|
المنتدى الأدبي ميدان للإبداع خاطرة أدبية أوقصة أو رواية أو تمثيلية معبرة أو مسرحية أو ضروب الشعر وأشكاله |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
08-18-2010, 05:16 PM | #11 | |
|
إن كيدكن لعظيم
- ومضى ذلك اليوم ، وعندما عاد يسار في المساء ، وبلغ المكان الذي كان يتحدث به مع العم عثمان ، تذكر تلك القصة ، وتذكر حسناء .. فخفق قلبه .. وتلفت حوله .. وشعر كأنه يسمع صوتها العذب يردد بدلال وإغراء : إنه لا يريدنا .. وتطلع إلى النهر الذي خيَّم عليه الظلام ، وكانت الريح ساكنة .. وبقي واقفًا لحظات تهجم عليه خواطر شتى .. كيف هجمت هذه الفتاة على قلبه ؟! كيف تسلَّلت إليه ؟ لقد أصاب قلبه ما كدَّر صفاءه ، لقد تلوث قلبه .. إنه لم يعد ذلك الفتى الطاهر النقي الثوب .. إن قلب العابد يجب أن يخلو من الصور .. لا يدع فيه مكانًا لمثل هذه الفتاة .. كيف سمح لها أن تلوث بساط قلبه بأقدامها ؟! كيف سمح لها .. إنه لولاه لما طمعت فيه .. ولكن لا .. سيذهب غدًا .. وسيحدث الشيخ بكل ما حدث ، فعنده الدواء .. ولم لا يحدثه ؟
- إنه لا يفضي لأبيه .. ولا لأي إنسان قريب بما يفضي به للشيخ ، إنه يشعر بأن الشيخ منه بمنزلة الأب والأخ الكبير والصديق .. بل أكثر من ذلك كله .. إنه المربي .. - مع الخيط الأول من الفجر ، استيقظ يسار على صوت المؤذن ، وكان صوته نديًا ، رقيقًا ، فيه الهدوء والسكينة والجلال .. وظل يستمع إليه بكل حواسه ، دون أن يغادر فراشه ، وشعر لكلمات الأذان بمعان جديدة قوية مؤثرة .. فالصلاة دائمًا مقرونة بالفلاح .. فكيف يفلح من لا يصلي ؟! - حتى إذا انتهى الأذان ، انتفض قائمًا ، وأسرع فتوضأ ، ثم ارتدى ملابسه وغادر البيت .. - وبعد صلاة الفجر ، تحلَّق المصلون حول الشيخ يستمعون إلى حديثه . - كانت كلمات الشيخ تسطع في النفس كما تسطع النجوم في السماء ، وتتصل بالروح تمد لها بسبب إلى التقوى ، وهي بعد ذلك أشبه بالماء الزلال عصرته العيون ، فخرج خالصًا سائغًا شرابه ، يرف بندى الحياة .. - وضرب مثلاً للسائرين إلى الله ، كجماعة أرادوا الصعود إلى جبل ، فمنهم من تخلَّف من أول الطريق ، وقد هاله ارتفاع الجبل ، فانهارت عزيمته . ومنهم من أدركه التعب وهو لم يبلغ ربع المسافة . ومنهم من وصل إلى نصفه ، لكنه عثر فتدحرج .. فقد يقوم هذا المتدحرج ليعاود تسلق الجبل .. وقد تقعد به الهمة فيبقى في مكانه الذي انتهى إليه , والسعيد السعيد من استطاع أن يبلغ القمة . - كان الشيخ يتحدث والجماعة المحيطة به تصغي إليه إصغاء تامًا وقد أخذ بعضهم يكتب على لوح أحضره معه ، حديث الشيخ لكي لا ينساه .. وكان بعضهم يتنهد بحرارة وهو يقارن حاله بما يسمع . - وتنهد يسار وهو يتصور حاله .. إنه لا يدري أي مسافة قطع فاعترضته هذه الفتاة .. وسدت عليه الطريق ، فهو يعمل جاهدًا على تنحيتها عن طريقه ، والسير إلى الأمام .. !! - ولم يشعر إلا والجماعة ينهضون ، لقد انتهى الشيخ من حديثه اليوم ، فأين كان سارحًا وشدَّ الشيخ على يد يسار .. وغض هذا بصره تحاميًا لعيني الشيخ .. وخشي أن يقرأ الشيخ ما فيه نفسه .. ولم يحدث الشيخ يما يريد . - وعاد إلى البيت وهو ينقل الخطوات بتثاقل ، وكان الجو باردًا والرياح بدأت تشتد ، وبرزت طلائع سحب في السماء ، وقد تكشَّفت الدنيا ، وزال الظلام .. وأخذت الريح تضرب بعض أوراق الأشجار اليابسة المتساقطة على الأرض فتسوقها أمامها .. - ولم يلتفت إلى النهر الهائج ، ولا إلى صف البيوت على الجانبين ، ولا إلى الذين يغادرون بيوتهم طلبًا للرزق .. - لم يلتفت إلى هذا كله .. لقد كان يلوم نفسه .. يؤنبها .. وشعر يسار بالدموع تنزل على خديه .. ألا يستطيع أن يقف في وجه الفتاة ؟ وصل إلى البيت .. ولم ينتبه يسار عندما كان جالسًا على مائدة الفطور ، لم ينتبه إلى أخته سناء التي كانت تنظر إليه كعصفورة وجلة .. إلى شروده وسهومه .. لم ينتبه إليها وهي تقول : هل أنت مريض ؟ - فحوَّل وجهه وهو يغالب ابتسامة حزينة وقال : لا .. ولمَّا ألحت عليه .. قال وقد ضاق بإلحاحها : نعم .. قلبي . يتبع منقول |
|
التعديل الأخير تم بواسطة عبدي أق تلي ; 08-19-2010 الساعة 04:22 PM
|
08-19-2010, 04:21 PM | #12 |
|
إن كيدكن عظيم
- فنهضت.. وقالت : سآتيك بالدواء الذي تستعمله أمي .. وأمسكها من يدها وهو يقول : إنه فقط.. أصابه بعض الغبار . وترك يدها ومد يده إلى طعام الإفطاروهو يقول : بسم الله ... - لم يكن أمام يسار إلا أن يغير طريق ذهابه إلى محل أبيه ، لكي يتجنب رؤية حسناء ، سيسلك طريقا آخر ، وإن كان طويلاً ، ولم يتعود على سلوكه من قبل . - ومضى يسار ، وحمد الله على السلامة ، فقد مر اليوم الأول والثاني والثالث دون أن يراها . ولكن صورتها لم تغادر خياله .. وصوتها يهمس في أذنه ، ونظرتها .. وفي كل يوم يزداد شوقًا وتلهفًا .. والمكان الذي احتلته في قلبه بدأ يتسع . ولكنه كان يقاوم ويحاول أن يأسو جراح قلبه . - و في مساء اليوم الرابع ، ذهب يسار بعد صلاة العشاء ، إلى بيت القاضي وقد تأخر ذلك المساء في بيت القاضي ، فلما خرج ، كانت السماء قد ادلهمت بالغيوم ، وأخذت ترسل رذاذًا ، فأسرع يسار إلى منزله ، خشية أن يدركه المطر . وقبل أن يصل إلى البيت بخطوات ، برز من زاوية مظلمة ، رجل متوسط القامة ، وقال بصوت هادئ : هل تسمح يا سيدي ؟ - ونظر إليه يسار ، وتبين ملامحه ، إنه خادم حسناء .. مريد .. وعاد هذا يقول مرة أخرى : إن سيدتي مريضة .. وهي تود أن تراك . - لقد ظن أنه تخلص منها نهائيًا ، وظن أنها لن تعترض طريقه . ولكن هاهو خادمها يأتي ليذكِّره بها ، ليجذبه إليها . - قال يسار : ويحك يا رجل . وما شأني بمرضها ؟ وسكت قليلاً ثم أضاف : ادع لها طبيبًا . - فأجاب الخادم بلهجة صادقة : لم أجد الطبيب في بيته يا سيدي . فأرسلتني أدعوك . - ولما نظر إليه يسار متعجبًا ومستغربًا ، أضاف الخادم يقول : ربما تريد أن تسرَّ لك بأمر يا سيدي , إنها يا سيدي في حالة يرثى لها .. إنك لو رأيتها يا سيدي ، لرق لها قلبك .. من يدري .. ربما لا تعيش إلى الغد .! - ومسَّت قلبه العبارة الأخيرة ، فهتف مأخوذًا : لا تعيش إلى الغد ؟ - وهزَّ الخادم رأسه وهو يؤكد : الأعمار بيد الله يا سيدي . ربما تريد أن تبوح لك بسر .. - ودق قلب يسار وهو يحرك شفتيه : سر ؟ - ولم يشعر يسار إلا كما يشعر السابح الذي ألقي في اليم ، فنال منه الجهد والتعب ، وأخذت الأمواج تتقاذفه إلى حيث تشتهي ولا يشتهي ..!! - كانت الفوانيس تبدو باسمة مستسلمة مسرورة بما ترسل السماء من رذاذ ، وكان بعضها يبدو خائفًا وجلاً قد انخنس نوره مترقبًا لما قد تأتي به بعد ذلك ، ولاسيما في هذا الموسم من آخر الشتاء . - عندما فتح الخادم باب الغرفة التي ترقد فيها الفتاة ، طارت إلى أنف يسار رائحة المسك ، وبدت الغرفة في تأثيث فاخر ، وفي صدرها سرير قرطبي ، يتدلى فوقه سراجان, وقد تمددت حسناء على ذلك السرير القرطبي وارتاح شعرها الكستنائي الطويل الناعم على ترائبها . - كانت حسناء تئن وتتأوه ، وتتلوى من الألم . ولم يصدق يسار أول الأمر ، وقد تسمرت قدماه في أول الغرفة ، وظن أنه قد خدع ! ولكن تردده لم يطل .. فقد التفتت إليه بعينيها المتضرعتين ، فخفق فؤاده وانجذب إليها كالمسحور ، حتى إذا صار قريبًا منها قال بصوت اجتهد أن يكون خافتًا كأنه من دنيا الأحلام : حسناء .. - وأجابته بعينيها ، وهي تصغي إليه ، تستمع لألحان صوته العذب ، وصدرها يعلو ويهبط .. وراح يسار يردد كالنائم : حسناء .. كيف حالك يا حسناء ؟ - وتبسمت وهي تغالب دمعة متألمة ، وقالت بصوت يشبه الأنين : لقد خشيت أن أموت ولا أسمع اسمي يتردد على لسانك .. -فهتف كالمأخوذ : حسناء .. أنت ملء القلب يا حسناء . - وتدحرجت الدمعة على خدها طربًا ، وقالت والابتسامة تشرق على وجهها : يسار .. أنا .. - وهتف مرة أخرى : أنت يا حسناء .. أنت ملء القلب . - وانتقلت على أنغام صوته ، إلى عالم مملوء بالرياحين ، فتحركت في مكانها وأرادت أن تجلس ، ولكن الألم عاودها .. فتأوَّهت ، وتلوت في فراشها وأخذت تئن أنينًا يشبه النحيب . وكان ينظر إليها ، ويحس بقلبه الغض يتلوى معها ، ويئن ، ويتمنى لو زال عنها الألم . - كانت جدران الغرفة مصبوغة باللون الوردي الفاتح والسراجان المتدليان فوق السرير يضيفان على الغرفة بهاءً ورونقًا ، والموقد الصيني في جانب الغرفة يشيع الدفء . وعندما خفَّت عنها وطأة الألم ، نظرت إليه وقالت : إنني .. وتطلَّع إليها ، إلى شفتيها القرمزيتين ، إلى حبات العرق التي تصببت على جبينها نتيجة الحمى ، يريد أن يسمع ما تقول .. ولكن الدموع غلبتها .. قال لها بصوته المتألم : أنتِ تبكين يا حسناء . - قالت وهي تنظر إليه متشبثة : إنني أخشى أن أموت . - وهتف دون وعي : عافاك الله يا حسناء . - ثم أضاف يطمئنها : إن صحتك جيدة . - قالت ، وقد سرها أن تنظر إلى عينيه اللتين روَّعهما كلامها : هل تريدني أن أعيش ؟ - وأدارت رأسها إلى الناحية الأخرى ، وهي تبكي بصمت فلما رأى الدموع تنساب على خدِّها ، تحطمت جميع الأقفال التي أقامها على قلبه ، وفتحت الأبواب كلها دفعة واحدة .. وهتف كالمجنون : حسناء .. كفكفي دموعك يا عزيزتي .. ارحمي قلبي .... يتبـــــــــــــــــــــــــع مــــــــــــــــــــــــــنقـــــــــــــــــــــ ــــــــــول |
|
08-20-2010, 02:18 AM | #13 |
|
رد: إن كيدهن لعظيم
- والتفتت إليه وقالت : أنت تحبني .. أليس كذلك ؟
