نظم مجمع الأمثال للميداني المسمى فرائد اللآل في نظم الأمثال

ل الميداني أربعة أحرف سمع فيها فِعْل وفَعَل ، وهي مثل ومثل، وشبه وشبه،وبدل وبدل، ونكل ونكل، فمثل الشيء ومثله،وشبهه وشبهه: ما يماثله ويشابهه قدرا وصفة. وبدل الشيء وبدله غيره، ورجل نكل ونكل للذي ينكّل به أعداؤه.



قال ابن خالويه ليس في كلام العرب ماكان على فعل وفعل إلا مثل ومثل ...إلخ وعدما هنا وقد عقدته في نظمي له رشف مصفى الضرب ،في نظم ليس في كلام العرب .

الشيخ الأديب الشريف الأدرعي الجلالي بعد التحية الخالصة أشكرك على المرور ، والإعلام بهذا النظم المبارك الذي نتمنى أن نراه يوما هنا أو في الأوراق.

الباب الأول في ما أوله همز
بنطقه للسحر عمرو حلّلا...وإن من بيانه سحرا حلا
لفظ المثل: (إن من البيان لسحرا) قاله النبي صلى الله عليه وسلم لما وفد عليه عمرو بن الأهتم والزبرقان بن بدر وقيس بن عاصم، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم الأول عن الزبرقان فقال: مطاع في أدْنَيه شديد العارضة مانع لما وراء ظهره. فقال الزبرقان، يا رسول الله : إنه ليعلم مني أكثر من هذا ولكنه حسدني. فقال عمرو: أما والله إنه لزمر المروءة ضيق العطن، أحمق الوالد لئيم الخال، والله ما كذبت في الأولى وقد صدقت في الأخرى. ولكني رجل رضيت فقلت أحسن ما علمت،وسخطت فقلت أقبح ما وجدت. فقال عليه الصلاة والسلام: (إن من البيان لسحرا) أي يعمل عمل السحر لحدة عمله في سامعه وسرعة قبول القلب له ، يضرب في استحسان المنطق وإيراد الحجة البالغة.

كن ذا اقتصاد واطرح عنك الطمع...فإنه المنبت لا أرضا قطع
لفظ المثل: فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى.
المنبت: المنقطع عن أصحابه في السفر ، والظهر: الدابة، قاله عليه الصلاة والسلام لرجا اجتهد في العبادة حتى هجمت عيناه أي غارتا، فلما رآه قال له : (إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق ، إن المنبت أي الذي يجد في سيره حتى ينبت أخيرا . بارتكاب مجاز الأول. يضرب لمن يبالغ في طلب شيء حتى يفوته.
وإن مما ينبت الربيع ما...يقتل حبْطا أو يلم فاعلما
لفظه إن مما ينبت الربيع ما يقتل حَبَطا أو يلمّ
قاله عليه الصلاة والسلام في صفة الدنيا ، والحث على الاقتصاد منها،
والحبط: انتفاخ البطن. وهو أن تأكل الإبل الزرق فتنتفخ بطونها إذا أكثرت.
ونصب حبطا على التمييز ، ومعنى يلم: (يقتل) أو يقرب من القتل.
والإلمام: النزول أيضا ، وهذا بعض حديث مطول وهو: ( إني أخاف عليكم بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها)، فقال رجل : أو يأتي الخير بالشر يا رسول الله، فقال عليه الصلاة والسلام ( إنه لا يأتي الخير بالشر وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم إلا آكلة الخضر فإنها أكلت حتى إذا امتلأت خاصرتاها استقبلت عين الشمس فثلطت وبالت ثم رتعت).
وفيه مثلان، أحدهما للمفرط في جمع الدنيا ومنعها من حقها. والآخر للمقتصد في الانتفاع بها
فقوله إن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم فهو مثل المفرط التي يأخذها بغير حق ؛ فإن الربيع ينبت أحرار العشب تحلوليها الماشية فتستكثر منها حتى تنتفخ بطونها فتنشق أمعاؤها فتهلك. كذلك من يجمع الدنيا من غير حلها ويمنع صاحب الحق يهلك في الآخرة .
ومثل المقتصد قوله صلى الله عليه وسلم إلا آكلة الخضر ؛ فإن الخضر ليست من أحرار البقول التي ينبتها الربيع بل من الجنبة التي ترعاها المواشي بعد هيج البقول ، فضربها صلى الله عليه وسلم مثلا لمن يقتصد في أخذ الدنيا وجمعها فلا يأخذها من غير حق فهو ينجو من وبالها كما نجت آكلة الخضر . ألا تراه قال عليه الصلاة والسلام فإنها إذا أصابت من الخضر الخ... أراد أنها إذا شبعت منها بركت مستقبلة الشمس تستمرئ بذلك ما أكلت وتجتر وتثلط فإذا ثلطته فقد زال عنها الحبط ، وإنما تحبَط الماشية؛ لأنها لا تثلط ولا تبول . يضرب في النهي عن الإفراط.

