العودة   منتديات مدينة السوق > قسم اللغة والدروس العلمية > المنتدى الأدبي

المنتدى الأدبي ميدان للإبداع خاطرة أدبية أوقصة أو رواية أو تمثيلية معبرة أو مسرحية أو ضروب الشعر وأشكاله

Untitled Document
 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 06-19-2012, 02:30 AM
عضو مؤسس
م الإدريسي غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 61
 تاريخ التسجيل : Mar 2009
 فترة الأقامة : 5705 يوم
 أخر زيارة : 09-06-2012 (03:33 PM)
 المشاركات : 419 [ + ]
 التقييم : 10
 معدل التقييم : م الإدريسي is on a distinguished road
بيانات اضافيه [ + ]
35 من غرر الأدب في مدرسة كل أسوك



بسم الله
إخوتي الكرام في منتديات مدينة السوق, بعد غياب طويل لظروف خاصة, أطل عليكم مجددا مهنئاً بجميع النعم المتتالية علينا منذ غيابي, ومعزيا مما صاحبها من الابتلاءات, وها أنا ذا أسلم عليكم جميعاً, وأذكر نفسي وإياكم بالهدف الأساسي للموقع, وهو خدمة التراث الأزوادي, وقد قرأت بعض القصائد التي تمثل في نظري غرر التراث الأدبي الأزوادي, وهي قصيدة للشيخ الشاعر محمد بن يوسف من (كل أسوك) وكان سببها دعوة أطلقها الشيخ الشاعر/ السالم بن محمد اليماني (إغلس) من (كل أسوك) أيضا, في أواخر القرن المنصرم, وكانت الدعوة مضمنة في قالب شعري, يتمثل في قصيدة عينية رائعة مطلعها:
حيثما كنت بارياً لليراعه=ومليقاً للنون مجت براعه
وهي مشهورة عند الأدباء الأزواديين جداً, وموضوع القصيدة هو الدعوة إلى الرجوع إلى التعلم والتعليم, والتنبيه على الخطر الداهم من انسياق الشباب وراء ملذات العصر الحديث, واتجاههم إلى التوجه المادي, وكان الشيخ الشاعر (إغلس) قد حمَّل قصيدته هذه زفراتٍ حارةً وبكاء حارقاً على واقع التعلم والتعليم في إقليمه, وبسبب هذه الدعوة المخلصة الجادة, قام بعض أعيان العلماء والأدباء من أقرانه بالاستجابة لدعوته وطمأنوه في قلقه, وتفاعلوا معه بعدد من القصائد الرائعة أيضاً, تعمدوا فيها إبراز القوة العلمية, وإظهار استمساكهم بأزمة اللغة العربية, وشكروا فيها الشيخ الشاعر (إغلس) على مبادرته وأحاسيسه النبيلة, ثم طمأنوه بتوفر بقايا صالحة, لم تزل محافظة على النهج القديم الذي ينعاه, وينذر بصيرورته إلى الزوال, إن لم يتم تدارك الأمر بسرعة.
ومن غرر القصائد التي قيلت بتلك المناسبة: هذه السينية التي عزمت على عرضها هنا, مُرفقة بتوضيح لغريبها, وتبسيط مستعجل لمضمونها؛ مساعدة لبعض القراء, ولعل من الإخوة القراء من يمتلك قدرات نقد عالية, تؤهله لتحليلها تحليلاً يبرز جمالها, والقصيدة طويلة وجميلة, ومعبرة عن واقع المجتمع الأزوادي في ذلك الوقت, وما كان عليه من الاستمساك بالأخلاق العالية, كما تعبر عن النضج العلمي والفكري لصاحب القصيدة, كنموذج من نماذج المجتمع الذي أفرزه, وإليكم المقطع الأول من القصيدة:

أمَا واحورارِ البيضِ بيضِ القراطس=ورقصِ عوالي الخط بين الأباخس
وما رقَّ من معنىً وراق سلاسةً=من اللفظ في طي البطاق الأمالس
بطاقٍ موشَّاةِ الحواشي حواشياً=لطائفَ, ليست حِلفةً بالمدانس
لقد ذوَّب القلبَ الهوى فأراقه=من العين عيناً مائعاً غيرَ قارس
