشرت على يده أسانيد كتاب الشفا و رواياته، فكان من بين الآخذين عنه :
1. شيخ الإسلام حرمة بن عبد الجليل العلوي،
2. سيدي مالك بن الحاج المختار الغلاوي،
3. سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي،
4. سيدي المختار بن الطالب الغلاوي،
5. عمر بن الإمام العلوي.
و جمهور من العلماء لا يتسع المجال لسرد أسمائهم.
و يكفي هذه السلسلة أن يتصل بها علامة شنقيط و أستاذها سيدي عبد الله بن الطالب احمد ابن الحاج حمى الله الغلاوي، الذي أجيز بكتاب الشفا من شيخه سيدي مالك عن سيدي أحمد بن خليفة عن والده الحاج خليفة، عن شيخ الشيوخ ابن الأعمش العلوي المتقدم الذكر.
3- رواية محمد بن محمد بغيغ :
عن والده محمد بغيغ، عن محمد كورد، عن القاضي محمد بن أحمد بن الفقيه عبد الرحمن بن أبي بكر بن الحاج، عن يحيى بن محمد بن عبد الرحمان الحطاب، عن بركات بن محمد بن محمد بن عبد الرحمان الحطاب، عن والده محمد بن عبد الرحمان الحطاب، عن محمد بن ناصر الدين المراغي، عن والده ناصر الدين المراغي، عن والده أبي بكر ابن الحسين المراغي، عن أبي الفضل جعفر بن علي الهمداني، عن أبي طاهر السلفي، عن مؤلفه أبي الفضل عياض رحمه الله تعالى.
و قد انتشرت هذه الرواية أيضا على يد الشيخ سيدي احمد بن الشيخ السوقي الذي أخذه عن شيخه محمد بن محمد بغيغ، آخر السند المتقدم.
و قد أخذ عن الشيخ سيدي احمد السوقي جمهور من العلماء منهم :
1. سيدي أحمد بن محمد بن موسى الزيدي الذي أجاز بدوره الإمام عمر (3) الولاتي الأحمدي بكتاب الشفا و بنفس السند.
2. القاضي سيدي الوافي الأرواني الذي اجاز بدوره الطالب أحمد بن البشير الكلسوكي (4) بكتاب الشفا و بنفس السند.
هذه بعض أسانيد الشفا المنتشرة في الصحراء، و أشير إلى أن سيدي أحمد المسك قد أجاز بالسند المتقدم ابنه سيدي أحمد بابا، و أجاز تلميذيه أحمد بغيغ و محمد بغيغ بنفس السيد.
و قد انتشرت روايات الشفا على يد أسرة آل عمر لقيت انتشارا واسعا، و لهم فيه إجازات لا يتسع المجال لسرده و تقصيها.
مجالس الشفا
و قد زاحم كتاب الشفا كل كتاب يدرس في الصحراء و ضايقه، و أخذ قسطا من وقته، و اقتسم معه جمهوره و نافس الأوراد الطرقية، فاتخذته الزوايا وردا تتعبد به و تلازم قراءته.
و نافس الأمداح النبوية المتداولة في الصحراء كالبردة و الهمزية، و ابن مهيب، وغيرها من الأمداح النبوية.
و نافس مختصر خليل لأن ما اشتمل عليه الشفا من قضايا الردة، يجعل الفقهاء و أصحاب النوازل يعتمدون عليه و يعودون إليه في الفتاوى المتعلقة بالقضايا الواردة فيه.
دعوة الحق، س.22، ع3/مايو 1981 ص 52
و قد كان لجمهور المحدثين إقبال خاص عليه، حيث أحلوه مكان الصدارة بين كتب السير ، و وضعوه في طليعة كتب الحديث فتارة نجد أصحاب الإجازات يذكرون الاجازة به مباشرة بعد الاجازة بالبخاري، و يذكرون صحيح مسلم و الموطأ بعده، و تارة يذكرونه بعد الصحيحين، و تارة بذكرون الاجازات المتعلقة بالصحيحين و الموطأ، و يذكرونه بعدها.
هذا في سرد الاجازات، و فيه دلالة واضحة على الاهتمام البالغ بشأن هذا الكتاب الذي يوضع في بعض الأحيان قبل صحيح مسلم و كتاب الموطأ وفي بعض الأحيان بعدهما مباشرة.
أما في الدراسة و إقبال الجمهور عليه، فقد أحلوه الدرجة الثانية بعد صحيح البخاري حيث نجد هنالك مجلسين، أحدهما للبخاري ، و ثانيهما لكتاب الشفا، و قلما نعثر من خلال بحثنا على مجلس آخر.
و لعل مرد ذلك إلى أن القوم اكتفوا بأصح كتب الحديث و أعظمها شأنا، و هو صحيح البخاري، و نظروا إلى كتاب الشفا، فوجدوه كتاب دعوة و توجيه و إرشاد، يجمع بين دفتيه ما تفرق في غيره، فخصصوا له مجلسا يعرف باسمه.
و يحرص صاحب فتح الشكور كلما ترجم لأحد العلماء الذين كان لهم صيت طائر في العلم و التصوف أن يشير إلى أنه كان يقرأ كتاب الشفا أو يحضر مجلسه.
فقد ترجم للعلامة سيدي محمد بن الطالب الأمين الحرشي ، المتوفى سنة 1215هـ ، فذكر المتون الأدبية و الكلاميو و الفقهية التي درسها، و وصفه بالتمسك بالسنة و الدأب على العبادة و التقوى، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و قال :
كان ملازما للمسجد و صلاة الجماعة و حضور مجلس البخاري و الشفا، و مدح النبي صلى الله عليه وسلم.
و يترجم للعلامة محمد بن الفقيه المختار النحوي التمبكتي، فيقول عنه كان إماما عالما تقيا ورعا متواضعا واثقا بالله تعالى، شهيرا في علم العربية مداحا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، تولى سرد كتاب الشفا في رمضان بعد وفاة والده.
و يتضح من هذا أن قراءة الشفا كانت وظيفة لازمة و سنة حميدة معمولا بها عندهم، فإذا مات القائم بها، كلف من يقوم بها بعده.
و يترجم للإمام محمد عبد الله بن الإمام عمر الولاتي المتوفي سنة 1214 هـ ترجمة تتلخص في أنه تولى الإمامة بعد وفاة والده، فانقطع للعبادة و القيام بأمور المسجد و تدريس الحديث، و قراءة كتاب الشفا.
و يأبى في هذه الترجمة الموجزة إلا أن يشير إلى أن عادة أهل ولاته، أن يختموا تحميس عشرينات ابن مهيب ، في مدح النبي صلى الله عليه وسلم مرتين في السنة، زيادة على ختمات المولد النبوي و رمضان و أن من عادتهم أن يسردوا صحيح البخاري في شهر رجب و شعبان و رمضان في المسجد، و كتاب الشفا للقاضي عياض في رمضان.
و يترجم للعلامة محمد بن الشواف المسلمي التشيتي ، المتوفى سنة 1175 هـ، فيقول عنه كان رحمه الله تعالى محدثا يسرد صحيح البخاري في شهر رجب و شعبان في المسجد، و الشفا للقاضي عياض في رمضان إلى أن يقول :
و كان مداحا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قائما بمدحه كل ليلة اثنين و خميس و جمعة، وهي عادة أهل تيشيت في المدح.
و يترجم للعالم العلامة الحاج صالح بن عبد الله الاديلبي الولاتي، المتوفى سنة1205 هـ، فيضفي عليه ألوان المدح و الإطراء و يسمه بالعلم و الدين و الصلاح و حسن الخلق و الأدب و كمال المروءة و جودة الخط و ملازمة المسجد و يضيف إلى كل ذلك مواظبته على حضور مجلس البخاري و مجلس الشفا.
