فوائد لغوية منظومة من مقامات ناصيف اليازجي

وفي المقامة السادسة والثلاثين التي سماها بالطائية قال عن قيود الجماعات :
زجلة ناس حاصب الرّجّاله....وهكذا كوكبة الخيّالة
رهط رجال لمَة النساء....رعيل خيل وقطيع الشاء
وربرب المها صوار البقر....حيلة معز عانة من حمر
وصرمة من إبل وعرجله....من السباع قد حكتها النقله
خيط النعام ومن الجراد....رجل وسرب من ظباء الوادي
وهكذا عصابة الطير ورد....وخشرم النحل تتمة العدد
ص 212

وفيها قال عن عدو الخيل:
أقل عدو الخيل يدعى خببا....عليه تقريب فإحضار ربا
ثم ابتراك فوقه الإهذاب قد....رتب والإهماج غاية الأمد
وفي مراتب سير الجمال قال في نفس المقامة السابقة:
أوائل السير الدبيب للإبل....ثم الذميل فالرسيم قد نقل
فالوخد فالعسيج فالوسيج....ثم الوجيف بعده يهيج
وبعده الإجمال فالإرقال....والاندفاق جهد ما تنال

وفي المقامة السابقة قال عن قيود المشي:
قد درج الصبي والشيخ دلف....وخطر الفتى وذو القيد رسف
ومشت المرأة والمرأ سعى....وقد حبا الرضيع يبغي المرضعا
ودرم الذي علاه الثقل....وفرس جرى وسار الجمل
وهدج الظليم والغراب....يحجل حيث حية تنساب
ونقز العصفور حيث العقرب....دبت وكلها قيود تكتب

وعن ترتيب جماعات العسكر قال في المقامة الطائية السابقة:
أقل جمع العسكر الجريده....وبعدها السرية المزيده
وفوقها كتيبة تميس....فالجيش فالفيلق فالخميس
وفي مراتب النخيل قال:
فسيلة قيل لصغرى النخل....وفوقها قاعدة تستعلي
جبارة عيدانة والباسقه....فوقهما ثم السحوق الشاهقه
213

مررت وقرأت واستفدت. وجزيتم خيرا.
لاحظت أن هذا الموضوع الغالي أقفر من اهله ملحوب.
وحتى لم أقرأه إلا الليلة .لذا أردت أن أشاركه بالآتي:
فعلا أفدتمونا كثيرا من حيث فقه اللغة، فهذه الفروق التي تهتم بها المقامة مما ينبغي على المثقفين معرفته، كيلا يقعوا في أخطاء، تفضحهم امام اللغويين. وهي كثيرا ما نقع فيها.
وإذا كنا لا نقرأ المعلومات (غير الدينية) بدون استفسار، وكان لنا الحق في طرح الإشكالات أقول:
أستسمح الإمام الحريري، وأستفسر شيخنا الذي نقل عنه هذه الفوائد الثمينة، في الآتي:
1: قوله: ومشت المرأة والمرأ سعى.
يفهم منه أنه لا يقال: سعت المرأة. ولا مشى الرجل. وهو ما يؤكده السياق، ويوضحه آخر الكلام. (وكلها قيود تكتب). وإذا كان كذلك فقد خطأ الإمام رحمه الله الجماهير كلها، ليس العامة فحسب. فسؤالي: ما هو الدليل المخصص؟؟ فكلمة (حبا) مثلا معروف أنها للطفل في مرحلة الحبو. وباقي الكلمات تقريبا هكذا (مقيدة) كما قال. لكن هاتان لا أرضى بتقييدهما حتى أطمئن بالدليل.
هذا إذا تسامحنا معه في التفريق بين (جرى/ سار) من حيث الإسناد إلى مخصص. فما نعرفه عن مقابل (سار) هو سرى) فكأنهم يقولون، السرى خاص بالليل. إن لم تخني الذاكرة.
2: قوله:أقل عدو الخيل يدعى خببا ** عليه تقريب فإحضار ربا.
أفهم منه أنه أضاف (التقريب) كنوع من أنواع جري الفرس، فإذا كان كذلك فقد خالف اكبر مصدر لتدوين العربية، هو الشعر الجاهلي، بل أمير الشعراء الجاهليين، حيث استفدنا منه أن (التقريب) هو اسم جري {تتفل}، وإلا فما الفائدة اللغوية من قوله:
له أيطلا ظبي وساقا نعامة *** وإرخاء سرحان وتقريب تتقل.
وإذا كان الحريري استفاد هذا النوع هنا أيضا فلم لم يزد (الإرخاء)؟؟؟
3: ناقض الإمام رحمه الله نفسه في ظني، عندما قيد (الدبيب) بالعقرب، حيث ذكره سابقا أول أنواع سير الإبل.
أوائل السير الدبيب للإبل.....
هذا كله بعد ما أطرقنا الرؤوس إجلالا للإمام، ولم نرفع يد المعارضة والاستكبار، وهو يلقننا هذه المراتب، التي تبدو في وقعها وإيقاعها تارة ليست مسلمة.
في مراتب السير. يخبرنا بالعسيج/ والوسيج، والزميل.... والاندفاق كأقصى السرعة. مع أنهم أيضا يقولون: سير نص. أقصى السير. انظر : تاج العروس مادة {ن ص ص }.
وفي مرتب النخيل كان لنا الاستفسار بعد أن أذعننا للفسيلة، التي يدل إيقاعها وجرسهاعلى الصغر، أما (الجبارة ) فهل نسلم بأن( الباسقة) أكبر منها، ثم (السحوق)، على أن (ثم) هنا أفقدها الإمام خاصيتها (التراخي) حيث استخدمها في العلو والصعود.
وفي مراتب الجيش: أية دلالة لغوية صوتية، نقلية ... تجعل (الخميس) أقوى وأكبر من (الفيلق) ؟
الدلالة الموسيقية تنقض ذلك أصلا، فالصوت الجهير (الفاء) متبوعا بالشجري، فالجهير (اللام) إلى صوت القلقلة( القاف) كلها مما يدل على القوة أكثر من الخاء ... إلى المهموس (السين). ...في (الخميس)؟؟؟
لكن كما قلنا، بإمكاننا أن لا نفسد على الإمام الحريري طرفته (التغريبية) وهو يمتعنا، فلا نقول : استزاد... لأنه متعنا.. لا نبالي ونحن في تلك الأيام في الدولة العباسية التي مالت نفوسنا نحو النهم والشره للفن والإغراب.
كل ما أريد قوله هنا أننا لا ينبغي أن نتلقف المعلومات هكذا... بدون مساءلة.
خصوصا تلك التي حفظت في الدواليب الفنية.

