نثر الورود على الورد المحمود

الورد الحميد المسمى:
نثر الورود على الورد المحمود

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الله القائل: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ}.
{أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى* ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى}.
{أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ}.{حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}.
{وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}.
{وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الجِبَالَ طُولاً *كُلُّ ذَلكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً}.
إنه لما كانت العلاقة بين ابن آدم وبين طين لازب فيما تظاهرت به نصوص الكتاب والسنة، كان من الثابت وحياً صلة الإنسان بالتراب صلة لا ينبغي الغفلة عنها وإن كان ابن آدم ذا السِّنة.
على أن يكون تذكّره لذلك تذكّر اتعاظ واعتبار، وإن جرّ الذيل إلى الوفاء له بذكر مآثر تربته كان على سنن العلماء سادات الإحسان إلى طينتهم الأبرار.
أورد أبو الوليد بن الأحمر الأندلسي، ما ملخصه:

بلادي وإن شطت عليّ عزيزة * وقـــومي وإن شحوا عـــليّ كرام

ومن مروءة الرجل حنينه إلى وطنه، وقد حنّ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى مكة. إلى أن قال: (دع القلوب تقر) بعد ذكر قصة أصيل الغفاري في وصفه مكة لعائشة ـ رضي الله عنها ـ مع إيراده حديث: "اللهم حبب لنا المدينة كحبنا مكة أو أشدّ". إلى أن قال:
فواجب على الحر الطاهر أن يحنّ إلى وطنه في السر والظاهر، ويردد بالشوق العظيم، ويتأوه حزناً عليه ويكثر من تذكار الأوبة إليه . مضيفاً هذين البيتين ضمن أبيات قصيدة، هما:

يهيــج زفرتي تــذكار أرضــي * ويفجعــني ويستهـــمي الجفونا
حنـــيني ما حييت لها عظـــيم * وما بســـوى محبـــتها بُليـنا

نثير الجمان في شعر من نظمني وإياه الزمان 27.

***

وقال لسان الدين ابن الخطيب على وجه التلخيص لقوله: فمنهم من اعتنى بحوادث الزمان، ومنهم من اعتنى برجاله بعد اختيار الأعيان، وتوسعوا بحسب مادة الاطلاع وجهد الإمكان، وجنح إلى التخصيص الأولوية بحسب ما يخصه من المكان، ويلزمه من حقوق السكان، مغرماً برعاية عهود وطنه، وحسن العهد من الإيمان، بادئاً بمن يعول كما جاء في الطرق الحسان. فتذكرت جملة من أفرد لوطنه تاريخاً هزّ إليها ـ علم الله ـ وفاء وكرم ودار عليها: كتاريخ مدينة بخارى لأبي عبد الله الفخار، وتاريخ أصفهان لأبي نعيم ، وتاريخ نيسابور للحاكم، وتاريخ همزان، وتاريخ طبقات أهل شيرزان، وتاريخ هراة، وتاريخ سمرقند، وتاريخ نسف، وتاريخ الرقة، وتاريخ بغداد، وتاريخ واسط، وتاريخ حمص، وتاريخ دمشق، وتاريخ مكة، وتاريخ المدينة، وتاريخ الإسكندرية، وتاريخ تونس، وتاريخ بجاية، وتاريخ تلمسان، وتاريخ فاس، وتاريخ بلنسية، وتاريخ البيرة، وتاريخ مالقة، وتاريخ شقور، وتاريخ قرطبة، وتاريخ أشبونة ..
جارّاً ابن الخطيب ذيله، قائلاً: فداخلني عصبية لا تقدح في دين ومنصب، وحمية لا يندم في مثلها متعصب. الإحاطة في أخبار غرناطة 80-83 مكتبة الخانجي بالقاهرة انتهى الغرض من النقل النفيس تلخيصاً.

***

وإلى هنا يتلخص قول صاحب هذه الأحرف ـ عفا الله عنه ـ بما يلي:
*- حسن قيام العلماء بتدوين مآثر بلدانهم بما يعود خاصة على الأجيال الآتية بعدهم من التعريف بالبلد وبأهله وبعطائه دينياً، وعلمياً، وثقافياً، واجتماعياً، وحضارياً، وما لا ينفك من ذلك.
*- روح تنافس العلماء الجلي في ذلك قروناً وأماكن.
*- حسن الجزاء الوفاقي لأن أهل كل بلد فضلاً عن غيرهم لا يلهجون إلاّ بذكر من صنع إليهم معروفاً في ذكر مفاخر ذلك البلد لا سيما حين يتناقلون لطائف درر آثار أهله عن طريق ما دونه لهم ذلك المحسن الكاتب الذي قد يكون في زمانه من هو أعلم منه بكثير، وأفضل منه فضل الدر النثير، لكن من فضل الله أنه لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
وعلى هذا النهج الكريم، أعقد العزم بسير سيرهم ـ بإذن ربي وهو البر الرحيم ـ وذلك على النحو التالي:
1- ذكر قيام أهل مدينة السوق بدين الإسلام الحنيف وبنشر تعاليمه العظيمة في أفقهم مع الدعوة إليه ـ إن شاء الله.
2- ذكر مناقبهم ومآثرهم العطرة ـ حسب ما وقفت عليه مطبوعاً كان أو مخطوطاً ـ إن شاء الله.
3- ذكر ما أدركته على وجه المشاهدة والإحاطة العلمية عقلاً ونقلاً ـ إن شاء الله.
4- توثيق ذلك إن كان مكتوباً بذكر المصدر ومن ألفه، وإن كان المنقول مشافهة فسأورده بذكر اسم من نقل عنه ليكون هو العهدة في ذلك ـ إن شاء الله.
5- ذكر تاريخ شعبي الطارقي الوفي ـ إن شاء الله.
6- ذكر لطائف الفوائد الحسنة للشعوب الضاربة معهم في مضاربهم ـ إن شاء الله .
هذا: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.

أخوكم ومحبكم يحيى السوقي