و يشير في خاتمة هذه الترجمة إلى أنه قد حج في العام الرابع بعد مائتين و ألف، و عاد إلى ولاته، و حج مرة ثانية، فتوفي بالبلاد المقدسة، قال و سبب مجاورته أنه حضر بعض مجالس الشفا،←
دعوة الحق، س.22، ع3/مايو 1981 ص 53
و سمع حكاية عن رجل لم تحرقه النار فيه، و نص الشفا فيه :
و حكي أن قوما أتوا سعدون الخولاني بالمستنير، فأعلموه أن كتامة فتلوا رجلا و أضرموا عليه النار طول الليل، فلم تعمل فيه شيئا، و بقي أبيض البدن، فقال : لعله حج تلاث مرات، قالوا نعم، قال : حدثت أن من حج حجة أدى فرضه و من حج ثانية داين ربه، و من حج ثلاث حجج حرم الله شعره و بشره على النار.
و تعطينا هذه القصة صورة عن إقبال القوم على كتاب الشفا و تأثرهم به، حتى كان سببا في انتقال عالم مهم من بلاده و محل عزه و شرفه، ليجاور قرب البيت الحرام، و ليتأتى له أن يحج ثلاث حجات.
و لا استبعد أن يكون لكتاب الشفا، و لهذه القصة بالذات، دور في توجيه الجمهور المسلم في الصحراء إلى الإقامة و المجاورة بالبلاد المقدسة. فقد عرف عنهم من الاشتياق إلى الحج و مجاورة المدينة المنورة الشيء الكثير.
و يحدثنا التاريخ عن عدة عائلات و أسر ذات أهمية بالغة انتقلت من الصحراء إلى الحجاز.
و قد أشار إلى هذه القضية بعض العلماء، و حاولوا أن يشرحوا معنى الاستطاعة في الحج و أن يلفتوا نظر الجمهور إلى أن عدم توفر الزاد المبلغ، و عدم الأمن في الطريق و ما يترتب على الفقير من ضياع حقوق عياله و ديون غرمائه، و ما ينشأ عن إقامته بالبلاد المقدسة دون أن يكون له أي دخل، كل ذلك يسقط عنه الحج، بيد أن القلوب التي ملأها الشوق إلى بيت الله تعالى و اجتاحها اللهف إلى روضة النبي صلى الله عليه وسلم ، لم تكن لتلتفت إلى نقول و آراء و فتاوي لا يقتنع بها إلا من ينظر إلى القضية من زاوية فقهية محضة.
أما من تعلق قلبه بحب النبي صلى الله عليه وسلم، و اشتاق إلى رؤية الله تعالى، فلن يكون في مقدوره إلا الجد في السير و مواصلة الاصباح و الإمساء، كما قال الشاعر الصحراوي :
فعسى تلك و أدلاج الليالي
و دؤوب الأمساء و الاصباح
تبلغني ديار أم أبي (5)
و لحسبي بلوغها من نجاح
و يترجم للعلامة عبد الله بن وناس السباكي الولاتي المتوفى سنة 1178 فيشهد له بالخير، و يقول : و كان رحمه الله تعالى لا يخرج من المسجد بين صلاتي الظهرين، و لا بين صلاتي العشائين ، يعمر هذين الوقتين بالذكر دائما، و لا يفوته مجلس البخاري و لا الشفا.
و يختم ترجمته هذه بأنه توفي صحوة الخميس عند ختم الشفا في تسع و عشرين من رمضان عام 1178 هـ.
و يتضح من هذا أن كتاب الشفا كان يختم يوم التاسع و العشرين من شهر رمضان لأنه قد يكون لآخر يوم من أيام هذا الشهر المبارك.
و لعل القوم أرادوا أن يضيفوا إلى ختم القرءان الكريم في الليلة السابعة و العشرين، التي قد تكون هي ليلة القدر، ختم كتاب فيه ما فيه من تكريم النبي صلى الله عليه وسلم، و تمجيده و تعظيمه في يوم قد تكون ليلته أيضا هي ليلة القدر، لأنها من ليالي الأوتار.
و يترجم للعلامة عمر بن الحاج أحمد بن عمر بن محمد أقيت التمبكتي، المتوفى سنة 1006 هـ، فيقول عنه :
كان فقيها نحويا مداحا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، صباحا و مساء يسرد كتاب الشفا في رمضان.
و يترجم للعلامة عمر بن محمود بن عمر بن محمد أقيت، و تولى القضاء في تمبكتو و رحل إلى مراكش، و توفي بها في العام الثالث بعد الألف، و دفن في مجاورة القاضي أبي الفضل عياض.
دعوة الحق، س.22، ع3/مايو 1981 ص 54
و يبدو لي من ذلك أن العلامة عمر بن محمود قد نشأ في أسرته المعروفة بتولي كرسي الشفا، و سرده و قراءته، و أخذ الاجازة المتصلة فيه مما جعله يتعلق بعياض، و يعتقد فيه اعتقادا خاصا، و يجاور ضريحه و يوصي بأن يدفن قرب قبره، و الله تعالى أعلم.
و من العلماء الذين كانت لهم عناية خاصة بكتاب الشفا شيخ الاسلام حرمة بن عبد الجليل العلوي الذي تقدمت الإشارة إلى إجازته عن شيخه أحمد العلوي، عن والده الحاج خليفة عن شيخه شيخ الشيوخ سيدي محمد بن المختار الأعمش العلوي بسنده المتصل بالقاضي عياض.
و قد ورد في بعض تراجمه أنه كان لا يفارق كتاب الشفا في سفر و لا حضر، و كان يقول :
أن لهذا الكتاب فوائد لا تحصى و بركات لا تستقصى.
و ورد في بعض تراجمه أيضا أنه كان في آخر عمره وبعدما اعتزل الافتاء والتدريس وانقطع للعبادة لا يفتر عن تلاوة القرءان، فإذا حل شهر رمضان المبارك والمولد النبوي أضاف إلى ذلك قراءة كتاب الشفا حتى يكمل ختمه.
وورد في بعض تراجمه أيضا أنه بعد الانقطاع للعبادة و التفرغ لتلاوة القراءن، كان يدرس كتاب الشفا و عقائد السنوسي و لا يدرس غير ذلك.
قلت، و لعل من جملة البركات التي أشار إليها شيخ الإسلام الكرامة التي منحه الله إياها، فكان يقرأ الكتب و لا يدرك من المرئيات سواها.
و هي كرامة مذكورة في ترجمته في نزهة المستمع و اللافظ (6) .
و قد ذكرها العلامة بابا بن أحمد بيب العلوي في تاريخ وفاته فقال :
و شيخ الإسلام و مصباح الظلام
حرمة في السابع و افاه الحمام
إلى أن قال :
عمر حتى صار ليس يبصر
شيئا سوى الكتب فيها ينظر
أغناه نور القلب عن نور البصر
يطالع الكتب و لا يرى البشر
و ذكروا في هذا المجال أنه كان يكتفي في الليل بضوء قليل لمطالعة الكتب، و قد أشار إلى ذلك أيضا العلامة ابن عبد الجكني فقال :
يا حرمة الله يا نبراس ذي العصر
يا من بصيرته أغنت عن البصر
و قد عرف عن سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي اعتناء زائد و اهتمام بالغ بكتاب الشفا، و لا غرابة في ذلك فإنه ممن أخذ فيه الإجازة عن شيخه أحمد العلوي عن والده الحاج خليفة عن شيخه شيخ الشيوخ سيدي محمد بن المختار الأعمش العلوي إلى بقية السند المتصل بالقاضي عياض.
و قد درس في مدينة شنقيط فترة من الزمن فكان معجبا بما هم عليه من قراءة الحزب و التزام مجلس البخاري و الشفا.
و مما يزيده تمسكا بكتاب الشفا انتماؤه إلى أخواله الذين يتصل بهم كثير من أسانيد إجازات الشفا في الصحاء و هم أسرة آل عمر أقيت التي اشتهر منها أحمد بابا التمبكتي و والده أحمد المسك و جده الحاج أحمد بن عمر أفيت.
و قد كان سيدي عبد الله يدرس لتلاميذه البخاري و الموطأ و مسلما و الشفا على ما ذكر ابنه في الدر الخالد.
