272. حَبَّ / محمد بن محمد أحمد الإدريسي التبورقي السوقي

272. حَبَّ / محمد بن محمد أحمد الإدريسي التبورقي السوقي:
هو الشيخ محمد المعروف بحَبَّ بن محمد أحمد بن محمد الصالح المعروف بأتّب بن محمد المعروف بحمنٌ بن سيدي بوبكر ينتهي نسبه إلى الشريف إبراهيم الدغوغي(1) .
قال الشيخ العتيق : حفظ القرآن في صغره ولم يزل على حفظه إلى أن مات ، ثم تعلم العلوم الشرعية في حيه ، ثم ارتحل إلى الحجاز لأداء فريضة الحج وسنة الزيارة فمكث في تلك الغيبة حولا وخمسة أشهر ، ولقي كثيرا من العلماء في الحرمين ، وفي دولة السودان ، واستفاد علوما كثيرة في تلك الغيبة ، ثم رجع إلى أهله واشتغل بمطالعة الكتب وإفادة من استفاد منه ، وصنف في سفره إلى الحرمين رسالة في ترغيب الناس في الحج سماها " تصنيف التشويق إلى البيت العتيق " ونظم الشعر وأقر له أقرانه بالسبق في ، ثم تركه ، وحدثني بعض إخوانه أنه قال له سبب تركي للشعر أنه يعرض لي في الصلاة كثيرا فسألت الله أن يسلبه مني لئلا يتشوش خاطري به في الصلاة فاستجيب دعوته وضاع كثير مما حصل قبل دعوته . ومما ظفرت به من شعره قصيدة في الوعظ والتوبة وهي :
متى أنت يا ذا اللهو والهفوات
تطيع الهوى والنفس في الشهوات