الأستاذ اللغوي محمد الحسني تحية تليق بمقامكم الكريم .
أولا: جزاكم الله خيرا على المرور وبارك فيكم على هذه التعليقة الجميلة التي استفدت منها أكثر مما استفدت من هذه القيود.
ثانيا لعل ما تفضلتم به هنا هو سبب عزوف الإخوة عن التعليق وإقفار ملحوب من أهله.
ولكن ما لا شك فيه أن تعليقكم هذا ونقدكم لبعض هذه القيود، والتنبيه على ما نبهتم عليه أكثر فائدة وأكبر عائدة على القراء وعلى المنتديات من السكوت احتراما لكاتب الموضوع أو ناقله على علاته.
ثالثا: لقد استبنت من نقدكم البناء منهج الشيخ الألوسي الذي ألف كتابا في الرد على اليازجي في هذه المقامات، وقد وقفت على عنوان كتابه ( 1) لكني لم أجده بعد البحث عنه.
رابعا: كنت أنوي أن أرجع إلى هذه القيود بعد إكمالها فأعلق عليها، وهذا ما جعلني أترك الفراغ بعد أبيات القيود، لكن لا كتعليقكم ، فإني لا أحسن هذا النوع من المعالجة، والدراسة المتعمقة.
وبما أنكم بدأتم فأرجو أن تقتطعوا بعض وقتكم لتعلقوا على الباقي كسابقه.
خامسا: المؤلف هو ناصيف اليازجي الأديب المسيحي اللبناني لا أبو القاسم محمد الحريري.
بارك الله فيكم ولكم خالص التقدير والتوقير.


.............................
( 1): اسم كتاب الألوسي = القول الظريف في تزييف دعوى ناصيف ، وقد علمت بعد البحث عنه أنه فقد ولم يعثر منه إلا على بعض أوراق.

جزاكم الله خيرا على هذا التفاعل والتواضع العظيم، فنحن إنما نستفيد منكم أنتم.
أما صاحب المقامات فقد أخطأت فيه، لا أقول من سبق القلم، بل من سوء قراءتي.
فأنا لم أقرأ الصفحة الآولى للأسف، إنما قرأت الأخيرة فقط.
ففهمت من إطلاق المقامات مقامات الحريري. فشكرا على التصحيح.
وإذا كانت مقامات اليازجي فالنقد سيكون أقسى. فنحن نحترم الحريري في اللغة أكثر من اليازجي، مع احترامنا للأستاذ اليازجي، وإعجابنا بإبداعه الكبير.
وأنا أيضا لم أقف على الكتاب الذي ذكرتم، وإن عثرت فسأبعث به إليكم.
= كبرتم تعليقي أكثر مما ينبغي، فهو ارتجال، وتفاعل مع موضوعكم ليس إلا. بل حاولوا أن تكملوا المشروع أنتم.
فأنا أقتطع من وقتي هذه الفترة اللذيذة التي أستمتع بمحادثتكم فيها، فكأني بينكم.

بارك الله فيكم أستاذنا محمد الحسني .
كان تعليقكم دالا على تحقيقكم ، وجاءنا كبيرا فأنزلناه منزلته .
ولا تنسوا قولكم : وإذا كانت المقامات لليازجي فسيكون النقد أقسى ، وتابعوا إلى النهاية.
تحياتي لكم.

وقال في نفس المقامة السابقة في ترتيب ثمر النخل:
أول حمل النخل طلع يبدو....ثم سياب فخلال بعد
بغو فبسر فمخطم يلي....ثم موكت بتذنوب تلي
فجمسة فثعدة فرطب....وبعده التمر أخيرا يحسب

وإن جاء شكري لكم عمنا متأخرا فلكم أضعافه وأضعافه وأضعافه على الفوائد القيمة
بوركتم وحفظكم الباري