و قد ترجمه صاحب فتح الشكور فأشاد بعلمه و ورعه و اتباعه للسنة و محاربة البدعة و فراره بدينه من الفتن، و ذكر جملة من مآثره و خصاله الحميدة تم قال :
دعوة الحق، س.22، ع3/مايو 1981
ص 55
من أصابه مرض فليزن نص الشفا للقاضي عياض بالماء و يشربه.
و من فوائده أنه كان يقول :
قال صاحب فتح الشكور : و لقد أخبرني بعض الإخوان ممن أثق به انه فعله لبعض إخوانه مريضا فشفاه الله تعالى.
و يقول الطالب أحمد ابن طوير الجنة في إفاداته :
و قال لي شيخنا سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي قدس الله روحه و نور ضريحه أن من ألمت به نائبة أو هول أو فزع فقرأ كتاب الشفا، و توجه إلى الله بالدعاء بعد ختمه فرد الله كربه.
و يقول – ابن طوير الجنة – و كان شيخنا قدس الله روحه و نور ضريحه يوصينا بقراءة الشفا عند كل شدة و هول و مخوف، و يرغبنا في حضور مجالسه و ختمه في شهري رمضان المبارك و المولد النبوي الكريم، و كان عمله على ذلك.
و من العلماء الذين عنوا بكتاب الشفا الشيخ ماء العينين الذي حمل راية الجهاد و خدم الحديث الشريف و السيرة النبوية و الفقه المالكي، و أفشى التصوف السني في الصحراء و في الأقطار الإفريقية التي انتشرت الزوايا الفاضلية فيها.
و كان بودي أن أقدم في هذا البحث أسانيده و إجازاته بكتاب الشفا، إلا أن ظروف العمل و ضيق المدة التي كان علي أن أنجز فيها هذه الدراسة، كل ذلك منعني من تقصي تراجمه و فهارسه، فاكتفيت بما شاع بين الأوساط العلمية في الصحراء من اهتمامه بكتاب الشفا و قراءته و ختمه إياه في كل من شهري رمضان و المولد النبوي.
و ممن اعتمدت عليه في ذلك الأستاذان الفاضلان لارباس بن الشيخ الأغظف و حمداتي بن الشيخ الفضيل، و كلاهما أدرك والده الداعية الشيخ محمد الأغظف، بن الشيخ ماء العينين و غيره من أبنائه و حفدته و مريديه، الذين يعتبرون أهم مصدر فيما يتعلق بحياته و عباداته وما جرى به العمل في الزوايا المنتمية إليه.
و من أجلاء العلماء الذين غنوا بدراسة هذا الكتاب و خصصوا له مجالس عامرة العلامة المحدث الداعية محيي السنة و مميت البدعة، و مجدد التصوف سيدي محمد فال بن بابا العلوي، الذي انتصب للدعوة في أوائل القرن المنصرم، و ضربت إليه أكباد الإبل، و انتفع الناس بعمله و توجيهه و إرشاده.
و كان من أسلوبه في التربية أن يجمع القلوب على حب النبي صلى الله عليه وسلم، و التعلق به و التمسك بسنته و الاعتبار بسيرته.
و قد خصص لهذه الغاية مجلسا حافلا بعد صلاة العصر، يدرس فيه كتاب الشفا بسرد ابن أخيه العلامة المحدث سيدي محمد عبد الرحمان بن السالك، الذي أصبح فيما بعد إمام الأئمة في الأصول و الفروع.
و يعتبر هذا المجلس آخر ما اشتهر من مجالس الشفا في الصحراء.
تأثر أصحاب المدائح النبوية في الصحراء بكتاب الشفا
و قد عرف عن كثير من رجال العلم و الأدب في الصحراء، حب زائد في النبي صلى الله عليه وسلم، مما تشهد به قصائدهم و دواوينهم في مدحه و التشوق إلى روضته الشريفة، و من ذلك قول مولود اليعقوبي :
لي لهجة بامتداح المصطفى لهجت
ولي فؤاد بحب المصطفى لهجا
إلا طربت إلا أني طربت إلى
من حبه مع لحمي و الدم امتزجا
و نجد في جيمية ابن محمد العلوي التي قدمها تهنئة لأحد العلماء القادمين من الحج صورة عن هذا الشوق الذي يستطيب صاحبه لفح الهواجر، و خبط الظلمات و تجشم الأخطار في متاهات الصحراء و أمواج البحر حيث يقول :
قوم شعارهم قدما و ديدنهم
في الله أن يبذلوا الأرواح و المهجا
دعوة الحق، س.22، ع3/مايو 1981
ص 56
إلى أن يقول
قد وجه العيس نحو البيت تمرح في
فيح الفلا و الخلايا تعبر اللججا
تقتاده همة قصوى و يجذبه
شوق حوى الصدر لوعة و شجى
لم يثن همته ظل البيوت و لا
بيض العوارض تجلو الظلم و الفلجا
مضى مذيلا لحر الشمس وجنته
و للموامي إذا بالليل البهيم دجا
حتى قضى ما نطوى في النفس من ارب
و تم ما قد رجايا نعم ذاك رجا
فقرت العين إذا ألقى عصاه لدى
حيث الإله يحط الوزر و الحرجا
و طابت النفس منه حين فاح له
من طيب طيبه أذكى فائح أرجا
إلى أن يقول :
ثم الصلاة على المختار ما دلج الر
كب المجد إلى البطحاء و أدلجا
و لما فشت في الزوايا و المحاضر فتوى الكنتي التي يميل فيها إلى سقوط الحج عن أهل الصحراء، لهول الطريق، و عدم الأمن فيها مما لا يدخل في الاستطاعة، شق ذلك معاوية بن الشد التندغي، فقال :
قد أجج الشوق في قلبي و في كبدي
نارا تعاظم عن صبري و عن جلدي
إلى أن يقول :
فلا أنا للذي تراه معترض
و لا أنا للذي تشاء لم أرد
لكم قلبي قد قامت قيامته
حين انثنيت به عنه و لم أفد...
ليس القرار لمن لم يشف غلته
من زورة المصطفى في النأى و البعد
و لم يبت بستور البيت معتلقا
إلا القرار على زار من الأسد...
ان كان لي ها هنا دنيا و آخرة
و في بلادي نيل المال و الولد
فإن لي كبد أحراء مولعة
ببيت من هو لم يولد و لم يلد
و لما اشتاق ابن محمد العلوي إلى زيارة النبي صلى الله عليه وسلم، و شد عزمه على التوجه إلى البلاد المقدسة، شق ذلك على جمهور غفير من أقاربه و أتباعه و محبيه، و حاولوا صرفه عن ذلك و أفتوه بعدم وجوب الحج عليه فقال :
يا مشفقا من رحيل لج في كمدي
هل أنت من دون ربي آخد بيدي
أمسي يفندني فيما أرى و أرى
مفتدي فيه منسوبا إلى الفند
إلى أن يقول :
دعني و عزمي و البيدأ وراحلتي
و ما جرى من بنات الفكر في خلدي
فالله حسبي لا ألوي على أحد
كلا و مثلي لا يلوي على أحد
و حينما وصل هذا الشاعر إلى الأعتاب الشريفة، و قابل السلطان المقدس مولاي عبد الرحمان لم يطلب منه أكثر من أن ينعم عليه و على وفده بزيارة النبي صلى الله عليه وسلم، حيث يقول :
و خبرنا أن سوف تأتي ركابنا
أبا فاطم أنا أتينا ابن فاطم
و لما مدحه في السنينية المشهورة، أشار إلى ذلك قائلا :
خليفة الله في نيل الوصول لمن
هو الوسيلة بين الله و الناس
و لا شك أن مجالس الشفا و قد ازدهرت و استقطبت مدارس العلم، و زوايا التصوف و جمهور المساجد ، كانت تلهب هذا الشوق، و تشعل أواره، و لا أدل على ذلك من قصة الأيدلبي المتقدمة.
