|
المنتدى الأدبي ميدان للإبداع خاطرة أدبية أوقصة أو رواية أو تمثيلية معبرة أو مسرحية أو ضروب الشعر وأشكاله |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||||||
|
||||||||
إن كيدكن عظيم
سبعة أقفال :فيها الكثير من العبر وهي شفاء للقلوب وإن شاء الله تستفيدون منها...'' - - قال محمد بن إسحاق: كان صاحبي يسار قد نشأ في طاعة الله ، ، حتى عرف بين أقرانه بالراهب ، وسمَّاه بعضهم : (( حمامة المسجد )). وكان كثير الصمت ، قليل الكلام ، ولكن حديثه ينفذ إلى القلب ، يسحر السامع ويأخذ بلبه ، ويستولي عليه . ولقد علمت بتفاصيل القصة بعد حين وسأذكرها كلها من البداية إلى النهاية ، وهي والحق يقال ، لو اطَّلع عليها البشر ، لكانت عبرة لمن اعتبر وبداية القصة ،... أنه كان في بغداد فتاة تركية يتيمة اسمها حسناء امتهنت الغناء بعد وفاة والدها وكان يُعقد في بيتها مساء الثلاثاء من كل أسبوع ، مجلس للطرب والغناء ، وكان يحضره شباب من القوم ، منهم حكيم بن محمود ، وحسَّان بن معيقيب ، وحبيب بن مسعود ، وغيرهم وقد تأخر ذات يوم عن الحضور في الوقت المعين سعيد بن منصور , وعندما حضر بادره الجميع بقولهم : أين كنت ؟ فأجابهم وهو يتخفف من بعض ملابسه ، وعلامات التأثر بادية على وجهه : التقيت هذه الليلة بيسار .. وسرت في نفوس القوم هزَّة خفية ، وساد المكان سكونٌ شامل ونظرت حسناء بعينيها اللوزيتين ، وقاربت ما بين حاجبيها ، وسألت : ومن يسار هذا ؟ فأجابها حبيب بن مسعود ، وكان على صلة قديمة بيسار : أنا أعرف القوم بحاله , وأخذ يحدثها بكل ما يعرف عنه ,عن عبادته وتواضعه وحسنه وأخلاقه وعذوبة منطقه . وتنهَّد حسَّان بن معيقيب وقال : ذلك الرجل عرف الطريق إلى ربه .. فأنصتت حسناء بكل اهتمام ، وأخذت بما سمعت ، وعزمت في قرارة نفسها على أن تحظى به .. ومالت حسناء برأسها ، وسألت حبيب بن مسعود : هل هو متزوج ؟ واستطاع حكيم ، أن يدرك ما يدور في خلد حسناء ، فقال وهو يضحك : لا سبيل لك إلى يسار . فالتفتت إليه متحدِّية وقالت : سوف ترى .. ورفعت حسناء يدها ، تتحسَّس القرط اللؤلئي الذي يزين أذنها ، ثم نادت الخادم ، فأقبل ، وقد أحضر لها رقعة ، كتبت عليها شيئًا وطوتها بعناية فائقة ، ولفَّتها في منديلها المعطَّر ، ثم التفتت إلى سعيد بن منصور وقالت : أين نجد يسارًا في هذه الساعة ؟ فأجابها وهو يشير بيده : رأيته متجهًا إلى بيت القاضي بعد صلاة العشاء . وقبل أن يخرج الخادم صاح حبيب بن مسعود منفعلاً ، وأخذ يردد : إن دون الوصول إلى اليسار سبعة أبواب عليها سبعة أقفال من حديد . وما هي إلا ساعة ، حتى عاد عربيد بوجهٍ بغير الوجه الذي ذهب به ، وناولها المنديل دون أن يتفوَّه بكلمة . فأخرجت الرقعة ، وألقت عليها نظرة خاطفة ، ثم قفزت بثوبها الأبيض الفضفاض ، وشعرها الكستنائي الطويل الناعم وهي تحمل الرقعة بيدها