|
منتدى المصطلحات يهتم بالمصطلحـــــــــــات و معانيها |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||||||
|
||||||||
النص الشرعي : مفهومه و فهمه
النص الشرعي : مفهومه و فهمه
الكاتب : العلامة الدكتور عبد الهادي الفضلي النص الشرعي : مفهومه و فهمه يستقي البحث مادته العلمية من دراسات أصول الفقه و محتويات تاريخ التشريع الإسلامي و تطبيقات الفقه الاستدلالي و مواد الفقه الفتوائي . و قد اعتمدت في الرجوع إلى ذلك على مؤلفاتي الثلاثة في أصول الفقه و هي : " مبادئ أصول الفقه " و " دروس في أصول فقه الإمامية " و " الوسيط في الاجتهاد و قواعد دراسة النصوص الشرعية " . يحاول الباحث قدر الإمكان أن يلتزم المنهج العلمي العام و المنهج الأصولي الخاص مبتعداً ما وسعه الابتعاد عن تأثيرات المنهج الكلامي المألوف و المتبع في الدرس الأصولي و ذلك بغية أن يأتي البحث من حيث الإعداد و التعبير و العرض بمستوى متطلبات المعاصرة مع المحافظة على أصالة الفكر الأصولي و معطياته . مفهوم النص الشرعي : تستعمل كلمة " نص " في لغتنا العربية العلمية المعاصرة في المعنيين التاليين مما يلتقي و موضوع بحثنا هذا : 1 ـ اللفظ الذي لا يحتمل إلا معنى واحداً . بمعنى أنه لا يدل إلا على معنى واحد ، و من حيث الدلالة مقصور على هذا المعنى المعين ، و أن يكون إقتصاره على هذا المعنى المعين نافياً لاحتمال إرادة معنى آخر منه . و سمي مثل هذا اللفظ الدال على معنى واحد نصاً لأن النص في إحدى دلالاته الموروثة من قديم لغتنا هو التعيين و التحديد ، يقال : ( نص على الشيء نصاً : عيّنه و حدّده ) . و هذا المعنى لكلمة ( نص ) ـ و أعني به الدلالة على معنى واحد ـ معنى مولد أفادته اللغة العربية في العصر العباسي إبّان ازدهار الحركة العلمية عن طريق ترجمة علم المنطق . 2 ـ اللفظ مطلقاً ، أي بما يحمل من معنى واحداً أو أكثر من واحد كلمة أو كلاماً . و هو من الجديد المعاصر الذي أفادته لغتنا العربية نتيجة تقارضها مع اللغة الإنجليزية ، ففي الإنجليزية يقال enunciation ، و هي تعني المعنى المذكور ، و ترجمت إلى العربية بـ ( اللفظ ) و ( النطق ) و ( البيان ) و ( التعبير ) ، و كلها تعطي المعنى المذكور . و قد شاع استعمال كلمة ( النص ) في ( اللفظ ) شيوعاً ملحوظاً لاسيما في الأدبيات ، فأصبحنا نقول : ( نص أدبي ) و نعني به كلاماً أدبياً كجملة أو بيت شعر أو قطعة من نثر و إلخ ، و نقول ( نص علمي ) و نريد به كلاماً علمياً ، و ( نص فلسفي ) و هكذا . و منه أن أصبحنا نقول أيضاً : ( نص شرعي ) و ( نصوص شرعية ) فنطلق كلمة " نص " على الآية و على الرواية . و نلمس كثرة هذا الإطلاق و الاستعمال في كتبنا الفقهية المعاصرة في أمثال كتاب ( مستمسك العروة الوثقى ) لأستاذنا الفقيه السيد محسن الحكيم انظر على سبيل المثال : الجزء الأول من الطبعة الرابعة ـ سنة 1391 هـ : الصفحات التالية : 111 ففيها يقول بياناً لطهارة و مطهرية الماء المطلق : " ثم أنه لا تخلو النصوص الشريفة من الدلالة على طهارته و مطهريته " ، و 163 و 354 ففيها يقول مستدلاً على طهارة الدم المتخلف في الذبيحة : " كأنه لإطلاق بعض النصوص الواردة في بعض الموارد الخاصة " و 375 ، و غيرها . فالمراد من النص ـ هنا ـ الألفاظ الشرعية ، كلمة كانت أو كلاماً . و وصفت بـ ( الشرعية ) لتختص بما تلقيناه عن المشروع الإسلامي ، و يتمثل هذا في آيات القرآن الكريم و روايات السنة الشريفة ، و لا يتعدى منها إلى سواهما من أقوال و فتاوى الفقهاء إلا بشيء من التسامح في التعبير أو الاتساع في الكلام ، ذلك أن ما عدا الآيات و الروايات ما هو موجود في لغة و كتابة الفقهاء يوصف بالفقهي أو الفقهية ، فيقال ( نص فقهي ) و ( نصوص فقهية ) . و نخلص من هذا إلى أن المراد بالنص الشرعي : الكلام الصادر من المشرع الإسلامي لبيان التشريع . و ينحصر هذا في المصدرين الأساسيين للتشريع الإسلامي و هما : الكتاب و السنة . و مما تقدم تبين ـ و بوضوح ـ أن مواد النص الشرعي ، هي : ـ آيات الأحكام من القرآن الكريم . ـ روايات الأحكام من السنة الشريفة . فهي التي يتناولها الفقيه بالدراسة لاستفادة الحكم الشرعي منها . مدونات النص الشرعي : و قد ألف الفقهاء المسلمون في آيات الأحكام و روايات الأحكام جمعاً و دراسة الكثير من الكتب و الرسائل . و منها في آيات الأحكام : 1ـ أحكام القرآن ، الإمام الشافعي ( ت 204 هـ ) جمع الحافظ أحمد بن الحسين البيهقي النيسابوري الشافعي ( ت 458 هـ ) . 