دعوة الحق، س.22، ع3/مايو 1981 ص 57
و لا تخرج المدائح النبوية في الصحراء، عما في كتاب الشفا من معجزات و كرامات و خصائص مما يخيل إلى القارئ أنها مجرد عقد، لما هو منثور في أبواب الشفا و فصوله.
و ليس في ذلك غرابة لأن هؤلاء الشعراء كلهم علماء، و كلهم من زوايا عرف عنها أنها كانت تقرأ الشفا، و تعمر مجالسه.
و من أمثلة ذلك، فائية سيدي عبد الله العلوي التي يقول فيها :
أيا من سقت ألفا ظماء بنانه
كما وهبت ألفا كما هزمت ألفا
إلى قوله :
ومن قام في الإسراء و الحشر خلفه
نبيئو إله الحق كلهم صفا
إلى قوله :
و ما في ذراع الشاة مما تعمدت
يهود و لكن ما أعف و ما أعفا
إلى قوله :
لمولد الميمون آي شهيرة
شفة غلة الراوين من قولها الشفا
و فيما رأت عينا حليمة من رأت
تبنيك هو الأحظى شفاء من استشفى
و لو لم يجبك البدر لما دعوته
لما شئت لم ينفك نصفين أو نصفا
فقد تضمنت هذه الأبيات و بطريقة موجزة بعض ما أتى به كتاب الشفا في فصوله المتفرقة.
و بعد أن ينتهي الشاعر من سرد معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم يقول :
إلى معجزات أنجم الجو دونها
نموا و حسنا و ارتفاعا و مصطفا
فلا الدهر يحصيهن عدا و لو غدت
مدادا لياليه و أيامه صحفا
فمن قرأ هذين البيتين تأكد عنده تأثر صاحبهما بالفصل الأول من الباب الثاني من كتاب الشفا، وهو فصل يتعرض فيه القاضي إلى ما خص الله به نبيه صلى الله عليه وسلم من خصائص و معجزات، و يقول : إلى ما لا يحويه محتفل، و لا يحيط بعلمه إلا مانحه ذلك، و مفضله به إلى ما أعد له في الدار الآخرة من منازل الكرامة، و درجات القدس و مراتب السعادة و الحسنى و الزيادة التي تقف دونها العقول.
و من ذ لك قول بن محمد العلوي :
و إلى اسمه ضم اسمه شرفا له
من قبل حيعلة المنادي المسمع
فلا يخفى ما بين هذا البيت من صلة وثيقة بتفسير القاضي عياض في الشفا لقوله تعالى: (و رفعنا لك ذكرك ) حيث يقول :
هذا تقرير من الله جل اسمه لنبيه صلى الله عليه وسلم على عظيم نعمه لديه، و شريف منزلته عنده و كرامته عليه، بأن شرح قلبه للإيمان و الهدية، و وسعه لوعي العلم و حمل الحكمة، إلى أن يقول : و تنويهه بعظيم مكانه و جليل رتبته و رفعة ذكره و قرانه مع اسمه .
و يقول الشاعر في نفس القصيدة :
و به توسل الأنبياء إلى الذي
حازوه من سير النبوة أجمع
أسرى الإله به و أودع صدره
في ستر جنح الليل أشرف مودع
حلى الزمان به كما حلي الربى
بالروض أثر الساريات الهمع
لله أكم خلقه و خليقه
منحا لصفوه هاشم و مجمع
بحر إذا ورد العفاة و إن بدا
فالبدر ماضي في عشره و الأربع
بغشى الهياج إذا التظى متبسما
و البيض تلمع و الفوارس تدعي
و الخيل ثائر نقعها من نسجه
وجه الغزالة مدرج في يرقع
دعوة الحق، س.22، ع3/مايو 1981 ص 58
فلا تكاد هذه الأبيات تخرج عما في كتاب الشفا، من إجلال و إكبار و إعظام، و إشادة بما خصه الله به من كرامة الإسراء، و الصلاة بالأنبياء إلى غير ذلك مما تعرض له في فصوله المتفرقة من عجائب كرمه و نوادر شجاعته و سمو خلقه، و حسن صورته الشريفة.
و يختم الشاعر قصيدته الطويلة بأبيات يقول فيها :
إني بمدحك أستجير و إنني
مني لغي الحصن الحصين الأمتع
فأمنت طارقة الحوادث و انثنت
عني دواهم كل خطب مفظع
و من قرأ هذين البيتين لم يشك في أن صاحبهما قد تأثر بمجالس الشفا، و بما جربه حفاظه و مدرسوه من أنه حصن حصين و حرز منيع تتقى به المصائب، و يعتد به في الأزمات و الشدائد، و ما ذلك إلا لما اشتمل عيه من تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم و الإشادة بقدره، فكان كل مدح له صلى الله عيله و سلم جدير بذلك.
و من ذلك قول مولود ابن أحمد الجواد اليعقوبي :
قد انقضت بانقضاء الرسل حجتهم
و للهدي حجج ما تنقضي الحججا
و قول محمد بن عبد الرحمان الحسني :
و آياته تبقى مدى الدهر بعده
و ما بقيت للرسل معجزة بعد
فليس هذان البيتان إلا نظما لقول صاحب الشفا في الفصل الأخير من الجزء الأول :
و سائر معجزات الرسل انقرضت بانقراضهم، و عدمت بعدم ذواتها، و معجزة نبينا صلى الله عليه و سلم لا تبيد و لا تنقطع، و آياته تتجدد و لا تضمحل.
و من ذلك قول مولود أيضا :
أليس للعبد أن يسمى اسم سيده
يسمى اسمه درجا قد فاق من درجا
فليس هذا البيت إلا إشارة إلى الفصل الذي خصصه القاضي عياض في كتاب الشفا لذكر تشريف الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم، بما سماه به من أسمائه الحسنى و وصفه به من صفاته العلى.
و من ذلك قول محمد بن عبد الرحمان الحسني :
و قبلت فكري اثر نعل محمد
و لو جئت مغناه أقيله فما
قيا ليت خدي كان موطئ نعله
و صدري ضريحا جامع منه أعظما
و لا يخفى تأثر صاحب هذين البيتين بقطعة القاضي عياض المذكورة في الشفا و التي يقول فيها:
و على عهد أن ملأت جوانحي
من تلكم الجدرات و العرصات
لاغفرن مصون شيبي بينها
من كثرة التقبيل و الرشفات
و من ذلك قول الشاعر أحمد بن محمد بن محمد سالم المجلسي في نونبته الرائعة :
دنا في ذلك المرأى دنوا
من الرحمان ما يدنوه دان
و ذاك القرب تقريب اصطفاء
و ليس عن المسافة و المكان
ففي هذيه البيتين إشارة إلى تفسير القاضي عياض للدنو الوارد في الإسراء، و تأويله بالاجتباء و الاصطفاء.
رجوع علماء الصحراء في مؤلفاتهم و بحوثهم إلى كتاب الشفا
و لم يكتف علماء الصحراء بتدرس كتاب الشفا، و التبرك به و عقد الحلقات و المجالس للاستماع إلى أبوابه و فصوله و ختمه في المواسم الدينية، و في الظروف الخاصة، و إنما أضافوا إلى ذلك أيضا الرجوع إليه و الاعتماد عليه في كثير من المسائل و القضايا التي ألفوا فيها.
دعوة الحق، س.22، ع3/مايو 1981 ص 58
و أود التعرض لذكر بعض الشيوخ الأجلاء الذين تحملوا مسؤولية الدعوة، و أسهمو إسهاما كبيرا في حركة التأليف بالصحراء، فكان كتاب الشفا من مصادرهم التي رجعوا إليها في السيرة و الفقه و التصوف و غير ذلك.
و من هؤلاء سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي الذي تقدمت الإشارة إلى إجازته بكتاب الشفا، فقد جاء في نوازله أنه سئل عن إمرأتين قالتا كلام تحقير و تنقص بالغ في سيدنا إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه و سلم، هل هما مرتدتان أو عليهما الأدب.
