تثقيف اللُّسَن بأخبار ومآثر إمزغيرسن

المدخل

هذا وإن الأخبار على قسمين: قسم ورد مورد المشاهدات...
وقسم آخر ورد مورد المنقولات...
فأما قسم المشاهدات فعمدتها المخبر عن واقع عاشيه هو، فيخبر به، فتكون العهدة عليه في الخطأ والصواب، والصدق والكذب...
وأما قسم المنقولات فعمدتها الواسطة الناقلة للخبر، وذلك في كل ما علم أن المخبر قطعا لم يكن من المعايشين للخبر الواقع، فتكون العهدة على الواسطة المنقول عنها ذلك الخبر، وعلى الواسطة ـ من بداية السند إلى منتهاه ـ واسطة واسطة: ما يقع في الخبر من الخطأ والصواب، والصدق والكذب...
وهذا القسم هو: بيت القصيد، وهو قسم كثير الوقوع، لأن الإنسان شطر معلوماته من الأخبار المسموعات المنقولات، دون ما يقع للإنسان من العلم فيه في معرض المشاهدات...
وهذا القسم أيضا وقوع الآفات والأخطاء فيه أكثر منه في قسيمه في معرض بيان الخبر المقبول والمردود.
وذلك لآفات تتعرض لشروط سلامة الخبر الصحيح المقبول من الضعيف المردود، من ضعف يقع في جانب نقلة الخبر، ومنه الإرسال، والانقطاع، والبلاغات...
فلذلك احتيج إلى الإسناد، كما احتيج إلى ذكره ليكون متلقي الخبر يتمتع بمعرفة أخرى يتصل عبرها إلى معرفة صحة ذلك من ضعفه...
فلذلك جرى صنيع علماء السلف الصالح على ذكر رجال السند حتى في كتب التاريخ كالبخاري في تاريخه والخطيب البغدادي في تاريخه، وابن عساكر، وما لا يمكن حصره...
ولجلالة الثقة الصدوق فيما يخبر به أنه لا تضره الألقاب المجهولة المعاني لدى الكثير، ك: غندر، وبندر، والألقاب السيئة المعاني ك: الأعرج، والأعمش، والضال والضعيف في المقول عنهما:
والضال والضعيف سيدان***ويونس القوي ذو ليان
هذا فمن شين معاني الضعف لمن وصف به أنه لا ينفعه اللقب الجليل، كمثل: يونس القوي المذكور في البيت الآنف الذكر.
وعلى كل حال فالكلام في هذا معروف لدى عامة العقلاء، فلا نخرج من الإشارة فيه إلى الاستطراد.
لذا فإني أسير على نهج السلف الصالح في ذلك، فما أذكره من الأخبار التاريخية لمجتمعات أفقنا، فإنه أذكره عن رواتها منهم هذا الموضوع ـ موضوع: تثقيف اللسن في أخبار ومآثر إمزغيرسن.
فإني أرويه عن سيدين شهيرين من سادات هذه القبيلة، منهم:
السيد حسن بن زياد بن آحمادْ بن دَرْفُو أحد مشاهير قبيلة إمزغيرسن، من فرع: إهقارنْ، وهو فرع من فروع هذه القبيلة، والسيد حسن بن زياد من القاطنين في مكة المكرمة ـ بلاد الحرمين.
وقد نقلت عنه ما سيسند إليه في موضعه ـ بإذن الله تعالى ـ بعد أن أجريت معه هذه المقابلة ـ حفظه الله تعالى ـ في 22/5/1435هـ
ومنهم: السيد محمد بن محمد إبراهيم بن سعدنْ بن تُويْتُويْ بن وَرِشْلِيفْ، وهو من فرع: إبنْغَلَنْ، وهو الفرع الآخر من فروع هذه القبيلة، والسيد محمد بن محمد إبراهيم ممن تقابلت معه في مخيم اللاجئين في منطقة: منتاو التابع لمحافظة جيبو في بركينافاسو.
وقد نقلت عنه ما سيسند إليه في موضعه ـ بإذن الله تعالى ـ بعد أن أجريت معه هذه المقابلة بتاريخ 6/8/1435هـ.

