التنبيه للصلاة قبل الأذان

بسم الله الرحمن الرحيم
التنبيه للصلاة قبل الأذان

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد :
أحببت أن أشارك بهذا البحث المتواضع ـ وقد كنت اعددته منذ عامين ـ عندما ظهر من ينادي بفتح المحلات التجارية وقت الصلاة بل ويشيع في العامة الأخذ بقول مرجوح وقد استقر العمل على خلافه ومما لا يخفى أن إثارة مثل هذه المسائل الخلافية ولو كان المأخذ فيها قويا عند من يراه بعد استقرار الأمر على رأي فيه ما فيه من التشويش على العامة وهو أمر مذموم لا يصدر من فقيه ... فقلت مستعينا بالله.
تحرير المسألة :
لا خلاف بين أهل العلم في أن الصلاة لا تجب قبل الوقت , كما أنه لا خلاف بينهم بأن لكل صلاة وقت ابتداء ووقت انتهاء , وأن ما بين الوقتين محل لأدائها ,ولا خلاف في أن ترك الصلاة حتى خروج الوقت بدون عذر منكر , وقد حصل الخلاف في سبب وجوب الصلاة أهو آخر وقتها أم أن كل جزء من أجزاء الوقت يصلح سبباً ؟ , ويتفرع على هذا مسألة التوسع والتضييق في الواجب المؤقت على خلاف مشهور بين الحنفية والجمهور محله كتب الأصول .
ما سبق توطئة لمسألتنا حيث إن التنبيه قبل الأذان يعتبر تنبيهاً قبل قيام سبب الوجوب وعليه فهل ما يقوم به رجال الحسبة يعد مشروعاً أم لا ؟.
النصح والتذكير مشروع في كل وقت فهو غير مقيد بزمان قال تعالى : " والعصر(1) إن الإنسان لفي خسر (2) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر (3) ". قال السدي : " وتواصوا بالصبر " أي على طاعة الله عز و جل , والصبر عن معاصيه .
تأصيل المسألة :
مما يمكن أن تبنى عليه هذه المسألة هو قاعدة : ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .
وهذه القاعدة تنقسم إلى قسمين :
1 ـ ما لا يتم الوجوب إلا به , كشروط الوجوب , فهذه ليست واجبة باتفاق .
2 ـ ما لا يمكن عقلاً أو شرعاً أو عادة أن يفعل الواجب تاما إلا بفعله , وهذا ينقسم إلى قسمين:
أ ـ ما ليس بمقدور للمكلف فهذا خارج عن القاعدة فلا يجب باتفاق .
ب ـ ما هو مقدور للمكلف , وهذا ينقسم لقسمين :
1 ـ ما ورد في إيجابه نص مستقل , وهذا واجب باتفاق .
2 ـ ما لم يرد فيه بخصوصه دليل مستقل , وهذا موضع النزاع , والخلاف فيها ضعيف , والقاعدة معمول بها عند جميع الأئمة , والخلاف المنقول في التسمية " .
فإدراك الصلاة التي هي واجبة مع الجماعة لاسيما في هذا العصر مع كثافة الناس وكثرتهم خاصة في الأسواق لا يمكن إلا بالتبكير في الاستعداد لها فلا بأس أن ينبه لها قبل الوقت بيسير ؛ حتى يقطع الناس معاملاتهم من بيع وشراء , ويستعدوا للصلاة ؛ لأنهم لو استمروا في معاملاتهم إلى ما بعد الأذان قد يفوتهم الوقت خاصة في المغرب , أو تفوت الجماعة ؛ فوجبت عليهم المبادرة , ووجب على رجال الحسبة التنبيه لها , كيف لا ؟ وقد كان من آخر ما أوصى به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمته في آخر حياته , كما جاء في الحديث " الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم " , كما أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ همَّ أن يحرق بيوت أقوامٍ لا يشهدون الصلاة كما جاء في الحديث وهمُّه هذا دليل على شناعة فعلهم , ووجوب الإنكار عليهم إذا تخلفوا عنها ويلحظ أنه صلى الله عليه وسلم هم بهذا الامر في أول وقت الصلاة حيث قال : هممت أن آمر رجلاً فينادي بالصلاة ثم ...الخ .
كما أن التنبيه قبل الأذان يعد من المصالح المرسلة , وليس ببدعة في الدين ؛ لكونه من باب الوسائل .
وقد ذكر الإمام الشاطبي كلاما جميلاً في الفرق بين البدع والمصالح المرسلة والاستحسان , وقد بوب له بنفس العنوان , وقال في كلامه :
إن المعنى المناسب الذي يربط به الحكم لا يخلو من ثلاثة أقسام :
الأول : أن يشهد الشرع بقبوله , والثاني : أن يشهد برده , والثالث : ما سكتت عنه الشواهد الخاصة , فلم تشهد باعتباره ولا بإلغائه .
أما الأول فلا إشكال في صحته , وأما الثاني فلا سبيل إلى قبوله , وأما الثالث فعلى وجهين :
الأول : أن لا يرد نص على وفق ذلك المعنى , والثاني : أن يلائم تصرفات الشرع .
فالأول من الوجهين لا يمكن قبوله .
والثاني منهما: وهو أن يوجد لذلك المعنى جنس اعتبره الشرع في الجملة
بغير دليل معين , وهو الاستدلال المرسل , المسمى بالمصالح المرسلة .
وذكر بعد ذلك عشرة أمثلة توضح الوجه العملي في المصالح المرسلة وأن بها يتبين أمور :
1 ـ الملاءمة لمقاصد الشر ع .
2 ـ أن عامة النظر فيها إنما هو فيما غفل معناه وجرى على ذوق المناسبات المعقولة .
3 ـ أن حاصل المصالح المرسلة يرجع إلى حفظ أمر ضروري ورفع حرج لازم في الدين , وأيضاً ؛ مرجعها إلى حفظ الضروري من باب ما لا يتم الواجب إلا به ... فهي إذاً من الوسائل لا من المقاصد .
ومعلوم أن من أولِّ الضروريات وأعظمها هو حفظ الدين , والصلاة عمود الدين , وقد جاءت الشريعة بحفظها , ومن حفظها مشروعية القيام بكل ما من شأنه الحفاظ عليها , ومن ذلك قيام رجال الحسبة بالتنبيه قبل الأذان وإغلاق المحلات إلى انتهاء الصلاة , ومعاقبة المخالف والمتهاون , كل ذلك من المصالح المرسلة التي تتلاءم مع مقصود الشارع , وهذا من الأمور التي لا يقوم الدين إلا بها لكن ينبغي أن يراعي رجال الحسبة أن التنبية للصلاة قبل وقتها هو من هذا القبيل " المصالح المرسلة " وعليه فلا يتجاوزون حد التنبيه إلى سواه. أما إذا وقع الأذان ومضى الوقت كان لهم سلطه الأمر بإغلاق المحلات ومعاقبة المخالف.
وها قد أتينا على مسك الختام فذا ما سطره المداد وبذل فيه الاجتهاد فاغفر اللهم زلات القدم وما أخطأ أو سها فيه القلم والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