2ـ أحكام القرآن ، أحمد بن علي الرازي الجصاص ( ت 370 هـ ) . 3ـ أحكام القرآن ، ابن العربي ( ت 453 هـ ) . 4ـ أحكام القرآن ، الكياالهراسي ( ت 504 هـ ) . 5ـ فقه القرآن ، سعيد بن عبد الله الراوندي ( ت 573 هـ ) . 6ـ كنز العرفان في فقه القرآن ، المقداد بن عبد الله السيوري ( ت 826 هـ ) . 7ـ زبدة البيان في شرح آيات أحكام القرآن ، أحمد بن محمد الأردبيلي ( ت 993 هـ ) . 8ـ آيات الأحكام ، محمد بن علي الاستر آبادي ( ت 1028 هـ ) . 9ـ قلائد الدرر في بيان آيات الأحكام بالأثر ، أحمد بن إسماعيل الجزائري ( ت حدود 1150 هـ ) . و في روايات الأحكام : 1ـالكافي ( الفروع ) ، محمد بن يعقوب الكليني ( ت 329 هـ ) . 2ـ من لا يحضره الفقيه ، محمد بن علي بن بابويه الصدوق ( ت 381 هـ ) . 3ـ السنن الكبرى ، أحمد بن الحسين البيهقي ( ت 458 هـ ) . 4ـ تهذيب الأحكام ، محمد بن الحسن الطوسي ( ت 460 هـ ) . 5ـ عمدة الأحكام ، عبد الغني المقدسي ( ت 600 هـ ) . 6ـ منتقى الأخبار في الأحكام ، عبد السلام الحراني ( ت 652 هـ ) . 7ـ الإلمام في أحاديث الأحكام ، ابن دقيق العيد ( ت 702 هـ ) . 8ـ بلوغ المرام من أدلة الأحكام ، ابن حجر العسقلاني ( ت 852 هـ ) . 9ـ الوافي ، محمد محسن الفيض الكاشاني ( ت 1091 هـ ) . 10ـ وسائل الشيعة في أحكام الشريعة ، محمد بن الحسن الحر العاملي ( ت 1104 هـ ) . 11ـ مستدرك الوسائل ، حسين بن محمد تقي النوري ( ت 1320 هـ ) . 12ـ جامع أحاديث الشيعة ، لجنة من العلماء المعاصرين . عوامل الاجتهاد في دراسة النص الشرعي : اصطلح العلماء المسلمون على تسمية دراسة النصوص الشرعية بغية استنباط الأحكام الشرعية منها باسم ( الاجتهاد ) ، و هو أن يبذل الفقيه قصارى طاقته الفكرية في دراسة النص الشرعي بحثاً عن الحكم الذي يحمله النص في طياته وفق القواعد العلمية المشروعة و ما يمتلكه من خلفيات ثقافية تساعده على ذلك . و طبيعة النصوص الشرعية هو الذي فرض الاجتهاد ، و أهم العوامل التي دفعت لذلك هي : 1ـ إن القرآن الكريم انتهج في أسلوب بيانه ظاهرة الكتاب الإلهي المقدس ، تلك الظاهرة التي امتدت مع الإنسان منذ صحف إبراهيم ( عليه السلام ) حتى قرآن محمد ( صلى الله عليه و آله ) ، و التي تمثلت في الأسلوب الخطابي المتوافر على عناصر الدعوة إلى الله تعالى . و ذلك لأن الهدف الأساسي للكتب الإلهية المقدسة هو الدعوة إلى الله تعالى ، و الأسلوب المناسب للدعوة هو الأسلوب الخطابي لأنه الأسلوب الذي يقتدر بما يمتلك من إثارة مؤثرة و شحن عاطفي مثير على مخاطبة العقل عن طريق القلب . و جميع ما يذكر من شؤون أخرى إنما تذكر لأن لها علاقة بالدعوة إلى الله تعالى . و من هنا لم تذكر الأحكام الشرعية إلا في سياق السور أو سياق الآيات ، أي أنها لم تجمع في سورة واحدة أو موضع واحد . و أكثر من هذا : لم تجمع الآيات للموضوع الواحد في موضع واحد ، و ذلك التزاماً بظاهرة الكتاب الإلهي المقدس . فقد تنزل الآية لبيان الحكم بشكل مباشر كما في آية الصوم : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [1] ، و قد تنزل إنكاراً لمنكر قائم فيفهم منها الحكم بمعونة القرينة كما في آية الربا المضاعف ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً ... ﴾ [2] ، و آية المؤودة ﴿ وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ ﴾ [3] ، و قد يأتي الحكم متدرجا ًو لا يفهم تدرجه إلا بعد تجميع ما نزل فيه من آيات و دراستها دراسة مقارنة في هدي ما أحاط بها من قرائن أفادت التدرج كما في عقوبة الزنا فقد كانت في البدء الإيذاء عن طريق التوبيخ و التحقير ﴿ وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ﴾ [4] ثم صارت ـ بعد هذا ـ الإمساك في البيوت ﴿ وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً ﴾ [5] ، و أخيراً استقرت العقوبة على الجلد أو الرجم ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ ... ﴾ [6] . و قد يحرّم الفعل بأسلوب الجملة ذات الدلالتين المنطوقية و المفهومية كما في قوله تعالى ﴿ ... فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ ... ﴾ [7] المستفاد منها حرمة التأفيف منطوقاً و حرمة ما هو أشد منه مفهوماً . و قد تختلف القراءة فيختلف الحكم باختلافها كما في قوله تعالى ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ ... ﴾ [8] حيث قرئت عبارة ( يطهرن ) بالتخفيف الذي يعطي ظهورها في معنى النقاء من دم الحيض ، و بالتشديد الذي يعطي ظهورها في معنى الاغتسال من الحيض . و هذا الاختلاف بين القراءتين يكون مدعاة بطبيعة الاختلاف بين الظهورين المذكورين إلى الاختلاف في استفادة حكم وطئ المرأة بعد النقاء من دم الحيض و قبل اغتسالها . فعلى قراءة التخفيف يستفاد جواز الوطء قبل الغسل ، و على قراءة التشديد يستفاد المنع من الوطء قبل الغسل . كل هذا يجعل الاجتهاد أمراً لا بد منه ، لأن استخلاص الحكم في ضوء ما ذكرت من أسلوب و ملابساته لا يتأتى و لا يتحقق إلا عن طريق الاجتهاد . و الشأن في السنة الشريفة لا يختلف عما هو في القرآن من حيث الاختلاف و الحاجة بسببه إلى الاجتهاد . و من أمثلة ذلك في السنة القولية : ( من جدّد قبراً أو مثّل مثالاً فقد خرج عن الإسلام ) . فقد روي ( جدد ) بالجيم المعجمة ، و يعني : تجديد بناء القبر بعد اندراسه . و روي ( حدد ) بالحاء المهملة ، و يعني : تسنيم القبر . و روي ( خدد ) بالخاء المعجمة ، و يعني : شق القبر . و روي ( جدث ) بالجيم المعجمة من أوله ، و الثاء الثلاثية من آخره ، و يعني : جعل القبر المدفون فيه ميت قبراً لميت آخر . فإن كل واحد من هذه المعاني المذكورة يتدخل في تحديد معنى الحكم . و كما في الحديث التالي : ( قلت : و يسيل عليّ ماء المطر أرى فيه التغير و أرى فيه آثار القذر فتقطر القطرات عليّ و ينتضح عليّ منه و البيت يتوضأ على سطحه فكيف على ثيابنا ؟ قال ( عليه السلام ) : ما بذا بأس ، لا تغسله ، كل شيء يراه ماء المطر فقد طهر ) . هكذا نقل هذا الحديث الشريف في بعض نسخ ( الكافي ) و نقل في نسخ كتاب ( الكافي ) الأخرى و كتاب ( الحدائق ) و كتاب ( الوسائل ) هكذا ( قلت : و يسيل عليّ من ماء المطر . . . ) فإن ما يعطيه الحديث حسب النقل الأول هو أن ماء المطر أخذ يقطر على الرجل ، و ما يعطيه الحديث حسب النقل الثاني هو أن ماء المطر أخذ يسيل على الرجل و يجري من الميزاب عليه . و هما معنيتان مختلفان نشأ من ذكر ( من ) في الحديث و عدم ذكرها و من الأمثلة في السنة الفعلية : الاختلاف بين المسلمين في كيفية الوضوء و كيفية التيمم ، و هكذا . كما أن فهم معاني التشريع و دلالات ألفاظ النصوص الشرعية ، سواء كان ذلك في الآيات أو الروايات يتطلب فهم لغة عصر التشريع تراكيب و مفردات و أسلوب بيان . و كذلك لأن أكثر الروايات التي وصلت إلينا كانت أجوبة لأسئلة من أناس يختلفون في بيئاتهم من حيث الشؤون الاجتماعية و الثقافية مما يستلزم فهمها و فهم شخصية السائل من حيث المستوى الثقافي . كل ذلك و أمثاله كان مدعاة للزوم الاجتهاد و في الوقت نفسه هو مدعاة لأن تقوم وظيفة الاجتهاد و ممارسته على أساس من العمل المعمّق في البحث و التدقيق و بذل أقصى الطاقة في الاستقصاء و التحقيق . يقول أستاذنا السيد محمد باقر الصدر في بيان ( كيف نشأت الحاجة إلى الاجتهاد ) من مقدمة كتابه ( الفتاوى الواضحة ) بما يلقي الضوء على أهمية الاجتهاد : " و المصدر الأساس للشريعة هو الكتاب الكريم و السنة الشريفة ، و لو كانت أحكام الشريعة قد أعطيت كلها من خلال الكتاب و السنة ضمن صيغ و عبائر واضحة صريحة لا يشوبها أي شك أو غموض لكانت عملية استخراج الحكم الشرعي من الكتاب و السنة ميسورة لكثير من الناس ، و لكنها في الحقيقة لم تعط بهذه الصورة المحددة المتميزة الصريحة ، و إنما أعطيت منثورة في المجموع الكلي للكتاب و