اليمنى وتقول : هذا هو القفل الأول قد انفتح . وعلت الدهشة وجه حبيب ، ولم يصدق سعيد بن منصور أذنيه ، وبقي حسَّان ينظر إليها دون أن ينطق ، أما حكيم ، فقد أخذ يصفق ويصيح , أما حسناء ، فقد استمرت كالفراشة الجميلة تدور في المكان ، وهي تحمل الرقعة بيدها وتقول : هذا هو القفل الأول قد انفتح .. انظروا .. وألقت الرقعة على المنضدة ، فتسابقت الأيدي للحصول عليها والاطِّلاع على ما فيها .. فكان حكيم أسرع القوم إليها ، فخطفها وأخذ يلوح بها وهو يضحك وينظر إلى حبيب بن مسعود ويقول : -هذا هو صاحبك قد وقع , وقبل أن يقرأها ، وبخفة متناهية أدهشت الجميع ، خطفتها حسناء من يده ، وجذبت عربيدًا وذهبت إلى غرفة مجاورة . واستحثت حسناء الخادم وهي تقول : -أخبرني يا عربيد .. أخبرني بكل ما رأيت , وكانت حسناء متلهِّفة لسماع حديثه ، فهزِّته قائلة : - ماذا دهاك يا عربيد .. تكلم ؟ فأجاب بصوت هادئ عميق النبرات : يا سيدتي .. إن الوصول إلى القمر ، لأهون ألف مرة من الوصول إلى يسار .. فأطرقت حسناء ، وتغير لونها ، وقالت بصوت هادئ خافت ودود : حدثني يا عربيد .. أخبرني بكل شيء .. بكل ما رأيت وسمعت . قال ، وقد انقاد إلى لهجتها : رأيت نازك الرومي ، خادم القاضي ، يهم بدخول الدار ، فاستوقفته ، وأخبرته بأني أريد أن أقابل يسارًا على انفراد . فأخذ بيدي إلى غرفة قريبة من الديوان .. وانتظرت حتى أقبل يسار . متوسط القامة ، أزهر اللون ، تجلله المهابة ، ويعلوه الوقار ،.. لقد تمنَّيت من كل قلبي لوعُدت أدراجي ، ولم أفاتحه .. وسكت عربيد ، وكأنه يريد أن يستحضر كل لحظة عاشها مع يسار .. واهتزت ذبالة القنديل على نسمة باردة ، تسللت من شق الباب .. وتحرك ظل حسناء على الجدار... كانت حسناء تصغي إليه باهتمام ، وقد سحرها بوصفه ، وملك عليها مشاعرها ومضت تستحثه : وماذا بعد .. تكلم يا عربيد .. ! ! ! قال : بدأني بالسلام .. ثم قال : ما اسمك ؟ قلت : عربيد . فلم يعجبه هذا الاسم ، ونظر إليَّ ساعة ثم قال : بل أنت مريد .. أتدري من هو مريد ؟ ولما لم أجب ، مضى يقول : المريد هو صاحب الإرادة القوية المريد هو الذي يريد الوصول إلى الله ، بقلب سليم . اتق الله يا مريد واجتنب المعاصي . وعاد عربيد إلى السكوت .. ولم يدر ما كان يعتمل في صدر حسناء التي استبدَّ بها الشوق إلى معرفة المزيد عن يسار حتى نَسِيَت نفسها ، ونَسِيَت الضيوف الذين كانوا ينتظرون عودتها ..وهزَّته حسناء . وقالت بصبرٍ نافد : - تكلم . تكلم يا عربيد .. لا تسكت . فنظر إليها وقال : مددت يدي بالرقعة ، بتردد ، وتخاذل ، وخجل .. فتناولها ، وألقى عليها نظرة .. فتغيَّر لونه ولكني أسرعت أقول له ، قبل أن أسمع منه ما يؤلمني : إنها تريد أن تتحدث إليك بمشكلتها يا سيدي .. إنها لا تريد أن يطَّلِع عليها غيرك . فرفع رأسه ، وقد سُرِّيَ عنه بعض ما به وقال : لتكتب مشكلتها . ثم وقَّع بكلمة واحدة : اكتبيها . ألقى الرقعة ، وعاد من حيث أتى . فصفقت حسناء بيدها ، ودارت حول نفسها طربًا وهي تقول : لقد وقع الطائر في الفخ . فهزَّ عربيد رأسه وقال : ألم يقل لك حبيب بن مسعود ، إن دون الوصول إلى يسار سبعة أبواب عليها سبعة أقفال من حديد ؟! فقهقهت حسناء ولقد لمع في فمها صفان مثل الحب الجمان ، ودفعت الخادم في صدره وهي تقول : إنني أملك المفتاح الأستاذ الذي تتساقط أمامه جميع الأقفال ..ثم أشارت بيدها إلى صدرها وقالت : أنا .. - سأدعوك من هذه الساعة .. ( مُريد ) . - واستمر القوم في حديثٍ وضحك وانشراح حتى أصبح الصباح ، وارتفع صوت المؤذن من المسجد القريب يدعو .. حي على الفلاح - فتنهَّد حبيب بن مسعود وقال : هذه ليلة من عمرنا خسرناها . - وخرج القوم فردًا فردًا ، وكان خروجهم بعد صلاة الفجر بقليل ، وسلك كل منهم طريقًا غير الذي سلكه صاحبه . - قال محمد بن إسحاق : خرج يسار من بيته الذي يحاذي النهر لأداء صلاة الفجر - وبعد صلاة الفجر جلس الشيخ يتحدث .. عن يوسف الصديق ، الفتى الذي ضرب مثلاً أعلى في الصبر عن المرأة المغرمة العاشقة الوَلْهى . وأخذ يصف ثباته وعِفَّته ، وخشيته لله ، ومراقبته له ، وتعبُّده وتصوُّنه .. - كان يتكلم بأسلوب القرآن الواضح البليغ ، وبعرضه التصويري البديع . .. وكل مستمع له يشعر أنه يوسف نفسه . - كان يسار يتردد بين حين وآخر على سوق العطَّارين ، وإلى هذا السوق تُجلب أجود أنواع العطور في الدنيا ، ويؤمَّه الرجال والنساء من شتى الأجناس . ولا شيء يستهوي النساء ، وخاصة الأعجميات ، كهذا السوق .. وهو أول ما يستهوي الوفود القادمة من بلاد الروم والترك وفارس والهند ، ومن بلاد الحبشة .. وبلاد أخرى بعيدة لم نسمع بها .. - وسوق العطَّارين .. يمتاز بالأناقة والنظافة والجمال ، فيه الدكاكين الصغيرة المتناسقة ، التي زينت واجهاتها وعني بمظهرها .. والمصابيح الملونة ، وقوارير العطر ، وشدات الورد . - وكان يسار يتردد على دكان العطَّار أبي علي الأصفهاني ، ومنه يشتري العطر الذي يستعمله .. وهو يقول : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحب الطيب . - وبعد مضي أسبوعين على محاولة حسناء ، وفي عصر الأربعاء من نهار مشمس جميل ، أقبل يسار على أبي علي الأصفهاني ، وكان هذا قصيرًا سمينًا ، قد أعفى لحيته وخضبها ، وكان لا يكف عن الحديث عن العطور التي يبيعها وأنواعها وجودتها .. - وما هي إلا هَنَيْهة ، حتى أقبلت حسناء ، والخادم مريد يسير إلى جانبها ووقفت على دكان أبي علي العطَّار ، وراحت تسأله عما لديه من العطور ، دون أن تلتفت إلى يسار .. أما مريد فإنه ألقى التحية عليه ، ووقف ينتظر . - واحتفل العطَّار بها ، وأخذ يعرض عليها نماذج كثيرة ، وهي ترفضها بإشارة من يدها ، ولم يبد على يسار أي اهتمام بحسناء ، ولكنه انتبه بعد ذلك عندما سمع العطَّار يقول وهو يعرض عليها نوعًا من العطر : إنه أجود أنواع العطور يا سيدتي ، إن يسارًا يستعمله . - أليس كذلك يا سيدي ؟ ولم يجب يسار ، ولم يرفع إليها نظره . - أما حسناء ، فقد التفتت إليه ، وألقت عليه نظرة سريعة ، ثم عادت تخاطب العطَّار ، وقد غيرت من أسلوبها وحركاتها وقالت : لقد ذكرت لي مرة أن لديك نوعًا من العطر الصيني .. - فهزَّ العطار رأسه وقال بأسف : لقد نفذ يا سيدي .. لم يبق منه شيء .. أتدرين يا سيدتي .. إنه يستخرج من زهرة تنبت على الهضاب الزرقاء في بلاد الصين ، .. إنها .. وانتبه العطَّار .. إن حسناء لم تكن تنظر إليه ، ولا تستمع لحديثه ، كانت تنظر خِلْسة إلى يسار .. إلى الفتى الذي ضاق بحديث العطار ، والذي سمعه منه مرات ومرات .. هذا هو الفتى الذي حدَّثها عنه حبيب بن مسعود ، إنه لم يتجاوز في وصفه ، بل لم يبلغ في وصفه .. - وتنحنح العطَّار وهو يرفع يده يعدل عمامته .. وقال : انتظري لحظه .. ثم خرج من دكانه وهو يقول : سأجلبه لك من جاري. - وهمَّ يسار بالانصراف ، فلم يكن يرغب في البقاء طويلاً في مثل هذا السوق ، ولم يكن يلبث إلا بمقدار ما يتناول حاجته من العطر ثم يعود سريعًا .. - فالتفتت إليه حسناء وقالت بصوت ناعم : إنني متأسفة يا سيدي . - والتفت إليها ، ولم يكن قد وقع عليها نظره حتى هذه الساعة ، فلما التقت العينان ، أسبلت جفونها في خفر العذارى ، وقالت بصوت هامس : إنني متأسفة يا سيدي .. لم أستطع أن أكتب مشكلتي .. ليتك تسمعها . فغض بصره ، وقد تذكر الرقعة التي حملها إليه مريد ، وقال : تكلَّمي . - قالت .. وبصوت كأنين الوتر الحزين : الآن يا سيدي ؟ - قال ، ودون أن يلتفت إليها ، أو يرفع نظره مرة أخرى : نعم . - قالت .. وهي تحاول أن تجره للحديث : هنا في السوق ؟ - قال : نعم . - وعاد العطَّار وهو يمسح جبينه من العرق ، وقال معتذرًا : - - لم يبق لديه شيء يا سيدتي . - وتنهَّدت حسناء وقالت : سأعود مرة أخرى . - ثم انصرف بعد أن ألقت على يسار نظرة ، جعلته يطرق خجلاً . - وعندما عاد تلك الليلة ، بعد صلاة العشاء ، خيل إليه كأنه يسمع همسة ، أو لحنًا ، أو صوتًا أليفًا ..! وبعد أن استلقى على فراشه ، تذكر أين سمع ذلك الهمس ، أو اللحن .. سمعه عصر اليوم ، عند دكان العطَّار ، سمعه من حسناء التي ذكرت أن لديها مشكلة تريد أن تعرضها عليه . .. واستحضر صورتها الجميلة وهي تدخل ، وصورتها وهي تنظر إليه.. إنه لم ير في حياته فتاة في مثل جمالها ، بروعتها ، بفتنتها .. لقد وقفت على دكان أبي على الأصفهاني ، وكلمته ، يا لعذوبة صوتها وروعة نغمتها .. منــــــــــــــــــــقول يتبع
آخر تعديل عبدي أق تلي يوم
08-19-2010 في 04:23 PM.
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الكلمات الدلالية (Tags) |
قصة |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|