نتا بعكم باعجاب, فانفض الجراب, واستخرج الفوائد العذاب, ولو كانت في قنن الشواهق الصم الصلاب, بارك الله في جهدكم.

ﺃﻓﺎﺩﻙ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺃﺛﺎﺑﻚ ﻭ ﺟﺰﺍﻙ ﺍﻟﻠﻪ ﺧﻴﺮ ﺍﻟﺠﺰﺍﺀ ﻣﻮﺿﻮﻉ ﻗﻴﻢ ﻭﻣﻔﻴﺪ
ﺟﻌﻠﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﻣﻴﺰﺍﻥ ﺣﺴﻨﺎﺗﻚ وننتظرالمزيد

جزاك الله خيرا شيخنا الأسدي .
الموضوع جميل جدا وله فوائد تاريخية كبيرة منتظرون له فعجل .

الشكر والتقدير
بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الأستاذ الفاضل الخرجي السوقي ـ بارك الله فيك وفي مرورك الأخوي الكريم.
الأستاذ الفاضل أنت ممن سبق في جيلنا إلى جمع وتدوين ما نخطو على خطواتك التاريخية تلك الجميلة...
فأنت تحسن فيها ـ بارك الله فيكم ـ مشي الطاوس باختيال.
هذا فهناك الكثير الكثير غيرك: يمشي كمشية العرجنل.
فامش بنا في موقعنا يا طاووسنا ـ زانك الله بكل ريشة جميلة حسنة في عافية وصحة تختال بين الريش الحسان، في خطى منثورة وتارة بخطى حسان.
الأستاذ الفاضل السوقي العلوي ـ بارك الله فيك وفي مرورك الأخوي الكريم.
الأستاذ الفاضل أنت ممن أحيت لمنتديات مدينة السوق حقيقة معانيها التاريخية بنفائس الآثار السوقية، والمخطوطة بالخط السوقي التاريخي الجميل ـ فامض بنا إلى تحقيق رسالة منتديات مدينة السوق مضي القائل:
إن الفتى من يقول هاء أنا ذا***ليس الفتى من يقول كان أبي
الأستاذ الفاضل الدغوغي ـ بارك الله فيك وفي مرورك الأخوي الكريم.
الأستاذ الفاضل أنت ـ بارك الله فيكم ـ الذي ضربت لنا مثلا حيا فيمن أتى بما لم يأت به الأوائل.
خاصة في موضوعك الجليل: تراجم أعلام أفقنا ـ صحراء إقليم أزواد.
لذا فامض في خطاك الجميلة الأثر، فإن أثرها الأبلج لا يطمسه الظلام الدامس كما لا تمحوها الرياح العواصف ـ إن شاء الله تعالى.
لذا فلا نملك لك إلا الدعاء الصالح، والشكر الخالص، والثناء الجميل ثناء من تتحقق فيه معاني قول من قال:
وعلمه وفضله لا ينكر***مما به عنه مبينا يخبر