فلو سابر اللاحون غورَ اشتياقه=وقاسُوه لم يقتسْه مقياسُ قائس
فبتُّ وسفاح بن مقلة شاهدٌ=على أن طرفي ساهدٌ غيرُ ناعس
وما شاقني لا سجعُ ورقاءَ سُحرةً=ولا رسمُ دارٍ عُرِّيت من أوانس
ولا راعني عسفُ المطيِّ بغزلة=أواعسَ من (تُرعى) لـ(ذات المواعس
ولا طرقتنا في البسابس (فرتنى)=ولا طاف طيفٌ من خيال (البسابس
بلى طرقتنا (بنتُ قُسٍّ) فأطرقت=حياءً, ووافت من حبيب مؤانس
متوَّجةً (تاجَ العروس) مرصَّعاً=بأيتام لُول من لآلي (القوامس
وقد جُلِّلت إستبرقَ الحسن, واكتست=سناً وسناءً, وارتدت كلَّ وارس
فحلَّت أَورِايَّ الرِّيا, ثم وثَّقت= وشدَّت أَواخيَّ الإخا شدَّ سائس
ورمَّت رميمَ الوصل, ثمت أكدت=عهوداً, وجددت دروسَ المدارس
هيهْ! جلوةُ المحزون, سلوةُ آسف=ولكنها في القلب جذوةُ قابس
فكم وسمت بالعيِّ ألسَنَ سامها=حواراً, فأمسى لُكنةً غيرَ نابس
وإليكم قراءتي لهذا المقطع:
أما, واحورار البيض بيض القراطس= ورقص عوالي الخط بين الأباخس
المفردات:
أما: حرف استفتاح، مثل ألا.
و: حرف قسم.
احورار: احورت العين صارت حوراء, والحور: شدة بياض العين مع شدة سوادها, والاحورار أيضا الابيضاض.
البيض: جمع بيضاء أنثى الأبيض.
القراطس: جمع قرطاس , وهو: الصحيفة يكتب فيها، والناقة الفتية، والجارية البيضاء المديدة القامة.
الرقص: الزفن, والإسراع في السير, والارتفاع والانخفاض فيه.
عوالي: جمع عالية, وعالية الرمح: رأسه؛ (أو النصف الذي يلي السنان).
الخط: موضع باليمامة، وإليه تنسب الرماح الخطية, أو الطريق الخفيف في السهل, والكتب بالقلم وغيره.
الأباخس: الأصابع نفسها، وقيل: ما بين الأصابع وأصولها, والبخس أيضا: أرض تنبت من غير سقي.
المحتوى:
استخدم الشاعر في هذا البيت (الاحورار) و(القرطاس) ثلاث استخدامات فيحتمل هذا المصراع من البيت ثلاثة تفاسير:
الأول: أن الشاعر يقسم بشدة بياض النوق, إذا حملنا الاحورار على معنى الابيضاض, وحملنا القرطاس على معنى الناقة الفتية.
الثاني: أن يكون قد حلف بشدة سواد الحبر في شدة بياض الصحيفة المكتوبة, إذا حملنا الاحورار على معنى شدة سواد العين في شدة بياضها, وحملنا القرطاس على معنى الصحيفة التي يكتب فيها, فيكون تشبيها للصحيفة المكتوبة بالعين الحوارء, فيكون الاستعمال مجازا بالتبعية.
الثالث: أن يكون قسما بالحوَر بمعناه الحقيقي في عيون الجواري, إذا حملنا الاحورار على معناه الحقيقي, وهو الحور في العين (شدة سوادها في شدة بياضها), وحملنا القرطاس على معنى الجارية البيضاء المديدة القامة.
وأرى أن الشاعر يقصد المعاني الثلاثة كلها, فالتعبير يحتملها على السواء, وكلها واضحة فيه, كما أن هذه الظواهر الثلاثة كلها تستحق أن تلفت نظر الشاعر الأصيل, فالصحيفة المكتوبة والجارية الحسناء والناقة البيضاء, ثلاثية محببة إلى أصحاب الذوق الرفيع.
والمصراع الثاني كسابقه, قد استخدم فيه الشاعر (الرقص) و(الخط) ثلاث استخدامات, واستخدم (العوالي) و(الأباخس) استخدامين, فيحتمل ثلاثة تفاسير:
الأول: أن يكون الشاعر يقصد القسم أيضا بإسراع النوق التي تعلو الطريق الخفيف في السهل, خلال الأرض الخصبة.
الثاني: أن يكون قد قصد القسم بارتفاع وانخفاض عوالي الرماح بين أصابع الرماة.