السنة و بصورة تفرض الحاجة إلى جهد علمي في دراستها و المقارنة بينها ، و استخراج النتائج النهائية منها ، و يزداد هذا الجهد العلمي ضرورة ، و تتنوع و تتعمق أكثر فأكثر متطلباته و حاجاته كلما ابتعد الشخص عن زمن صدور النص و امتد الفاصل الزمني بينه و بين عصر الكتاب و السنة بكل ما يحمله هذا الامتداد من مضاعفات ، كضياع جملة من الأحاديث و لزوم تمحيص الأسانيد و تغير كثير من أساليب التعبير و قرائن التفهيم و الملابسات التي تكتنف الكلام و دخول شيء كثير من الدس و الافتراء في مجاميع الروايات ، الأمر الذي يتطلب عناية بالغة في التمحيص و التدقيق ، هذا إضافة إلى أن تطور الحياة يفرض عدداً كثيراً من الوقائع و الحوادث الجديدة التي لم يرد فيها نص خاص فلا بد من استنباط حكمها على ضوء القواعد العامة ، و مجموعة ما أعطي من أصول و تشريعات . كل ذلك و غير ذلك مما لا يمكن استيعابه في هذا الحديث الموجز جعل التعرف على الحكم الشرعي في كثير من الحالات عملاً علمياً معقداً و بحاجة إلى جهد و بحث و عناء و إن لم يكن كذلك في جملة من الحالات الأخرى التي يكون الحكم الشرعي فيها واضحاً كل الوضوح " . فالاجتهاد الفقهي هو الوسيلة التي يتوصل إلى الحكم الشرعي بواسطتها و عن طريقها حيث تنصب على دراسة النص الشرعي بحثاً عن الحكم . أهداف دراسة النص الشرعي : يتمثل الغرض من الاجتهاد الفقهي و دراسة النص الشرعي بالتالي : 1 ـ معرفة الأحكام الشرعية التي كلّف الله تعالى عباده بها بمالها من شمولية تعم جميع مجالات حياتهم فردية و اجتماعية . 2 ـ إن الدين الإسلامي يختلف عن الأديان الأخرى بما يتمتع به من استمرارية مع هذه الحياة حتى نهايتها . و الحياة ـ كما هو معلوم بالبداهة ـ في تطور مستمر ، تستجد فيها أمور و تنتهي أخرى ، و تتغير فيها شؤون من حال لأخرى . و كل هذا تحتاج إلى الوسيلة التي تلتمس لها الأحكام الشرعية المناسبة عن طريقها ، و ليست هي إلا الاجتهاد . محاور دراسة النص الشرعي : و محاور البحث في النصوص الشرعية أو قل : الموضوعات التي يتناولها الفقيه و الباحث الفقهي بالدراسة توخياً للوصول إلى الحكم الشرعي تتمثل بالتالي : 1 ـ إسناد النص . 2 ـ دلالة النص . أ ـ في القرآن الكريم : في إسناد القرآن الكريم لا يحتاج الفقيه إلى دراسة لإثبات أنه صادر عن الله تعالى ، لثبوت ذلك بالضرورة الدينية عند المسلمين . و عليه : تقتصر دراسة الآية باعتبارها نصاً شرعياً على محاولة فهم دلالتها . ب ـ و في السنة الشريفة : يقسم علماء الفقه و كذلك علماء الحديث سند الرواية إلى قسمين : ما هو مقطوع بصدروره عن المعصوم و ما هو مظنون الصدور . و يعبرون عن الأول ـ غالباً ـ بقطعي الصدور ، و عن الثاني بظني الصدور . و يقسمون القطعي منهما إلى قسمين : 1 ـ الحديث المتواتر . 2 ـ الحديث المقترن بما يفيد القطع بصدوره . وكلا القسمين لا يحتاج الباحث الفقهي معهما لإثبات مشروعية العمل بهما عن طريق إثبات صدروهما عن المعصوم ، لأن القطع ( اليقين ) حجة بذاته ، و ثبوت حجيته بديهي و بالوجدان ، و مع الوجدان لا نفتقر إلى البرهان . و يقسمون الظني إلى قسمين أيضاً : 1ـ الخبر المعتبر : و هو الخبر الظني الذي قام الدليل على اعتباره شرعاً ، و صحة العمل به . و يصطلح عليه أصولياً بـ ( خبر الثقة ) . 2 ـ الخبر غير المعتبر : و هو الذي لم يقم الدليل على اعتباره . و يصطلح عليه أصولياً بـ ( الضعيف ) بمختلف أنماطه . و في ضوء ما تقدم يتمثل محور البحث في إسناد النص في ما اصطلح عليه بـ ( خبر الثقة ) . و ذلك لأن أقصى ما تفيده و ثاقة الخبر ، الظن بصدوره عن المعصوم ، و الظن بالصدور يقابله احتمال عدم الصدور ، و هذا الاحتمال يتطلب إثبات اعتبار الظن المقابل له شرعاً ، و صحة الركون إليه . من هنا لا بد من التماس الدليل على ذلك . استدلوا لذلك بدليلين ، هما : 1 ـ القرآن الكريم : و ذلك في مثل الآية الكريمة ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [9]. ببيان أن الله تعالى أوجب التبين ( التثبت ) في قبول خبر الفاسق ، و لازم هذا قبول خبر الثقة ، لأن التبين الذي أمر الله به جاء بسبب فسق المخبر ، و هذا يعني أنه إذا لم يكن المخبر فاسقاً لا يجب التبين في قبول خبره . و نتيجة هذا : جواز الاعتماد على خبر الثقة ، و العمل على و فقه . 