الموضوع

تاريخ إمزغيرسن

وقبل الشروع فيما نحن بصدده سنفتتح هذا الموضوع ـ بإذن الله تعالى بفواتح حسان لطاف.
الفاتحة الأولى: أن هذا الموضوع موضوع تاريخ رويته عن السيدين المذكورين في المدخل.
وسأقدم رواية السيد ابن سعدن لما تتمتع بها من زيادات على رواية السيد ابن زياد ـ حفظهم الله ورعاهم وشكر لهم حسن لطافتهم معي حين نقل المرويات عنهما.
الفاتحة الثانية: أني في الحقيقة حين الرواية عن كل راو أستعمل ما مر عليّ من سنن رواة الأخبار المقبولة من المردودة.
وذلك يستلزم الجد والاجتهاد في إثبات المعلومة التاريخية على وجه التحقق والتحقيق.
بغض النظر عن إيراد عامتها إيراد البلاغات، لأن الراوي يتحدث عن تاريخ أمة مضى عليها قرونا متطاولة، فيحدثنا بما بلغه فأنقله كذلك نقل البلاغات.
ولا ضير في ذلك لما يعلم من تساهل المؤرخين في مثل ذلك.
وبمثل ذلك دونت تواريخ الأمم السابقة في دواوين التاريخ ككتاب: البداية والنهاية لابن كثير في التاريخ، وما لا يحصى مما لا يخرج عن سننه المتبع.
وعلى كل حال فإني على نهجهم أسير ـ بإذن الله تعالى.
الفاتحة الثالثة: أنه يبلغ بي نهج المؤرخين الحازم مع الراوي أن بعض فضلاء الرواة يعتذر لي بقطع الرواية عنه أثناء الرواية، لما يرى من تمحيص المعلومة التاريخية نقلا وعقلا...
فأقطع الرواية عنه في الوقت نفسه، بعد أن تعزر عليه الإفادة بالمعلومة الصريحة...
وذلك حينما يقع في التردد والجزم في غير ما معلومة، ولو تردد في واحدة وأختها ألغيت ما تردد فيه من ذلك...
لكن إذا كان غالب معلومته لا يتثبت فيها بينت له أن مثل هذا لا يكتب عند أهل هذا الشأن...
فأقطع الرواية عنه بأسلوب علمي واجتماعي مرضي، ما يجعله يعدني بكرّة أخرى مباركة وذلك حينما يرتوي من أخبار قبيلته من قبل حفاظها، فيسمي لي بعضهم، بل يحيلني إليهم، على أنه هو الذي يتولى التنسيق بهم، متى وجد إلى ذلك سبيلا...
الفاتحة الرابعة: أني ـ بادئ ذي بدء ـ سأمتعكم ـ بإذن الله تعالى ـ متاعا حسنا برواية الراوي السيد محمد بن محمد إبراهيم بن سعدنْ بن تُويْتُويْ بن ورشليف ـ حفظه الله ورعاه.
إنه سيد فاضل من مشاهير هذه القبيلة، وشخصية بارزة تجري في عروقه أصالة السيادة، مع تواضع جميل، ونباهة نباهة السيد الجليل.
هذا فمما يذكر فيشكر له من قبلي ما شرفني به من الزيارة في مقر إقامتي في مخيم اللاجئين في منطقة: منتاو التابع لمحافظة جيبو في بركينافاسو في تاريخ 6/8/1435هـ..

الفاتحة الخامسة: أنني كدت أن أطير فرحا حينما علمت أنه من قبيلة: إمزغيرسن.
لتصيدي أمثاله في السن والنباهة والسيادة والفضل في أفقه.
هذا وليس عندي غرض ـ ولله الحمد والمنة ـ ولا شرط في الرواية عن أي أحد إلا أن يكون من مجتمعات صحراء إقليم أزواد عربا وعجما بيضا وسودا...
وذلك لما لاقاه تاريخ أفقنا من الاندسار والإهمال والضياع بانقراض أربابه في العصور السالفة عصرا عصرا.
الفاتحة السادسة: أنه لما مضى ما فات من تاريخ من سلف من أهل صحرائنا الغالية، لم يبق في أيدينا إلا ما في يدي كل راو ما لا بد من التاريخ عمن أدركه من فضلاء عصره الثقاة الحفاظ...
فلأجل تلك المعاني أتصيد فضلاء صحرائنا الغالية تصيد النقل عنهم ـ نقل تاريخ قبائلهم ومجتمعاتهم ـ قبيلة ـ قبيلة ـ ومجتمعا ـ مجتمعا.
وهؤلاء دائما ـ إن شاء الله تعالى ـ محل صيدي في الحل والحرم، صيد الفضلاء كما صاد غيري أشباههم من المؤرخين النجباء صياد الأمم.
والله يقضي بهبات جمة***لي (ولهم) ولجميع الأمة

قبيلته: إمزغيرسن

قلت: الآن آن لنا الشروع فيما يتعلق بتاريخ هذه القبيلة السيادية مبتدئين بما أخبرنا به السيد محمد بن محمد إبراهيم بن سعدنْ بن تُويْتُويْ بن ورشليف ـ حفظه الله ورعاه ـ قائلا:
معنى: إمزغيرس: أي: ((أرْمَسْ أَغْرَسْ)).
أقول وهذا الاسم الطارقي لفظا ومعنى، معناه باللغة العربية: ((خذ وذبح)).
فكلمة: ((أرمس)) الطارقية من أقعد ألفاظ معانيها بالعربية كلمة: ((خذ)) ولها ألفاظ أخر تترجم بها بالعربية: كامسك، وما جرى مجراها معنى...
وأما كلمة: ((أغرس)) الطارقية، فليس لها معنى ولا لفظا باللغة العربية سوى كلمة: ((اذبح)).
وبهذا تبين أن هذا الاسم مركب من كلمتين طارقيتين الآنفتي الذكر، قد أصبحتا علما على هذه القبيلة الطارقية.
وهذا الاسم التاريخي يحمل رسالة تاريخية ذات دلالة سيادية كبيرة، ويقربها المثل المشهور: اتق شر من إذا قال فعل.
وبهذه الدلالة التاريخية السيادية يتبوءون أصدق معاني قول من قال:
إذا بلغ الرضيع فينا فطاما***تخر له الجبابر ساجدينا
هذا فمن دلالة علم هذه القبيلة الطارقية(إمز غيرس) أنها كانت أصول هذه القبيلة ممن كان يتمتع بالقوة القاهرة، والسلطة الظاهرة على من في محيطهم...
بحيث أن من رام الخروج عن سلطانهم بأي تمرد عنهم جملة أو تفصيلا، جزاؤه أن يذبح من غير هوادة...
كما دلت رسالة هذا الاسم التاريخي أن لأربابه هيمنة كبرى فوق قوى منافسيه من القبائل السيادية فضلا عن غيرهم...
وبدلالة هذا الاسم تتقوى الثقة بما ورد من هيمنة هذه القبيلة على من في محيطها دهرا ما من الدهور...
هذا وسيأتي مزيد بيان لهذا في مرويات ابن سعدن ـ بإذن الله تعالى.
قلت: وحيثما قيدت القول بـ((ابن سعدن))، فالمراد به عمدتنا الراوية السيد محمد بن محمد إبراهيم بن سعدنْ بن تُويْتُويْ بن ورشليف ـ حفظه الله ورعاه.
كما أني كلما قيدت القول بـ((ابن زياد))، فالمراد به عمدتنا الأخرى الراوية السيد الحسن بن زياد بن آحماد بن درفو ـ حفظه الله ورعاه.
وذلك لما سيضطر إليه النقل بين فينة وأخرى من إضافته إلى قائله في مناسبات نقلية تقتضي ذلك، فرأيت الاقتصار على الاسمين السابقين للراويتين، جريا على سنن أهل الشأن المؤرخين، كما هو دأب عامة أهل الفنون الأخرى في كل ما يتكرر ذكره في موضوعات مصنفاتهم ومؤلفاتهم...
وهذا معروف لدى من له أدنى حظ من علم الاطلاع، فلا نطيل القول في بيانه على نهج قول من قال:
وليس يصح في الأذهان شيئ***إذا احتاج النهار إلى دليل