الثالث: أن يكون قد قصد ارتفاع وانخفاض الأقلام التي تعلو الخط وتكون بين الأصابع.
والمعاني الثلاثة كلها غاية في الوضوح والجمال, فمطلع القصيدة بمثابة ثلاثة أبيات وفي غاية الروعة.
وما رقَّ من معنى وراق سلاسةً = من اللفظ في طيِّ البطاق الأمالس
المفردات:
رق: ضد غلظ, والرقيق: نقيض الغليظ والثخين, وقد رق الشيء يرق رقة، وأرقه، ورققه, وترقيق الكلام تحسينه, ومن المجاز: كلام رقيق الحواشي, ورقّق كلامه, ورقق عن كذا: كنى عنه كناية يتوضح منها مغزاه للسامع.
راق: الماء والمسك خلص, والروق : الإعجاب ، يقال : راقني هذا الأمر يروقني روقا، أي : أعجبني فهو رائق وأنا مروق.
سلاسة: سلاسة اللفظ سهولته ورقته وانسجامه, واشتمال الكلام على حروف متلائمة سهلة التتابع في النطق.
الطي: ضد النشر, طَوَى الشيءَ طيًّا: ضَمَّ بعضَه على بعض، أو لفَّ بعضه فوق بعض ويقال: وجدت في طيّ الكتاب وفي أطواء الكتب ومطاويها كذا.
البطاق: جمع بطاقة وهي : الورقة.
الأمالس: جمع ملساء والملاسة والملوسة: ضد الخشونة.
المحتوى:
يستمر الشاعر في القسم بالمظاهر والظواهر التي تروقه وتعجبه, فيحلف في هذا البيت بالمعاني الرقيقة, والألفاظ الخالصة, التي تثير الإعجاب بسهولة عبارتها, وإشراق معانيها وروعة أدائها, في حال كونها مدرجة في مطاوي الصحائف الملساء التي لا خشونة فيها.
بطاقٍ موشاة الحواشي حواشياً=لطائفَ, ليست حلفةً بالمدانس
المفردات:
موشاة: من وشّيت الثَّوْب إِذا رقمته, يقال: وَشَيْتُ الثوبَ أشِيه وَشْياً وشِيَةً، ووَشَّيْتُهُ تَوْشِيَةً شدِّد للكثرة، فهو مَوْشِيٌّ ومُوَشًّى.
الحواشي: جمع حاشية, وحاشيةُ الثَّوْبِ وغيره: جانبُه, وقيل: حاشية كل شيء طرفه الأقصى.
حواشيا: جمع حاشية وهي هنا بمعناها العرفي وهو: الهوامش.
لطائف: جمع لطيفة, واللطف من الكلام وغيره عبارة عن الرفق وعدم المجافاة, واللطيفة في الاصطلاح العرفي: كل إشارة دقيقة المعنى تلوح للفهم لا تسعها العبارة، كعلوم الأذواق.
المدانس: كل ما يقدح في العرض وهو من الدنس الوسخ, ومن المجاز فلان يتصون من الأدناس والمدانس.
المحتوى:
هذا البيت مرتبط بالذي قبله, وقد أكمل به الشاعر المعنى الذي أسسه في البيت السابق من الحلف بالمعاني الرائقة, والألفاظ السلسة المطوية في البطاقات الملساء, التي لا خشونة فيها ولا تجاعيد, فوصفها مرة أخرى بأنها مزبرجة الأطراف والجوانب, بهوامش مملوءة بلطائف المعرفة, ودقائق العلوم, ولعله يقصد الحلف بالمصحف حال كونه مهمشا بالطرر الجميلة, التي كان علماء الصحراء يطررون بها نسخهم من تفسير الجلالين, فرغم أن الشاعر بعيد عن منطق العوام, إلا أن الحلف بما يسمى في الصحراء بـ(المحلي) (تفسير الجلالين) سائد في المنطقة, وحواشي نسخ تفسير الجلالين تتبادر إلى ذهن من يعرف المنطقة عند قراءة هذا البيت, والأدب ـ كما يقولون ـ مرآة المجتمع.
وبعد ما حلف بهذه الظواهر والمظاهر التي ذكرها, احترس من الجانب الشرعي, فنفى أن تكون حلفته بهذه الأشياء على معنى تقديسها, أو اعتبارها شركاء لله في العظمة, فيكون كأنه حلف بالمدانس وهي الأوثان.