2 ـ سيرة المتشرعة : و المراد بها سيرة المسلمين القائمة على سيرة الناس ، المعبّر عنها في لغة أصول الفقه بـ ( سيرة العقلاء ) و ( بناء العقلاء ) الموثقة من قبل المشرع الإسلامي . و قد رأينا ـ فيما تقدمه ـ أن المشروع الإسلامي قد أقر هذه السيرة ( سيرة الاعتماد على خبر الواحد ) و لكن بعد تهذيبها باشتراط أن يكون الراوي ثقة ، فولّد بهذا الشرط من سيرة العقلاء سيرة خاصة بالمسلمين و هي المصطلح عليها بسيرة المتشرعة . و الطريق إلى معرفة وثاقة الرواة هو الرجوع إلى كتب و موسوعات علم الرجال و الجرح و التعديل ، أمثال : 1 ـ التاريخ في رجال الحديث ، محمد بن إسماعيل البخاري ( ت 256هـ ) . 2 ـ الضعفاء ، له أيضاً . 3 ـ الضعفاء و المتروكين ، أحمد بن شعيب النسائي ( ت 303هـ ) . 4 ـ الكنى و الأسماء ، محمد بن أحمد الدولابي ( ت 320هـ ) . 5 ـ الجرح و التعديل ، ابن أبي حاتم الرازي ( ت 327هـ ) . 6 ـ الثقات من الصحابة و التابعين و أتباع التابعين ، محمد بن حبان البستي ( ت 354هـ ) . 7 ـ اختيار معرفة الرجال ، رجال الكشي : محمد بن عمر بن عبد العزيز ( ق4 ) . 8 ـ رجال النجاشي : أحمد بن علي بن العباس ( ت 450هـ ) . 9 ـ رجال الطوسي : محمد بن الحسن ( ت 460هـ ) . 10 ـ الضعفاء ، ابن الغضائري : أحمد بن الحسين بن عبيد الله ( ق5 ) . 11 ـ معالم العلماء ، ابن شهراشوب : محمد بن علي السروي ( ت 588هـ ) . 12 ـ الفهرست ، منتجب الدين بن بابويه ( ق6 ) . 13 ـ الرجال ، ابن داود الحلي : الحسن بن علي ( ت 707هـ ) . 14 ـ خلاصة الأقوال ، العلامة الحلي : الحسن بن يوسف ( ت 726هـ ) . 15 ـ تهذيب الكمال ، يوسف المزي ( ت 742هـ ) . 16 ـ الكاشف في أسماء الرجال ، محمد بن أحمد الذهبي ( ت 748هـ ) . 17 ـ ميزان الاعتدال في نقد الرجال ، له أيضاً . 18 ـالمشتبه في أسماء الرجال ، له أيضاً . 19 ـ التكميل في معرفة الثقات و الضعفاء و المجاهيل ، ابن كثير : إسماعيل بن عمر ( ت 774هـ ) . 20 ـ لسان الميزان ، ابن حجر العسقلاني : أحمد بن علي ( ت 852هـ ) . 21 ـ التحرير الطاووسي ، الحسن بن زين الدين العاملي ( ت 1011هـ ) . 22 ـ منهج المقال ، محمد بن علي الاسترابادي ( ت 1028هـ ) . 23 ـ جامع المقال ، فخر الدين الطريحي ( ت 1085هـ ) . 24 ـ مجمع الرجال ، عناية الله القهبائي ( ق11 ) . 25 ـ نقد الرجال ، الأمير محمد التفريشي ( ق11 ) . 26 ـ جامع الرواة ، محمد بن علي الأردبيلي ( ق12 ) . 27 ـ اتقان المقال ، محمد طه نجف ( ت 1323هـ ) . 28 ـ تنقيح المقال ، عبد الله المامقاني ( ت 1351هـ ) . 29 ـ معجم رجال الحديث ، أبو القاسم الخوئي ( ت 1413هـ ) . 30 ـ قاموس الرجال ، محمد تقي التستري ( ت 1415هـ ) . و الخلاصة : إن المطلوب من الفقيه و الباحث الفقهي التأكد من وثاقة سند الحديث و يتمثل هذا بالخطوات التالية : أـ التأكد من تواتر الحديث وفق ما يتبناه الفقيه في تحديد مبدأ التواتر . ب ـ التأكد من أن القرائن التي تحيط بالحديث تفيد القطع بصدوره . ج ـ و بالنسبة للحديث الذي لم يقطع بصدوره عليه : 1 ـ أن يدرس أحوال رواته وفق متبنياته التي يفيدها من بحثه في تقييمات و تقويمات علماء الرجال . 2 ـ أن يتأكد من أن القرائن المحيطة بالنص تفيد الوثوق بصدوره عن المعصوم في إطار ما يمتلكه الفقيه من خلفيات ثقافية تساعد على ذلك . دلالة النص : تقدم أن دراسة سند النص الشرعي يقتصر فيها على سند الحديث فلا تشمل سند القرآن الكريم لأن صدوره عن الله تعالى ثابت بالضرورة الدينية عند المسلمين . أما هنا فالدراسة تعمم دلالة الآية و دلالة الرواية ، و الدلالة هنا : ـ قد تكون نصاً في المعنى الذي تدل عليه . ـ و قد تكون ظاهرة فيه . و الفرق بين الدلالة النصية و الدلالة الظهورية هو : ـ إن الدلالة النصية هي دلالة تعيين بمعنى أن اللفظ لا يدل إلا على معنى واحد و لا تحتمل دلالته على غيره . فالمعنى المدلول عليه متعين . و هكذا دلالة ، لا يحتاج الفقيه معها إلى أكثر من التأكد من أن اللفظ نص في معناه لا يدل على سواه . و هذا كما في دلالة كلمة ( أبداً ) على معنى التأبيد من الآية الكريمة : ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [10] ففي هذه الآية الكريمة يستفاد من كلمة ( أبداً ) حرمة قبول شهادة الذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء حرمة مؤبدة ، وذلك لانحصار كلمة ( أبداً ) في الدلالة على التأبيد و الاستمرار ، لأنها نص في معنى التأبيد . ـ أما الدلالة الظهورية فتعني أن اللفظ يدل على أكثر من معنى إلاّ أن دلالته على أحدها أظهر و أبين . و لهذا : على الفقيه و هو يلتمس الحكم من ظواهر الألفاظ أن يقوم بالخطوتين التاليتين : أ ـ أن يتأكد من أن الدلالة ظهورية و ليست نصية و لا احتمالية . ب ـ أن يثبت أن الظواهر اللفظية يصح الاحتجاج بها شرعاً ، بمعنى أنه يسوغ للفقيه الاعتماد عليها و الاستناد إليها في محاولة استفادة الحكم الشرعي . وقد عنون علماء أصول الفقه هذا الموضوع بـ ( حجية الظهور ) لأنهم يبحثون فيه عن مشروعية الأخذ بظواهر الألفاظ و الركون إليها في استفادة الحكم الشرعي منها . و استدلوا على أن ظهورات الألفاظ حجة من ناحية شرعية بـ ( سيرة العقلاء ) الموثقة من قبل المشرع الإسلامي . بتقريب أن الاستقراء قد أفادنا بأن الأخذ بظواهر الألفاظ ظاهرة لغوية ـ اجتماعية ، عامة ، أي أنها موجودة في كل لغات العالم و في جميع مجتمعات البشر ، و لم يعهد من المشرع الإسلامي عدم توثيقها بل المعهود منه السير بسيرة الناس في الاعتماد على هذه الظاهرة . و هنا ليس على الفقيه بعد تبنيه لهذه القاعدة ( قاعدة الظهور ) عن طريق اجتهاده في المسألة إلا التأكد من النص الذي يريد أن يستدل به أو يستنبط الحكم منه من أنه من مصدايق هذه القاعدة و واحد من جزئياتها . و إلى هنا لا بد من التساؤل : ما هو المعنى الظاهر الذي هو محور البحث في الدلالة الظهورية ؟ إن الإجابة عن هذا السؤال توقفنا على أهم سبب للاختلاف في اجتهادات الفقهاء . و الإجابة أن للمعنى ثلاثة وجودات ، هي : 1 ـ وجوده في الواقع الموضوعي ، المصطلح عليه ـ فلسفياً ـ بـ ( الواقع الخارجي ) لأنه خارج الذهن . و هذا الوجود هو حقيقة الشيء و واقعه . 2 ـ وجوده في الذهن ، المصطلح عليه ـ فلسفياً ـ بـ ( الوجود الذهني ) . و هذا الوجود هو الصورة التي ترسم في الذهن للمعنى الموجود في الواقع الخارجي . و هذه الصورة قد تطابق المعنى الموجود في الواقع للخارجي مطابقة كاملة و قد تطابقه من بعض الوجوه و تخالفه من وجوه أخرى ، و قد تخالفه مخالفة كاملة . 3 ـ وجوده في اللفظ ، المصطلح عليه بـ ( الوجود اللفظي ) . و هذا الوجود هو انعكاس للمعنى الموجود في الذهن . و إلى هنا : أمامنا معنيان : المعنى الخارجي و المعنى الذهني ، فأيهما الذي يدل عليه اللفظ ، ليكون محور البحث في مسألتنا هذه . و بتعبير آخر : أي المعنيين هو المعنى الظاهر للفظ و الذي يبحث الفقيه عنه و فيه ؟ إن المعنى المقصود لنا هنا ( في دلالة الألفاظ ) هو المعنى الذهني ، و هو الذي يتعامل معه الفقيه في استفادة الحكم منه و في ترتيب الآثار العلمية و الشرعية عليه . يقول ابن سينا في كتابه ( الشفاء ) : " و معنى دلالة اللفظ : أن يكون إذا ارتسم في الخيال مسموع اسم ارتسم في النفس ( يعني في الذهن ) فتعرف النفس أن هذا المسموع لهذا المفهوم ، فكلما أورده الحس على النفس التفتت إلى معناه " . فمعنى المعنى : هو المفهوم المرتسم في الذهن كصورة للمعنى الموجود في الواقع خارج الذهن . و يعبّر عنه بـ ( المفهوم ) و ( الفكرة ) و ( المعنى ) . و بسبب أن صورة المعنى الخارجي المرتسمة في الذهن قد تطابق المعنى الخارجي و قد تشابهه من بعض الوجوه و قد تخالفه ينشأ الاختلاف في فهم المعنى الظاهر بين الفقهاء ، و يكون مدعاة للاختلاف في الحكم المستفاد منه . و لنأخذ مثالاً ميسوراً للجميع هو فيما إذا قيل : يكره الاشتراك في المنديل الواحد . فقد يستظهر بعضهم من كلمة ( الاشتراك ) في المنديل الواحد أن يمسك كل من الشخصين المتمندلين بطرف من المنديل