قبيلة إمز غيرسن: قبل دخول النصارى

هذا وإن إمز غيرسن ذوو تواجد وانتشار قوي واسع عددا وعدة كما يحدثنا به الراوية السيد ابن سعدن بقوله: وكان إمزغيرسن وقتئذ لهم سبعة رؤساء لكثرة عددهم.
وكان ذلك قبل فترة دخول فرنسا صحرائنا.
فقلت: له ما معنى وصفهم بسبعة رؤساء، فقال لي ما ملخصه: إن كثرتهم في تلك الفترة اقتضت أن يكون داخل القبيلة نفسها عدد من السادات، فيكون كل فرع تحت سيادة سيد يسوس فرعه وما يتبعه من بين أولئك الرؤساء السبعة السادة.
قلت: لعل هذه الفترة بعد فترة بسط سلطلتهم كدولة، هي المشار إليها في بعض مصادر صحرائنا التاريخية.
لذا فإن هذه الفترة ـ وإن افترضنا أنها بعد زوال دولتهم ـ إلا أنها من الفترات التي يصدق على حقيقة ما كان من بسط قوة إمز غيرسن، معاني قول القائل:
ترى النَّاس ماسرنا يَسِيرُونَ خلفنا***وَإِن نَحن أومأنا إِلَى النَّاس وقفُوا
وقد تكون هذه الفترة هي تلك الفترة، لأن هذا العدد القبلي الهائل، إذا تمتع بالعتاد العسكري التقليدي المكين وقتئذ، خاصة في أيدي رجال شعجان بواسل أصحاب حرب ـ دفاعا وهجوما ـ وسيادة وسياسة محكمة سيحققون ـ بإذن الله تعالى ـ أصدق مفاخر قول القائل:
ونحن إذا عماد الحي خرت***على الأحفاص نمنع من يلينا
ندافع عنهم الأعداء قدما***ونـحمل عنـــهم ما حمــــلونا
نطاعن ما تراخى الناس عنا***ونضرب بالسيوف إذا غُشينا
هذا ما ستضرب به قبيلة إمز غيرسن أروع الأمثلة القتالية في سبيل تحقيق نجدتها بعض القبائل التلاتي استنجدتهم أمام حرب ضروس من قبل عدو كثير العدد والعدة غضوب، فلم ترفع قبيلة من قبائل القوة والسيادة رأسها لتلبية نداء القبيلة المستغيثة المستنجدة بها، إذ لم تجابه تلك القوات المستغاث بها قوة عدو المستغيثة لأنجادها إلا قوة قبيلة إمزغيرسن فأنجدتهم خير نجدة، على ضوء قول من قال:
وجار البيت والرجل المنادي***أمام الحي عهدهم سواء
قلت: ولقد قامت قوة قبيلة إمز غيرسن بتلك النجدة التاريخية العزيزة في فترة قريبة تاريخيا ستذكر بالتفصيل في موضعها ـ بإذن الله تعالى ـ نالوا فيها شرف معاني قول من قال:
بَرَزْنَا وأصحرنا لكل قَبيلَة***بأسيافنا إِذْ يُؤْكَل المتضعف
فَأَي معد كَانَ فىء رماحه***كَمَا قد أفأنا والمفاخر منصف
وَنحن منعنَا يَوْم أود ذمارنا***وَيَوْم أخي والأسنة ترعف
هذا ومن تأمل سيطرة القبائل على غيرها كسلطة محدودة أو واسعة قبل النظام الدولي الحديث...
يجد سلطة تديرها بعض القبائل عبر محيط نفوذ من خضع لها قهرا، وقد يطول ذلك المحيط سعة إلى مناطق شاسعة، فيتجاوب المجتمع القاطن في تلك المناطق بأوامر سلطة القبيلة المهيمنة عليهم، سواء في الأمور الحربية، أو في الأمور الاقتصادية، أو في الأمور الاجتماعية، وما في معنى ذلك...
ومن الأمثلة الحية على ذلك قبيلة صنهاجة التي سادت المغرب الأقصى والأدنى ـ ((أي: من أربا، كأسبانيا إلى أقصى أدغال إفريقا)) ـ بفروعها المطلق على سلطانها باسم: ((دولة المرابطين))، أو ((دولة الملثمين))، وهم أصول المجتمع الطارقي جملة...
كما أن من الأمثلة أيضا بعد ذلك دولة: ((إولمدن))، مع أنها قبيلة من القبائل لكنها استطاعت بما منح الله لها من قوة قاهرة في عصورها أن تسود مجتمعات صحرائنا شرقا وغربا...
والقبيلة هي هي كأي قبيلة في مكانها لكن جميع من في سلطانها في صحرائنا الغالية يتجاوب مع أوامرها حربا وسلما إلى أن دخلت قوات الكفر الغازية فرنسا: دمر الله عليها وللكافرين أمثالها.
لذا فهذا العدد الهائل لفروع قبيلة ((إمزغيرسن)) قادر كل القدرة ـ بإذن الله تعالى ـ أن يسود سيادة دولة في عصر تلك الفروع، المجهولة التاريخ هجريا أو ميلاديا.
والراوية السيد ابن سعدن ذكرها ذكر تاريخ ما قبل دخول فرنسا، لا على أن ذلك قريب من دخول فرنسا، فلذلك نبهت إلى ذلك بهذه التنبيهات اللطيفة، لأن ما قبل دخول فرنسا بقرون فإن القائم ((دولة إولمدن)) التي بولادتها أزيلت ((دولة إمزغيرسن))، كما تناولته بعض مصادر صحرائنا التاريخية...
ثم بعد ذلك أصبحت قبيلة إ((مزغيرسن)) قوة قبلية حية حربا وسلما، كما سيأتي مزيد بيان لذلك ـ بإذن الله تعالى.
قلت: ولي ـ إن شاء الله تعالى ـ وقفات في تسليط الضوء على تجاوب محيط المجتمع بأوامر القبيلة التي لها عليهم السيادة الكاملة والهيمنة التامة، كما سأسلط الضوء أيضا على استقلالية بعض القبائل عن سلطة القبيلة المهيمنة على المجتمع ككل، بعد تمرد عرضها لخطر التصادم مع قوة القبيلة المهيمنة، كما حصل لقبيلة(إقودرن) على سلطة ((دولة إولمدن))، بعد ذلك التمرد أعفيت من الإتاوات(الضرائب)، وما في معنى ذلك، وأزيل عنهم في أرض الواقع لقب(إتَقانْ) الذي تطلقه قبيلة ((إولمدن)) على عامة بقية قبائل إموشاغ، اللاتي تحت سيطرة سلطتها أيام عز سلطة((إولمدن)).
قلت: وهكذا شأن من تمرد فنجح تمرده ـ فردا كان، أو قبيلة، أو شعبا قديما وحديثا...
هذا وكل ذلك سأتناوله في وقته نقلا وعقلا في موضوع تاريخي خاص به ـ بإذن من بيده ملكوت كل شيء.