لقد ذوَّب القلبَ الهوى فأراقه=من العين عيناً مائعاً, غيرَ قارس
المفردات:
ذوب: ذاب الشئ يذوب ذوبا وذوبانا: نقيض جمد، وأذابه غيره وذوبه، بمعنى, أي: (ذوبه) جعله يذوب, وصهره حتى سال وتميع, ومن المجاز: ذاب دمعه، وله دموع ذوائب.
أراق: أراق الماء ونحوه يريقه: صبه.
العين: الباصرة.
عينا: الجارية.
مائعا: ماع السائل ذاب وسال وجرى على وَجه الأَرْض منبسطا فِي هينة, فهو مائع.
قارس: بارد, ويقال: أصبح الماء قارسا, أي: باردا برودة شديدة.
المحتوى:
هذا البيت هو جواب القسم السابق, وقد حلف الشاعر على أن الهوى (الحب) سلط حرارته على قلبه حتى صهره وذوبه, ثم لما أصبح قلبه سائلا, صب صهارته عن طريق عينيه, فإذا به يسيل على وجه الأرض كالعين الجارية المتموجة, إلا أنه يختلف مع الماء بأنه ليس ببارد, فهو صهارة شديدة الحرارة.
فلو سابر اللاحون غورَ اشتياقه=وقاسُوه لم يقتسه مقياس قائس
المفردات:
سابر: سبر الجرح بالمسبار والسبار: قاس مقدار قعره بالحديدة أو بغيرها, وسبره: خبره.
اللاحون: اللائمون والعذال, من لحوت العود إذا قشرت لحاءه, ومن المجاز: لحاه اللاحي: لامه اللائم.
غور: غور كل شيء: قعره.
اشتياق: الاشتياق والشوق حركة الهوى والحنين والنزوع إلى الحبيب.
قاسوه: قدروه, أو كابدوه, وقاس الشيء يقيسه ويقوسه قوسا, قدره وحزره, وقاسيت الشيء كابدته.
يقتسه: يقدره.
المقياس: الآلة التي يعرف بها مقدار الشيء.
قائس: هو الذي يقيس الشجة بالميل أو غيره, ويتعرف مقدارها؛ ليحكم فيها بعقلها(ديتها).
المحتوى:
يعتذر الشاعر في هذا البيت لمن يلومه في الحب, أو يعذله في الشوق إلى أحبابه, بأن لوعة الهوى في قلبه وصلت من التغلغل درجة لو جربها اللائمون أو عايشوها وخبروها, أو قدروها وحزروها وكابدوها, لم تصل آلات التقدير عندهم إلى حقيقة قدرها, مهما وصلوا من الخبرة في الجروح والشجاج, والحنكة في معرفة أغوارها وأبعادها.
فبتُّ وسفاح بن مقلةَ شاهدٌ=على أن طرفي ساهدٌ, غيرُ ناعس
المفردات:
بت: بات يفعل كذا, إذا فعله ليلا.
سفاح بن مقلة: كناية عن الدمع.
طرفي: الطرف اسم جامع للبصر, وأطلقه على محله وهو العينان مجازا.
ساهد: السهاد: الأرق.
ناعس: النعاس السنة من غير نوم.
المحتوى:
يصف الشاعر في هذا البيت حالته بعد استحواذ الشوق على قلبه, فيذكر أنه قضى ليلته ملازما للأرق, وعيناه ملازمتان للسهاد, ولم تتمضمض عينه, ولو بسنة خاطفة, فضلا عن النوم المستغرق المريح, والشاهد على ذلك هو السفاح بن مقلة, الذي عبر به عن صُهارة قلبه, التي كانت تتصبب طول الليل, في شكل دموع تسفحها مقلتاه.
وما شاقني لا سجعُ ورقاءَ سُحرةً=ولا رسمُ دارٍ عُرِّيت من أوانس
المفردات:
شاقني: هاج شوقي, والشوق والاشتياق: نزاع النفس إلى الشيء, شاقني الشيء يشوقني شوقا، فأنا مشوق والشيء شائق.
سجع: سجعت الحمامة رددت صوتها, وطربت فيه.
ورقاء: الوُرْقةُ: سواد في غبرة كلون الرماد، ومنه حمامة وَرْقاء.
سحرة: سحرا, يقال: لقيته سحرة وسحرة بالتنوين وعدمه.
رسم دار: أصل الرسم في اللغة العلامة ومنه رسوم الديار.
عريت: أخليت.