فأجاب أنهما كافرتان و حدهما القتل، و لا تقبل توبتهما لأن ذلك سب للنبي صلى الله عليه و سلم، مع أنهما كانتا مسرتين بالكفر، و ذلك زندقة يجب فيها القتل و لا تقبل فيها التوبة أيضا ، ثم قال ليعزز هذه الفتوى، و ليحيل السائل على المصدر الذي اعتمده فيها.
و كفرهما أمر ضروري لا يستدل عليه عند أهل الأصول، لكن لما غطت غشاوة الجهل قلوب العوام، احتاجوا إلى الاستدلال عليه، فأقول :
نص القاضي عياض في كتاب الشفا على ان من عبث في جهته العزيزة بسخف من الكلام أي قبيح، لا يليق بمنصبه و منكر من القول، حكمه حكم الساب يقتل لأنه زندقة و كفر إلى آخر كلامه في هذا الصدد.
و سئل عن من قال أعاذنا الله من قوله (يحرق أم النبي ) صلى الله عليه و سلم، فأجاب بأن قائل ذلك كافر يقتل و لا تقبل توبته، و يحرق بالنار، قال و قد أفتى أبو بكر بن العربي فيمن قال أن أبا النبي صلى الله عليه و سلم في النار ، بأنه ملعون لأن الله تعالى يقول : « إن الذين يؤذون الله و رسوله لعنهم الله في الدنيا و الآخرة»، و أي أذى أعظم من أن يقال أبوه في النار. يقول سيدي عبد الله قلت : بل أعظم في الإيذاء و الجسارة الدعاء عليه بذلك. إذ الردة تدور على انتهاك حرمة الربوبية و النبوءة و الملكية، فكل من أضاف فقصا إلى أم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ أو إلى بنته أي بنته أي بلفظ بنت النبي فهو كافر حلال الدم، و الشاك في كفره أقرب إلى الكفر من الإيمان.
و يختم هذه الفتوى بحديث فاطمة بضعة مني يؤديني ما يؤذيها، و يقول و كل من آذى النبي صلى الله عليه وسلم فهو كافر بنص الشفا، قال و لا يعترض على هذا بقول خليل، و في قبيح لأحد من ذريته فإنه إنما في الأدب الشديد،لأن محل الأدب إذا قصده في نفسه كما يدل عليه كلام الشبرخيتي، أما إذا قصد الجهة الشريفة كما هو مقصود هؤلاء الشياطين فكفر و زندقة، كما يدل عليه كلام الشفا.
و سئل عن نساء نظرن لوحا به بول صبي لم يمس نفس الحروف، فأمرت كل واحدة منهن الأخرى بالمبادرة إلى غسله، و أخذته إحداهن فناولته صبيا فغسله، هل هذا توان يوجب الردة أم لا.
فأجاب أن لا ردة فيه إذا لم يحصل في ذلك توان بين، يظهر منه الاستخفاف بحرمة القرءان العزيز بل أن يكون لا تواني في ذلك أصلا أو توان غير بين، و يختم جوابه قائلا.
فإذا احتمل الأمر كونه ردة أولا لم تكن فيه ردة كما في الشفا للقاضي عياض.
و منهم الشيخ سيدي المختار الكنتي، فقد ألف كتاب نزهة الراوي و يغية الحاوي في شمائل النبي صلى الله عليه و سلم و خصائصه و معجزاته و ما يجب له من إجلال و تعظيم، و ما رافق مولده الكريم من خوارق و آيات، و ما خص به من الأنباء بالمغيبات.
و عقد فيه مقارنة بين معجزاته صلى الله عليه وسلم و معجزات غيره من الأنبياء و تحدث عن الإسراء بروحه و جسده، و ما منحه الله من المناجاة و الرؤية.
و عقد عدة فصول في جوده و شجاعته و نجدته و حياته و تواضعه، و حلمه و خوفه من الله تعالى. و تعرض لعقوبة سبه و تنقصه صلى الله عليه و سلم.
و ختم الكتاب بحكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، و ما للعلماء فيها من أقوال و ما لها من فضائل و مزايا.
و قد حاذى الكنتي في هذا الكتاب القيم كثيرا من الأبواب و الفصول التي خصصها القاضي عياض في الشفا لنفس الغرض.
دعوة الحق، س.22، ع3/مايو 1981 ص 60
و قد عزا إليه في بعض فصول الكتاب و تجاوزه في كثير منها، ليسند إلى نفس المصادر المذكورة في الشفا.
و قد يذكر القاضي عياض حديثا دون عزوه إلى الكتاب المخرج فيه، مكتفيا بالإشارة إلى أنه في الصحيح، فيذكر الكنتي الكتاب الذي أخرجه، و قد يزيد على ذلك تعليقا أو ما يشبه أن يكون شرحا للحديث.
و بالاختصار، فقد اشتمل الكتاب على كثير مما في الشفا، و حاذاه في عدة أبواب و فصول و أضاف إلى ما فيه إضافات و زيادات، مما رجع فيه إلى غيره من كتب الحديث و السيرة، و دلائل النبوة و الخصائص.
و من أمثلة ذلك الفصل الذي تعرض فيه لوجوب قتل سابه صلى الله عليه وسلم، ورد توبته فقد استهله بما استهل به القاضي عياض حديثه في الموضوع حيث يقول : ( فمن سبه صلى الله عليه وسلم أو تنقصه قتل و لا تقبل توبته لأن ذلك من باب الحد و التأديب لا من باب الكفر و التعذيب. فيقتل سدا لذلك الباب : و حسما لتلك الأسباب، المؤدية للبعد عن رب الأرباب و إغضاب النبي الأواب، فيكون القتل حينئذ حدا لا كفرا، كما ورد عن كثير من السلف بخلاف ما إذا سب الله، فإنه تقبل توبته إذا تاب، و علم ذلك من نيته، لأن الله تعالى لا يدركه نقص و لا يتأذى بنقص، بخلاف النبي صلى الله عليه وسلم، فإنما هو بشر مثلنا، يتأذى بكل ما يتأذى به البشر، و ليس من حقه علينا إذايته، فيقتل المتنقص له حدا أن تاب و كفرا إن لم يتب، فيكون قتله حينئذ حدا لا ردة، حسما لهذا الباب و قطعا لتلك الأسباب).
و بعد أن قطع بوجوب قتله و عدم قبول توبته، و أشار إلى أن القتل يقع عليه حدا أن تاب، و كفرا إن لم يتب، و أنه إن تاب نفعته توبته في الآخرة، إلا أنها لا تدرأ عنه الحد و التأديب، و ذكر الخلاف في تحتم قتله حالا، و في وجوب استتابته بدا بتلخيص ما في كتاب الشفا من أدلة الكتاب و السنة و أقوال العلماء في قتله ورد توبته و عذره ، فذكر قوله تعالى :
« ان الذين يؤذون الله و رسوله لعنهم الله في الدنيا و الآخرة، و أعد لهم عذابا مهينا ». و علق على هذه الآية الكريمة فقال : ( و اللعنة من الله هي أبعاد الملعون من رحمته و إحلاله في وبال عقوبته ). و نقل قول القاضي عياض في الموضوع : ( إنما يستوجب اللعن من هو كافر، و حكم الكافر هو القتل ).
و استدل على عدم قبول توبته ورد عذره بقوله تعالى : « قل أبالله و آياته و رسوله كنتم تستهزؤون لا تعتذروا قد كفرتم بعد ايمانكم ».
و ينقل قول عياض : قال أهل التفسير كفرتم بقولكم في رسول الله صلى الله عليه وسلم. و أورد من أدلة السنة ما أورده القاضي عياض من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من لكعب بن الأشرف. فإنه يؤذي الله و رسوله، ووجه إليه من قتله غيلة دون دعوة بخلاف غيره من المشركين، و علل بأذاه له فدل أن قتله له لغير الإشراك بل للأذى إلى غير ذلك من الأدلة التي ساقها في هذا الموضوع اعتمادا على ما في كتاب الشفا.