قبيلة إمز غيرسن: أمام حرب إثر حرب

قلت: بادئ ذي بدء، إن قبيلة إمز غيرسن قبيلة أكلتها الحروب.
منها ما ذكر في تاريخها، مما سيأتي ما بلغنا منه، كما سيأتي في موضعه ـ موضعا موضعا ـ بإذن الله تعالى.
ومنها ـ أي: من حروبها ـ ما هو من المعلوم بالضرورة من: أن كل قوم سادوا سيادة السلطة لا بد لهم من معارك في أرض الواقع، سواء قصرت معاركهم تلك زمانا أم طالت...
هذا هو الغالب على سيادة سلطة بسطة الملك على البشر، وما وقع طواعية ـ اتفاقا، أي من غير معارك واقتتال بينهم وبين من يسودون عليهم فيبسطون سلطتهم وسيطرتهم عليهم ـ ذلك من النادر بمكان، بل من المحال، وعلى كل حال فالأمر كما أشرنا إليه إذ: الحكم على الغالب.
لذا فإن معراك إمز غيرسن إبان بسط سلطتهم الدولية إلى أواخر دولتهم الزائلة بولادة دولة إولمدن.
علما أني ما وقفت على: ((اسم، وجهة، وخبر القوة)) التي أزالت دولتهم فيما مر عليّ في مصادر صحرائنا التاريخية التي تعرضت لذكر ما ذكر من تاريخ إمزغيرسن.
فلذلك أستعمل مصطلح:ولادة دولة إولمدن، إثر ذكر زوال دولة إمز غيرسن...
هذا فإني لو أعلم أن دولة إولمدن هي التي أزالت دولة إمز غيرسن لصرحت به ـ بإذن الله تعالى ـ لأن ذلك من مقتضى الأمانة العلمية نقلا وعقلا...
ولا سيما أن بقاء ملك أي أمة من الأمم ملكا دائما ضرب من المحال، كما هو من العملوم بالضرورة بين العقلاء، وصدق الله إذ يقول: وتلك الأيام نداولها بين الناس.
لذا فمن كان لديه علم من أخبار جهة من أطاحت دولته بدولة إمز غيرسن، أو بشيء من أخبارها هي، أو غيرها من أخبار قبائلنا الشامخة العز والشرف فليضفه لنا نقلا...
قلت: ومهما يكن من أمر فإن دولة إمزغيرسن تلك قامت بعد حروب كما تقدمت الإشارة إليه، وزالت إثر حروب أخرى ضدها.
إذ الملك لا يزول لوحده، بل بسبب آخر من ملك مزيل له كما هو معلوم نقلا وعقلا.
هذا ومن الحروب التي خاضتها قبيلة إمز غيرسن فأتت وقضت على رجالاتها عن بكرة أبيهم ما بلغنا خبره مما اتفق على روايته لي الراويتان الراوية السيد ابن زياد، الذي سأسوق روايته في موضع قصة المعركة الإبادية الآتي ـ بإذن الله تعالى.
كما رواها الراوية السيد ابن سعدن، كما سأسوق ما في روايته من الزيادة على رواية ابن زياد هناك ـ بإذن الله تعالى.