أوانس: جمع آنسة, والجارية الآنسة: إذا كانت طيبة النفس، تحب قربك وحديثك، وجمعها الآنسات والأوانس.
المحتوى:
في هذا البيت يستبعد الشاعر ما يتبادر إلى الذهن من كونه متيما بالحب المعهود عند المتغزلين, فينفي أن يكون هديل الحمام في وقت السحر, أو رسوم الديار وأطلالها التي خلت من الأوانس, هي التي هيجت منه الحب والشوق.
ولا راعني عسفُ المطيِّ بغزلةٍ=أواعسَ من (تُرعى) لـ(ذات المواعس
المفردات:
راعني: كل شيء يروعك ويبهرك منه جمال أو كثرة, تقول: راعني فهو رائع.
عسف: الأخذ على غير الطريق, عسفت الرّكاب يعسفن الطريق عسفا ويعتسفنه ويتعسفنه أي: يخبطنه على غير هداية.
المطي: المطية ما يركب من بعير وغيره, وتجمع على مطي ومطايا, ومطه ومطاه مده, وسميت المطية مطية؛ لأنها يمطى بها في السير أي يمد بها.
غزلة: جمع غزال وهو الشادن (ولد الظبية) حين يتحرك, شبه الشاعر بها النساء.
أواعس: جمع الأوعس, وهو: السهل اللين من الرمل.
ترعى: اسم موضع.
ذات المواعس: ذات المواعيس موضع.

المحتوى:
يستمر الشاعر في نفي إعجابه بالمظاهر التي كانت مصدر إعجاب للشاعر الجاهلي, فيستبعد أن يكون معجبا بالمطايا والنوق حين تتخبط الطرق الرملية بين منتجعات العرب في جزيرتهم, وعلى ظهورها النساء الجميلات التي تشبه بالغزلان.
ولا طرقتنا في البسابس فرتنى=ولا طاف طيفٌ من خيال البسابس
المفردات:
طرقت: طرقه يطرقه طرقا وطروقا، فهو طارق, إذا أتاه ليلا.
البسابس: البسابس والسباسب على القلب، ويقال لواحدها: بسبس وسبسب، هي الصحارى المستوية, والترهات البسابس، هي الباطل.
فرتنى: من أسماء النساء.
طاف: طاف الخيال يطيف طيفا ومطافا, جاء في النوم.
طيف: الطيف خيال الشيء وصورته المترائي له في المنام أو اليقظة ومنه قيل للخيال: طيف.
الخيال: الطيف, وأصله القوة المجردة كالصورة المتصورة في المنام وفي المرآة وفي القلب ثم استعمل في صورة كل أمر متصور وفي كل شخص دقيق يجري مجرى الخيال.
البسابس: بسباسة اسم امرأة وجمعها بسابس.
المحتوى:
لم يزل الشاعر يؤكد ابتعاده عن سفاسف الأمور, فسهاده كما أنه لم ينشأ عن هديل الحمام في السحر, ولا عن مشاهدة الأطلال الخالية من الأنيس, وليس ناشئا عن الانبهار بالنوق المترسمة طرق الرمال في البوادي تحمل الآنسات على ظهورها, فكذلك ليس أيضا ناتجا عن عن التعلق بخيال محبوبة فارقها فصارت تزوره في المنام ويعترض تمثالها طريقه في الفلوات, وقد عبر عن المحبوبة باسمين مشهورين في ديوان الشعر الجاهلي, وخصوصا في ديوان امرئ القيس فـ(فرتنى) و(بسباسة) كلتاهما من صواحب امرئ القيس التي يكثر من ذكرهما في شعره.
بلى طرقتنا بنتُ قُسٍّ فأطرقت=حياءً, ووافت من حبيب مؤانس
المفردات:
بلى: من حروف الإيجاب, تنقض النفي المتقدم فتجعله إيجابا.
طرقت: سبق معناها.
بنت قس: قس بن ساعدة الإيادي ، يضرب به المثل في البلاغة, وقسّ النصارى وقسّيسهم: رأسهم وكبيرهم.
أطرقت: أقبلت ببصرها إلى صدرها وسكتت ساكنة هادئة.
وافت: أتت.