درس ممتع , وشرح مبدع وفوائد في الصميم نشكر الشيخ اداس على هذا الجهد المبارك.

إن يسه من وصى بما كفاني...إن الموَصَّيْنَ بنو سهوان
صوب الميداني في معناه أن يقال إن الذين يوصون بالشيء يستولي عليهم السهو حتى كأنه موكل بهم. وهو يضرب لمن يسهو عن طلب شيء أمر به والسهوان السهو ، ويجوز أن يكون صفة موصوف محذوف أي رجل سهوان ، وهو آدم عليه السلام حين عهد إليه فسها ونسي.
والمعنى: إن الذين يوصون لا بدع أن يسهوا لأنهم بنو آدم عليه السلام .
يدرك من لحظ الفتى أسراره ...إن الجواد عينه فراره
الفرار بالكسر النظر إلى أسنان الدابة ليعرف قدر سنها، وهو مصدر، وبضم الفاء : اسم منه.
يضرب لمن يدل ظاهره على باطنه؛ فيغني عن اختباره، حتى يقال: إن الخبيث عينه فراره.
دع طمعا يوقع في مآتم...إن الشقي وافد البراجم
قاله عمرو بن هند لما قتل بأخيه الذي قتله سويد بن ربيعة وفرّ مائة من بني تميم تسعةً وتسعين من بني دارم، وواحدا من البراجم، حيث أحرقهم، فشم رائحة اللحم فظنه وليمة ، فجاء فأكملت به المائة، والقصة مشهورة .
يضرب لمن يوقع نفسه في هلكة طمعا.
أهد لمن تخشى تعش هنيئه...كم غضب سكنت الرثيئه
لفظ المثل: إن الرثيئة تفثأ الغضب، الرثيئة : اللبن الحامض يخلط بالحلو، والفثء: التسكين.
يقال: إن رجلا نزل بقوم كان ساخطا عليهم وهو جائع فسقوه الرثيئة فسكن غضبه.
يضرب في الهدية تورث الوفاق وإن قلت.
أشكو زمانا ذل فيه الأكبر...فيه البغاث دائما يستنسر
لفظه: إن البغاث بأرضنا يستنسر، البغاث ضرب من الطير دون الرخمة، وهو مثلث الباء، واستنسر: صار نسرا في القوة.
يضرب للضعيف يصير قويا، وللذليل يعز بعد الذل.
فارأب فسادا تكتفي عويصه...إن دواء الشق أن تحوصه
الحوص: الخياطة.
يضرب في رتق الفتق وإطفاء النائرة.