قبيلة إمز غيرسن: أمام حرب إبادية ماكرة

أخبرني الراويتان السيد ابن زياد، والسيد ابن سعدن ـ حفظهما الله تعالى ـ قالا ما ملخصه: إنه قد وقعت معركة إبادية في طرف رجالات إمز غيرسن في زمن الشيخ الشهير إد انتكرنات السوقي العلم المشهور ـ رحمه الله تعالى.
والمعركة تلك وقعت بين قبيلة إمزغيرسن وبين إحدى قبائل إموشاغ, وقد مكر برجالات إمز غيرسن بمكيدة حربية قاضية...
وقصة المعركة تلك بالاختصار، هي: أن إمزغيرسن كانوا متحالفين مع السيد اِنْتِقَّادْ أق إلباك أق آلاد تحالفا قويا...
وكان للسيد إنتقاد ابن عم قريب له ينازعه السيادة، وابن عمه ذلك يعلم أنه لا سبيل له بنزع سيادة السيد انتقاد تلك ما دام متحالفا بإمزغيرسن.
وذلك لما يعلم ما يتمتع به السيد انتقاد من قوة قوية نالها إثر تحالفه مع قبيلة إمزغيرسن.
فقام ابن عم انتقاد ذلك بإحكام مكيدة محكمة، وهي ما اشتمل عليه:
غيابه عن محيط السيد انتقاد وحلفائه، فتغرب عنهم ذاهبا في سبيل كسب تحالف له أخرى، إلى أن تحقق له ذلك خير تحقق إذ عاد بجيش ليغزو به قريبه وقواته خاصة قوة إمزغيرسن...
فلما قرب إلى موطن ابن عمه السيد إنتقاد، ترك من معه من قواته وحلفائه ليس ببعيد لموطن السيد إنتقاد، ثم جاء السيد انتقاد وحلفاءه، كناصح أمين، يحذرهم من جهة حربية ستغزوهم، قائلا لهم: فإنها لا قبل لكم بها، إلا بعد ثبات شديد، فاقترح عليهم ـ غدرا ـ غدا إذا جاء العدو: أن يكون الجميع متحزمين بحزام واحد، مبالغة في الثبات عند لقاء ذلك العدو القوي الجبار القادم، فقبل السيد انتقاد وحلفاؤه فكرة الثبات أثناء احتدام المعركة بعدوهم الغازي...
ثم تم اعتماد أن يربط كل واحد من رجالات السيد إنتقاد حزامه بحزام صاحبه أثناء المعركة، فيما بينهم بمن فيهم رجالات إمزغيرسن الذين يدور حولهم ذلك المكر الكبار...
هذا وإن الجميع قام بتحقيق وصية منافس السيد إنتقاد على أنه ناصح أمين...
فإذا هو سيد أراد إزالة ملك قريبه، وإبادة رجالات قبيلة: إمزغيرسن...
ولقد تحقق له زوال ملك قريبه وإزالة رجالات إمزغيرسن إزالة إبادية، إذ قُتِلت رجالات إمز غيرسن عن بكرة أبيهم.
وذلك بسبب مكيدة ربط بعضهم ببعض لا غير، فأدى ذلك إلى أنه لم يبق من قبيلة إمزغيسرن إثر تلك المعركة المكيدية إلا النساء: وصبية من اليتامى.
هذا خلاصة القصة ومعركتها ومقتلتها، خاصة في صفوف رجالات إمزغيرسن.
وبهذا زالت سيادة السيد انتقاد، كما زال قوة وسيادة إمزغيرسن القبيلة بموت رجالاتهم جملة وتفصيلا ـ ما عدا أطفالهم اليتامى ـ وانتقال رمز سيادتهم، المسمى عند المجمتع الطارقي: (الطَّبَلْ) إلى سيادة السيد أقزام صاحب المكيدة.