المحتوى:
في هذا البيت بدأ الشاعر يقترب من الموضوع الأساسي للقصيدة قاب قوسين أو أدنى, فهو يدنو ويتدلى ليتخلص إلى هدفه الرئيسي, فنراه ينقض نفيه السابق لتلقيه أي زيارة من أي معشوقة؛ ليبين لنا أن سهاده ناتج بالفعل من زيارة بنت محبوبة, لكنها ليست كالبنات التي تؤرق الجاهليين, بل إنها بنت من بنات عالم كبير مشهور بالتعبد والانقطاع إلى الله, إضافة إلى الاستمساك بأزمة اللغى والبلاغة العربية, فبنت هذا العالم هي التي سبب طروقها للشاعر اشتعال لاعج الحب والهوى في صدره, حتى ذوب بحرارته قلبه, وصبه على شكل نهر ثجاج من الدموع يفيض من مقلتيه, وهي التي جعلته يبيت تلك الليلة النابغية التي وصفها في البيت السابق, والتي لم يشهدها إلا ملازمه الذي لم يفارقه فيها, وهو (سفاح بن مقلة), وقد وصف الشاعر بنت قس التي زارته بأنها شديدة الحياء, حيث إنها لم تعدُ بعد ملاقاته لها أن أقبلت ببصرها إلى صدرها, وأرخت أجفانها ساكتة ساكنة, وهذا مظهر من مظاهر الحياء, كما وصف أباها الذي جاءت من عنده بأنه حبيب مؤانس, وهذا مما يبرر سيطرة الحياء عليها, فما دام الشاعر مؤانسا لأبيها وحبيبا من أحبابه, فمن الأجدر بها ـ حسب الأعراف التقليدية في الصحراء ـ أن تبقى في مركز البنوة, ولا تتعداها, فهي ليست في مرتبة الشاعر في السن, بل إنه أبوها أيضا؛ لأنه صنو أبيها, وسوف تصرح باستشعارها لذلك المعنى خلال المقاولة التي جرت بينها وبين الشاعر في الأبيات الآتية.
متوَّجةً تاجَ العروس مرصَّعاً=بأيتام لُولٍ من لآلي القوامس
وقد جُلِّلت إستبرقَ الحسن, واكتست= سناً وسناءً, وارتدَت كلَّ وارس
المفردات:
متوجة: عقد عليها التاج, والتاج: الإكليل. وهو ما يصاغ من الذهب والجوهر, ويوضع على الرأس, تقول: توجه فتتوج، فهو متوج, أي: ألبسه التاج فلبسه.
تاج العروس: التاج: الإكليل, والعروس : بالفتح نعت يستوي فيه المذكر والمؤنث ما داما في أعراسهما, ويجمع المؤنث على عرائس والمذكر, على عرس بضمتين .وتاج العروس من جواهر القاموس, من المعاجم المشهورة.
مرصعا: رصع التاج: حلاه بكواكب الحلية, فهو مرصع, يقال: تاج مرصع بالجواهر واللئالي, إذا كان محلى بها.
أيتام لول: اللئالي اليتيمة هي التي لا نظير لها.
لئالي: جمع لؤلؤة وهي: الدرة العظيمة.

القوامس: جمع قاموس, وهو القعر الأقصى للبحر, والقاموس المحيط معجم مشهور.
جللت: غطيت وألبست, جلله بالرداء أو الثوب غطاه به.
إستبرق: الإستبرق: الديباج الصفيق الغليظ الحسن، وقيل: ما رق من الحرير, فارسي معرب.
اكتست: لبست كسوة.
سناً: الضوء الساطع.
سناءً: الرفعة والعلو.
ارتدت: ارتدى الرداء, وبه لبسه.
وارس: الثوب المصبوغ بالورس, وهو نبات أصفر مثل الزعفران يصبغ به.
المحتوى:
في هذين البيتين كان الشاعر يصف منظر زائرته, فيذكر أنها مكللة بتاج كما تكلل العروس في ليلة هدائها, ولكن تاجها مصنوع من دقائق ولطائف اللغة العربية التي زمز لها بـ(تاج العروس للزبيدي), وأن التاج الذي وضع على رأسها مزين ومحلى باللئالئ والدرر التي يعز وجود نظير لها, ولكنها ليست مجلوبة من البحار المعروفة, وإنما استخرجها ذلك الغواص الذي ألبسها إياها من قعر (القاموس المحيط للفيروزابادي), والذي لم يكن تاج العروس أصلا إلا من جواهره, كما سماه مؤلفه.
