168. مجد الدين الأنصاري التكرناتي السوقي

168. مجد الدين الأنصاري التكرناتي السوقي :
قال فيه الشيخ العتيق : وقفت له على أبيات ورسالة غريبة بليغة يخاطب بهما الشيخ أحمدُ بضم الدال بن مَكَّا من أهل تَنْغَ اكْلِ ، والرسالة آية في حسن الرصف والتنسيق تشهد على منشئها بأنه من أهل الأدب والتحقيق ، ولو تليت على الأصمعي أو ابن المقفع لأقر بأن صاحبها هو الفصيح المصقع ، وكذلك الأبيات لا بأس بها ولكنها دون الرسالة في البلاغة والمحسنات البديعية ، وحدثني من رأيتها بيده أن سببها وموجبها أنه توفي شيخ من حي منشئها فرثاه الشيخ أحمد بقصيدة وذكر فيها أن من خلف مثل فلان وفلان وفلان حتى سمى عددا من تلاميذه وأهل بيته لا ينبغي أن يقال مات ولا ينبغي لحي كان فيه مثل أولئك أن يجزع على من فات . ثم سمى الشيخ مجد الدين في آخر من سماهم فتأثر بذلك وأرسل إليه قصيدة أولها :
لله در عصابة أفتاني
حكم الوساوس أنهم فتاني

أهلا بهم بل مرحبا بقريضهم
وخصوصا أحمدُ سيد الفُتيان

أهلا به وبشعره وبنثره
وبوعظه المبري من الأشجان

شعر كأن حروفه منحوتة
من معدن الياقوت والمرجان

سجعاته تلهيك عن فجعاته
حلو ومر فيه يجتمعان

والأذن ضاحكة بلذة سمعه
وبوقعه العينان تنهملان


إلى أن قال :
من أنها أخذت تعد فتى فتى
أعيان حيي نعم من أعيان

حتى أتت بابي لأخر سيرها
وأنا الكفيئ لها وغير ثان

هلا سألت القوم يا ابن أحمد
إن كنت جاهلة رفيع مكاني

إلى آخر القصيدة . ثم بعد ذلك بلغ الشيخ مجد الدين أن الشيخ أحمدُ بن مَكَّا لما سمع قوله في القصيدة النونية :
وكذاك أبو الصقر العريف أحمد بـ
ـن السيد الهادي وحيد زمان


قال : إن هذا اللبيت غير متزن ، وقد بقي منه حرف واحد .ثم بلغه أيضا أنه لم سمع قوله في بيت آخر " ما قط يفترقان " قال أي أحمد أن هذا أيضا لحن آخر لأن " قط " لا تدخل على المضارع ، فأنشد مجد الدين قصيدة أخرى أولها :
يا قوم ما لكم لقد فاجأني
ما لست أرقب وقعه إذ جاني

أنعستم أم قد غفلتم عنه ..
لم يلجكم للورع ما ألجاني

إني سبكت قصيدة ذهبية
رصعتها بالدر والمرجان

فرففتها أرجو الها الترحيب من
من تعتريه بدون ضيق لبان

وسحبته يطوي الصحيفة
مثنيا ، متعاميا عن مثلب الإخوان

مثل الذي عاملته لما أتى
منه قريض أخي مراثي حان

رقصته طربته مع أنه
لم يبلغ المسموع بالآذان

لكن بعين السخط يظهر منه
وأنا نظرت بمقلة الرضوان

لا غرو يرشح كل قدح بالذي
هو فيه من مر ومن حلوان

يا معشر الشعراء يا صناعه
ورواة شعر العرب بالإتقان

ها إنني لكم سأنشد ناظما
تقطيع ما قد عيب بالنقصان

متافعل متفاعل متفاعل
وكذلك الباقي هما سيان


مر إلى أن قال :
وسمعت أن قد عبت قول براعتي
وسليقتي ما قط يفترقان

أجهلت أن معاني الألفاظ في الـ
ألفاظ مثل الروح في الأبدان


إلى أن قال :
قسما لئن حركت بي شفتيك من
بعد الذي أرسلت في ذا الآن


هذا ما بقي بيدي بعد ضياع كتبي وضاع أكثره ، والرسالة العجيبة التي قرنها بها وأودعها من العبارات الأدبية ما يقضي منه العجب وعسى أن يظفر بها بعض المفتشين للكتب فيما بعد(2) .