بعد التحايا الطيبة للمنتديات يسعدني أن أن أهدي إلى أدبائها مقتطفات من باكورة جهدي، وأول بحث علمي أقوم به، وهو يحث قدم لنيل درجة"الميتريز" من شعبة الأدب، بكلية اللغة العربية والدراسات الأدبية بالجامعة الإسلامية بالنيجر، تحت إشراف الدكتور/ إبراهيم أمين عميد الكلية المذكورة.
وأقدم لكم المقدمة، وإن قرأتموها واستملحتموها فسأزيد لكم. وهي:
الحمد لله،والصلاة والسلام على صاحب الشخصية الفذة نبينا محمد وعلى أله وصحبه ومن والاه.
(إشكالية القراءة النقدية للنصوص الأدبية لاكتشاف مخبآتها اللاشعورية، وحمولتها الإيحائية، أدت إلى تعددية القراءات، من السيكولوجية إلى السوسيولوجية، والبنيوية، حتى التقى الجميع في الدائرة السيميولوجية، وتنوعت النظريات الفلسفية النقدية من الماركسية والجدلية، إلى الحوارية، ونظرية التلقي، فأزمة التعامل مع النصوص الإبداعية لم تكن أقل من أزمة الإبداع نفسه اليوم، لا سيما التعامل مع النصوص القديمة، الحاملة ميزات حقبتها التاريخية، وملامح مكانها الميلادي، وبالأخص المنطلق من خلفيات القراءات المتشددة في مسألة إبعاد المؤلف عن العملية التحليلية، وإحضار كل أدوات التأويل، لاستنطاق النص، مع حملتها الشرسة ضد النزعة التاريخية.
هذا ومن بين تلك النظريات الحديثة نظرية "الأسطورة الشخصية" تلك النظرية التي طور بها ـ مؤسسها الناقد/ شارل مورون ـ المدرسة الفرويدية، عبر دراساته على الشاعرين/ مالارميه، وراسين، لتجمع نظرته للنص بين (اللاشعور والجمالية الفنية)، وهي نظرية مع عطاءها الرائع لم تمنح حيزا مكانيا في الدراسات النقدية العربية سوى الحيز النظري، دون التطبيقي كما يرام، حسب اطلاعي.
ومع قلة أدواتي النقدية جسرت على أكبر وأقوى ركن من أركان الشعر العربي،شعر شاعر العربية/ المتنبي، وتاج المبدعين في عصره ، مع غموض شخصيته، وتعقيد نصوصه ، متجاوزا الأسوار التاريخية الطويلة بيني وبينه، إلا أنه قد أودع شعره حياته ، فكان شعره مرآة لبطل عزيز النفس، معجب بنفسه أيما إعجاب (نرجسي)، ( رافض) لأوضاع مجتمعه السياسية، ومنتهى أمله أن يشاهد ذلك اليوم الذي يأمر وينهى فيه، إلا أن الأيام لم تسعف طلبه، ولم يحقق الدهر أمنياته، ولم يساعده الناس، وما لبث أن تحول ضد هؤلاء جميعا، فعاد ناقما متشائما (ساديا)، كارها للحياة، متسائلا:
لم التعلل لا أهل ولا وطن ولا نديم ولا كأس ولا سكن
هذه حياة نقلها ديوانه بكل أمانة واحتفاظ، فاخترت أن أجليها في أول بحث علمي أقوم به، (بحث التخرج ) فعنونته ب:
{الأسطورة الشخصية في شعر المتنبي دراسة تطبيقية على نماذج مختارة}
وكان موضوعا مخضرما بين المواضيع التي أنارتها الأقلام، حتى استحالت أوضح من وضح النهار، وبين التي خيمت عليها سحابة سوداء من الإهمال. فالمتنبي ـ بشعره ـ ملأ الدنيا، وشغل الناس. أما الجانب الثاني في العنوان ـ الأسطورة الشخصية ـ في شعر المتنبي، فهو الجانب المظلم، الذي لم أر بين غياهبه شمعة تضيء الطريق أمامي.
وكانت أعمال مورون نبراسي، بيد أني لم أطلع عليها كاملة، وكل ما وجدته منها شتات بين طيات الكتب.
وأسأل الله أن ينفع بهذا العمل، وأن يثري المكتبة الأدبية به. فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمني ومن الشيطان.)