ثم لما وصف حلية رأسها بين أن بقية جسمها مغطاة ومكسوة بالنوع الرقيق اللطيف من الحرير المصنوع من مادة الحسن, فليس موصوفا بالحسن فقط, وإنما هو الحسن بعينه صار كساء تكتسي به, ثم إنها مع ذلك قد لبست على ذلك الحرير المصنوع من مادة الحسن ضياء ساطعا ولمعانا باهرا, ورفعة قدر وعلو مكانة خرجت من طور المعقولات إلى طور المحسوسات, ثم وضعت فوق ذلك كله رداء مصبوغا بالألوان الجميلة التي تذكر بالشمس وقت طلوعها؛ لشدة صفرتها وبهائها.
فحلَّت أَوَرِيَّ الرِّيا, ثم وثَّقت=وشدَّت أَوَاخِيَّ الإخا شدَّ سائس
ورمَّت رميمَ الوصل, ثمت أكدت=عهوداً, وجدَّدت دروسَ المدارس
المفردات:
حلت: حل العقدة, يحلها, حلا: نقضها وفكها وفتحها.
أواري: جمع آري, وآرِيُّ الدَّابة, محبسها ومربطها, أوعروة تثبت في حائط أو وتد تشد فيها, والجمع " أواريُّ.
الريا: إظهار جميل الفعل رغبة في حمد الناس لا في ثواب الله تعالى.
وثقت: أحكمت وقوت وأثبتت.
شدت: ربطت, يقال شددت له آخية لا يحلها المهر الأرن.
أواخيَّ: جمع آخيَّة، وهي مربط الفرس, و أواخي الخيل: مرابطها, والحرمة والذمة ويقال: له عنده آخية ترعى, ومن المجاز: شد الله بينكما أواخي الإخاء، وحل أواري الرياء.
الإخاء: مصدر آخيت بينهما إخاء ومؤاخاة.
سائس: مصلح, ساس الأمر يسوسه تولى إصلاحه.
رمت: أحيت وجددت وأصلحت, ومن المجاز: انتشر أمرهم فرمّه فلان.
رميم: الرميم البالي.
ثمت: ثم زيدت عليها التاء.
أكدت: وثقت وأحكمت وبالواو أفصح.
عهودا: العهود هي المواثيق التي تلزم مراعاتها.
جددت: جدد الشيء صيره جديدا ضد الخلق, والجدة نقيض البلى.
دورس: درس الشيء إذا تقادم, ودروس العلم ذهاب أهله وأصوله, عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال لأصحابه: كيف يدرس العلم، فقالوا: كما يخلق الثوب ويقسو الدرهم، فقال: لا ولكن دروس العلم بموت العلماء. ويمكن أن يكون جمع درس وهو مقدارٌ من العلم يُدرس في وقتٍ ما.
المدارس: أماكن الدرس والتعليم, جمع مدرس ومدرسة.
المحتوى:
في هذين البيتين يبدي الشاعر انطباعاته على بنت حبيبه المؤانس وزيارتها, فها هو يذكر أثر زيارتها على النفوس, فيبين أنها نقضت بإخلاصها ونصحها وخلوصها من الشوائب كل العقد التي ربطها الرياء وإظهار خلاف الحقيقة في النفوس, بعد ما كثر عليها المغرضون الذين يظهرون بمظهر النصح, ثم يبدو أنهم غشاشون مراؤون, فهذه العقد كلها حلتها هذه الزائرة الناصحة المخلصة بنت الحبيب المؤانس, ولم تكتف بهذه التخلية حتى أتبعتها بتحلية, فربطت ووثقت وأحكمت حبال الوصل والمواخاة وقوت عراها, وقامت بكل ذلك قيام المحنك المصلح الذي يضع الأمور في مواضعها, فأحيت بذلك ميت الوصال بين الأحباب, ووكدت ووثقت عهوداً ومواثيق كانت بين الجماعات والأفراد, إضافة إلى كونها مجددة لأطلال تكاد تكون بالية من أماكن مدارسة العلوم, ونفخت فيها روحاً جديدة, حيث شجعت الشباب على مواصلة الدرس والحفاظ على العلوم, ونبهتهم على خطورة الانهماك في الملذات والغفلة عن رسالتهم العلمية التي اشتهروا بها.
هيهْ! جلوةُ المحزون سلوةُ آسفٍ=ولكنها في القلب جذوةُ قابس
فكم وسمت بالعيِّ ألسَنَ سامها=حواراً, فأمسى لُكنةً غيرَ نابس
المفردات:
هيه: ضمير راجع إلى الزائرة (قصيدة إغلس) والهاء زائدة.