و ينشف يديه من غسلهما بعد الأكل . و يستظهر آخر أن الاشتراك يتحقق في الصورة المذكورة و يتحقق أيضاً حتى بتمندل كل منهما الواحد بعد الآخر . و مثله ما لو قلت ( اتخذ من هذا الرغيف عشاءك ) فقد يُستظهر منه أن للمخاطب أن يأكل الرغيف كله ، و له أن يتناول منه كفايته ، أي بعضه . طريقة فهم الظهور : إن المستفاد من أبحاث الفقهاء و تجاربهم العلمية النابعة من تعاملهم مع النصوص الشرعية بغية استنباط الحكم الشرعي منها هو أن لديهم طريقتين لفهم ظهورات الألفاظ ، أو قل لفهم المعنى الظاهر من النص الشرعي ، و هما : ـ الفهم العلمي . ـ الفهم العرفي . و قبل محاولة إيضاح فحوى كل من الطريقتين نمهد ببيان ما تتوقف عليه الدلالة اللغوية لنعيّن معناها المتوخى من استخدامها فنقول : إن الإنسان عندما يستخدم الكلام لإبراز ما في نفسه من معاني يروم إيصالها للمتلقي سامعاً أو قارئاً عبر الألفاظ و بواسطة العلاقة القائمة بينها و بين المعاني ، تلك العلاقة المصطلح عليها بالدلالة يتوقف تبيين و تعيين المعنى الذي يهدف إليه المتكلم على شيئين ، هما : 1 ـ الوضع أو الاستعمال : و يراد به أن يكون اللفظ موضوعاً من قبل أهل اللغة للمعنى أو مستعملاً فيه من قبلهم . و أن يكون كل من المتكلم و المتلقي عالمين بذلك الوضع أو الاستعمال ، و عارفين به . 2 ـ القصد : و يراد به أن يكون المتكلم قاصداً للمعنى . و الذي يدلنا على الوضع ( أي أن هذا المعنى هو الذي وضع اللفظ له ) . و بتعبير آخر : على أن هذا اللفظ هو اللفظ الذي قامت علاقة الدلالة بينه و بين المعنى . إن الذي يدلنا على هذا هو قاعدة الظهور . و الذي يدلنا على تحديد و تعيين قصد المتكلم هو قواعد تشخيص مرادات المتكلمين . و الطريق الذي سلكه الفقهاء إلى معرفة الظهور ، أي إلى معرفة أن هذا اللفظ ظاهر في هذا المعنى دون غيره من المعاني تمثل فيما ذكرناه مما أسميناه بالفهم العلمي و الفهم العرفي . الفهم العلمي : و نعني به استخدام القواعد العلمية لمعرفة الظهور ، تلكم القواعد المرتبطة بفهم معطيات تركيب الألفاظ ، كلمة و كلاماً ، و هي : ـ قواعد علم الأصوات . ـ قواعد علم الصرف . ـ قواعد علم النحو . ـ قواعد علم البلاغة . ـ قواعد علم الأسلوب . ـ قواعد علم اللغة العام . ـ قواعد الدلالة و المعجم . و يضيف إليها الفقهاء نظريات الفلسفة القديمة و الإسلامية و مبادئ علم الكلام و ضوابط علم المنطق اليوناني و ما إليها من عقليات . أي إن النص الشرعي يُدرس في ضوء . أو هدي هذه القواعد العلمية ، و عن طريقها يتوصل الفقيه و الباحث الفقهي إلى دلالة و مدلول النص الشرعي و من ثم يستخلص الحكم منه . و هذا اللون من الفهم هو ما يعرف الآن في علم النقد الأدبي الحديث بالدراسة البنيوية structuralism نسبة إلى البنية ( بنية النص ) التي تعني هيئته و تركيبه ، و من هنا عبّر عنها بعضهم بالبنائية نسبة إلى بناء النص أي بنيته و عبّر عنها آخرون بالتركيبية نسبة إلى تركيب النص أي بنيته . و عادةً يبحث في النص في إطار هذه الدراسة مجرداً من علائقه و قرائنه في الواقع الموضوعي ( الخارجي ) الذي انبثق فيه و منه . و من هنا هي ـ في واقعها ـ دراسة داخلية ، أي إن نتائجها تستفاد من داخل النص من تركيبه عن طريق دلالة المفردات و دلالة نظمها في سلك التركيب . الفهم العرفي : و نعني به فهم دلالة النص و تعيين مدلوله من خلال معرفتنا لكيفية تعامل العرف ( و هم أبناء المجتمع ) معه . أو قل : نفهم معنى النص من القرائن الاجتماعية المحيطة به و الملابسات الأخرى التي لها ارتباط به . و يعرف هذا اللون من الدراسة في الدرس الأدبي الحديث بالدراسة البيئية ، نسبة إلى البيئة Environment ، حيث يدرس النص في إطار معالم بيئته الحضارية ، ثقافية و اجتماعية . و هي ـ كما هو واضح ـ دراسة خارجية ، في هدي ما يفهمه العرف من النص . و الخلاصة : إن الموقف الفقهي من السلوك إلى معرفة معنى النص الشرعي يتمثل في التالي : 1 ـ الاعتماد على الدراسة الداخلية للنص بتطبيق القواعد العلمية عليه ، و الاقتصار على ذلك . أي إن الفقيه يعتمد على الصناعة العلمية فقط ، و من هنا نعتوه ـ في عصرنا هذا ـ بالفقيه الصناعي . 