وكن شجاعا حينه من شوقه...إن الجبان حتفه من فوقه
خص الفوق لأن التحرز مما ينزل من السماء غير ممكن، يعني أن الجبان يسرع إليه الحتف حيث يجيئه مما لا مدفع له. يضرب في قلة نفع الحذر من القدر، وهو من قول عمرو بن أمامة :
لقد حسوت الموت قبل ذوقه...إن الجبان حتفه من فوقه
كالثور يحمي جلده بروقه.
لم ينخدع من منه عوفي في الورى...إن المعافَى غيرُ مخدوع يُرَى
أصله أن رجلا من بني سليم اسمه قادح علق امرأته رجل اسمه سليط من بني سليم أيضا. وكان ذلك في زمن أمير يكنى أبا مظعون ، فلم يزل بها حتى واعدته، فأتى زوجها ، وقال : إني علقت جارية لأبي مظعون واعدتني، فإذا دخلت عليه فاقعد معه في المجلس فإذا أراد القيام فاسبقه فإذا انتهيت إلى موضع كذا فاصفر حتى أعلم بمجيئكما فآخذ حذري ولك في كل يوم دينار فخدعه بهذا ، وكان أبو مظعون آخر الناس قياما من النادي ، ففعل قادح ذلك ، وكان سليط يختلف إلى امرأته فجرى ذكر النساء يوما فذكر أبو مظعون جواريه وعفافهن، فقال قادح وهو يعرض بأبي مظعون ربما غر الواثق، وخدع الوامق، وكذب الناطق، وملت العاتق، ثم قال :
لا تنطقن بأمر لا تيقنه... يا عمرو إن المعافى غير مخدوع
وعمرو اسم أبي مظعون.فعلم أنه يعرض به ، فلما تفرق القوم وثب على قادح فخنقه وقال: اصدقني فحدثه بالحديث ، فعلم أن سليطا خدعه، فأخذ بيد قادح ومر به على جواريه فإذا هن مقبلات على عملهن جميعا ، ثم انطلق به إلى منزله فوجد سليطا قد افترش امرأته ، وقال له إن المعافى غير مخدوع تهكما بقادح فأخذ السيف وشد على سليط فهرب فمال إلى امرأته فقتلها.
يضرب لمن يخدع فلا ينخدع.والمعنى أن من عوفي مما خدع به لم يضره ما كان خودع به.

فوائد مهمة نشكر الشيخ اداس ومازلنا نتابع هذاالدرس اللغوي الدسم.

قد يترك الخير لشر يجلب....وإن في الشر خيارا يطلب
الخيار جمع الخير كالأخيار ، أي إن في الشر أشياء خيارا ، كما يقال: بعض الشر أهون من بعض، ويجوز أن يكون الخيار اسما من الاختيار أي في الشر ما يختار على غيره.
يضرب عند ظهور الشرين بينهما تفاوت.
فقابل الشيء بشيء يصلح...إن الحديد بالحديد يفلح
الفلح الشق، ومنه الفلاح للحراث لشقه الأرض .
أي يستعان في الأمرالشديد بما يشاكله.
العاشق المسكين والرقيب لا...ينفكّ كلٌّ من عناء وبلا
إن الحماة أولعت بالكنه...وأولعت كنتها بالظنه
الحماة: أم الزوج، والكنة: امرأة الابن والأخ أيضا.
والظنة: التهمة، وبين الحماة والكنة عداوة مستحكمة.
يضرب في الشر يقع بين قوم هم أهل لذلك.
قد يقتل العدو مما يسهل...ومن جنود الله قيل العسل
لفظ المثل: إن لله جنودا منها العسل، قاله معاوية لما سمع أن الأشتر سقي عسلا فيه سمّ فمات .
يضرب في الشماتة بما يصيب العدو.
لا تهو ما يلقيك في المعاطب...إن الهوى يميل باست الراكب
لفظه: إن الهوى ليميل باست الراكب. أي من هوي شيئا مال به هواه إليه كيفما كان.
دع عثرة لشامخ المقدار...قد يعثر الجواد وهو جاري
لفظه: إن الجواد قد يعثر.
يضرب لمن يكون الغالب عليه فعل الجميل ثم تكون منه الزلة.
ولا تلم ذا شفقة بالسوء ظن(1)...إن الشفيق مولع بسوء ظن
لفظه: إن الشفيق بسوء ظن مولع.
يضرب للمعني بشأن صاحبه حيث يظن به وقوع الحوادث كظنون الوالدات بالأولاد
لا تعتذر يوما وإن كان ندب... إن المعاذير يشوبها الكذب
المعاذير كالمعاذر جمع المعذرة .
قيل: إن رجلا اعتذر إلى إبراهيم النخعي فقال إبراهيم : قد عذرتك غير معتذر...إن المعاذير يشوبها الكذب
رب صغير جاء منه ذا عظم...إن الخصاص جوفها فيه الرقم
لفظ المثل: إن الخصاص يرى في جوفها الرَّقَم .
الخصاص: الفرجة الصغيرة بين الشيئين. والرقَم: الداهية العظيمة ، يعني أن الشيء الحقير يكون فيه الشيء العظيم.

