|
المنتدى الأدبي ميدان للإبداع خاطرة أدبية أوقصة أو رواية أو تمثيلية معبرة أو مسرحية أو ضروب الشعر وأشكاله |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||||||
|
||||||||
باب الزنوجية ليوبولد سيدار سنغور
باب الزنوجية ليوبولد سيدار سنغور
الأحد 27 تشرين الأول (أكتوبر) 2013 بقلم hamada يمكن القول إن الأدب السنغالي هو أحد أشهر آداب منطقة أفريقيا الغربية، وإن معظم أعماله كتبت باللغة الفرنسية. لكن هناك نصوصا أخرى كتبت بالعربية، أو بلغة «الولوف» المحلية. ويمكن القول أيضا إن الأدب السنغالي هو الفعالية التي تلمع وتشرق أكثر من سواها في بلاد السنغال. فهذه البلاد أنجبت بعضا من كبار الكتاب ومشاهير المثقفين، على رأسهم ليوبولد سيدار سنغور، صاحب نظرية الزَنوَجة أو الخصوصية السوداء. لكن هناك مشاهير غيره. نذكر من بينهم: أمنياتا ساو فول، وعبد اللاي ساجي، وشيخ حميدو كين، وآخرين كثيرين. وينبغي أن نذكر أيضا بيراغو ديوب، وبوبكر بورسي ديوب، وعثمان سيمبين، الذي أخرج على الشاشة بعضا من أفضل رواياته. وفي مجال الفكر يمكن أن نذكر أعمال أنتا ديوب، ومؤلفات العالم الأنثروبولوجي تيديان ندياي، المنشورة لدى غاليمار، التي نالت شهرة عالمية. وفيما يخص النساء يمكن أن نذكر أعمال الكاتبة مارياما با، التي صورت بشكل رائع المجتمع المتعدد الزوجات في السنغال، من خلال كتابها «رسالة طويلة جدا». إنها صرخة احتجاج ضد الظلم والقهر الذي تتعرض له المرأة السنغالية. وهل هناك أبشع وأخطر من أن يتزوج زوجها بامرأة ثانية، وربما ثالثة؟ لكن الرواية، التي شهرتها عالميا، تتعرض لهموم المجتمع السنغالي الأخرى كالأمية، والأصولية، وغير ذلك. ونذكر أيضا أعمال أميناتا ساو فول، وكذلك أعمال فاتو ديوم التي اشتهرت بروايتها: بطن الأطلسي، حيث تصور فيها بشكل مؤثر أحلام الشباب السنغالي، الذي لا يفكر إلا في الهروب من البلاد والهجرة إلى أوروبا. وملخص القصة بكلمات معدودات هو أن سالي التي تعيش في فرنسا تلقت رسائل ملحة من أخيها ماديكي الذي يريد أن يلحق بها في بلاد الأضواء والسعادة والحداثة والنساء والحرية. لكن كيف يمكن أن تشرح له الوجه المخفي للعمال المهاجرين؟ كيف يمكن أن تفهمه أن فرنسا ليست «الأرض الموعودة»، على عكس ما يتوهم هؤلاء الفقراء، الذين يحلمون بها صباح مساء؟ يكفي أن يجيئوا إلى حي باريس أو السان دني أو بقية الضواحي البائسة كي يتأكدوا من ذلك. لكن يبقى صحيحا أن هذا الأدب نال شهرة عالمية من خلال الشخصية الاستثنائية لرجل الدولة والشاعر ليوبولد سيدار سنغور. فمن يا ترى هذا الرجل؟ وما هي أعماله الكبرى؟ ولد ليوبولد سيدار سنغور في مدينة شاطئية صغيرة تقع جنوب العاصمة داكار. وهو ينتمي إلى قبيلة قريبة جدا من الطبيعة، أحيائية ومسيحية في آن واحد، بمعنى أنه تختلط في عقائدها العناصر الأحيائية والعناصر المسيحية. والأحيائية هي أقدم الديانات الأفريقية. وهي تعتقد بوجود روح أو قوة حيوية تحرك جميع الكائنات الحية، وكذلك تحرك عناصر الطبيعة كالحجارة والريح.. إلخ. وكان أبوه تاجرا ثريا، لذلك فقد عاش حياة سعيدة من دون مشكلات. وقد كبر وترعرع في مناخ مليء بالحكايات والقصص الشعبية، حيث كان الكبار يروون على مسامعه حكايات مليئة بالعجيب المدهش والساحر الخلاب. وقد أثر ذلك عليه وملأ خياله وغذاه، وربما كان السبب في إبداعه الشعري والأدبي لاحقا. في عام 1928 يصل الشاب سنغور إلى باريس