جزاك الله خيرا يا صدى السوق على هذا الموضوع القيم المفيد لنا جميعا، واﻷمل معقود على استمرارك في إفادتنا بأمثاله التي قل من يتنبه للحكم فيها.
قرأت واستفدت ودعوت، مستزيدا.
لك خالص تحيتي

جزى الله شيخنا صدى السوق خير الجزاء
وأشكرك كل الشكر على تخصيص منتدياتنا بنشر هذا الخير,وأن لا تحرمنا من بحوثك ومؤلفاتك
فالمنتديات لجميع السوقيين ثرائها ونجاحها يجير لهم جميعا ,تقبل تقديري وإحترامي

أستاذي أو أستاذتي صدى السوق, نشكرك على التنبيه المفيد, نحن هناك ننتظر منك المزيد من الفوائد, ونشتاق إلى الاستفادة من علمكم الغزير.

شكراً لك شيخنا الفاضل أداس وكذا الشكر موصول لأبي عبدالله والحقيقة لا تنسى أيضاً فقد سرني مروركم وتعليقكم وأعدكم بالمزيد إن شاء الله.
دمتم بخير

جزاك الله خير شيخنا الفقيه صدى السوق على هذا الموضوع القيم والموفيد بارك الله فيكم وسددخطاكم وحفظكم رعاكم