　
　
.................................................. ..........
(1)=هكذا صدر هذا البيت: بالسوء ظن: وتخريجه، والله أعلم أن ظن إما منصوب على أنه مفعول لأجله، وقف به على لغة ربيعة، وإما أنه مصدر في موضع الحال، وقف به على نفس اللغة، والله أعلم. كتبه أداس السوقي.

وكم بلايا أصلها بُلَيَّه...إن العصا قالوا من العُصَيّه
قال أبو عبيدة هكذا قال الأصمعي ، وأحسبه العُصَيّة من العصا، إلا أن يراد أن الشيء الجليل يكون في بدء أمره صغيرا كما قالوا أن القرْم من الأفيل ، فيجوز حينئذ على هذا المعنى أن يقال: العصا من العصية، وهي تصغير تكبير مثل:
.................... دويهية تصفر منها الأنامل.
وقيل إن العصا اسم فرس، والعصية اسم أمه، يراد أنه يحكي الأمَّ في كرم العرق وشرف العتق.
وأول من قال هذا المثل: الأفعى الجرهمي لما احتكم إليه مضر وإياد وربيعة وأنمار أولاد نزار.
وكم خطوب لخطوب تختلسْ...إن الدواهي في الدواهي تهترسْ
لفظه: إن الدواهي في الآفات تهترسُ . ويروى: ترتهس، قلب تهترس من الهرس وهو الدَّقُّ.
يعني أن الآفات يموج بعضها في بعض ويدق بعضها بعضا كثرة.
يضرب عند اتداد الزمان واضطراب الفتن.
وأصله أن رجلا مر بآخر وهو يقول: يا رب إما مهرة أو مهرا فأنكر عليه ذلك ، وقال لا يكون الجنين إلا مُهرة أو مهرا فلما ظهر الجنين كان مشيّأ الخلق مختلفه، فقال الرجل:
قد طرقت بجنين نصفه فرس...إن الدواهي في الآفات تهترس
لا تعجل الأمر وطئت فرشه...إن عليك جرشا تعشّه
لفظه: إن عليك جرشا فتعشه.
الجرش مثلث الجيم، وبتحريك الراء كصرد ما بين أول الليث إلى ثلثه. وفي الشرح يقال: مضى جرش من الليل ، وجوْش أي هزيع، وهاء تعشه إما للسكت أو عائدة إلى الجرش على الحذف والإيصال أي تعشّ فيه.
يضرب لمن يؤمر بالاتئاد والرفق في أمر يبادره فيقال له: إنه لم يفتك وعليك ليل بعد فلا تعجل.
وصن أمورا ذو الحجى واراها...إن ورا الأكْمة ما وراها
سكن الأكمة وقصر وراء للضرورة.
وأصله أن أمة واعدت صديقها أن تأتيه وراء الأكمَة إذا فرغت من مهنة أهلها ليلا فشغلوها بالعمل ، فقالت حين غلبها الشوق حبستموني وإن وراء الأكمة ما وراءها .
يضرب لمن يفشي على نفسه أمرا مستورا.