2 ـ الاعتماد على الدراستين معاً الداخلية و الخارجية . و في حالة حصول تنافٍ بين الدلالة البنيوية و الدلالة البيئية ، أو اختلاف بين الفهم العلمي و الفهم العرفي ، تقدم نتيجة الفهم العرفي على نتيجة الفهم العلمي ، و ذلك للسببين التاليين : 1 ـ أنه قد ثبت من الاستقراء لاستعمالات المشرع الإسلامي في خطاباته و حواراته أنه يسلك طريقة الناس ( العرف ) . 2 ـ أن استعمال العرف هو بمثابة القرينة ، و القرينة في حالة تعارضها مع صاحبها تقدم عليه لأنها مفسِّرة ، و المفسِّر يقدم على المفسَّر ، و هذا من القضايا الواضحة . و الذي يتحكم في هذا الفهم العرفي هو ما يمتلكه الفقيه من ذوق أدبي يوقفه على نكات التعبير و دقائق التركيب اللفظي . كما أن الذي يحكّم فيه هو ما يحمله الفقيه من حس اجتماعي يدرك به عرفيات النص التي يضيفها الاستعمال الاجتماعي على مغزاه و مؤدَّاه ، التي هي فوق القواعد و التي هي من نتائج الطريقة الاجتماعية ( العرفية ) في التعامل مع الصياغات الكلامية و دلالاتها . و من هنا نعت هذا الفقيه بالفقيه الذوقي . و أيضاً ـ وعلى أساس منه ـ ندرك أهمية و ضرورة اطّلاع الفقيه على حضارة عصور التشريع الإسلامي ، و بخاصة ما يرتبط منها بفهم دلالات النصوص الشرعية . كما لا بد في دراسة دلالة النص الشرعي من أن نتحرك داخل إطار المبدأ العام للتشريع الإسلامي الذي راعى فيه المشرع الإسلامي أن يلتقي دائماً و أبداً مع طبيعة الإنسان في تكوينه الجسدي و الروحي و النفسي و العقلي ، تلك الطبيعة التي عبّر عنها تعالى و تقدس بالفطرة ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [11] و داخل دائرة علاقاته الاجتماعية فرداً و أسرة و مجتمعاً و دولة ، وبها يحافظ على مقاصد الشريعة ، و هي : حفظ الدين و حفظ النفس و حفظ العقل و حفظ النسل و حفظ المال . و من الواضح أن الفقيه الذوقي هو الأقرب إلى طبيعة و واقع فهم النصوص الشرعية . و على أساس من هذا ـ و من غير ريب في ذلك ـ يفضل مثل هذا الفقيه على الفقيه الصناعي . و ينبغي أن يحتاط لذلك حتى في مجال التقليد و إناطة منصب الإفتاء العام . [1] القران الكريم : سورة البقرة ( 2 ) ، الآية : 183 ، الصفحة : 28 . [2] القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 130 ، الصفحة : 66 . [3] القران الكريم : سورة التكوير ( 81 ) ، الآية : 8 و 9 ، الصفحة : 586 . [4] القران الكريم : سورة النساء ( 4 ) ، الآية : 16 ، الصفحة : 80 . [5] القران الكريم : سورة النساء ( 4 ) ، الآية : 15 ، الصفحة : 80 . [6] القران الكريم : سورة النور ( 24 ) ، الآية : 2 ، الصفحة : 350 . [7] القران الكريم : سورة الإسراء ( 17 ) ، الآية : 23 ، الصفحة : 284 . [8] القران الكريم : سورة البقرة ( 2 ) ، الآية : 222 ، الصفحة : 35 . [9] القران الكريم : سورة الحجرات ( 49 ) ، الآية : 6 ، الصفحة : 516 . [10] القران الكريم : سورة النور ( 24 ) ، الآية : 4 ، الصفحة : 350 . [11] القران الكريم : سورة الروم ( 30 ) ، الآية : 30 ، الصفحة : 407 . |
07-06-2012, 12:25 PM | #3 | |||||||||
مراقب القسم الإسلامي
|
رد: النص الشرعي : مفهومه و فهمه
الأخ تغارجيه بارك الله فيه وأحسن إليه
بعد التحية الخالصة قرأت واستفدت ودعوت لك الله لكني تمنيت أن يكون النقل عن شيخ سني بدلا من شيعي اثني عشري لأسباب من أهمها: 1= اتفاقهم على تجريح الصحابة رضي الله عنهم ورأسهم الخلفاء الثلاثة أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم. 2= أن الله أغنانا بكتب أهل السنة عن النقل عنهم إلا في التحذير منهم والرد عليهم. ولا حاجة لنا إلى مسائلهم وإن كانت مثل هذه التي لا علاقة لها بعقائدهم الفاسدة ، وإن استشهد وأحال على كتب أهل السنة كالحال هنا . هذا رأيي . |
|||||||||
l |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 6 ( الأعضاء 0 والزوار 6) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
تعريف النمط ,,, | أبوعبدالله | منتدى المصطلحات | 1 | 10-19-2012 08:36 PM |