- وتولَّت العيون الجواب ، وسكتت لغة الكلام ، من أين للألسن أن تفهم لغة العيون ؟! - وأرادت مرة أخرى أن تبوح له بما في نفسها .. ولكن في اللحظة التي فتحت فيها فمها لتتكلم ، دخل الخادم يحمل الدواء في قدح . هذا الدواء يفيد يا سيدتي .. - وكانت لا تزال تنظر إلى يسار .. فأسرع يتناول الدواء من الخادم ، واعتدلت في الفراش ، وقرب يده بالقدح ، وقال : اشربي .. بسم الله. فشربته على دفعات .. ثم عادت فتمددت ، وسحبت الغطاء ، وأخذ صدرها يعلو ويهبط ، وسمعها تئن أنينًا خافتًا وتتوجع ثم هدأ صدرها ، واستسلمت للنوم .. - وبقي يسار ينظر إليها وكأنه في حلم .. ثم التفت إلى الخادم ، وسأله بصوت خافت : منذ متى وهي على هذه الحال ؟ -فأجاب الخادم : منذ يومين يا سيدي . -قال يسار : وهل تناولت دواء خلال اليومين ؟ - فهز رأسه قائلاً : هذه أول مرة تتناول فيها الدواء ... - وسكت مريد قليلاً ثم أضاف : لقد كانت تلح علي أن أدعوك .. منذ اليوم الأول لمرضها . - ونهض يسار ، وهو يلقي عليها نظرة عطف وحنان ، وقال : سأعودها غدًا .. إن شاء الله . - وفي اليوم التالي لم يشعر يسار إلا وهو يقف على باب بيتها في نهاية سوق الخبازين ، وكان الوقت قد قارب المغرب .. ورفع يده يهم بطرق الباب .. ولكنه توقف .. وأخذت يده تهبط بهدوء ، حتى استقرت إلى جانبه . ثم استدار عائدًا .. من حيث أتى .. ومشى خطوات .. بطيئة ، ثقيلة ، متمهلة .. ثم وقف .. لقد شعر بشيء خفي يشده إلى الخلف .. إلى بيت حسناء ، فالتفت ينظر إلى الدار - وعاد مرة أخرى ، وقد عزم على أن يطرق الباب ولكنه قبل أن يتقدم إلى الخطوة الثالثة تذكر .. - تذكر حديث الشيخ في آخر مرة حضر فيها إلى المسجد .. وتذكر كيف ضرب الشيخ مثلاً للسائرين إلى الله .. - ترى أين مكانه ؟ هل هو في حال المتدحرج من الجبل ؟! وإلى أين وصل ؟ أتقف هذه المرأة في طريقه ؟ - وغضب يسار وهو يرى أنه قد أهين بجره إلى هذا الطريق .. وعزم على أن يقابل حسناء ليرى ماذا كانت تريد أن تقول له .. ولكي يصرخ في وجهها ، سيقول لها صراحة : أنا أكرهك سوف يتخلص منها بلا ريب .. وأسرع الخطى .. وطرق الباب .. وانتظر .. انتظر طويلاً .. فلم يفتح الباب !! - وطرق مرة أخرى .. وتمنى لو سمع صوتًا .. أي صوت .. فلم يسمع إلا شقشقة العصافير على النخلة الباسقة التي تجاوزت في ارتفاعها سطح الدار .. وأراد أن يعود .. ولكن .. حسناء كانت تقف وراء الباب تنظر إليه من ثقب صغير فلما هم بالانصراف فتحت الباب .. وبدت له بشعرها الكستنائي الطويل الناعم الذي أرسلته على كتفيها ، وعينيها الكحيلتين ، وأنفها الصغير المستقيم ، ووجهها الذي عادت إليه العافية فأكسبته بهاءً ورواءً . ورحبت به بابتسامة غمرت كل أعضائها ، وبصوت كالهمس قالت : تفضل .. وقبل أن يعتذر ، رآها تترك الباب مفتوحًا ، وتتقدمه إلى غرفة الاستقبال .. ولم يشعر إلا وهو هناك ، وحسناء تشير إليه بكل رقة وتدعوه للجلوس . ثم تركت الغرفة ، وعادت بعد قليل وقد حملت إليه في صينية مستديرة قدحًا من عصير الرمان |
|
08-20-2010, 06:20 PM | #14 |
|
رد: إن كيدهن لعظيم
بارك الله فيك أخي عبدي جميله حقا وممتعه دمت ودام مدادك
|
سوقي وأعتز شامخ الراس مايهنز أشوف المدينه ويضيع قلبي ويفز
|
10-06-2010, 06:21 PM | #15 |
|
رد: إن كيدهن لعظيم
مشكور ابن المدينة و كل رواد المنتدى من أعضاء و قراء على مرورك وستكون نهاية القصة في متناولكم قريبا إن شاء الله
|
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الكلمات الدلالية (Tags) |
قصة |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|