و قد ذكر في نهاية هذا الفصل بعض الإيرادات التي أوردتها الشافعية على أدلة المالكية في عدم قبول توبة سابه صلى الله عليه وسلم ، و ذكر تعقيب ابن الخطيب القسطلاني على القاضي عياض في هذا المجال.
و من ذلك الفصل الذي خصصه للحديث عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، فصدره بمقدمة يقول فيها :
( اعلم أن الصلاة عليه صلى الله عليه و سلم وردت صريحا بنص الكتاب، و أن الله و ملائكته يصلون عليه قبل بعثته بل قبل وجوده، فوجبت الصلاة عليه صلى الله عليه و سلم).
و يلاحظ التشابه بين هذه المقدمة و بين مقدمة القاضي عياض لنفس الغرض حيث يقول :
( أعلم أن الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم فرض على الجملة غير محدد بوقت لأمر الله تعالى بالصلاة عليه، و حمل الأئمة و العلماء له على الوجوب، و أجمعوا عليه ).
دعوة الحق، س.22، ع3/مايو 1981 ص 61
و قد استعرض الكنتي ما تضمنه كتاب الشفا من أقوال العلماء في هذا الموضوع فذكر منها ما يلي :
1) قول مالك بوجوبها مرة في العمر
2) قول القاضي أبي الحسن بن القصار أن ذلك واجب في الجملة على الإنسان، و فرض عليه أن يأتيها مرة من دهره مع القدرة على ذلك.
3) قول القاضي أبي بكر بن بكر أن الله افترض على خلقه أن يصلوا على نبيه و يسلموا تسليما، و لم يجعل ذلك لوقت معلوم، فالواجب أن يكثر المرء منها و لا يغفل عنها.
4) قول أبي جعفر الطبري أن محمل الآية عنده على الندب مدعيا الاجماع على ذلك.
5) قول الشافعية بوجوبها في الصلاة إلى غير ذلك من الأقوال التي استعرضها في هذا الصدد.
و لم يكن الكنبي من أولئك الذين يتقبلون الأقوال و يسلمون الآراء و المذاهب دون مناقشة و لا تمحيص، و لذا فهو ذو حرص شديد على تتبع هذا الموضوع و تقصيه، ورد كل ما يستوجب الرد في نظره، و من أمثلة ذلك ما يلي :
1- رده على ابن جرير الطبري حيث يقول – الكنتي - :
(و أما ما ادعاه من الإجماع على استحبابها، فغير مسلم، بل هو معارض بدعوى غيره الاجماع على مشروعية الصلاة في الفريضة، أما بطريق الوجوب على مذهب أبي حنيفة و الشافعي، و أما بطريق الندب و هو مذهب مالك، و أما بطريق السنة، و هو مذهب أحمد، و لا يعرف عن السلف لذلك مخالف).
2- دفاعه عن القاضي عياض حيث يقول :
( و قد عاب غير واحد على القاضي عياض في الشفا نصه على وجوب الصلاة عليه، و ما أنصفوا في العيب عليه، ورد قوله لان مبنى تأليفه الشفا على كمال المبالغة في تعظيمه صلى الله عليه و سلم، إلى أن يقول وكيف ينكر القول بوجوب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم )
3- ميله إلى مذهب الشافعية في وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، في الصلاة :
و قد ذكر أقوال العلماء الذين أخذوا بذلك و نقل ما اعتمدوا عليه من الأدلة، مما لا يتسع الوقت لعرضه، و في ذلك يقول :
( و أما من شنع على الشافعي فإنه ذهب في غير مذهب، لأن الشافعي لم يخالف نصا و لا اجماعا و لا قياسا و لا مصلحة راجحة، بل القول بذلك من محاسن مذهبه، و أحق بالتشنيع منه القائل بجواز ترك الصلاة على أفضل خلق الله في الصلاة التي هي رأس العبادة ).
و منهم الشيخ محمد القصري الأيدليبي، صاحب النوازل، فقد سئل في نوازله عن قول البوصيري :
و بت ترقى إلى أن نلت منزلة
من قاب قوسين لم تدرك و لم ترم
و ما هي هذه المنزلة التي أشار إليها، و هل هي المناجاة أو الرؤية أو الدنو المذكور في الآية الكريمة و عن حقيقة ذلك، وهل هو قرب مكاني أو معنوي.
و لا يخفى ما يحتاج إليه جواب مثل هذا السؤال من اطلاع على نقول العلماء و آرائهم و الإلمام بعقائد أهل السنة ومذاهبهم في التفويض و التأويل.
و بما أن صاحب السؤال صدره بيت البوصيري فقد أجابه القصري بما لشراح البردة في هذا البيع، فاستعرض أثناء ذلك أقوال المفسرين و المحدثين و أئمة العلم حول الإسراء بالجسد و الروح و حول الرؤية و الدنو الوارد في الآية الكريمة.
و أكد للسائل أن الدنو الوارد في الآية الكريمة مؤول بدنو الرضا و القبول، و رفع الدرجة و المقام المحمود و إشراق أنوار المعرفة و الاجتباء و الاصطفاء كما تؤول آيات الصفات و أحاديثها التي لا بد فيها من ←
دعوة الحق، س.22، ع3/مايو 1981 ص 62
التأويل أو من التعويض بعد صرفها عن الظاهر المستحيل.
و ختم جوابه بما ختم به القاضي عياض فصول الإسراء من كتاب الشفا، فقال – القصري – قال القاضي عياض رحمه الله :
( أعلم أن ما وقع من إضافة الدنو و القرب هنا من الله و إلى الله، فليس بدنو مكان و لا قرب مدى، بل كما ذكرنا عن جعفر بن محمد الصادق ليس بدنو حد و إنما دنو النبي صلى الله عليه وسلم من ربه، و قربه منه إبانة عظيم منزلة و تشريف رتبته و إشراق أنوار معرفته و مشاهدة أسرار غيبه و قدرته، ومن الله تعالى له مبرة و تأنيس و بسط و إكرام، و يتأول فيه ما يتأول في قوله : ( ينزل ربنا إلى سماء الدنيا على أحد الوجوه نزول أفضال و إجمال و قبول و إحسان، قال الواسطي من توهم أنه بنفسه دنا ثم جعل مسافة بل كل ما دنا بنفسه من الحق تدلى بعدا، يعني عن درك حقيقته، إذ لا دنو للحق و لا بعد، و قوله قاب قوسين أو أدنى، فمن جعل الضمير عائدا إلى الله تعالى لا إلى جبريل على هذا، كان عبارة عن نهاية القرب، و لطف المحل، و إيضاح المعرفة، و الاشراف على الحقيقة من محمد (ص)، و عبارة عن إجابة الرغبة و قضاء المطالب و إظهار التحفي و أناقة المنزلة و المرتبة من الله له، و يتأول فيه ما يتأول في قوله :
( من تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا، و من أتاني يمشي أتيته هرولة، قرب بالإجابة و القبول و إتيان بالإحسان، و تعجيل المأمول ).
و هكذا وجد القصري في كلام القاضي عياض ما يدعم جوابه، و ما يرضى ميله في التأويل الذي هو أحد مذاهب الأشاعرة فيما لا بد من صرفه عن ظاهره.
و خير من يعتد بنقله و رأيه في ذلك القاضي عياض رحمه الله.
و يرد عليه سؤال آخر حول المحفظة الخاصة بالمصحف و المعروفة في الصحراء بالجفيرة، هل لها حرمة المصحف أم لا ؟.
فيجيب بضرورة تعظيمها و إضفاء هالة الاحترام عليها قياسا على وجوب تعظيم أمكنة النبي صلى الله عليه وسلم، و مشاهده و يقول : قال القاضي عياض رحمه الله : ( و من اعظامه و اكباره اعظام جميع أسبابه و إكرام مشاهده و أمكنته من مكة و المدينة و معاهده و ما لمسه صلى الله عليه و سلم أو عرف به.