جلوة: جلا الهم والحزن عن فلان: كشفه عنه وأذهبه, وجلْوتُه ما يذهب به.
المحزون: المصاب بالحزن, وهو: ما يحصل من القبض بوقوع مكروه أو فوت محبوب في الماضي.
سلوة: السلوى والسلوة: كل ما يسلي ويكشف به الهم, يقال: شرب فلان السلوة.
آسف: الشديد الحزن.
جذوة: عود في رأسه نار, أو قطعة من الجمر.
قابس: قبس النار قبسا أوقدها وطلبها, والنار أو الكهرباء أخذها, والعلم استفاده, والرجل علما أو نورا أفاده إياه, فهو قابس.
وسمت: جعلته علامة له.
العي: العجز عن البيان, والكلل في المنطق, والعيي الكليل اللسان.
ألسن: اللسن البلاغة والفصاحة, والألسن البليغ الفصيح.
سامها: عرض عليها, يقال: "سمته" كذا وكذا أي: عرضته عليه.
حوارا: الحوار والمحاورة مراجعة القول.
أمسى: صار.
لكنة: العي وثقل اللسان.
نابس: ما نبس بكلمة، أي ما تكلم.
المحتوى:
يعيد الشاعر الضمير في هذا البيت إلى زائرته, ثم يخبر عنها بأنها دواء يكشف الحزن عن المحزون, ويجلي عنه ظلمات اليأس, ويشفيه من آلام التحسر على ما فاته من رغباته, ويسلي هموم المهموم, ويفتح أمامه أبوابا من الأمل في الوصول إلى ما يطمح إليه من المطالب العالية؛ وذلك لما توحي إليه هذه القصيدة المشحونة بالنصائح من وجود بقايا صالحة, تهتم بالمعالي, وتسهر على صونها ورعايتها, وتمحض النصح في الدعوة إليها, لكنها مع تلك الحلاوة تنطوي على مرارة تشعل فتيل الحرقة في القلوب الحية؛ حيث إنها تصف واقعا مرا شديد الكآبة لا يبشر بخير, ولا يمكن التغاضي عن خطورته, فهي خليط بين الأمل والألم: أمل في مستقبل زاهر يدل عليه وجود الناصحين اليقظين, وألم من واقع مظلم يدل عليه ما نبهت عليه القصيدة من انخفاض مستوى التعلم والحرص عليه عند الشباب, وارتفاع مستوى الانسياق وراء الملذات, والتباهي بالأمور التافهة والأعراض الزائلة, فهي حينما تتحدث عن ذلك الواقع تكشف حقائق ملموسة في الواقع, لا يملك محاورها أمامها إلا أن يلوذ بالصمت والخرس والانهزام مهما كان علو كعبه في الفصاحة والبلاغة, مثل صاحب السينية, فكل ما تنعاه القصيدة هو الواقع, فلا مناص من الاعتراف بالحقيقة, ولا بد من الاحتراق الداخلي لكل من يشارك صاحبها هذه الهموم, وفي البيت أيضا إشارة إلى قصة موسى ـ عليه السلام ـ فهو يحمل ظلال تفاؤل بأن تكون صرخة الشيخ/ السالم بن محمد بن اليماني (إغلس) بداية لنهضة علمية جديدة, مثلما كان ذهاب موسى ـ عليه السلام ـ إلى النار في طور سيناء بحثاً عن جذوة من النار بدايةً لدعوة جديدة تحمل مشعل الهداية لقومه.
إلى هنا انتهت الديباجة, وسوف نوافيكم بالمقطع الخاص بالترحيب لقصيدة إغلس في وقت قريب, إن شاء الله.



 توقيع : م الإدريسي

قال الإمام العارف ابن قيم الجوزية -رحمه الله : كل علم أو عمل أو حقيقة أو حال أو مقام خرج من مشكاة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فهو من الصراط المستقيم وما لم يكن كذلك فهو من صراط أهل الغضب والضلال ).

رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
روايات من روائع الأدب العالمي عبادي السوقي منتدى المكتبات والدروس 20 09-24-2016 07:18 PM
قصة العبودية في كتب المالكية ,, عبادي السوقي المنتدى الإسلامي 4 08-30-2012 05:03 PM
النص الشرعي : مفهومه و فهمه تغارجيه منتدى المصطلحات 3 07-21-2012 12:16 AM