كفى من لذيذ اللوم والهزل فانتبه
فإن العلى في الجد واليقظات

ألم يأن شيخَ اللهو واللغو أن ترى
خشوعا لنا تتلوه من بينات

ألا فاتعظ بالذكر ثم انزجر وتب
إلى الغافر الستار للهفوات

لعلك تنجو من أليم عذابه
بيوم عظيم الهول والسكرات

وجدّ بصدق في اتباعك للهدى
هدى أحمد من قبل بغت الممات

وصاحب فريق الصدق والذكر والتقى
وجانب فريق اللغو والكذبات

واعرض عن الجهال واهجر طباعهم
وعاطر شيوخ العلم والتربيات

فإنهم نعم الوسائل بيننا
وبين النبي المصطفى من صُفاة

وقل حسنا للناس لا تؤذ مسلما
ووسعك نفّس عنه من كربات

ينفس عنك الله دنيا وبرزخا
وأخراك ، ما تخشاه من أزمات

وإياك والتكثير من كل سيئ
وإياك والتقليل من حسنات

لدينك فاحتط ، مخلصا تنج في غد
إذا قال ذو التفريط يا حسراتي

ولا تنِ ، إن الدين نور ورحمة
فسعيا إلى الأنوار والرحمات

ولا تستطب هذي الخبيثة إنها
قرينة أهل الظلم والطلمات

وليست لأهل العلم إلا مطية
بها يبلغون الحسن عند الوفاة

ومن عمروها للدناءة والردى
ومن عبروها للعلى والنجاة

وكل من حلالها وطلق حرامها
طلاقا بتاتا واتق الشبهات

وقابل شحيحا مولعا بادخارها
بهاك مناك لا بمنع وهات

وراع على طره وإخلاص نية
صلاتك بالآصال والبكرات

وفي ساعة الأسحار قم متهجدا
وناج كريما مجزلا للهبات

وناد بيا ربي خشوعا وسافحن
على وجنة الجاني حيا العبرات

ويا بر يا رحمن أولى وأخرا
ويا خير سامع لصوت الدعاة

عبيدك هذاجرءة قد عصاك يا
عفوا عن الأوزار والسيئات

فغفر إله عفوا عليه بجاه من
هو الشافع المحمود في العرصات

لك العز كل العز ، والذل لي أنا
فرحماك في ذلي وفي ضرعات

فقيرك ياربي الغنى فأغنه
عن الخلق بالألطاف والنفحات

ضغيفك يا ربي القوى ، فقوّه
على الاقتدا بالأتقياء التقاة

عجوزك يا ربي القدير مخلف
عن الفتية السباق في الحلبات

فالحقه بالسباق إنك قادر
على كل شيء ما ، من الممكنات

وهبه من الأولاد قرت أعين
وفي الحال أصلحنا جميعا وآت

دعا ثلث الليل الأخيرَ استجب له
فإنك ربي منجز للعدات

وإن أصبح الخطأ مثلي فليقم
إلى الماء والأوراد والصلوات

مولي بيت الله وجهك ذاكرا
إلى ساعة الإشراق فالضحوات

وصل الضحى إن الضحى جاء إنها
تنور قلبا مظلم الحدقات

ونفسك زك بالتقى لا تُدَسِها
فتندم يوم الفوز بالغرفات

وعن أربع يهلكن صم عن نميمة
وغيبة أهل الخير والبركات

ومدحِ الولاة الجائرين بجورهم
وأُفِّك للآباء والأمهات

وكن ساعيا من يبن مرؤة جلوة
وبين صفاء القلب في الخلوات

وفي عرفات الأمر بالعرف لا تزل
وَقوفا إلى يوم انقضاء الحياة

يباهي بك الرحمن جل جلاله
ملائكة المعروف في عرفات

ومن كرم المولى مع الخوف ارتجي
مباعدة الضُّلال في الدركات

وأسأله من فضله وامتنانه
مرافقة الأحباب في الدرجات

ومن باب حسن الظن بالله إنني
طننت به التحسين للختمات

فيا رب صل ثم سلم وباركن
على الرحمة المهداة خير الهداة

محمد المحمود حامد ربه
مع السادة الأصحاب والسيدات


انتهت . وله مكاشفات من أغربها ما وقع في سفره إلى الحج في المرة الأولى وهي أن جميع الحجاج القادمين من غرب أفريقية لما وصلوا إلى السودان حبسهم الحكومة ، ومنعتهم من ركوب البحر إلا بشرط لا تتم قبل أيام الحج فلما علمت الجماعة أنهم لا يصلون إلى مكة في تلك الأيام تحيروا وتفرقت أراؤهم بين من يرى الرجوع إلى أهله وبين من يرى أن لا يستدبر الكعبة حتى يحج ولو بعد أعوام وكان الشيخ محمد حَبَّ ممن يرى أن يقيم حتى يجد سبيلا إلى مكة ولو بعد حين فرجع من رجع وبقي هو في طائفة ترى مثل رأيه فبينماهم جلوس ذات يوم يتحدثون ويذكرون أمور الحج إذ قال لهم فيما حدثني به مشافهة إني إذا نظرت إلى وجه المرء علمت ما يكون منه من الحج وعدمه فبادر إليه شاب من السنغال ذو قوة وجدّة وثروة وحرص على إتيان مكة فقال له ما تقول فيّ ، فقال له إنك لن ترى مكة فحزن لذلك حزنا شديدا ، ثم قام إليه رجل من رفقته وهو محمد أحمد بن نَجِيٌّ المعروف باسم كَمَنْكَمَّا فقال له ما تقول فيّ فقال له إنك لا تدخل الباخرة وكان الناس إذ ذلك لا يعبرون البحر إلا بواسطة البواخر ولا يعرفون أن البحر يعبر بالطائرة ولكن لم يقل له مثل ما قال لأول وعصم الله لسانه من أن يصرح له بعدم إتيانه مكة ولم يخطر ببال أحد أن يصل المرء إلى مكة إلا بركوب الباخرة أما الرجل الذي قال له إنك لن ترى مكة فمرض بعد أيام قليلة ومات ، وأما الذي قال له إنك لا تدخل الباخرة فرجع إلى أهله ثم سافر في الطائرة وكان أو من ركب الطائرة من أهل البلد قال لي الشيخ محمد حَبَّ كنت جالسا في المسجد الحرام إذ دخل علي أخونا محمد أحمد فأشكل علي وصوله بعد ما تبين لي أنه لا يخل الباخرة فسألته كيف وصل فأخبرني أنه وصل بالطائرة ومن العجب أن ذلك الأخ حج أربع مرات وكلها في الطائرة ولم ير الباخرة حتى مات ولما قص علي القصة قلت له ما تقول فيّ فقال لي لا تشك أنك ستحج فقدر الله أن رافقته في الحج بعد ذلك بسنين . وله كثير من الكرامات غير هذه . مات عام ألف وثلاث مائة وثمانية وتسعين 1398هـ(2) .

قلت : له أيضا رحمه الله كتاب في تاريخ إولمدن سماه (إعلام أندية المُدن بملوك البواد إولمدن) ألفه جوابا لسؤال كل من محمد بن الخرير أمير كَلْ نَانْ وأبرضْ بن القاسم أمير إرِوِلَنْ . وقع الفراغ منه صحوة الأربعاء أول يوم رمضان عام 1397هـ .