و يلخص في هذا الموضوع ما نقله القاضي عياض عن الشفا من قصة أبي محذورة التي طالت طولا زائدا فقيل له ألا تحلقها ؟ فقال لم أكن بالذي يحلقها و قد مسها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، و ما روى من مبالغة خالد بن الوليد رضي الله عنه في الحفاظ على شعراته صلى الله عليه وسلم، و ما نقل عن الإمام مالك من استحيائه أن يطأ تربة المدينة المنورة بحافر دابة، إلى غير ذلك مما اشتمل عليه هذا الفصل من كتاب الشفا.
و يعلق – القصري – على ذلك قائلا : ي إذا علمتم هذا اتضح لكم من باب الأحروصة وجوب تعظيم جفيرة المصحف، لأن آية من كتاب الله تعالى أفضل من محمد صلى الله عليه وسلم.
و منهم العلامة زين بن محمد (7) بن أحمد الشمشوي اليدالي الذي ألف كتابا يدافع فيه عن الطريقة التيجانية و يرد على خصومها ومنتقديها. و يذكر فضائل أهلها و ذويها و يستشهد لذلك بتلقي أجلاء العلماء لها، و رضاهم بحال أهلها.
و قد اعتمد في هذا التأليف الهام على الكتاب و السنة، و كتب أئمة السلف من محدثين و مفسرين و رجال فقه و تصوف، فكان من بين الكتب التي رجع إليها أكثر من مرة كتاب الشفا.
و أذكر من ذلك على سبيل المثال الفقرة التي يشير فيها إلى أن الحال و الماضي و المستقبل حالات←
دعوة الحق، س.22، ع3/مايو 1981 ص 63
عارضة للزمان بالقياس إلى ما يختص بالجزء منه، إذ الحال معناه زمان حكمي هذا، و الماضي زمان هو قبل حكمي هذا، و المستقبل هو زمان بعد زمان حكمي هذا، فمن كان حكمه أزليا محيطا بالزمان، و غير محتاج في وجوده إليه، و غير مختص بجزء من أجزائه لا يتصور في حقه حال و لا ماض و لا مستقبل فالموجودات من الأزل إلى الأبد معلومة له في كل وقت.
فقد ساق هذه الفقرة ليعيد إلى الأذهان أن تأخر الزمان و بعد الآوان فا يمنع من خصه الله بالمنح الربانية أن يصل إلى أفضل مما وصل إليه سابقوه، و مثل لذلك بوجوب النبوة للنبي صلى الله عليه وسلم، وآدم بين الروح و الجسد، و قال : إلى غير ذلكمما ذكره القاضي عياض في الشفا.
و من أمثلة ذلك أيضا افتتاحه الحديث عن علم النبي ثلى الله عليه وسلم و اطلاعه على الغيب بقول عياض في الفصل الذي خصصه لذلك :
الأحاديث في هذا الباب بحر لا يدرك قعره، و لا ينزف غمره، وهذه المعجزة من جملة معجزاته المعلومة على القطع الواصل إلينا خيرها على التواتر لكثرة رواتها و اتفاق معانيها.
و يورد أثناء حديثه في هذا الصدد كثيرا مما أورده القاضي عياض من أخباره صلى الله عليه وسلم بالأمور التي ستكون و التي صحت و شوهدت، فكانت من دلائل نبوته و صدق رسالته صلى الله عليه و سلم.
و يذر في هذا المجال كذلك الحديث الذي أورده القاضي عياض في الشفا بسنده إلى حذيفة بن اليمان رضي الله عنه حيث يقول :
« قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاما فما ترك شيئا يكون من مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدثه حفظه و نسيه من نسيه، قد علمه أصحابي هؤلاء و أنه ليكون منه الشيء ، فأعرفه فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ثم إذا رآه عرفه، ثم قال حذيفة ما أدري أنسى أصحابي أم تناسوه، و الله ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم من قائد فتنة إلى أن تقضي الدنيا، يبلغ من معه ثلاثمائة فصاعدا، إلا سماه لنا باسمه أو اسم أبيه و قبيلته ».
و يذكر بعد هذا قول أبي ذر :
« لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و ما يحرك طائر جناحيه في السماء إلا ذكرنا منه علما ».
و ينهي الكلام في هذا الموضوع قائلا : إلى آخر ما نقله القاضي عياض في كتاب الشفا.
و منهم شيخ الإسلام الشيخ إبراهيم نياس (8) الذي حمل مشعل الدعوة المحمدية في غرب أفريقيا منذ حوالي منتصف القرن المنصرم إلى السنوات الأخيرة منه، و كان داعية عظيما يعتمد فيما يعتمد من أساليب الدعوة أحياء الدراسات الحديثية ، و تدريس السيرة النبوية و إفشائها و نشرها من خلال مؤلفاته و محاضراته و دواوينه الشعرية التي تلقتها ملايين المسلمين بقبول منقطع النظير.
و كان تأثره بكتاب الشفا واضحا في كثير من هذه الدواوين و القصائد ، التي تعتبر كل واحدة منها درسا قيما من دروس سيرة النبي صلى الله عليه و سلم ، و دلائل نبوته و معجزاته، و لولا ضيق المقام لأوردت نصوصها رائعة من هذه القصائد.
يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــع



 توقيع : السوقي

من حكم المتنبي
ولم أرى في عيوب الناس عيبا = كنقص القادرين على التمام

رد مع اقتباس
قديم 07-17-2011, 01:51 PM   #2
مراقب عام


الصورة الرمزية السوقي
السوقي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 17
 تاريخ التسجيل :  Dec 2008
 أخر زيارة : 09-26-2024 (03:00 PM)
 المشاركات : 165 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: كتاب الشفا في الصحراء المغربية



و قد عرفت إفريقيا و منذ منتصف القرن الهجري الماضي مختلف التيارات الفكرية و فشت فيها النحل المستوردة ، و بدأ دعاة البدع و الأهواء و مروجو الشبه يشيعون مقالاتهم و يفشون ضلالاتهم←
دعوة الحق، س.22، ع3/مايو 1981 ص 64
حتى بلغت الجرأة بأحد المنتمين للعلم و قد فقد رشده و صوابه أن يتعرض على أفضلية النبي صلى الله عليه وسلم، و يطعن في خصوصيته على سائر الأنبياء الكرام، غير عابئ بمحكم القراءان و صحيح السنة، و إجماع السلف و الخلف.
فما كان من شيخ الإسلام إلا أن بادر بالرد على هذه المقالة الشنيعة، و ألف فيها كتاب ( نجوم الهدى في كون نبينا أفضل من دعا إلى الله و هدى ).
و هو كتاب قيم يشير في مستهله إلى أفضليته صلى الله عليه و سلم، فيقول :
« الحمد لله الذي فضل بعض النبيئين على بعض و رفع بعضهم فوق بعض درجات، و جعل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أفضلهم كلا و كلية. و مقامه فوق المقامات فهو بالنص و الإجماع أفضل و أكمل المخلوقات، و سيد ولد آدم و رحمة الخلق حتى أرباب النبوات و الرسالات، و على آله و صحبه و أمته خير أمة أخرجت للناس بنص الذكر و الآيات ».
و بعد هذا الاستهلال يأتي بمقدمة يذكر فيها أسباب تأليف الكتاب فيقول :
« أما بعد، فإني منذ عدة سنوات أسمع مقالا ينسب لبعض أهل الملة الإسلامية، و جعلته في عداد الخرافات، و عزمت ألا أبل قلمي برد تلك الترهات، حتى شاع و ذاع، و أكثر أهل العصر أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني ، و ما زخرف لهم رؤساؤهم من الغي و الضلالات، و المقال أنه ما ثم دليل على أن محمدا صلى الله عليه و سلم أفضل من جميع الأنبياء أرباب الحقائق و المعجزات، فخفت أن يصغي العوام الجهلة إلى تلك الخزعبلات ، فقيدت لهم جوابا مختصرا قدر همم أهل العصر، و ما اتصفوا به من قلة المبالاة، فقلت أن التفاضل بين الأنبياء مذكور في القرءان العزيز، و محمد أفضل الأنبياء و المرسلين، وهذا أوضح من النهار، و لا يحتاد للدلالات.