لإكمال دراسته، كما كان يفعل أبناء البورجوازية السنغالية والعربية والأفريقية في ذلك الزمان. عندئذ عاش ستة عشر عاما من الشرود والضياع. وهي سنوات ضرورية للإبداع، فلا إبداع من دون ضياع، من دون شرود وحرية فوضوية، على الأقل في البداية. انظر مصطلح «الفوضى الخلاقة»، لكن ليس بالمعنى الانتهازي، الذي استخدمه الأميركان في العراق، وإنما بالمعنى الإيجابي للكلمة. وأثناء دراسته التقى بجورج بومبيدو، الذي سيصبح رئيس فرنسا لاحقا، مثلما سيصبح هو رئيس السنغال. وحصلت بينهما صداقة. لكن اللقاء الأهم ربما كان هو ذلك الذي حصل له مع الشاعر المارتينيكي الكبير: إيميه سيزير. ومن خلال النقاش معه انفتحت عينيه على حقيقة الشعب الأسود وضرورة تحريره من القهر والعبودية والظلم التاريخي. وأسس معه مجلة ثورية احتجاجية باسم «الطالب الأسود». وكان ذلك عام 1934. وعلى صفحات هذه المجلة راح يبلور مع صديقه مصطلح الزنوجة أو الخصوصية السوداء لأول مرة. يقول إيميه سيزير في تعريفه: إن الزنوجة تعني بكل بساطة الاعتراف بحقيقة الإنسان الأسود كما هو. إنها تعني قبولنا بوضعنا كسود، نختلف عن البيض بالضرورة، وبالتالي القبول بقدرنا التاريخي وثقافتنا. أما ليوبولد سيدار سنغور فيقول موضحا وشارحا: إن الخصوصية السوداء تعني مجمل القيم الثقافية للعالم الأسود، كما تتجسد في الحياة المعاشة والمؤسسات والإبداعات الناتجة عن الإنسان الأسود. فهل يعني ذلك التعصب الأعمى للسود ضد البيض؟ أبدا، لا. فسنغور لم يكن عنصريا أبدا، ولا إيميه سيزير كذلك. وكيف يمكن لشاعر كبير حساس أن يكون عنصريا؟ كان سنغور يولي عناية خاصة للتعليم والتربية وتنشئة جيل سنغالي جديد. وكانت ثقافته الواسعة الأفريقية والأوروبية هي التي تدفعه في هذا الاتجاه. وقد أعطت جهوده ثمارها. فالسنغال الآن هي إحدى الدول الديمقراطية القليلة في القارة الأفريقية. وأصبح التناوب على السلطة يتم بشكل سلمي وطبيعي. وهذا شيء نادر في العالم العربي المجاور مثلا. وينبغي أن نعترف أن السنغال أفضل منا من هذه الناحية. لكن لنعد مرة أخرى إلى نظريته الفكرية عن الخصوصية السوداء من أجل إشباع الموضوع حقه، وتقديم النظرية بشكل متكامل، قدر الإمكان. قلنا سابقا: إن سنغور اشتهر ببلورة مصطلح معين، هو الخصوصية الزنجية. وبنى عليه كل نظريته الفلسفية، حتى السياسية. وهو يقصد به أن لأفريقيا السوداء خصوصية، تميزها عن بقية الشعوب والقارات. فالإنسان الأسود أو الزنجي شخص يعيش على الحواس والعاطفة والانفعال بالدرجة الأولى، وليس على التحليل العقلاني للأمور. ولا يعني ذلك أنه شخص مضاد للعقل أو خال من العقلانية، فهو يعني أنه عاطفي قبل أن يكون عقلانيا. أما الإنسان الفرنسي أو الأوروبي عموما فهو شخص عقلاني، بارد، موضوعي بالدرجة الأولى. إنه إنسان ديكارتي. وبالتالي فإن سنغور ينصح مواطنيه بتعلم المناهج الغربية، القائمة على العلم والعقل، لكي يوازنوا انفعاليتهم العاطفية بالعقلانية الغربية. وعلى هذا النحو تكتمل الشخصية السنغالية أو الأفريقية، وتجمع بين العقل والعاطفة. ويمكن أن نضيف قائلين إن سنغور كان يتصور الثقافة على أساس أنها ارتباط بالجذور، واقتلاع من هذه الجذور أيضا. فالإنسان الأفريقي ينبغي أن يكون مرتبطا بشخصيته التراثية الأفريقية، الموروثة أبا عن جد منذ آلاف السنين. لكنه في الوقت ذاته ينبغي أن ينفصل عن هذه الجذور، كي يتعلم الحضارة والحداثة في الغرب. وبالتالي فإن الثقافة الحقيقية في نظره هي تلك التي تجمع بين الأصالة والمعاصرة، أو بين التراث والتجديد، أو بين العقلية الأفريقية والعقلية الأوروبية. لكن، ألا تكمن هنا بالضبط مشكلة المثقفين العرب أيضا؟ لقد أعطانا سنغور درسا ثمينا عن كيفية التوفيق بين الهوية التاريخية والحداثة الأوروبية. وينبغي أن نشكره على ذلك. والواقع أن كلامه عن عاطفية الإنسان الأسود أو انفعاليته تنطبق أيضا على الإنسان العربي. فنحن أيضا انفعاليون، عاطفيون، سرعان ما نتهيج لأتفه الأسباب أحيانا. انظر المظاهرات الانفعالية وتكسير السفارات كرد فعل عفوي غير حضاري على الرسوم الدنماركية السخيفة أو على محاضرة البابا الاستفزازية، وذلك على عكس الإنسان الأوروبي، الذي يتحكم في عاطفته الانفعالية أكثر منا. في الواقع، إن شهرة سنغور تعدت حدود بلاده إلى حد كبير، ووصلت إلى العالم أجمع. وربما كان ذلك عائدا إلى أنه يكتب بلغة عالمية، هي اللغة الفرنسية. لكنه كان يعبر عن أعماق الشخصية الزنجية الأفريقية. واستخدامه للغة الفرنسية لم يكن تبعية للاستعمار، كما ظن بعضهم، إنما عبارة عن تعلق بهذه اللغة، التي أنجبت كبار الفلاسفة والأدباء والشعراء على مدار التاريخ. فالجزائري كاتب ياسين كان أيضا ضد الاستعمار، لكن هذا لم يمنعه من كتابة أعمال أدبية رائعة بلغة فولتير وفيكتور هيغو. وكان يعتبر اللغة الفرنسية بمثابة «غنيمة» أخذناها من الاستعمار! في الواقع، إن الأجانب يعرفون من سنغور شعره وثقافته الإنسانية الواسعة، أكثر مما يعرفون سياسته، التي اتبعها لتطوير السنغال وإخراجها من جحيم التخلف. ويمكن القول إنه يحتل بسبب ذلك مكانة خاصة بين قادة أفريقيا الكبار في القرن العشرين. فهو أحد الكبار، بالإضافة إلى نيلسون مانديلا في جنوب إفريقيا، أو كوامو نيكروما في غينيا، أو باتريس لومومبا في الكونغو. لكنه يتميز عنهم ببعض الخصائص. فمانديلا عرف حياة السجن والاعتقال الطويلة قبل أن ينتصر على نظام التمييز العنصري البغيض. وهو من دون شك أحد كبار قادة العالم الآن. أما نيكروما فقد كان رؤيويا كبيرا، استطاع أن يتنبأ بالوحدة الأفريقية قبل حصولها. لكنه اضطر للعيش في المنفى بعد أن نظموا ضده انقلابا عسكريا. ويمكن القول إنه كان يعاني من بعض التضخم في الشخصية، إن لم نقل جنون العظمة. أما باتريس لومومبا فقد كان قائدا حقيقيا ومخلصا، لكنه سقط تحت رصاص القتلة المجرمين. وحده ليوبولد سيدار سنغور عاش عمرا مديدا من دون مشكلات تذكر (1906 - 2001)، وكان معتدلا بطبيعته، يحب التطور التدريجي لا الثورات العنيفة. ولذلك اتهمه بعضهم بأنه يمالئ الاستعمار، لكنه في الواقع كان يريد أن يسير ببلاده على طريق التطور من دون هزات عنيفة أو خضات كبيرة. من أهم دواوينه نذكر: أغاني الظل، وقرابين سوداء، ومراثي كبرى.. إلخ. ومن كتبه النظرية أو الفكرية نذكر: مختارات من الشعر الزنجي والملاغاشي الجديد باللغة الفرنسية، ثم الخصوصية الزنجية والنزعة الإنسانية، ثم الأمة والطريق الأفريقي إلى الاشتراكية، ثم الخصوصية الزنجية والحضارة الكونية، ثم حوار الثقافات.. إلخ. كان يحلم بتشكيل حضارة كونية تشمل جميع الثقافات، من دون أن تلغي خصوصياتها. من هنا كان انفتاحه الكبير على الثقافة الفرنسية من دون أن يتخلى عن خصوصيته الأفريقية أو السنغالية. هاشم صالح
ما كل ما يتمنى المرء يدركه ** تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|