قال :
فكيف يصح في الأذهان شيئ
متى احتاج النهار إلى دليل
و حيث أن المخاطبة مع غبي من الأغبياء، نكتب مجاراة مع غباوته، بنصب الدلائل و الآيات فنقول :
نص القرءات أن محمدا رحمة للعالمين، و صح أن الشفيع فيهم يوم القيامة و سيد ولد آدم، و آدم فمن دونه تحت لوائه يوم القيامة، و أنه خاتم النبيئين و إمامهم و دينه أفضل الأديان و أمته أفضل الأمم و كتابه أفضل كتاب نزل من السماء، و أنه أول من تنشق عنه الأرض، و أول من يدخل الجنة، و له الوسيلة، و عظمه الله بما له و أذهب الرجس عن أهل بيته، و أسرى به و أقسم بحياته و عصره و بلده و أعطاه الكوثر، و بقيت آياته مستمرة و نسخ دينه الأديان و بعث إلى كافة الخلق ».
و بعد هذه المقدمة الموجزة المستقاة من الكتاب و السنة، و التي تكاد تكون كل كلمة فيها تلخيصا لفصل مستتفيض من فصول كتاب الشفا، يشرع في دحض المقالة الشنيعة و يبدأ في استعراض الأدلة النقلية و العقلية، و البراهين التي لا تدفع على أفضليته صلى الله عليه وسلم و خصوصيته على سائر الأنبياء و الرسل عليه و عليهم صلوات الله تعالى و سلامه.
و قد اعتمد فيما اعتمد من كتب الحديث و التفسير و نقول الأئمة كتاب الشفا.
و هكذا نجده في بداية حديثه عن أفضلية النبي صلى الله عليه وسلم و استعراضه الأدلة العقلية و النقلية، يفتتح ذلك بالمقارنة التي عقدها القاضي عياض في كتاب الشفا، و التي تتلخص في أن مقام الخليل هو الطمع في المغفرة لقوله : « و الذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين »، و الحبيب مقامه في ذلك « إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك و ما تأخر »، و الخليل مقامه الطلب، لقوله : « و لا تخزني يوم يبعثون » ، و مقام الحبيب الإعطاء من غير طلب، « يوم لا يخزي الله النبيئ و الذين صدق في الآخرين »، وة الحبيب قيل له : « و رفعنا لك ذكرك » و الخليل قال : « و أجنبني و بني أن نعبد الأصنام »، و الحبيب قيل له : « إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا »، و الخليل قال : « إني ذاهب إلى بي ←
دعوة الحق، س.22، ع3/مايو 1981 ص 65
سيهدين »، و الحبيب قيل فيه : « سبحان الذي أسرى بعبده ليلا » الآية.
و بعد هذه المقارنة التي ذكرها القاضي عياض في كتاب الشفا، يضيف شيخ الإسلام مقارنة أخرى بين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم و بين موسى عليه السلام، مشرا إلى أن مقام موسى عليه السلام المجيئ إلى الميقات، و محمد صلى الله عليه وسلم مقامه الإسراء بجسده و روحه، و مناجاة الكليم عند الطور ، و مناجاة الحبيب فوق العرش و فوق الفوق، و كلام الله لموسى كان وحيا منه تعالى إليه، و كلامه لمحمد صلى الله عليه وسلم كان عيانا، و جواب موسى في طلب الؤية ( لن تراني ) ، و النبي صلى الله عليه وسلم قال عنه تعالى : « ما كذب الفؤاد ما راى »، و قال تعالى عن موسى : « و خر موسى صعقا »، و قال عن سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم : « ما زاغ البصر و ما طفى »، و حكى الكلام الذي كلم به موسى فقال : « و ما تلك بيمينك يا موسى »الآية.
و كتم مناجاة الحبيب و أبهمها بقوله : « فأوحى إلى عبده ما أوحى ».
و يأبى شيخ الإسلام إلا أن يختم هذه المقارنة بالحديث الذي أورده القاضي عياض في هذا الصدد حيث يقول عن ابن عباس، قال : ( جلس ناس من الصحابة بتذاكون فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثهم فقال بعضهم عجبا إن الله اتخذ إبراهيم خليلا، و قال آخر ما ذا بأعجب من كلام موسى كلمه تكليما، و قال آخر عيسى كلمة الله و روحه، و قال آخر آدم اصطفاه الله ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و قال قد سمعت كلامكم و حجتكم أن إبراهيم خليل الله و هو كذلك، و موسى نجي الله و هو كذلك، و عيسى روح الله و هو كذلك ، و آدم اصطفاه الله و هو كذلك، ألا و أنا حبيب الله و لا فخر، و انا حامل لواء الحمد يوم القيامة و لا فخر، و أنا أول شافع و أنا أول مشفع و لا فخر، و أنا أول من يحرك حلقة الجنة فيفتح لي فأدخلها و معي فقراء المومنين و لا فخر، و أنا أكرم الأولين و الآخرين ولا فخر.
و قد ورد اسم القاضي عياض مرتين في هذا الكتاب، الأول في شرف نسبه صلى الله عليه وسلم حيث يقول، قال القاضي عياض رحمه الله تعالى:
( و أما شرف نسبه وكرم بلده و منشئه، مما لا يحتاج إلى إقامة دليل و لا بيان، مشكل و لا خفي منه فإنه نخبة بني هاشم و أفضل سلالة قريش و صميمها و أشرف العرب و أعزهم نفرا من قبل أبيه و أمه، ومن أهل مكة أكرم بلاد الله على الله و على عباده ) أ هـ.
الثانية في ذكر أخذ الميثاق على الأنبياء و الرسل أن يومنوا به و يتبعوه و قد ذكر فيها أنه كثيرا ما ينقل عن كتاب الشفا حيث يقول :
( و أما ما عهد الله له من قدم نبوته و ذكره فقد روى القاضي عياض رحمه الله من ذلك في كتاب الشفا أخبارا كثيرة، و كثيرا ما أنقل منه ) أ هـ.
و أشير هنا إلى أن صنيعه في هذا الكتاب، أن ينقل بعض ما في فصول كتاب الشفا، و يتبعه بعدة نقول و بحوث هامة لا تترك مقالا لقائل.
تلك شخصيات علمية ذات نفوذ روحي و شهرة واسعة في الصحراء، تحملت مسؤولية الدعوة و أدت دورا تاريخيا في نشر العلم و المعرفة و محاربة البدع و الأهواء و الضلالات معتمدة في ذلك على الكتاب و السنة و كتب الدعوة التي عنيت بإقامة الأدلة و البراهين على صدق الرسالة المحمدية و نبل غايتها و مقاصدها و ما خص الله به صاحبها من دلائل النبوة و عجائب المعجزات، و ما امتاز به صلى الله عليه وسلم من سيرة لم تتوفر لغيره من الأنبياء و الرسل الكرام عليه و عليهم جميعا صلوات الله و سلامه.
و كان لكتاب الشفا في هذه الكتب مكان الصدارة فاعتد به علماء الصحراء، و خاضوا به معركة الجهاد و الدعوة و درسوه و عقدوا له المجالس و رجعوا إليه و استناروا به في منهجية التوجيه و الإرشاد.
و لسي ما اشتمل عليه هذا البحث من أسماء العلماء و التآليف المتأثرة بالشفا إلا نماذج و أمثلة تعطي للقارئ الكريم لمحة عن الدور الذي لعبه هذا الكتاب في تاريخ الدعوة الإسلامية في الصحراء.
و هو موضوع تستحيل الإحاطة به في مثل هذه الدراسة المقتضبة.
http://www.almashhed.com/showthread.php?t=71904


 

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
ترجمة العلامة حماد الأنصاري ملخصة من كتاب (كوكبة من أئمة الهدى ومصابيح الدجى)للقريوتي عبادي السوقي منتدى الأعلام و التراجم 6 01-04-2012 09:04 PM
من إسهامات علماء أفريقيا في الثقافة الشريف الأدرعي المنتدى التاريخي 7 05-11-2011 10:47 AM